مكة المكرمة مدينة في المملكة السعودية لا في الأردن
مكة المكرمة مدينة في المملكة السعودية لا في الأردن
يؤسفني القول بأنني أقرأ أحيانا مقالات يبدو لي بأن الكاتب مسلم مؤمن ولكنه مريض نفسيا. فكأن أهمية المرء بأن يخالف الجميع ليكون بطلا في التحقيقات التاريخية. المقالة أدناه بعثها إلي أحد أصدقائي الأعزاء ولم يكتب اسم الكاتب. خلاصة المقالة المريضة هي أن:
1. الرسول محمداً عليه السلام ليس من بني هاشم.
2. الكعبة الأصلية في بتراء الأردن وليس في مكة.
3. البدويون كانوا يسكنون مكة ومحمد ليس بدويا فهو من أهل البتراء.
4. إسماعيل ليس ابن إبراهيم ولكنه نبي مع إبراهيم.
5. إبراهيم كان يشك في قدرة الله تعالى ولكن الله أخرج الشك من قلبه.
6. الكعبة بنيت بعد وفاة الرسول محمد عليه السلام.
معاذ الله من الجهل. ولكني أحتمل بأن مثل هذه المقالات تأخذ لنفسها حيزا لدى شبابنا الطيب ولذلك أصرف بعض الوقت لتوضيح وبيان خطأ الكاتب. وأكتب عناوين الأخ الكاتب بالأحمر.
1. الرسول محمد عليه السلام ليس من بني هاشم.
إن كان محمد عليه السلام من بني هاشم أو لم يكن فهو ليس أمرا مؤثرا في ديننا طبعا. لكننا لا يمكن أن ننسف المسلمات لدى أتباع محمد بناء على تخيلات الأخ الكندي دان جبسون. لا يمكن للمسلمين وليس صحيحا لهم أن يغيروا مفاهيمهم على أساس بحث غير علمي وغير تاريخي بل على أساس فهم شخص من الآثار بأن نبينا عليه السلام ليس من بني هاشم! لو نريد أن نشك في كل قضايانا فمن الأفضل أن نقول بأننا لسنا مسلمين ولسنا عربا بل نحن صينيون! سوف يأتي عالم كندي آخر بعد سنوات ويثبت بأننا كنا صينيين!
وهل محمد وحده من بني هاشم أو من قريش؟ هناك أسرتان كبيرتان قرشيتان حكمتا ألف عام بعد رسول الله عليه السلام وهما بنو أمية وبنو العباس. حكموا باعتبار أنهم حولوا توجهات الأمة الإسلامية من النبوة إلى الملك وبأن محمدا قرشي فمن حق قريش أن يحكم. ثم جاء بنو العباس وقالوا بأن محمدا هاشمي والهاشميون أولى من بقية القرشيين فمن حقهم أن يحكموا. وحينما تمكن بنو العباس من الانقلاب على بني أمية في الحجاز وبقية البلدان غير الأندلس فإن فلسفتهم بنيت على أساس أن العباس هو عم رسول الله عليه السلام وكان حيا بعد وفاة الرسول فهو الأولى بالحكم وهم أولاده فهم أولى من الطالبيين بالحكم. أنى لدان جيبسون أن ينكر ألف عام من الحكم لقريش ليثبت تخيلاته غير الدقيقة؟!
2. الكعبة الأصلية في بتراء الأردن وليس في مكة.
وهل الكعبة تعني غرفة من أربعة جدران أم هي مكان عام يحج إليها الناس من كل حدب وصوب. كانت تقام حولها أسواق الشعر مثل سوق عكاظ وهناك معلقات شعرية على جدران الكعبة وقد ورثناها وشرحها سلفنا ولا زلنا نتلوها ونشرحها. فأين معلقات كعبة البتراء المزعومة؟ أم أن الكاتب ينسج لنا الخيال فقط؟
وأما القرآن فإنه صرح بأن مكة كان مكانا غير ذي زرع ولكن الأنباط كانوا يتمتعون بالسواقي والعيون الوفيرة في البتراء. قال تعالى في سورة إبراهيم: رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37). وأما البيت الحرام فقد وضحه القدوس سبحانه في سورة الحج: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنَا ِلأِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27).
أين الطائفون حول البتراء أم أن الإخوة مصابون بمرض الخيال؟ أين الفجاج العميقة حول البتراء وهل هناك تاريخ للحج من أيام إبراهيم حول البتراء؟ ما هي بقايا الدعوة الرسالية في البتراء؟ أما مكة فهي كانت ولا زالت مزارا كان يديرها إبراهيم وإسماعيل ثم جُرهم ثم قريش ثم جاء المسلمون من قريش وغير قريش وتولوا إدارتها. قال تعالى في سورة قريش: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4). قريش هم الذين ارتبط اسمهم بالبيت الحرام وهم ليسوا من الأنباط ولا يوجد أي تاريخ للقرشيين في البتراء. هل يجوز لنا أن نكذب كل المسلمين وكل هذا التراث العملي ونصدق الأخ الكندي الذي تخيل أمرا على أساس الكشفيات الناقصة؟
3. البدويون كانوا يسكنون مكة ومحمد ليس بدويا فهو من أهل البتراء.
أظن بأن الأخ الكندي يجهل معنى البدوي لو كان كتابه عربيا وهكذا الأخ المسلم الذي مني بمرض الخيال مع الأسف. نسأل الله تعالى لهما الشفاء. البدوي في اللغة العربية تعني الذي يعيش في مكان غير مستور بعكس الحضري الذي يعيش في بيوت مستورة. والبادي تعني الظاهر. ومن خواص البدو أنهم لا يستقرون في مكان بل هم رحل عادة أو مستعدون للرحيل.
فأهل مكة لم يكونوا بدوا ولا يمكن أن يكونوا. ذلك لأن مكة مكان صغير نسبيا وهو واد بين الجبال فلا مكان للبدو هناك. وحينما تقول أهل مكة فأنت تعني بأنهم حضريون. يمكن تسمية مجموعة من البدو بأهل الحجاز مثلا باعتبار أنهم يتحركون داخل منطقة كبيرة من الأرض ولا يمكن أن يكونوا أهل قرية أو مدينة صغيرة. هناك شعراء معروفون يقصدون مكة وهناك أسواق مكية معروفة مثل سوق عكاظ. هناك أحلاف مكية مذكورة في التاريخ مثل حلف الفضول. أهل مكة كانوا يقرون الضيوف ولا زالوا حتى يومنا هذا. هناك حلف تعهد به المكيون من قبل ظهور الإسلام ومن مواده ألا ينام أحد في مكة جائعا وهم ينفذون ذلك الحلف حتى يومنا هذا.
لنقرأ هذا الشعر من زهير بن أبي سَلمى أو سُلمى.
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله رجال بنوه من قريش وجُرهم
وزهير هو شاعر عربي من أسرة شعرية معروفة. أبوه شاعر وخاله شاعر وأختاه شاعرتان وولداه شاعران وأحفاده شعراء. ومعلقته التي بها الشعر أعلاه كانت معلقة على الكعبة. إنه من يثرب ولكنه لم يتحدث عن البتراء بل تحدث عن البيت الذي طاف حوله قريش وجُرهم وهما قبيلتان عظيمتان من القبائل المكية. وهو يقول بأن رجال قريش وجرهم بنوا الكعبة. فهل البدو يبنون البيوت ولا سيما المرافق العبادية العامة؟
4. إسماعيل ليس ابن إبراهيم ولكنه نبي مع إبراهيم.
بالطبع فإنني أروم الرد على الأخ المسلم أما الأخ الكندي فهو قد لا يؤمن بالقرآن الكريم وليس لي إلا أن أطلب منه الدليل القطعي لأرفض كل التاريخ وكل السيرة وكل ما ورثناه من أجدادنا عمليا. وهو يدعي ولا عبرة بالادعاء ولا قيمة لمثل تلك الادعاءات الوهمية. ولا عبرة لدي للألقاب وغيرها ولا للكشفيات ولا للتحليلات التي يمكن أن يقوم كل شخص بنوع آخر من التحليل.
وحتى يطمئن القارئ بأن إسماعيل هو ابن إبراهيم فإني أتلو عليه الآية التالية من سورة البقرة: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128). إبراهيم وإسماعيل دعيا ربهما بأن يجعلهما مسلمين ويجعل من ذريتهما أمة مسلمة. لم يقولا أمتين مسلمتين. لأن ذرية إسماعيل هو عين ذرية إبراهيم وأما ذرية إسحاق الابن الثاني لإبراهيم فهم لم يسكنوا مكة. هذه الآية تدل دلالة واضحة بأن الأمة المسلمة الأولى ستنحدر منهما بشكل طولي والآية مقنعة كافية ولا يحتاج أحد إلى المزيد من الدلائل ولكنني سوف أستمر بالاستدلال والرد بإذن الله تعالى.
قال تعالى في سورة إبراهيم: الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء (39). يقول الأخ المسلم بأن الله تعالى ذكر الهبة في موارد أخرى مثل أنه تعالى وهب لموسى أخاه هارون نبيا. هناك ذكر سبحانه بأن هارون أخ لموسى ليميز بينه وبين الموارد التي ذكر فيها هبته سبحانه للابن، كما أن هبة ربنا لموسى ليس هو نفس هارون بل هو نبوة هارون. وأما شكر إبراهيم هو على أن ربه وهبه ولدين. ثم إنه سبحانه في آية إبراهيم يذكر إسماعيل وإسحاق موهوبين معا فلو كان أحدهما ابن إبراهيم والآخر شخص غريب لذكر الله تعالى ذلك. ثم إنه قدم إسماعيل على إسحاق فهبته إسماعيل مقدم على هبته إسحق لإبراهيم. والسبب في ذلك هو إما أن يكون إسماعيل أكبر من إسحاق أو تكون الهبة أصدق بشأن إسماعيل. ولا يمكن أن يكون إسماعيل غريبا عن إبراهيم والموهبة أصدق من إسحاق الذي هو ابنه.
لكننا لو قلنا بأنهما ولداه وبأن إسماعيل أكبر من إسحق لما كان هناك إشكال.
أما إشكال البعض بأن الله تعالى ذكر إسحق دون إسماعيل في بعض الآيات فهو كما أظن بسبب أن هناك ابنا وهبه الله تعالى لإبراهيم بناء على دعاء إبراهيم وهناك ابن آخر وهبه الله تعالى له من عنده سبحانه بدون دعاء ولذلك قال سبحانه في سورة الأنبياء: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72). والنافلة تعني الزيادة كما أننا نعتبر الصلوات غير الواجبة نافلة أيضا بتعليم من الله تعالى حيث قال في سورة الإسراء: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا (79).
وحكاية إسماعيل وإسحاق مذكورة بالكامل في سورة الصافات هكذا: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)
وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ (113).
الآيات من 100 إلى 111 تتحدث عن الابن الذي دعا إبراهيمُ ربَّه بشأنه. ولكن الآيتان 112 و113 تتحدثان عن موهبة سماوية أخرى من الله تعالى وهما معطوفتان على ما سبق بقوله الكريم: وبشرناه. إنها تعني بأن الله تعالى بعد ذكر استجابته لدعاء إبراهيم وتحدث بتفصيل عن مضمون الاستجابة عطف عليها بشارة أخرى هو إسحاق.
يمكن ملاحظة الدعاء في البداية: رب هب لي من الصالحين، ثم استجابة الله تعالى بقوله: فبشرناه، ثم بشارة إضافية من الله تعالى: وبشرناه. فالأولى استجابة للدعاء والثانية نافلة من الله تعالى. ولو نمعن في الآيات بقصد اكتشاف الحقيقة دون أن نسبق إمعاننا حكما خياليا نسعى لإثباته كما فعل الأخ المسلم سوف نصل إلى النتائج التالية:
ألف.
دعا إبراهيم ربه ليرزقه ولدا بعد أن ألقاه قومه في النار. أغلب الظن بأنه رأى الموت بعينه في النار ولكن الله تعالى نجاه منها ثم انتبه إلى أنه لو كان قد مات فسيمحو اسمه باعتباره بلا خلف ولذلك دعا الدعاء المذكور في سورة الصافات:قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101).
ب.
إسماعيل هو استجابة لدعاء إبراهيم لكن الله تعالى يريد أن يعطي إبراهيم أجرا في الدنيا وسعادة في الآخرة جزاء تضحيته في سبيل الدعوة إلى ربه بين قومه الفاسقين. تلك الدعوة التي أدت في النهاية إلى أن يقوموا بإحراقه. هذه الحكاية مذكورة في سورة العنكبوت: فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ (25) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27).
فإسحاق ويعقوب يمثلان أجر الله تعالى مقابل تضحيات إبراهيم وليسا نتاج دعاء إبراهيم. ولقد وصف الله تعالى إسماعيل بأنه غلام حليم في الآية 100 من الصافات أعلاه، ولكنه سمى إسحاق في آيتين غلاما عليما. راجع الحجر: قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53). والذاريات: فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28). لكن الأخ المسلم وصف من عنده إسحاق بأنه غلام عليم حليم. هكذا دون أي أساس إلا ما يحبه سيادته.
ج.
لو قال قائل دون دليل بأن إبراهيم استعجل في تدمير أصنام قومه ثم شعر في النار بأنه لم يكن حليما فدعا واستجاب الله تعالى دعاءه ومنحه غلاما حليما ليصبر حينما يرى ما يصعب تحمله على المؤمن. لكن ابنه محمدا كان يرى الأصنام فوق الكعبة ولم يمسسها بسوء وصبر حتى فتح مكة ثم دمر الأصنام بقوة. سلام الله عليهم جميعا، فأنا سأسكت على قول القائل وأحتمل أنه على حق. ولذلك وصف الله تعالى إسماعيل بالحلم. ووصف إسحق بالعلم وهو حق. نرى أبناء يعقوب بن إسحاق حتى يومنا هذا علماء وقال تعالى عنهم في القرآن: علماء بني إسرائيل. قال تعالى في سورة الشعراء: أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ (197). كما سمعنا عن سلالة إسماعيل سواء منهم نبينا أو أحفاده كانوا حلماء صابرين.
5. إبراهيم كان يشك في قدرة الله تعالى ولكن الله أخرج الشك من قلبه.
يشير سيادته إلى الآية التالية من سورة البقرة كما يبدو: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260).
إن حكاية اطمئنان إبراهيم ليست كما ظن الأخ الكاتب. لقد شرحت ذلك ضمن مقالة موجودة في فيسبوك مركز تطوير الفقه الإسلامي. والخلاصة أن إبراهيم لم يكن في شك من قدرة الله تعالى بل كان في خوف من حكاية الخروج من الأرض قبل أن يقوم الناس لرب العالمين. فأراد الله تعالى أن يعطيه الطمأنينة من الخوف وليس الطمأنينة من الارتياب. والعلم عند المولى عز وجل. ولا يجوز تقييد القرآن العظيم بأقوال المفسرين الذين هم بشر يخطؤون ويصيبون.
6. الكعبة بنيت بعد وفاة الرسول محمد عليه السلام.
نتحدث عمن يؤمن بالقرآن الكريم. قال تعالى في سورة المائدة: جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97). الآية تدل بأن الكعبة كانت موجودة حين نزول الآية الكريمة وقد جعلها الله تعالى قياما للناس. لكن بعض المحققين الأركيولوجيين الذين يصرون على البتراء مكانا لنزول الوحي القرآني فإنهم يستندون إضافة إلى الآثار الأرضية إلى أن مكة ليست مكانا ملائما للتجارة العالمية يوم نزول القرآن وبأن البتراء كانت المكان المناسب لذلك الغرض.
وإضافة إلى ما أرسله إلي صديقي العزيز من إشكالات غير دقيقة للأخ الكريم فإني قرأت ما يشبه قوله في موقع آخر يتحدث عن اهتمام مجموعة أخرى من الباحثين حسب ادعائهم بمسألة عدم سماوية القرآن. فكأن الإخوة يبحثون عن مكان تجاري وليس عن مكان مخصص للعبادة الدينية. تحدث القرآن عن تجارة بسيطة لقريش وكلهم يقبلون بأن قريشا كانوا في مكة. قال تعالى في سورة قريش: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4). فيبدو بأن قريشا كان يسكن في مكان غير آمن وغير مزروع فأمنهم الله تعالى في ذلك المكان ومنحهم الطعام بتقدير من ربهم. المفروض أن يكون العطاء بعد نزول القرآن الكريم وليس قبل نزوله. فهم كانوا في مكة محرومين من الكثير من الأطعمة ومن الأمان فجاء الإسلام ليمنحهما إياهم. لكن هؤلاء يتحدثون عن التجارة ودع التجارة للبتراء. أما وإن الرسول العربي عليه السلام كان في مكة الفعلية وليس في المركز التجاري البتراء. إنه عليه السلام وبقوة الوحي حوَّل مكة القاحلة إلى مكان طيب آمن كما ترونها اليوم ولكن البتراء فقدت بريقها القديم اليوم فلو كان مكانا للرسول لازدادت حضارة وحياة.
وقالوا بأن القرآن تحدث عن أن أهل مكة كانوا يزرعون أشجار الزيتون والعنب!! لا أدري من أين أتوا بهذه الكذبة الواضحة؟ وقالوا بأن قبلة المسجد الأموي كانت باتجاه البتراء وهي أيضا مثل قولهم الأول. وقالوا بأن قبلة مسجد الصين المبني في القرن الأول الهجري حسب تعريفهم كان باتجاه البتراء. وهي مهزلة أكبر من كبيرة. كيف تأتى للصينيين قبل خمسة عشر قرنا أن يبنوا مسجداً يبعد آلاف الكيلومترات يتوجه إلى البتراء لا إلى مكة؟! هل هناك فرق بين الاتجاهين في بلاد صينية بعيدة؟ وقالوا بأن مسجد تونس المبني في القرن الثاني كان باتجاه البتراء لا مكة السعودية! وهل هناك فرق في الخريطة بين اتجاه البتراء ومكة الحقيقية في الحجاز بالنسبة لأهل تونس؟ لست أدري ما فائدة الكلام غير الصحيح في مثل هذه الأبحاث التي يجب أنت تكون دقيقة صادقة لتكون مفيدة.
رأيتهم يأتون بأحاديث البخاري شاهدا على قول الله تعالى في القرآن؛ فهل البخاري قرآن أم هو كتاب بشري كتبه شاب فارسي في نيسابور بعد عدة قرون مدعيا بأنه حفظ 600 ألف حديثا ثم رأى بأن أكثر من 98% من محفوظاته مفتريات. كل ادعائه افتراء وكثير مما كتبه في صحيحه بعيد عن أن يتقبله العقل البشري السليم. هكذا يريد الذين لا يؤمنون بسماوية القرآن أن يشوهوا قرآننا العظيم مع الأسف بحجة حرية الرأي. وهل الرأي الحر يعني أن نكذب وننسب إلى القرآن ما لم نره نحن المسلمون في القرآن؟
وأما رحلة الشتاء والصيف فهي رحلة تجارية بسيطة لإحضار بعض الهدايا لزوار مكة وبعض الحاجيات الضرورية والتوابل والعطور لأهل مكة أنفسهم. لم يقل القرآن بأن مكة كانت مركزا تجاريا أبدا.
وأخيرا نأتي إلى بقية الأسس التي بنى عليها الأخ المسلم ادعاءاته.
1. قال بأن لإبراهيم زوجتان هما هاجر وسارة. هذا الكلام غير موجود في القرآن الكريم. فلا دليل من القرآن على زواج إبراهيم من زوجتين. فما تفضل به الأخ المسلم ادعاء على أساس التاريخ الذي نسفها هو بنفسه فلا يُعتد به إطلاقا. إن وجود زوجة واحدة لإبراهيم ثابت باعتبار أولاد إبراهيم والزوجة الثانية تحتاج إلى دليل. أنا شخصيا أظن بأن إبراهيم كان متزوجا زوجة واحدة وبأنه عليه السلام رزق ولدان منها ولا أعرف اسم الزوجة. هاجر وسارة اسمان ذكرهما اليهود في كتبهم ولا يمكن لي أن أعتمد على التاريخ اليهودي المليء بالأكاذيب. بنى بنو إسرائيل عامة فيما عدا القليل منهم، بنوا كيانهم على الكذب والاغتيال والاحتيال والمؤامرات، وها هم اليوم لا يصدقون ولا يعدلون ولا يمكن الوثوق بهم إطلاقا. فهل نقبل لهم قولا؟
والحقيقة أن الله تعالى قال في سورة فصلت بأنه قال لنبينا ما قاله لسلفه: مَا يُقَالُ لَكَ إِلاّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43). وقال سبحانه في سورة النساء: وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25). فالله تعالى أباح في دينه الذي أنزله على كل الأنبياء الزواجَ مع الإماء فقط بشرط أن يخاف الشخص على نفسه من العنت ومن الخير له أن يصبر ولا يتزوج. فكيف ننسب إلى رسول عظيم متزوج مثل إبراهيم أن يأتي بعمل قبيح بل محرم يكرهه الله تعالى وهو الزواج من أمة؟ أما الذين يقولون بجواز الارتباط الجنسي مع الإماء بدون حساب فهم في الواقع يدعون إلى الزنا وإلى الإباحية الجنسية مع الأسف، كائنا من كانوا.
قال تعالى في سورة المؤمنون: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7). وقال تعالى مثل ذلك في سورة المعارج. فأي ارتباط جنسي بين إنسان وإنسان محرم عدا الزواج مع الحرائر أو مع الإماء إن كان عاجزا عن دفع مهر الحرة وبشرط أن يكون مضطرا وفقيرا. وإبراهيم عليه السلام لم يكن مضطرا ولم يكن في عسرة مالية أو جنسية ولم يكن مستهترا مثل أصحاب الادعاءات الباطلة الذين يفتون بأنواع من الزنا المباح لديهم بتغيير اسم الارتباط المحرم مع غير أزواجهم!! وللزواج شروط وتبعات مثل الإرث وكلها مذكورة في القرآن الكريم.
2. قال بأن مكة ليست أم القرى والله تعالى يقول بأنه بعث خاتم النبيين لينذر أم القرى.
وجوابي عليه بأن الله تعالى قال في سورة آل عمران: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96). فأول بيت هو بيت أول الناس وهو آدم وزوجه التي نسميها نحن حواء. تلك القرية هي التي استضافت أول إنسان ولذلك فهي أم القرى. ومكة كانت عبارة عن صخور مبكوكة إثر اصطدام الدرع النوبي بالدرع العربي قبل أكثر من 800 مليون سنة. ولذلك أمر سبحانه إبراهيم وإسماعيل بأن يطهرا بيته من الحجارة المبكوكة كما قرأناها في سورة البقرة. وبعد ذلك سماها ربنا مكة.
ومكة مدينة معروفة في الحجاز منذ آلاف السنين. قال الراجز وهو من شعراء القرن الثاني الهجري:
يا مَكَّة، الفاجِرَ مُكِّي مَكَّا ولا تَمُكِّي مَذْحِجاً وعَكَّا
والعرب كانوا يعتقدون بأن الذي يهاجم مكة فسوف يهلك ولذلك سموها مكة لأنها تهلك أعداءها. وفي القرآن ما يمكن أن يدل على أن مكة لا تذر أعداءها يعيشون في أمان بتقدير من الله سبحانه. قال تعالى في سورة الحج: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنَا ِلأِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26). وإبراهيم سكن مكان البيت الحرام وهناك مقام معروف بين الناس بمقام إبراهيم ويشير إليه القرآن الكريم في سورة آل عمران: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97). وقال سبحانه في سورة البقرة: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129). وللبيان أقول بأنني شخصيا أظن بأن كل المسجد هو مقام إبراهيم باعتبار أنه عليه السلام سكن في ذلك المكان.
تدل آيات البقرة بصورة واضحة أن بكة كانت مكانا محروما من الثمرات ولذلك دعا إبراهيم ربه ليرزق أهله من الثمرات. وإبراهيم وإسماعيل هما اللذان طهرا بكة من القواعد. القواعد هي الحجارة العالقة بالأرض إثر اصطدام الدرعين طيلة القرون الأخيرة طبعا. فالقرون أو الألفيات الأولى قد غطت الصخور الكبيرة بالتراب كما غطى الله تعالى غيرها من الأراضي طيلة القرون. ولكن أرض بكة كانت غير ممهدة باعتبار الصخور الصغيرة نسبيا التي تتحرك من أعالي الجبال نحو الأرض باعتبار أن مكة في واد بين الجبال. وليعلم أيضا بأن مكة ليست صحراء جرداء كما تصوروا بل هي واد بين الجبال.
فأين البتراء أخي الكريم أم نحن بهذه السذاجة بحيث نترك القرآن ونتبع الأخ الكندي؟ مكة معروفة والناس يحجون إليها منذ قرون والله تعالى حفظها وصانها حتى يومنا هذا فهل هناك من يحج إلى البتراء. كفانا جهلا واتباعا لكل من تحدث بحديث ليُعرف بالمخالفة.
3. قول الأخ المسلم التالي: بعد تمعني في التاريخ الاسلامي الذي كتبه كتاب يبعدون عن زمان الرسالة بأكثر من قرن وجدت ان هذا التاريخ تم إخراجه لدواعي سياسية واقتصادية لصالح الخلافة الأموية وغيرهم من الأطراف السياسي حينها ولا يمت للحقيقة بشيء والأمثلة على ذلك كثيرة جدا وسنتطرق لها في المستقبل ان شاء الله.
فأقول له: أخي الكريم، كان حريا بك أن تتطرق إلى تلك الأمثلة قبل أن تفند واحدة من أعظم رموز المسلمين وهي قبلتهم وكعبتهم ومدينة حجهم. وأنا متعجب منك أخينا الفاضل بأنك تعتقد بأن المسلمين منذ أربعة عشر قرنا يحجون إلى مكة الفعلية التي حددها لنا مجرمو بني أمية ولكن مدينة الحج التي عينها الله تعالى لم تبق أكثر من قرن واحد. فهل بنو أمية أكثر قوة من الله تعالى الذين غيروا مكان الحج العظيم إلى مكان آخر وأبقوها حتى يومنا هذا لكن الله تعالى عجز حسب احتمالاتك الخاطئة عن حماية مكان الحج لنفس الفترة!!
بالطبع أنني أنا أيضا أفند التاريخ الذي كتبه العباسيون حماية لسلطانهم كما تفضلتم ولكن مكة والحج من مواريثنا العملية ولا تأثير للتاريخ الأموي أو العباسي أو الفاطمي أو العثماني أو غيرها في مكة والحج.
4. ادعى أخونا الكريم بأن دان جيبسون وجد أن جميع المساجد القديمة تتجه نحو البتراء. أين تلك المساجد ولماذا لم ترفق قائمة بأسمائها وعناوينها لنتبين حقيقة ادعاء الأخ الكندي؟ بالنسبة لي هذا مجرد وهم أو فرية حتى يثبت العكس.
5. استشهد الأخ بقوم لوط وبأنهم كانوا يسكنون البتراء باعتبار قوله تعالى في سورة الصافات: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (138). الآيتان لا تشيران إلى مكان طبعا ولا يمكن إثبات أن قوم لوط كانوا بالبتراء. تشير الآيتان إلى ما سبقهما وهي هذه الآية: ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ (136). فهل أهل البتراء يمرون على الذين دمرهم الله تعالى كل يوم في الصباح والمساء؟ “عليهم” لا تعني على مكان بل تعني على خلق عاقل مثل الإنسان والذين دمرهم الله تعالى كانوا بشرا عاشوا آلاف السنين قبل نزول القرآن الكريم فأين هم حتى يمر عليهم أهل البتراء صباحا ومساءا؟
وهناك محققون آخرون قالوا بأنهم في الطائف وأتوا بصور كثيرة وصوروا بعض الآثار هناك وكلها غير دقيقة. لو قال أحد بأن قوم لوط كانوا في لبنان وهم الفينيقيون أو هم قوم دلمون الذين عاشوا في البحرين أو الأقوام الأخرى القديمة التي عاشت جزيرة فيلكا في الكويت لكانوا أقرب إلى الواقع. ذلك لأن تلك الأماكن تقع على البحر والفينيقيون كانوا تجار البحر وهم في مراكبهم وسفنهم تعلموا الارتباط بالذكور باعتبار ابتعادهم عن نسائهم، كان كلاما معقولا. بالطبع نحن ليس لنا في الوقت الحاضر أن نجزم بشيء ولكن البتراء والطائف غير معقولة ولا تنطبقان مع قوم لوط ولا يوجد تاريخ دقيق يتحدث عنهم عدا الخيال غير العلمي.
6. تعجبت من هذه الجملة في بداية مقال الأخ المسلم ولم أعرف هدفه منها وهي:
علما ان تسليم بعض الجمهور بصحة القران خالصه ولا تدور حولهم أية شوائب لذلك انصحهم بعدم قراءة هذا البحث وأنهم على خير ان شاء الله. انتهى النقل.
فهل يرى الأخ المسلم بأن القرآن ليس صحيحا بالكامل أم ماذا؟ على كل حال لا أرى فائدة في الرد على شيء غير واضح. لكننا نحن المسلمين نتحدث ونستشهد بالقرآن الكريم باعتبار صحته التي لا نشك فيها. هذا ما نؤمن به ولا علاقة للعلم بإيماننا بالقرآن.
7. وأما تعريفه الساذج للكندي بأنه باحث غير عربي وباعتبار أن غير العرب هم الذين كشفوا لنا بعض حقائقنا القديمة مثل جلجامش فعلينا أن نعتد بهم. هذا التعريف وهذا التمثيل غير صحيح قطعا. فمن يعرف صحة حكاية جلجامش أو صحة حكايات الفراعنة؟ ولو كانت كلها صحيحة فهل ذلك يعني أننا علينا بأن نتبع كل غير عربي باعتبار أن بعض غير العرب اكتشفوا لنا الأهرامات مثلا؟!!
8. قول سيادته التالي: اعتاد المؤمنون التقليديون عبادة التاريخ عبادة خالصة ويعتبرون كل ما جاء في التاريخ هو صدق لا محال وأي باحث يحاول البحث مرة اخرى يعتبر خارج عن الدين. انتهى النقل.
فأقول له بأنني أرفض كل التاريخ جملة وتفصيلا وأعتبرها مجرد أوهام وحكايات مصطنعة كتبها الملوك من بني العباس وغيرهم من ملوكنا المجرمين الفاسقين. لكنني لن أرفض القرآن لأنني قرأته بقصد تصيد الخطأ وبكل دقة ولم أجد فيه خطأ. ثم إنني كمسلم ورث بجانب العقيدة أعمالا وطقوسا منذ عهد إبراهيم عليه السلام ومن بعده رسولنا الأمين عليه السلام؛ فإنني أتبع التراث العملي. أمرني ربي بأن أصلي ولم يذكر كيفيتها ولكنه سبحانه صان لي الصلاة الإبراهيمية منذ آلاف السنين وفتحت عيني لأرى مساجد المسلمين يصلون مثل بعض فأصلي مثلهم. وهكذا بقية العبادات وبقية الطقوس الضرورية مثل الكفن والدفن وغيرها.
9. تحدث عن إشكالات الإخوة القبنجي وأياد جمال الدين وغيث التميمي وبأن قولهم يجعلنا في مفترق طرق. بالطبع أن كلامه في هذا المضمار صحيح بعض الشيء فإن غالبية شباب المسلمين الذين وقعوا في الشك بعد ما رأوا حملات الأمريكيين عن طريق عملائهم من القاعدة والدواعش وأمثالهم على المسلمين، فهم يتأثرون بما كتبه الذين يشكون في سماوية القرآن. إنني ما اطلعت على كتابات الإخوة الثلاث جميعها ولكنني استمعت إلى محاضرة من محاضرات القبنجي من اليوتيوب ولاحظت بأن سيادته يتحدث عن جهل بحقيقة القرآن وعن جهل في فهم الكثير من المسائل المتشابهة في الكتاب الكريم. ولذلك قمت بالرد المفصل على مقولة القبنجي ونشرته في مركز تطوير الفقه السني. ثم قام أخي الأستاذ الدكتور أحمد مبارك بشير بنشر ردي على مقاطع في فيسبوك مركز تطوير الفقه الإسلامي.
المشكلة هي أن الكثير من الناس بمن فيهم الكاتب كما أظن يتعاملون مع القرآن الكريم وكأنه كتاب علمي يمكن الاستدلال العلمي على صحته. والواقع ليس كذلك. لقد تبنى أخي الكريم الأستاذ الدكتور كمال شاهين رحمه الله تعالى بيان أننا نحن كمسلمين نؤمن بالقرآن كتابا إيمانيا مؤيدا ومناسبا لما نعتقده وندين به لله تعالى. ونشرت يومه بيانا أوضح فيه بأن الله تعالى يؤيد هذه المقولة حسب فهمي بأنه هو الذي يهدي ويضل وليس بمقدور بشر بمن فيهم النبي نفسه عليه السلام أن يُدخل اليقين بسماوية القرآن في قلوب صحابته وكل الذين عاصروه.
ولذلك فإن تلك التشكيكات سواء قمنا بالرد عليها أم لم نقم فهي لن تؤثر في إيمان الذين آمنوا قلبيا بكتاب ربهم. قمت بردود كثيرة على الملحدين وعلى الذين يشكون في تطابق القرآن مع القواعد العربية وغيرها لعلي أدخل المزيد من الفرح في قلوب المؤمنين فقط. لم أقصد مجرد الرد على الكُتّاب.
10. عرض الأخ الفاضل مجموعة من الأقوال التاريخية حول جغرافية مكة وأظن بأن كلها أقاويل توجد عكسها في التاريخ أيضا. بالنسبة لي فإن كل التاريخ مرفوض جملة وتفصيلا لأنني بأم عيني أشاهد اليوم بأننا بكل صعوبة نحصل على الأخبار الصحيحة للحوادث الحالية مع كثرة الكاميرات والمذيعين والمذيعات في كل مكان وتطور وسائل البث والنشر المسموع والمرئي فكيف بتاريخ كتبه أناس لا نعرفهم أصلا وقد ماتوا قبل مئات السنين؟ ومن المضحك أن نرى مثلا الشيخ الطبري وهو مع الأسف مفسر للقرآن أيضا يتحدث عن مسائل ترتبط بآدم وحواء!! أنا أؤمن بكتاب عظيم اسمه القرآن يخاطب نبينا عليه السلام بأنه كان غافلا عن حكاية يوسف وقصص موسى وحكاية مريم. مريم عليها السلام عاشت قبل ستة قرون فقط ونبينا لا يعرف عنها شيئا لأنه ما كان لديهم حسب تعبير القرآن. لكن الطبري يعرف حكاية آدم الذي خُلق قبل عشرات الآلاف من السنين!!! فما هو حكم العقلاء على تفسير ذلك الرجل الذي ينقل لنا الأكاذيب؟ ومن أين يتحدث أخونا عن تاريخ القدماء؟ عفوا فهو ينقل لنا المفتريات فقط.
11. وأما ادعاءات سيادته حول العثور على آثار في البتراء تدل على وجود مكة ومنها غار حراء أو أن موقع البتراء الجغرافي أفضل بكثير من موقع مكة السعودية أو أن البتراء أقرب إلى المدينة من مكة فهي كلها مجموعة ادعاءات وهمية غير قابلة للرد. لكنني احتراما له ولمن يقرأ عليه أقول بأن العثور على آثار في البتراء لا تدل على أنها مكة. الآثار الجغرافية المشابهة موجودة بكثرة في كندا وأمريكا وأستراليا وبشكل كبير في الهند والصين. أنا أتبع أبي الذي ورث حج مكة من آبائه ولا أتبع أقاويل الناس، وهكذا كل المسلمين. وهناك مدن كثيرة قريبة من يثرب فهل القرب من يثرب يغير حقيقة مكة؟! أما فضل موقع البتراء على مكة فهناك مواقع كثيرة أجمل وأحلى من مكة. ما علاقة هذه المسألة بتعيين السماء لمكان يطوف حوله الناس في الأرض والذي عين المكان سبحانه وتعالى قادر على أن يصون المكان وقد صانه فعلا؟
12. استند على الآية التالية من سورة الحديد لإثبات احتماله بأن إسماعيل كان من ذرية نوح ولم يكن ابن إبراهيم: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (26). فأقول له بأن هناك آيات أخرى في سورة الصافات يمكن أن يستدل بها على أن إسحاق أيضا ليس ابن إبراهيم: سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ (113).
وحتى لا يقع أحد فعلا في الشك فإن قوله سبحانه من ذريتهما لا يمنع أن يكون أحدهما من ذرية الآخر أيضا. فإبراهيم من ذرية نوح وإسحاق من ذرية إبراهيم ولا مانع في ذلك أن يشير ربنا إلى كل اثنين منهما بلفظ ذريتهما. وقال تعالى في سورة البقرة: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133). فإسماعيل من آباء يعقوب بن إسحاق. بالطبع أن الآية تدل على أن إسماعيل قريب جدا من يعقوب نسبيا فيمكن أن يكون عمه ولكن لا يمكن أن يكون أجنبيا عن العائلة. وقد انتبه الأخ إلى الآية الكريمة ولكنه قال بأن إسماعيل من آباء السلف. لم يوضح القرآن لنا آباء السلف بما يساعده على هذا التعبير فهو استدلال وهمي من عند سيادته ليرفض به بنوة إسماعيل لإبراهيم فيمكن لكل شخص أن يخترع أسسا من عنده ويستدل بها ولكن تلك الأسس مرفوضة عند من ينظر نظرة علمية إلى القضايا.
أكتفي بهذا الحد وأظن بأن الأخ المسلم صرف وقته عبثا في أمر فاقد لأية قيمة تاريخية أو دينية. أتمنى من سيادته وهو مسلم كما كتب بأن يصرف الوقت والجهد لفهم القرآن الكريم وكسب جنات النعيم فهو خير له وخير لنا نحن الذين نصرف الوقت لقراءة أوهامه.
سلام على من قرأ هذا ورحمة من الله تعالى وبركات.
أحمد المُهري
30/4/2019
وإليكم أدناه نص الرسالة المرسلة إلي والتي قمت بالتعليق عليها.
النبي محمد ص ليس من بني هاشم :
لا تقرأ هذا المقال لانه طويل جدا وللمهتمين فقط .
العنوان مخيف ، وعند قراءة هذا العنوان يخطر على الأسماع ان كاتب هذا المنشور منحرف عن الدين أو له رؤيا مخالفة لما قاله السلف ، والرؤيا المخالفة تعتبر عند البعض كفر بحد ذاته . لكني لا ارى هذا بل ارى ان البحث والتقصي هو واجب كل إنسان على وجه البسيطة لإثبات الحق تطبيقيا وليس سماعيا ليتمتع المؤمن بأعلى درجات اليقين .
اعتاد المؤمنون التقليديون عبادة التاريخ عبادة خالصة ويعتبرون كل ما جاء في التاريخ هو صدق لا محال وأي باحث يحاول البحث مرة اخرى يعتبر خارج عن الدين . ان الهجمة الشرسة التي يواجهها الاسلام في الوقت الحالي تستدعي الوقوف والبحث والتدقيق في تاريخنا الاسلامي والسياسي ، ولذلك ذهبت كغيري من المسلمين حاملا على عاتقي الدفاع عن الاسلام ضد هذه الهجمة ، وبعد الخوض بعدة نزالات وجدت ان الاخر يحمل من الحق شيئا ، ليس الحق الذي يلزمه بترك الدين لكن الحق بالبحث والاستدلال العلمي .
ذهب بعض الباحثين بالتشكيك بالقران الكريم على انه ليس بكتاب الله كالمفكر احمد القبنجي وإياد جمال الدين وغيث التميمي وغيرهم كثيرون وبعض تشكيكاتهم كانت في محلها وتحمل بعض الحقائق ، لذلك اصبح يوجد خياريان امام الجمهور اما ان يسلموا ويقولوا نعم بان القران ليس كتاب الله وهذا يعني نسف الدين وأبطاله من جذوره أو ان يبحثوا عن سبب وجود الأخطاء وهل هي من القران أم مضافة ، ولا اعتقد ان البحث عن الحقيقة هو كفر أو الخروج عن الدين بل بالعكس هو الدين والإيمان بعينه .
علما ان تسليم بعض الجمهور بصحة القران خالصه ولا تدور حولهم أية شوائب لذلك انصحهم بعدم قراءة هذا البحث وأنهم على خير ان شاء الله .
قال تعالى في كتابه العزيز بِسْم الله الرحمن الرحيم ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) هنا يصرح الله تعالى في كتابه العزيز ان الشك هو طريق الإيمان حيث ان النبي ابراهيم ع هو نبي من أنبياء أولي العزم وكليم الله اَي انه يملك ادلة وجود ومقدرة الله سبحانه وتعالى التي لا يمكن الشك بعدها ، لكن هذه الآية الكريمة تقول ان ابراهيم كان قلبه غير مطمئن ويشك في قدرة الله ومع ذلك ان الله تعالى لم يوبخه أو يتوعده بل استجاب لسؤاله واثبت له الحق ، وهذا كان ابراهيم النبي فكيف بِنَا نحن ؟ ..
بعد تمعني في التاريخ الاسلامي الذي كتبه كتاب يبعدون عن زمان الرسالة بأكثر من قرن وجدت ان هذا التاريخ تم إخراجه لدواعي سياسية واقتصادية لصالح الخلافة الأموية وغيرهم من الأطراف السياسي حينها ولا يمت للحقيقة بشيء والأمثلة على ذلك كثيرة جدا وسنتطرق لها في المستقبل ان شاء الله .
دان جبسون :
عالم اثار كندي اثار جدلا واسعا في الوسط الاسلامي والوسط التاريخي العالمي بصورة عامة ، كما نعرف ان تاريخ حضاراتنا العربية كحضارات وادي الرافدين ووادي النيل وغيرها هي اكتشافات المستشرقين الغرب وكانت لهم الكلمة الفصل في تراثنا حيث هم من أوجدوا حضاراتنا وبحثوا ونقبوا وترجموا الخطوط القديمة ولولاهم لما عرفنا كلكامش وملحمته الشهيرة ولولاهم لما عرفنا ان حضاراتنا هي الاولى في العالم ، لذلك يجب السماع لهم مع الأخذ بنظر الاعتبار مقتطفات من تاريخنا الاسلامي ، دان جبسون قام ببحث تاريخي يبحث عن مكان الكعبة وذلك بسبب الشكوك التي وجدها تدور حول هذا الموضوع ، وجد ان جغرافية القران الكريم ليست هي جغرافية الكعبة ووجد ان جميع المساجد القديمة التي تعود الى زمن الرسالة تتوجه قبلتها اتجاه اخر وليس كعبة السعودية ، لذلك توجه بالبحث الى اتجاه هذه القبلات فوجدها تتجه نحو بتراء الاْردن ، فقام بالحفر والتنقيب باحثا عن اثار توصله الى الكعبة وفعلا استدل عن طريق التنقيب والمكان الجغرافي ان الكعبة الأصلية توجد في البتراء وان الكعبة الحالية ما هي الا بناء شيد بعد وفاة النبي محمد ص ، وذهب يبحث في تاريخنا الذي نقل عن فلان وفلان وفلان محاولا للوصول للغز انتقال الكعبة ووصل الى نتيجة أنا اعتبرها لا تمت للحقيقة بشيء ، لكن الاكتشاف الاول بمكان الكعبة اعتقد انه يرتبط بالحقيقة من عدة نواحي ومنها:
اولا :
قوله تعالى بِسْم الله الرحمن الرحيم ( وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ) وكما هو معروف أم القرى تعني مكة ، لكن مكة السعودية لم تكن أم القرى في عصر الرسالة بل كانت عبارة عن قرية صغيرة يسكنها بدو ولَم تكن هي معبر تجاري كما قيل بل كانت يثرب اكبر منها وكان التجار يذهبون الى يثرب لوجود الماء والزرع وغيرها من المقومات التي تستقطب العالم ، ومع أن تاريخنا النقلي محرف ارتأيت ان اقرأ في تاريخ الشعوب المجاورة التي كانت تعيش تلك الفترة ، ان التاريخ البيزنطي يقول ان العرب سابقا كانوا يحجون الى مرقد ابراهيم الخليل ع في مدينة الخليل في فلسطين ، وعند تحول الدين لديهم من الوثنية الى الدين المسيحي في القرن الثاني الميلادي منعوا العرب من القدوم الى فلسطين وذلك بسبب عدم التزامهم بالقوانين وغيرها من الأسباب ، فبعد منع العرب من الذهاب ارتئى العرب ببناء مزارات لهم تشبيها بمرقد ابراهيم الخليل لذلك تعدد المزارات في المدن العربية وأصبح عددها ٢٢ مزار أو كعبة ، ومن هذه المزارات هي كعبة السعودية التي بناها بني خزاعى بعد قدومهم من اليمن في أواخر القرن الثاني ، حيث ان الخرائط القديمة للمؤرخين القدماء لا تذكر بوجود اَي شيء في تلك المنطقة بل كانت صحراء جرداء . ولو قارنا بين البتراء وبين مكة الحالية سنجد ان البتراء أولى بتسمية أم القرى لما وجد فيها من إعمار وعلوم وحضارة .
ثانيا : قوله تعالى في قوم لوط متحدثا مع المسلمين حيث قال بِسْم الله الرحمن الرحيم (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ ، وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) وتؤيد هذه الآية الكريمة كلامنا حيث تقول للعرب أنكم تمرون عليها صباحا وعند عودتكم مساءا اَي ان العرب في ذلك الزمان كانوا قريبين من موقع قوم لوط حيث انهم يرون آثارهم كل يوم ، وهذه الآية لا تنطبق على مكة السعودية بل تنطبق على مكة البتراء لان قوم لوط في البتراء .
وهذا كان بالنسبة الى جغرافية القران وجغرافية مكة .
ثالثا :
وجد دان جبسون اثار لمساجد قديمة تعود الى وقت الرسالة وهن خمسة مساجد ( الصين ، اليمن ، مصر ، العراق ، سوريا ) وهذه المساجد جميعها تتجه قبلتها الى البتراء ولا تتجه الى السعودية ، لكن المساجد التي بنيت في الخلافة الأموية تتجه جميعها الى السعودية وبين هذين الفترتين وجدوا مساجد تتجه قبلتها في الوسط بين السعودية والبتراء وذلك دليل على حيرة العرب أين يولوا وجوههم .
رابعا :
العثور على الخرائط القديمة التي تنفي وجود اَي شيء في مكان مكة الحالية .
خامسا :
منع ال سعود جميع المؤرخين من التنقيب في السعودية وذلك لعلمهم ان مكتهم ليست حقيقية ، واعتقد ان الجميع يتذكر عندما وجدوا اثار بناء قديمة وقاموا بهدمها وبنوا دورات المياه الصحية بدون اَي اعتراض من منظمات حقوق التراث العالمية ، واذا دققنا اكثر لوجدنا ان رظوخ السعودية لدول الغرب بدون مقابل امر يستدعي الشك وذلك لعلمهم ان الغرب قادرين على قلب الطاولة في اَي لحضة ، وان اهتمام الغرب بالأردن وتوفير المساعدات لها من جميع العالم والان اصبحت الاْردن دولة متقدمة من نواحي عدة وهذا هو ثمن سكوت الاْردن ، مع ان الغرب لم يتقدم لمساعدة أفريقيا مثلا وهم بحاجة الى الدعم اكثر من غيرهم .
سادسا :
العثور على اثار في البتراء تدل على وجود مكة ومنها غار حراء وجبل احد ومكان الكعبة القديمة والعثور على الآلهة القديمة كهبل ومناة والعزى وغيرها الكثير من ما يدل على وجود الكعبة في البتراء ، ويمكن للقارئ الكريم البحث عن طريق اليوتوب عن دان جبسون ونظريته .
سابعا :
موقع البتراء الجغرافي كان أفضل بكثير من موقع مكة السعودية حيث ان البتراء هي المعبر بين الحظارات كوادي الرافدين ووادي النيل والكلدانيين والكنعانيين والبيزنطية ، وقربها من بحر العقبة .
ثامنا :
ان البتراء اقرب الى المدينة المنورة من مكة حيث ان المسافة بين البتراء والمدينة ٣٧٠ كم والمسافة بين مكة والمدينة ٤٠٥ كم . نعم الفرق ليس كبير لكن هذا القرب لا ينفي الهجرة من البتراء الى المدينة .
هذا القليل من الكثير من الأدلة على وجود الكعبة في البتراء وليس في السعودية ومن هذا يتحتم علينا ان نسأل سؤال ؛ وهو ان قريش كانت تسكن السعودية وان حضارة الأنباط كانت في البتراء فكيف كان النبي محمد ص قريشيا ؟ فمن المفترض ان يكون نبطي . ان الثقافة والفلسفة التي كان يملكها محمد ص تقول انه لم يكن بدويا وراعيا للغنم بل كان متعلما وابن حضارة عريقة .
هذا كان بحثا في نظرية دان جبسون والان دعونا نبحث في القران الكريم ونرى ما يقول في نسب النبي محمد ص .
ان قريش تدعي نسبها بإبراهيم الخليل ع عن طريق ابنه اسماعيل ، لكن القران الكريم يقول ان ابراهيم لا يوجد لديه ولد اسمه اسماعيل .
البشرى للنبي إبراهيم بإسحاق، أَم بإسماعيل؟
نجد أن البشرى حصلت في وقت الأمر بهلاك قوم لوط، وذلك عندما أتت الملائكة إلى النبي إبراهيم كضيوف، وكان النبي إبراهيم رجلاً كبيراً في السن {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ * قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ}.
وواضح من النص إن النبي إبراهيم ليس عنده ولد قبل هذه البشرى وخاصة أنه كبير في السن ويظن أنه تجاوز مرحلة اللقاح، وصفة هذا الولد أنه عليم.
ونتابع النصوص القرءانية لنعلم من هو الولد صاحب البشرى.
{وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}.
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ *إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ *فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ *فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ *فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ* فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ}.
إذاً؛ النبي إبراهيم وصل إلى مرحلة الشيخوخة من عمره وهو لا يمارس الاتصال الجنسي مع امرأته، بدليل استخدام كلمة (بعلي) له بدل زوجي، وكلمة (امرأة) بدل زوجه، وهذا يدل على توقف العلاقة الجنسية بينهما، فهو شيخ طاعن في السن، وهي عجوز وعقيم، وليس عندهما أولاد، وأتى الملائكة بالبشرى، ولم يخبروا بها النبي إبراهيم بَعد بدليل أنه لم يعرفهم، وذهب لإعداد الطعام لهم، وامرأته قائمة على خدمة الضيوف وهذا لا يعني عدم مغادرة المكان لجلب شيء، لأن كلمة قائمة غير كلمة واقفة، وتمت البشرى للنبي إبراهيم بعد أن رجع إليهم، وسمعت امرأته البشرى وهي مقبلة إليهم بصَرَّة فقالت: عجوز عقيم، وعندما استقر بها المقام توجه الملائكة إليها بالبشرى بإسحاق ومن ورائه يعقوب، فضحكت وقالت: {يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} ، فكيف لامرأة عجوز وعقيم تحمل وتلد ولداً إن هذا الأمر مضحكاً وعجيباً، وهذه بشرى الولادة للنبي إبراهيم وامرأته بالولد ذاته، ولم يُبشَّر النبي إبراهيم بولد غير الولد الذي بُشِّرت به امرأته، والمرأة القائمة على خدمة الضيوف هي ذاتها المرأة التي أقبلت بالصَّرة، ولا وجود لامرأة أخرى في الحدث قط.
والبشرى الثانية للنبي إبراهيم بإسحاق متعلقة بنبوته {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ، وتابعت الآيات تفصيل الحدث وانتهت بالبشرى {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ} ، وذلك جزاء طاعة إسحاق لأبيه فأتت البشرى بنبوة إسحاق تكريماً لحلمه وصبره، ومن غير المنطق أن يكون الكلام على ولد وتأتي البشرى بولد آخر بأنه نبياً.
وبهذا العرض القرءاني وصلنا إلى أن الولد صاحب البشرى هو إسحاق، وليس قبله أي ولد، ولا يوجد عند النبي إبراهيم غير أم إسحاق بدليل فهمها أنها المقصودة بالحمل والولادة، ولو كان يوجد غيرها لما صكت وجهها وقالت: إنها عجوز عقيم، عقب سماعها البشرى لبعلها، وبعد ذلك توجهت الملائكة بالبشرى لها .
الولد الذبيح هو النبي إسحاق
بعد أن ثبت لدينا أن النبي إسحاق هو الابن الوحيد لإبراهيم نصل لفهم النص القرءاني التالي:
{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ! فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ! فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} .
فكما عرفنا قبل قليل أن الولد صاحب البشرى هو النبي إسحاق ولا يوجد غيره، وعندما بلغ سن السعي رأى أبوه مناماً أنه يذبحه وحصل ما حصل في القصة المعروفة في القرءان. والنبي إسحاق هو الغلام العليم والحليم.
وهذا المنام ليس أمر من الله بذبح النبي إسحاق، فالأوامر الإلهية لا تأتي في المنامات، وإنما كان مناماً يقصد به شيء آخر، ولكن النبي إبراهيم أوله على ظاهره وخاصة بعد تكرار رؤيته له، فأراد أن يذبح ابنه ظناً منه أنه ينفذ أمر الله، وأخطأ في تأويل المنام، فنزل الأمر الإلهي بتوقيف هذا العمل وأعطاه فداء لمنامه وابنه، وأخبره أنه تم تصديق الرؤيا من خلال الخضوع لله وذبح الدنيا وزينتها وإخراجها من قلب النبي إبراهيم، وليس المقصود الصورة المادية للمنام، وأن ذبح الولد في المنام رمز لذبح الدنيا وزيتنها.
1- جاء في تفسير الطبري: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أبي سنان الشيباني، عن ابن أبي الهذيل، قال: الذبيح هو إسحاق.
2- جاء في تفسير ابن كثير تحت شرحه لقوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)} قال: وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق، وحكي ذلك عن طائفة من السلف، حتى نقل عن بعض الصحابة أيضاً.
3- وفي القرطبي جاء قال ابن عباس: بُشر بنبوته وذهب إلى أن البشارة كانت مرتين، فعلى هذا الذبيح هو إسحاق بُشر بنبوته جزاء.
وجاء به أيضاً: تحت تفسير قوله: قوله تعالى: {واذكر عبادنا إبراهيم واسحق ويعقوب} وقد استدل بهذه الآية من قال: إن الذبيح إسحاق لا إسماعيل، وهو الصحيح على ما ذكرناه في كتاب “الإعلام بمولد النبي عليه السلام”.
4- وفي البحر المحيط جاء: وذهبت جماعة إلى أن الذبيح هو إسحاق، منهم: العباس بن عبد المطلب، وابن مسعود، وعلي، وعطاء، وعكرمة، وكعب، وعبيد بن عمير، وابن عباس في رواية.
5- أخرج الحاكم في مستدركه على الصحيحين: حدثنا إسماعيل بن الفضل بن محمد الشعراني، ثنا جدي، ثنا سنيد بن داود، ثنا حجاج بن محمد، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: «الذبيح إسحاق» «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»
-حدثنا أبو بكر محمد بن المؤمل ثنا الفضل بن محمد الشعراني ثنا سنيد بن داود ثنا وكيع عن سفيان عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: ـ {وبشرناه بإسحاق} قال: بشرى نبوة بُشر به مرتين حين ولد و حين نبئ. صحيح الإسناد و لم يخرجاه. تعليق الذهبي قي التلخيص: صحيح
6- وجاء في مسند البزار: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ سَهْلٍ الأَهْوَازِيُّ، وَأَخْرَجَهُ إِلَيْنا مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ.
7- تفسير الآلوسي: وبما رواه ابن جرير عن أبي كريب عن زيد بن حباب عن الحسن بن دينار عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الذبيح إسحاق”
8- تفسير فتح القدير جاء به: وقد اختلف أهل العلم في الذبيح: هل هو إسحاق، أو إسماعيل؟ قال القرطبي: فقال أكثرهم: الذبيح إسحاق، وممن قال بذلك العباس بن عبد المطلب، وابنه عبد الله، وهو الصحيح عن عبد الله بن مسعود، ورواه أيضاً عن جابر، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعمر بن الخطاب، قال: فهؤلاء سبعة من الصحابة. قال: ومن التابعين، وغيرهم: علقمة، والشعبي، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وكعب الأحبار، وقتادة، ومسروق، وعكرمة، والقاسم بن أبي برزة، وعطاء، ومقاتل، وعبد الرحمن بن سابط، والزهري، والسدّي، وعبد الله بن أبي الهذيل، ومالك بن أنس كلهم قالوا: الذبيح إسحاق.
وجاء به أيضاً: وأخرج عبد الرزاق، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: الذبيح: إسحاق. وأخرج عبد بن حميد، والبخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال: الذبيح: إسحاق. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، والحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الذبيح إسحاق.
8- وجاء في الدر المنثور: وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال: الذبيح إسحاق.
9- التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي جاء به: وذهب علي بن أبي طالب وابن مسعود وجماعة من التابعين إلى أن الذبيح إسحاق
{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} إبراهيم39
والهبة تكون على صور منها:
هبة الولد مثل قوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ !فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} الأنبياء89 -90
هبة المساعدة والمؤازرة {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً} مريم53
وقد وهب الله النبي إبراهيم على كبر سنه النبي إسماعيل كنبي مساعد له لرفع قواعد البيت المحرم {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} ، وهذا يدل على أن النبي إسماعيل لم يكن غلاماً، وإنما كان رجلاً قوياً، وهو أكبر من إسحاق ضرورة للمهمة التي سوف يُكلف بها مع النبي إبراهيم، ووهبه الابن إسحاق، وكلاهما في زمن واحد، وكلاهما نتيجة دعوة النبي إبراهيم عليه السلام.
وقام النبي إبراهيم بإسكان امرأته وابنه إسحاق عند البيت المحرم بأمر من الله، وكان برفقته النبي إسماعيل بدليل الدعاء بصيغة الاثنين والطلب لإبراهيم فقط {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} .
وهذا يدل على صغر سن النبي إسحاق حينئذ، لذا؛ لم يساعد أباه في رفع قواعد البيت ولم يتم ذكره أبداً في هذه الأحداث العظيمة التي كان حاضراً فيها النبي إسماعيل كمساعد للنبي إبراهيم، ويبدو أن النبي إبراهيم والنبي إسماعيل غادرا الوادي لقضاء مهمة أخرى بينما يحين وقت رفع قواعد البيت.
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ! رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ! رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}
النبي إسماعيل أب لأبناء يعقوب من الناحية الثقافية
وما يؤكد ما ذهبنا إليه من كون النبي إسماعيل ليس ابناً للنبي إبراهيم هو غياب ذكر النبي إسماعيل من قول النبي يوسف عندما ذكر آباءه
{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
{وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ}
{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} وذكره الله منفصلاً عن النبي إبراهيم وأبنائه في قوله: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} ، وهذا إشارة إلى أن النبي إسماعيل من ذرية النبي نوح مثله مثل النبيين الذين ذكروا معه.
أما النص الذي ذكر النبي إسماعيل كأب لأبناء يعقوب وهو{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ، فهو لأن النبي إسماعيل من الآباء السلف الذين مضوا بالنسبة لأبناء يعقوب وهو معاصر للنبي إبراهيم، وذلك مثل قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} .
حصر بعث النبيين في ذرية نوح أو إبراهيم
وقد حصر الله بعث النبيين في الناس من ذرية النبي نوح أو ذرية النبي إبراهيم أو من كليهما معاً.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}
والنص دليل على وجود ذرية للنبي نوح مختلفة عن ذرية النبي إبراهيم وقد عاشا مع بعضهما وحصل تداخل بينهما. {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ !ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
النبي محمد الخاتم ابن إسحاق وليس ابن إسماعيل
وما ذكرناه من أن النبي إسحاق هو ابن النبي إبراهيم فقط، وهو الذبيح، وهو الذي سكن عند البيت المحرم، والنبوة حصراً من ذريته أو من ذرية النبي نوح، أو من كليهما، نصل إلى أن نسب النبي محمد الخاتمي هو من ذرية النبي إسحاق لأنه هو الذي سكن عند البيت المحرم، والأنبياء في هذه المنطقة كلهم من ذريته، وهو دعوة أبينا النبي إبراهيم والنبي إسماعيل {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} .
{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} .
ان التاريخ الروائي لا يقول بذهاب النبي ابراهيم ع الى السعوديا بتاتا ، بل ان النبي ابراهيم خرج من العراق عن طريق الاْردن الى مصر من ثم فلسطين ، ثم اذا أراد النبي ابراهيم ابعاد زوجته هاجر عن سارة زوجته الاخرى ابعدها الى مكان قريب يسهل عليه العودة مرة اخرى ومكان قريب على أهلها حيث كانت من أهل مصر ، وان الاْردن اقرب اليه والى مصر لكن السعودية تبعد حوالي ١٥٠٠ كم.
البحث في التاريخ الروائي :
عن ابن عباس رض ان النبي ص لما بلغ نسبه الكريم الى عدنا قال ( من ها هنا كذب النسابون ) . جاء في صحيح البخاري أن كُليب بن وائل سأل أو قال حدثتني ربيبة النبي – صلى الله عليه وسلم – زينب بنت أبي سلمة فقال قلت لها: ” أرأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – أكان من مُضَر ؟ (” فقالت: ” فممن كان إلا من مُضَر من بني النضر ).
اني تعبت
ممكن لنا نستدل باستدلالات اخرى مثل علم اللسان وتاريخ اللغة ويوجد لدي مراجعها للطالب .
لم يعين الكاتب اسمه كما ترون.
#تطوير_الفقه_الاسلامي
ادعموا صفحتكم بالنشر و المشاركة https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/