المؤمنة كاترين 17- حجاب عند الحاجة
المؤمنة كاترين
المقطع السابع عشر
حجاب عند الحاجة (1)
خرجت المسيحية الحسناء كاترين بحجاب إسلامي خارج العمارة التي تسكنها لتجذب عيون الجيران قبل أن تواجه زميلاتها في البنك. الكل يتطلع إليها بدهشة وازدراء أو إكبار ولكنها لا تهتم بهم وتتركهم في أفكارهم إلا أنها تقرأ المعاني والاهتمامات بغية المقارنة بين هذا اليوم واليوم الذي تعرف فيه بالمحجبة. وصلت البنك وقد أخفت تسريحتها تحت غطاء من القطن الملمع والمطرز وهي تخطو خطاه نحو مكتبها كالعادة. كانت النظرات تنبئ عن التفات الموظفين لكاترين والهمسات تدل على حدث جديد داخل البنك المدني. لم تقتصر حركات الأعين والألسن لدى زميلاتها وزملائها بل تعدت إلى المدراء والمسؤولين الكبار وإلى الحرس والبوابين والفراشين والمراسلين. حتى الزبائن المبكرون كانوا يصرفون وجوههم إلى كاترين وإلى حجابها البديع المبدع. قال من قال: لعلها مريضة فأجابت من أجابت أن الحجاب واضح البيان ساطع للعمد والقصد.
قالت أخرى:
لعلها أسلمت.
فأجاب زميلها:
ليس لدينا ما يشجعها على ترك دينها وكاترين مسيحية ملتزمة لا يمكن أن تدخل ديننا بهذه السرعة ودون أن نعلم عنها شيئا ثم هناك وقت طويل قبل أن تتعرف على الحجاب وهو حكم فرعي طالما تجاهلته المسلمات اللائي انحدرن من العوائل المتأصلة في الإسلام.
لم تلازم النظرات والهمسات أصحابها بل تعدتهم إلى كاترين نفسها فوجهت سارا -زميلتها في قسم الاعتمادات- السؤال التالي وهي تبتسم:
سارا:
هل طلب منك أن تتحجبي أولا؟
كاترين: (وهي تجمهر عليها هازّة رأسها حول أرنبة أنفها)
من هو عائد الضمير المذكر يا مادموازل سارا؟!
سارا:
لابد لحسناء مثلك أن تتساهل يوما ما.
كاترين:
ولكني أحسست بالفارق الكبير بين أن أتقي الطامعين أو أدفعهم عن نفسي فلا يطمع الذي في قلبه مرض، وليس هناك من يملك قلبي،،، عفوا، من يحكمني ويأمرني.
ساترين:
يعني هناك من يملك قلبك ولكنه لا يحكمك يا كاترين؟؟
كاترين:
سكتت ولم تعلق
سارا:
هناك شيء ما يخفى علينا من أمرك يا كاترين.
كاترين:
وهناك أشياء كثيرة تخفى علينا من أمرك أيضا.
سارا:
نحن نحبك يا كاترين ومعجبات بك وبخصلك الندية المتراكمة كأنها روضة أكسوم رشت بماء الورد أو قنو نخلة أينعت حملها وطاب بريقها. أنت اليوم دخلت البنك وقد أخفيت قنديلا مضيئا تحت هذه المقطوعة من القماش الساتر فتقلص بريقك يا حسناء البنك المدني.
كاترين:
لكن جمال الوجه ومحاسن الشعر لدى الفتاة يدفع الرجال إلى الطمع أو يشعرهم الإخفاق والحرمان.
سارا:
معنى كلامك أن تستري محاسنك خوفا من الرجال أو رفقا بهم.
كاترين:
لا تتستري ولا تتبهرجي بل اقتصدي من جمالك حتى ينعم الناس بالراحة والاطمئنان. إن كثيرا من الأزواج يندفعون نحو الطلاق حينما يفتنون بحسناء أجمل من زوجاتهم وكثيرا من الفتيان يلاعبون الفتيات أو يغتصبونهن قبل أن يدخلوا القفص الزوجي بل وبعد ذلك. يجب وضع حد لهذه الفوضى والشغب الجنسي ويبدأ ذلك من النساء لا من الرجال.
سارا:
وكيف نتزوج إن اختفينا تحت السواتر والحجب؟ فمن يرغب فينا؟
كاترين:
الشعور بالحاجة الجنسية موجود بالفطرة ولكن التهييج الفوضوي من قبل الإناث يسبق الاعتداءات الجنسية والمشاكل العائلية والأمراض البدنية والتفسخ الاجتماعي والضعف في الكيان الإنساني الذي يبدأ تشكيله من الأفراد. الحجاب الصحيح يخفف من التهييج ويوازن بين الجاذبية والعفة. إن الكثير من الفتيان يفضلون المحجبة المعتدلة لأنها أكثر صونا للأعراض وأكثر إشباعا لحاسة الحرص التي يمتاز بها الرجال الطيبون الذين يفضلون الانفراد بالتمتع من زوجاتهم. إن مثل هذه الأزواج أكثر قبولا لدى المرأة العاقلة التي تسعى لإشباع زوجها فلا ينتظر ابتسامة امرأة أخرى.
سارا:
ولكن النبي محمد تزوج بتسعة أزواج يا أخت المسيح.
كاترين:
النبي محمد تزوج بواحدة قضى معها غضاض شبابه فلما توفت تزوج بالعديد من النساء فلعله كان يبحث يائسا عن خديجة أخرى فلم تعثر عليها ثم إن علي بن أبي طالب تزوجت ببنت محمد من خديجة واقتنع بها حتى توفت فبات علي يتزوج واحدة تلو أخرى. هاتان المرأتان -خديجة وفاطمة- لم تجدا ضرة طيلة حياتهما وزوجاهما -محمد وعلي- فقداهما بعد انقضاء أجلهما.إنني كامرأة واثقة من أن محمدا لم يكن ليتزوج الثانية لو كانت خديجة في معيته.
سارا:
إن ما تقولينه حقيقة تاريخية ولكني أشك فيها لأن خديجة كانت أكبر من محمد سنا فكيف اكتفى بها في العشرينات والثلاثينات من لم يقتنع بثمانية أزواج بل تعدى إلى التاسعة وهو في الخمسينات؟
كاترين:
أنت في عتمة من التاريخ العربي يا سارا فمحمد كان من أسرة مرموقة جدا وقد قال كلمة واجه بها كل العرب حتى تألب عليه الأقصون والأدنون يلتمسون شرخا في حياته الماضية من قبل النبوة فلم يفلحوا. لو كان لمحمد ارتباط نسائي لاتضحت وتجلت. إنه أنظف إنسان في قومه وعشيرته وأنقى عربي مر على صفحة التاريخ. لست مبالغا إن قلت أنه أعظم إنسان قرأت عنه دون منافس. المسألة كما بينت ولكني أدعوك بأن تفكري قبل أن تتعثري مرة أخرى. إن خديجة هي حبيبة محمد والزواج منها كان على حب وأما بقية زوجاته فكان الزواج منهن تمتعا أو سياسة أو أمرا إلهيا أو شيئا آخر، لكنه كان رجلا عظيما قادرا على التحبب إليهن جميعا ومديرا قويا أبدى قدرته الإدارية في الاحتفاظ بتسعة نساء من بكر وثيبة، جارية وشابة وعوان، حرة وأمة، قرشيةوغير قرشية، عربية وقبطية، ثم إنه أنبتهن جميعا في غرف داخل بيت واحد. وبما أنه نبي يبتعد عن الظلم فقد انبرت عدالته في إقناع تسعة نساء مختلفات يؤمن به ويستضئن بنور علمه ويقتدين بخصاله وأفعاله. ولا أظن بأن أحدا منا قادر على أن يعرف أسرار ذلك البيت الزوجي العظيم لإنسان يندر أن نرى مثله في التاريخ عدا أنبياء الله تعالى الذين هم إخوانه دون ريب.
ساترين:
دقت الثامنة يا بنات، وبدأ الدوام.
توجه الموظفون إلى مقاعدهم كما ذهبت كاترين إلى غرفتها بجوار غرفة رئيسها علوي. فتحت الباب المتوسط كعادتها كل صباح لتسلم عليه وكان الجواب محفوفا بتبسم علوي ودهشته من حجاب مدققة الاعتمادات المسيحية. لفت الحجاب انتباه علوي لكنه لم يعلق شيئا، كأنه كان يفكر فيما يقول حيث أنه لم يكن لينتظر هذا التحول في فتاة لازالت غير مقتنعة بترك العقيدة المسيحية وملتزمة بها على الرغم من دفاعها عن الإسلام وعن النبي محمد. استأذنت كاترين للعودة إلى مكتبها حيث أن هناك اعتمادات متبقية من يوم أمس. ثم دخلت ساترين لتسلم على رئيسها علوي.
ساترين:
صباح الخير علوي
علوي:
صباح الخير ساترين
ساترين:
ألم تر شيئا جديدا يلفت انتباهك هذا الصباح
ضحك علوي قائلا:
تقصدين حجاب كاترين
ساترين:
طبعا ويا ليتك في قاعة البنك الرئيسية أول الصباح لتسمع مناقشتها مع سارا ودفاعها المخلص عن تزوج نبينا محمد بتسعة أزواج.
دخلت سارا مسلمة فأتبع علوي رده للسلام بقوله:
علوي:
وما هو مناقشاتك مع كاترين
سارا ذكرت له المحاورة بكاملها وبدقة
علوي:
أليس عيبا عليكما أن تسبقكما زميلتكما المسيحية في لبس الحجاب وأنتما تعلمان أن كاترين لا يمكن أن تأتي بشيء لم تقتنع به.
التفتت الفتاتان كل منهما إلى الأخرى وهما تتهامسان فانطلقت ساترين موجهة سؤالها إلى علوي.
ساترين:
لعل نصائحك ودردشتك في آخر الدوام هي التي أقنعت كاترين يا علوي.
علوي:
لم أتحدث حول الحجاب أبدا مع كاترين ولم تفاتحني به أبدا. كان حجابها مفاجئا لي وقد بتّ أفكر في هذا التغيير منذ اللحظة التي رأيتها فيها قبل ربع ساعة.
ساترين:
لكنك سررت بهذا التغيير؟
علوي:
بالطبع بعد أن ذكرتما لي النقاش واطمأننت أنها لبست الحجاب باعتقاد وإيمان.
ساترين:
يعني أنك تحب أن ترانا محجبتين أيضا.
علوي:
يا ليت
ساترين:
ألسنا أجمل تحت التسريحة يا علوي
علوي:
هل أنتما موظفات بنك أم عارضات للتسريحات؟
ساترين:
هل أنت تعكس سياسة البنك يا علوي؟
علوي:
كلا بالطبع، فأنا أتحدث إليكما كصديق لا يضمر لكما إلا الخير وطيب المستقبل.
سارا:
ألا ليت الباقين يقتدون بك وليتنا نقوى على محاربة أنفسنا واتباع عقولنا التي لا تخالفك يا علوي. كلما أسمع عنك في البنك هو الحب والاحترام والتقدير والإعجاب فأنت كبير في عيوننا وقلوبنا.
ساترين:
ما كنت أريد أن أبوح لك بما أكنه لك من ود وولاء فأنت معي ليس في البنك فحسب بل ومع أهلي في البيت. نحن نردد كلماتك وحكمك ولا نريد أن نخاطبك بغير لسان الفؤاد فأنت تـُعرف بالقلب فقط واللسان عاجز عن النطق بما تخفيه لك النفس واعذرني إن نطقت بما كنت أطرب به في نفسي كمثال وضاء للعبقرية والكمال وللأمانة والصدق، ذلك لأن سارا كشفت لك عن القليل مما تكنه لك في صميمها فكان سكوتي هنا نكرانا للجميل ومبعثا للريب يا من نفتخر بك وبالخدمة بين يديك.
تلعثم علوي من شدة الخجل وانحدرت رشحات العرق صبيبا من جبهته ووجهه حتى ابتل جيب دشداشته (قميصه)، لكنه رفع رأسه بصعوبة ليقدم لهما شكره،
علوي:
شكرا يا سارا وساترين، لا أحمل أهلية لهذه المحامد والممادح فأنا عبد ضعيف لا يدري ما يفعل به غدا، أرجو أن يغفر الله لي فلا يفضحني يوم يقوم الأشهاد كما أبتهل إليه أن يغفر لكما ويوفقكما وأهلكما لما فيه صلاحكم وخيركم وعزتكم.
خرجت سارا وساترين وهما تتلاومان أن فصحتا عما تخفيانه من احترام لذلك الرجل المتواضع والمثالي فأخجلتاه.
يتبع (حجاب عند الحاجة 2)
أحمد المُهري
#تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/