المؤمنة كاترين -12 – مفاجأة سارة 3
المؤمنة كاترين
المقطع الثاني عشر
مفاجأة سارّة (3)
ماري مخاطبة كاترين بهمس:
نوز آفون فن، لو دينر سيل تو بليت. (نحن جائعون، العشاء رجاء).
محمود:
أتنسيون جن في، جو بارل فرانسيزاوسّي (انتبها أيتها الفتاتان، أنا أتحدث الفرنسية أيضا).
خاف العم محمود من أن تتحدث الفتاتان عن مسائلهما الخاصة بالفرنسية فأراد أن يُفهمهما بأن هذه اللغة ليست آمنة في ذلك المجلس.
الجميع تعجبوا وضحكوا وعرفوا بأن العم محمود ليس إنسانا بسيطا. إنه تاجر التمور، وعالم بدقائق الأمور الدينية والفقهية ويتحدث بغير لغته أيضا.
أحضرت كاترين الأكل وهو عبارة عن الكوسكوس والباستيلا والمربين ودعت الضيوف إلى الطاولة. المربين لفت انتباه ماري فقالت ما هذه الأكلة المحشوة يا كاترين؟
كاترين:
المربين وهي أكلة كويتية عبارة عن الرز والربيان أو الجمبري. خفت أن لا يستمتع زيد ولبيد من الأكلات الجزائرية فأضفت أكلة كويتية لعلهما يستسيغانها. جلس الحضور وكان التوجه شديدا نحو المربين الكويتية عدا العم محمود الذي فضل الكوسكوس على غيرها لأنها أكلة بسيطة غير مشبعة بالتوابل.
علوي:
من أين تعلمت الطبخات الكويتية يا كاترين؟
كاترين:
من التلفزيون يا علوي.
علوي:
ولكنك خبيرة ماهرة في المربين ولا يمكن لأحد أن يمتهن الطبخ عن طريق التلفزيون.
كاترين:
هذا هو الواقع يا حبي… حخي… (بلعت ريقها وتابعت)… أخي علوي.
ماري:
كاترين تسعى للتكامل حتى في الطبخ وفي أعمال البيت. هنيئا لمن سوف يعيش معها.
اضطرب علوي وظن أن هناك نِدّا له أو أنها فعلا مخطوبة. تغير طعم الأكل لديه وفقد شهيته ولكنه انتبه أن كاترين غارقة فيه فاستكان قليلا وبدأ يستعيد الشهية واستمر يأكل بلذة ونهم.
لاحظت ماري أن الطفلين وبمساعدة أبيهما يسكبان الأكل بالملاعق الكبيرة المخصصة لذلك قليلا قليلا في الأطباق ثم يأكلان ما في طبقيهما بالكامل قبل أن يسكبا مقدارا آخر من الأكل وهكذا كان طبقاهما خاليين من الغذاء تماما كل مرة قبل أن ينتقلا إلى أكلة أخرى وقد وضع كل منهما شوكته بجوار السكين قبالته في الطبق. سرت ماري كثيرا من أدب الطفلين اللذين يختلفان عن بقية أطفال الكويتيين. لقد لاحظت كثيرا في الفندق أن الأطفال وحتى الكبار أحيانا لا يراعون أدب السفرة فيأخذون المرقة -مثلا- مع ملعقتهم الخاصة من الطبق الأصلي ويملئون أوعيتهم بالأكل الزائد حتى أنهم يتركون من الأكل أكثر مما يأكلون.
تذكرت أنها قبل يومين تكلمت مع أحد الآباء في مطعم الأبراج على الساحل بكل أدب: يا أستاذ هل تعرف بأنك وأولادك تسرفون في الأكل أكثر مما تأكلون والله حرم الإسراف وأباح الأكل بقدر الحاجة أو بقدر التمتع؟
أجاب الأب:
لا يا آنسة، هذا المطعم قد احتسب حساب هذا الإسراف حين قرر ثمن الأكلة الواحدة من البوفيه، فنكون نحن قد دفعنا ثمن ما نسرف إجبارا ولو أتعبنا أنفسنا لملاحظة عدم الإسراف فنكون قد دفعنا أكثر مما أكلنا.
ماري:
ليس الأمر كذلك يا أستاذ، فلو لاحظ الناس ذلك لانخفضت قيمة الأكلة الواحدة، ثم إن إسرافك أنت محرم شرعا لأن الله خلق ما يفيد الناس بقدر احتياجهم فلو أن شعبا تمكن من استجرار مقدار أكبر من البضائع والمنتجات الغذائية وغيرها بقدرة المال فهو ظالم للفقراء الذين يتضورون جوعا ويموتون بردا ويعيشون بالعراء.
كانت كاترين بحكم أدبها وشيمها العربية لا تنظر إلى أحد بل تأكل وعيناها أمامها حتى لا يخجل الضيوف بل يشعروا بأنهم في بيوتهم وليست هناك عين تراقبهم. هذه الصفة الجميلة هي من أجلى مظاهر الكرم لدى العرب منذ القدم وقد عرفوا به ومُجِّدوا من أجله. أما ما نراه اليوم لدى بعض العرب وخاصة البدو أنهم لا يأكلون أمام الضيوف أو يمنعون أولادهم من الجلوس على المائدة فهي صفة غير محبوبة وليست أصيلة بل انتقلت إليهم من بعض القبائل الشحيحة مع الأسف.
انتبه الضيوف أن ماري غارقة في تفكيرها وناسية الأكل فقال العم محمود:
مابالك يا ماري، هل أنت هنا أم في عالم آخر؟
ماري:
قبل دقائق لاحظت أدب هذين الطفلين المثاليين من أبناء هذا البلد فتذكرت قصة حصلت لي قبل أيام مع أب كويتي لم يعلم أولاده الأكل في الأماكن العامة وهو مصر على أن ما يفعله هو الصواب. كنت أمرر المحادثة التي تمت بيني وبينه في ذهني وأستمتع برؤية هذين البريئين اللذين ملآ عيني وقلبي إكراما وحبا لهما.
محمود:
هدئي أعصابك يا ماري فلو عشت معنا لظننت أنك في بلد العجائب المذكورة في أساطير الأولين، ولست في بلد عصري ولا بين شعب متقدم. هوني عليك الآن وانسي ما مر بينك وبين ذلك الشخص حتى تنتهين من الأكل ثم قصي لنا القصة لنشاركك في الاعتبار من غير المؤدبين.
علوي:
يا عم محمود: هل لي أن أقطع لك قليلا من الباستيلا لتجربها، إنها في منتهى الجودة.
محمود:
شكرا يا علوي، إن كل شيء هنا لذيذ وأهم ما فيها الود والحب الذي ألمسه بينك وبين كاترين زميلتك الأمينة والمخلصة. أما ماري فهي تثير إعجاب كل من يلتقي بها أو يتحدث إليها.
علوي وكاترين استحيا من انكشاف أمرهما لدى العم محمود واختجلا كثيرا ولكنهما حاولا عدم الاهتمام والاكتفاء بتقديم الشكر والامتنان للعم محمود.
زيد:
بابا، هل ستأتي كاترين إلى بيتنا أم أنك ستأخذنا إلى بيتها دائما؟
ماري:
كأن الأكلات الجزائرية متناسبة مع مذاق زيد ولبيد.
علوي:
كفاك الأكل يا زيد، أنت الآن شبعان وزيادة.
زيد:
أنا لا أريد كاترين للأكل يا أبي، إنني أحبها وأشعر بالراحة عندها، وهكذا أخي لبيد. إنها وماري قد اهتمتا بنا اليوم كثيرا ونحن فرحان ومسروران جدا بمعيتهما، لكن ماري ستعود بعد أيام إلى باريس، فليس لنا إلا كاترين الحنون.
جمع علوي شجاعته وقال بكل اطمئنان لابنه زيد:
أنا عاجز عن تقديم ما يليق من الشكر لكاترين وماري، والله حسبكما يا ولدي وقطعتي قلبي. لقد أتعبتما كاترين كثيرا اليوم فلا تصرا على إيذاء الطيبين والطيبات.
كاترين:
بالعكس يا علوي كان هذا اليوم جميلا جدا علي وعلى ماري. لقد استأنسنا كثيرا بمداعبة هذين الحبيبين وأنا مستعدة لأن أستقبلهما دائما في بيتي. لك أن تأتي بهما متى ما شئت دون حرج وخاصة في أيام العطل. بل أنا أطلب منك ذلك بكل ود.
علوي:
هو ذا شيمتك الكريمة التي تكبرك في عين من يعرفك يا كاترين. أنت ذات فضل علي اليوم وكذلك ماري العزيزة.
محمود:
يا أخ علوي، أرى بأن كاترين صادقة في دعوتها المفتوحة للأطفال وهي أنثى وتتمنى خدمة الأطفال المؤدبين مثل ولديك هذين. فأجب دعوتها خير لك ولها وما تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. أنت الآن وحيد في بيتك وكاترين زميلة مؤمنة وطيبة ومن أخلاق المؤمنين والمؤمنات أن يعينوا إخوانهم وأخواتهم ويخففوا عنهم ويأخذوا بيدهم.
علوي:
كاترين كلها فضل وكمال وكلها إنسانية وعظمة وأنا أتلعثم أمام مكارمها الكبيرة.
كاترين:
لعل العم محمود يقنعك بأني غير محرجة حينما أدعو طفليك عندي بل أنا فخورة بهما ولا أتعب أبدا حين أخدمهما.
علوي أنزل رأسه من شدة الخجل وهو لا يعرف كيف يشكر الجمع على ما يبدونه من شعور تجاهه وتجاه طفليه. أصبح يشعر بأن له أهلا وأصحابا جددا أكرمه الله بهم فلم يخف ما كان يحس به وأظهر أفكاره للحضور.
محمود:
إن من فضل الله علينا أن نتعرف على هموم أخ لنا فنواسيه ونقدم له ما نشاء من مساعدة. هون عليك يا علوي فنحن إخوانك وأخواتك وسوف نتألم لو أنك لم تستنجد بنا متى ما كنت بحاجة إلى أي منا. أليس كذلك يا كاترين ويا ماري؟
كاترين وماري:
صحيح يا عم محمود.
ماري:
ليتني كنت مقيما بينكم فأشارككم في كل شيء فأنا أستمتع بمساعدة الآخرين وأرضي بها ربي.
كاترين:
إن لم تكوني بيننا، فإن أدبك وعلمك وأخلاقك سيبقى معنا حتى نراك مرة أخرى. أرجو ألا تنسينا إذا سحت متنزهة مرة أخرى في الخليج.
ماري:
سأحاول أن آتي إلى الكويت لأزوركم لا للسياحة. إن رؤيتكم ومصاحبتكم ممتعة جدا وأنا بحاجة لأن أستزيد من علم العم محمود ومن أدبك وأدب الأخ علوي، كما أن سومة هذين الطفلين الجميلين سوف لا تفارقني أبدا. أتمنى لهما ولكم جميعا كل خير وإقبال حسن.
وفي نهاية الأكل كرر زيد ما قاله من قبل:
والآن يا بابا هل ستأتي كاترين إلى بيتنا أم أنك ستأخذنا إلى بيتها دائما؟
علوي:
لا يرد الإحسان إلا اللئيم. لسوف تراكما كاترين كثيرا في المستقبل، حتى تتوجع منكما فتقول كفى يا علوي.
كاترين وهي تضحك:
موافقة وسوف لن تسمع مني ما يفيد التوجع حتى يكبر الولدان أو أترك الكويت.
علوي:
ومن يدرى لعلي أنا أترك الكويت.
ماري:
مع كاترين طبعا، وإلى الجزائر أو فرنسا.
ضحك الحاضرون من خفة دم ماري ومزاحها الموحي.
يتبع: (بعد العشاء)
أحمد المُهري
23/3/2019
#تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/