القصة الحقيقية للثورة المصرية ح 4
القصة الحقيقية للثورة المصرية ح 4
المرسيدس
مدخل : (كان من الصعب, نظرًا للوضع الذي كانت البلد فيه, أن يكثر الشيخ حسن من عبارة “الحمد لله” حيث كانت ستبدو إما عبارة تهكمية أو قمة التشاؤم. ) |
في البيت كانت الحياة تسير هانئة, فزينب قد تعرفت على جيرانها ولم يعد لديها وقت للاتصال المستمر بأصدقائها في كفر نفرة فأصدقاؤها الجدد ملأوا أوقات الفراغ عندها وبدأت تهتم بما تهتم به سيدات بولكلى من ذهاب إلى السوق, أو حضور دروس القرآن, أو دروس التريكو, إلى آخر تلك الأشياء التي تشغل سيدات بولكلى. من جانبه كان الشيخ حسن سعيدًا بأن زينب لم تعد تعاني من الحبس الإنفرادي فإما هي عند أصدقائها وإما أن أصدقاءها عندها. وفي نهاية الأسبوع ينطلق الإثنان في سيارة الحاج محمود شاهين إلى البلد. كان مكانهما في سيارة الحاج محمود محجوزا بصفة مستمرة كل يوم أربعاء. طبعًا كان الشيخ حسن حريصًا على تأكيد الحجز كل يوم ثلاثاء, إلا أن الحاج محمود كان حريصًا هو الآخر على عدم “تعبئة” السيارة يوم الأربعاء إلا بعد الاتصال بالشيخ حسن وسؤاله عما إذا كان سيسافر إلى البلد أم لا. إلا أن زينب كانت لديها خطة أخرى.
طلبت زينب من الشيخ حسن أن يذهبا إلى البلد بسيارة الشغل. قالتها وهي تضحك في محاولة منها للتغطية على جرأة الطلب فهي تعلم أن الشيخ حسن لا يركب هذه السيارة إلا مضطرا وذلك لإرضاء سيادة المهندس خيري. لم يكن خافيًا على زينب أبدا أن الشيخ حسن لا يشعر بالراحة في هذه السيارة. ممكن أن يرتاح في فيات 128 أو حتى 130 أما مرسيدس فهذه قصة أخرى. هذا بذخ لا يرتاح إليه. قالت زينب إن السيارة مطلوبة من أجل فرح دينا ابنة خالها وأن التي طلبت ذلك منها هي دينا نفسها. قالت زينب إنها وعدت دينا بأن تخبر الشيخ حسن بطلبها هذا ولا أكثر من ذلك وأن الأمر, في نهاية الأمر, أمره والقرار قراره. كان وجه زينب يزداد احمرارًا مع كل كلمة تقولها. كان واضحًا تماما للشيخ حسن مدى الإحراج الذي تشعر به زينب لهذا الطلب وأن عليه أن يخفف عنها وبسرعة. وعليه, نظر إليها وهو يبتسم وهز رأسه وهو يقول حاضر.
انطلقت المرسيدس في طريقها إلى البلد وهي تحمل زينب والشيخ حسن. لم يكن الشيخ حسن مرتاحا إلى فكرة السفر إلى كفر نفرة بسيارة مرسيدس. لا أحد في البلد يمتلك سيارة مرسيدس. بل ولا حتى تويوتا. حتى أبوك الحاج مصطفي شاهين عمدة البلد يركب فيات 128. المسألة فيها إحراج لأكابر البلد. صمم الشيخ حسن بينه وبين نفسه على ألا يحدث ذلك ثانية أبدا. كل ما يتطلبه الأمر هو الاتفاق مع زينب على هذا الأمر حتى تقوم هي بنفسها بقطع الطريق على ذلك من البداية. أما بالنسبة إلى اليوم فعليه ألا يجعلها تشعر أنه مازال يفكر في الأمر. زينب ابنة حلال ولا يجب أن يجعلها تشعر أنها أخطأت.
وصلت المرسيدس إلى البلد ووقفت أمام المنزل لتنزل منها زينب والشيخ حسن. خرجت الحاجة كريمة لترحب بهما. ثم خرجت ناحية العكابري كلها “تقريبًا” لترى سيارة الشيخ حسن. كان الشارع ضيقًا فقادها الحاج مصطفى مسافة قصيرة لتقف في الساحة أمام مسجد الناحية, وليقف أمامها أهل الناحية. نظر الشيخ حسن إلى منظر السيارة وقد اجتمع حولها أهل الناحية وقرر عدم العودة بها إلى الإسكندرية. إذا كان قد جاء بها اضطرارًا إلى البلد, فلا يوجد ما يضطره إلى العودة بها إلى الإسكندرية. وعليه أخبر الحاج مصطفى بالعودة إلى الإسكندرية بمجرد انتهاء الزفة حيث سيعود هو وزينب في سيارة الحاج محمود. شعر الشيخ حسن بالراحة وعلت الابتسامة وجهه, ودخل إلى الدار.
لم يمر طويل وقت حتى امتلأت الدار بالزوار. حضر حمدي ابن عم عبد السلام, ومصطفى ابن الحاج علام, كذلك حضر حسين ابن الحاج سليم, وكالعادة بدأ موال السلام, والاستفسار عن أخبار اسكندرية, وكالعادة كذلك لم يزد رد الشيخ حسن عن “الحمد لله”. دار الحديث كذلك عن أحوال البلد, فالكل الآن يتحدث عن أحوال البلد, والبرامج الحوارية استولت على شاشات التلفزيون وبالتالي على عقول الناس, وأصبح أهل البلد, كل البلد, خبراء في السياسة. إلا أن الكل كان يعلم أن الشيخ حسن لا اهتمام له بالسياسة. حقًا, لم يحدث يومًا أن قال الشيخ حسن إنه غير مهتم بالسياسة, فالشيخ حسن رجل ذوق ولا يمكن أن يخبر الناس بأنه غير مهتم بما هم مهتمون به, إلا أنه كان من الواضح أنه غير مهتم بالسياسة. المشكلة أنه حتى عندما كان يبدي اهتماما بالسياسة فإن تعليقاته لم تكن تزيد عن “الحمد لله” أو “خير إن شاء الله”.
كان من الصعب, على أية حال, نظرًا للوضع الذي كانت البلد فيه أن يكثر الشيخ حسن من عبارة “الحمد لله” حيث كانت ستبدو إما عبارة تهكمية أو قمة التشاؤم. وعليه, بدأ الشيخ حسن في ترديد عبارة “لا غالب إلا الله” واختصارها “الله غالب”, وهي عبارة غير مألوفة لدى الناس إلا أن من السهل أن يفهم منها السامع أن مقصد القائل هو أن الأمر في النهاية يرجع إلى مشيئة الله وأن ليس لنا إلا أن نفوض أمرنا إلى الله. كان الشيء الذي يفكر فيه الشيخ حسن وسط كل هذا الحديث عن “أحوال البلد” أنه اليوم, وعلى العكس من أي مرة قام فيها بالحضور إلى البلد, لا يستطيع أن يبقى في الدار ليستقبل أهله, وأصدقاءه, وأحبابه, إذ يتوجب عليه الذهاب إلى أكابر البلد للسلام عليهم وإثبات أن الوضع لم يتغير. أي أن الكبير كبير سواء جاء حسن إلى البلد في سيارة مرسيدس أم في سيارة الحاج محمود. موضوع السيارة المرسيدس هذا لا أهمية له, فلا هي سيارته, ولا هو طلبها أصلاً. هم الذين يمتلكون سياراتهم, وليس هو. وهكذا مر الشيخ حسن على أبوك الحاج مصطفى شاهين عمدة البلد, وأبوك الحاج عبد السلام لاشين شيخ البلد, وأبوك الحاج محمد قرطام, وأبوك الحاج محمد أبو لبدة, وكل أكابر البلد, وطبعًا حضر الزفة وقام بالواجب. وفي نهاية الليلة عاد إلى الدار وهو يشكر الله على أنه استطاع إرضاء كل أهل البلد. هؤلاء رجال أكابر تقوم البلد على أكتافهم, وإرضاؤهم هو إرضاء لأهالي كفر نفرة كلهم.
إذا كان الشيخ حسن قد ظن أن جولته على أكابر البلد قد أثبتت أن المرسيدس لم تغير شيئًا وأن الكبير كبير, فإن الجولة قد أثبتت فعلاً لأكابر البلد أن الأمر لم يتغير وأن الكبير كبير. يكفي أن الشيخ حسن قد مر عليهم واحدًا واحدا من أجل السلام عليهم, والسؤال عنهم. إلا أن الجولة على أكابر البلد قد أثبتت لأصدقاء الشيخ حسن أن الأمر قد تغير فعلا إذ انضاف إلى قائمة أكابر البلد اسم جديد: الشيخ حسن.
كمال شاهين
تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلاميhttps://www.facebook.com/Islamijurisprudence/