حقيقة الوحي نقاش هادئ لفكر سروش و القبنجي ح 1
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة الوحي نقاش هادئ لفكر سروش و القبنجي ح 1
انطلقت من إيران دعوة غريبة من أحد المؤمنين المعروفين بالإسلام والتشيع لرفض التنزيل العزيز واعتباره كتابا من صنع الرسول الأمين لكنه كلام إلهي باعتبار أن الرسول نفسه يتحلى بنفس مغمورة بنور الله تعالى. إنه أستاذ العرفان والفلسفة الدكتور عبد الكريم سروش الذي كان قد عينه السيد الخميني رحمه الله تعالى في هيئة علمية مكلفة بإعادة تنظيم الجامعات الإيرانية في أوائل الثمانينات من القرن الماضي بعد أن أصدر حكما بإقفالها جميعا لفترة غير قصيرة مع الأسف ريثما يتم للمسئولين في النظام الجديد إحداث التغييرات المطلوبة في كياناتها.
والدكتور سروش يعيش حاليا خارج إيران ويبدو أنه في إحدى الولايات الأمريكية. ولا أخفي أنني أعجبت فعلا ببعض أفكاره الصحيحة كمقالته بعنوان الخاتمية. ومفادها بأن اعتقادنا نحن الشيعة بوجود أي نوع من أنواع الوحي المعلوم بعد رسول الله يعني عدم انتهاء النبوة التي هي فعلا مصدر الوحي المعلوم. فلو أردنا الإذعان لقوله تعالى عن محمد بأنه خاتم النبيين، فعلينا أن نؤمن بانقطاع الوحي بعد رسول الله. وتلك الفكرة هي غيض من فيض الأفكار المستنيرة للدكتور سروش.
لكن رأيه حول القرآن والذي أشرنا إليه في مطلع هذه المقالة رأي لا يبدو مستندا إلى دليل مقبول كما سنحاول إيضاحه في هذه المقالة. ورغم أني سمعت بهذا الرأي منذ سنين إلا أنني لم أفكر بالرد عليه إلا الآن وذلك لما ظهر من أحد المعجبين بالدكتور سروش وبآرائه من خلال اطلاعه عليها لأنه كان المترجم لبعض كتبه إلى العربية وهو السيد أحمد القبنجي والذي لم يكتف بالترجمة بل بدأ أخيرا بنشر تلك الأفكار في النجف عاصمة الشيعة.
وسوف أركز مقالي هذا على الرد على موضوعٍ طرحه القبنجي تحت عنوان “حقيقة الوحي” والموجود في موقع اليوتيوب.
وليكن واضحا أنني لست من المتعصبين لأي قوم أو فئة أو عصابة بل إنني على أتم الاستعداد دائما وأبدا لقبول الحقيقة مهما كانت؛ رائدي في ذلك الدليل الذي يستند إليه المتحدث لا أكثر. وأنا أحترم كل الآراء ولا أرى مسوغا لمواجهة أصحاب الفكر بغير الفكر. ولذلك فإنني أرجو أن لا أكون إلا ناقدا ومحاورا علميا لكل من الأستاذين عبد الكريم سروش و أحمد القبنجي مؤكدا على أني قد اختلف معهما في الرأي إلا أنني لا أكن لأهل الفكر عامة إلا كل تقدير واحترام.
وفي هذا الصدد أذكر عباد الله تعالى بما فعله رسول الله موسى مع السامري. قال تعالى في سورة طه موضحا قضاء الرسول بشأنه وموصيا رسولنا بأن يترك أمر هؤلاء لربه كما فعل موسى:
قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً (101).
قال له موسى بعد أن استوضح منه هدفه كما في الآيات السابقة: اذهب فإن من حقك في الحياة الدنيا أن تقول بأنك لم تمسس أحدا بأذى بدني لتستحق العقاب. لقد أطلق موسى سراح السّامري لكنه وضح له بأن موعده للقضاء الفصل هو في يوم القيامة. ثم قام موسى بتدمير الصنم المصنوع من حلي كل القوم والذي صنعوه وهم ينتظرون عودة موسى من التكليم الثاني مع سيد الكائنات جل جلاله. ثم يقول سبحانه مخاطبا نبينا بأن من أعرض عن القرآن فإنه يحمل إثما يحول دون أن تمسه رحمة ربه يوم القيامة. وساء الذنب حملا يوم القيامة. هذا يعني بأنه سبحانه منع نبينا من التعرض لأصحاب الفكر المخالفين له. إن كل ما يقوله المؤرخون وأصحاب الحديث من أحاديث وأقوال بأن الرسول عاقب أعداءه الشخصيين والدينيين أو الذين وقفوا أمام دعواته أو الذين استهجنوه ونضدوا أشعارا ضده، فإنهم يفترون الكذب والقرآن لا يسند ادعاءاتهم. وفي هذا المضمار أوضح للإخوة والأخوات المتحمسين لكتابنا العزيز ولديننا الحنيف ألا يتورطوا في أي عمل يمس أبدان الغير استنادا إلى فتاوى الإخوة المفتين أو مراجع التقليد أو أساتذة العلوم الدينية أو أوامر أولي الأمر أو أي شخص آخر. هذه الأحكام والفتاوى والأقوال غير مجزية والتأمل في القرآن الكريم يجعلنا نقول بضرس قاطع بأن الله تعالى ربط العقاب بنفسه ولم يفوض أحدا لمعاقبة أحد على أرائه.
يكفينا أن ننظر بعمق في آيتي سورة النساء 127 و176 لنرى كيف أن الله تعالى لا يسمح لنبيه – ناهيك عن أي شخص آخر- بأن يفتي في مسائل بسيطة حول الإرث بل يرد بنفسه على الذين يستفتون رسوله. والله تعالى يوضح في محيط الآيتين بأن الفتوى الملزمة ليست من شأن البشر لعدم علمهم بالمستقبل وعدم إحاطتهم بالحقائق وبأن الله تعالى قادر على التواصل مع عبيده الذين يعتصمون به بعد أن أنزل إليهم قرآنا منيرا مبينا.
وأما قول البعض بأن الله تعالى أمر الصحابة باتباع الرسول في ما آتاهم من رأي فهو غير صحيح. ليس في القرآن آية واحدة تدل على ذلك. والآية التي يستندون إليها ليست بشأن العلم بل بشأن المال وبشأن غنيمة معلومة. قال تعالى في سورة الحشر:
مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَالَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8).
أدعو الله تعالى أن يجعلنا ممن يتقون عذابه الأخروي سبحانه وتعالى فلا نسعى لتقطيع آياته عضوا عضوا. إن عظمة القرآن بجمعه لا بجمله. بل إن أهمية كل كتاب تكمن في مجموعه و سياقه لا بمقاطعه وصفحاته.
يبتع
أحمد المهري
تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلاميhttps://www.facebook.com/Islamijurisprudence/
ان كان لديكم الرغبة في الانضمام لمجموعة النقاش في المركز برجاء ارسال بريد الى :
#تطوير_الفقه_الاسلامي