هذا تعليق مختصر على ما أعلنه الأخ الفاضل رياض علي زهرة من سوريا حول تثبيت العقيدة الإسماعيلية التي يؤمن بها. هداه الله تعالى وإيانا. وتجدون مقالته في نهاية هذا البحث.
قرأت كل ما تفضلتم بكتابته لبيان وجوب اتباع من تظن بأنه إمام معين من الله تعالى علينا. ما تفضلتم به لا يستند إلى القرآن مطلقا بل يستند إلى أحاديث وروايات بشرية إضافة إلى تخرصات فضيلتكم. واسمحوا لي بأن أعلق تعليقات بسيطة على ما حررتموه:
1. بدأتم الجمل الأولى بالقول: يا علي مدد. فمن هو علي الذي طلبت منه المدد؟ هل هو الله تعالى؟ لو كان هو الله فإن الجملة غير شائعة. إن من الأفضل أن نخاطب السيد المتعالي كما علمنا بأن نقول: ربنا أو ربي أو اللهم وليس يا علي. فكأنك تخاطبا إنسانا مثلك.
ولو قصدتم علي بن أبي طالب فهو ميت كما مات رسول الله عليه السلام ولا يجوز أن تطلب المدد من ميت. لو كان علي عليه السلام قادرا على مساعدتك لما مات ولما قُتل ولما باعوا أملاكه ووزعوا أمواله على ورثته. وهو يقول كما يروون عنه في دعاء الصباح:فيامن توحد بالعز والبقاء، وقهر عباده بالموت والفناء.
2. قلتم ما معناه بأن العاقل يهتدي بهدى الله تعالى وهو كلام صحيح. قال تعالى في سورة الأعراف: كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3). قال تعالى مخاطبا صحابة نبينا وفي حضوره عليه السلام أن يتبعوا القرآن ولا يتبعوا غير القرآن. فلا يجوز اتباع أي كتاب وأي حديث وأي خبر ديني غير القرآن بأمر من الله تعالى.
3. قمتم ببحث مطول حول فرضيتكم غير المستدلة بأن الله تعالى أخبرنا بأن محمدا عليه السلام هو خاتم النبيين وليس خاتم الرسل. دعنا نفترض بأن الله تعالى لم يقل بأن محمدا خاتم النبيين فهل سنقبل حينئذ بأن من ادعى النبوة فهو نبي؟ أنت تحتاج إلى إثبات رسالة من تريد ولا يكفيك بأن الله تعالى لم يقل خاتم الرسل.
ومن جانب آخر فإن الله تعالى مستمر في إرسال الملائكة وهم كلهم رسل. الملَك سواء اعتبرنا الكلمة مشتقة من ألك يألك أو من لأك يلأك فهي تعني الرسول. قال تعالى في سورة فاطر: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1). فلا يمكن أن يقول سبحانه بأن محمداً خاتم الرسل. لكنه تعالى صرح بأنه بعث النبيين ولم يصرح بأنه يبعث رسولا غير نبي. قال تعالى في سورة البقرة: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ … (213). وقال تعالى في سورة الزخرف: وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ (6). وقال سبحانه في سورة الأعراف: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94).
وعلى فرض أن من تدعو إليه رسول فماهي رسالته؟ هل هو يعرف القرآن؟ هات لنا تفسيرا كاملا للقرآن من صنع أي من أئمتنا نحن الشيعة بمختلف أحزابنا. لا يوجد أي شيء من ذلك. فما هو مبلغهم من العلم؟ ولو تريد المزيد فقل لي لأبعث لك مجموعات من الأسئلة والإشكالات العلمية على القرآن العظيم ولا يوجد في تراثنا أي جواب على تلك الإشكالات. طبعا نحن نعرف الرد على تلك الإشكالات ولكن أئمتنا لم يخلفوا لنا ردودا علمية ولا أثارة من علم القرآن مع الأسف. مجرد ادعاءات فاقدة لأية قيمة علمية، فلا نخادع أنفسنا. إنهم بشر عاديون قليلو العلم.
لعل الإمام علي عليه السلام كان يحمل بعض العلم ولكن نهج البلاغة مثلا لا يعطينا إلا القليل من المفاهيم العلمية. فقد مات الإمام ومات غالبية علمه معه لأنه لم يخلف كتابا لنا. ولعله كان متعمدا كما أظن لأنه أراد للمسلمين أن يفكروا بأنفسهم ولا يكونوا سلفيين حمقاء يتبعون الماضي. كان الإمام رجلا حضاريا يحب التطور كما أقرأه من تاريخه المضيء بالخير.
4. وقلتم بأن الحجاب بيننا وبين الله هو إنسان باعتبار أن الإنسان هو في أحسن تقويم! أردت بذلك إثبات أن الحجاب بيننا وبين الله تعالى في آية الشورى التالية هو إنسان. ثم اخترت حسب مزاجك إنسانا من بين الأناسي الكثيرين في الأرض. فدعنا نقرأ الآية معا من سورة الشورى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51).
معنى كلام سيادتكم بأن الله تعالى قال: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا من وراء بشر. ما فائدة ذلك البشر أن يحجب الله تعالى عن البشر الآخر؟ هل الله تعالى مادة مثلنا حتى يتوارى وراء بشر ليكلم بشرا آخر. الإنسان الذي شرفه الله تعالى بأن يكلمه فهو أشرف إنسان على وجه الأرض إلا إذا قال سبحانه بأنه كلم إنسانين. إنه موسى وهو أعظم رأس بشري في التاريخ الإنساني. وهل هناك شرف للإنسان أكبر من أن يكلمه الله تعالى؟ قال تعالى في سورة الأعراف مخاطبا موسى الكليم: قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144).
أرجو ملاحظة تصريح السماء بأنه تعالى اصطفى موسى على الناس. وكل من تتحدث عنه من الناس فموسى مصطفى عليه. أظن بأن فضيلتكم بعيدون عن الحكمة وعن الرصانة في الكلام. أرجو أن أكون مخطئا.
5. وأما قولكم الغريب بأن لا علاقة للشرك بالإيمان والكفر بل له علاقة بالمرجعية الدينية الواجب اتباعها بعد الرسول. هذا كلام غير مستدل ولم يقل الله ذلك فسيادتكم تنسبون إلى الله تعالى كلاما لم يقله سبحانه ولن تجد في القرآن أية إشارة إلى هذا الموضوع. واسمح لي بأن أنقل للقراء الكرام نص تعبيركم المليء بالأخطاء مع الأسف:
إذاً الشرك بالله عز وجل لا علاقة له بالإيمان والكفر ولكن له علاقة بالمرجعية الدينية الواجب اتباعها بعد وفاة رسل الله عز وجل الأنبياء. وقد أقر الله سبحانه وتعالى الإيمان به للجميع طوعاً أو كرهاً. انتهى النقل.
استعملتم لفظة إذاً حرف جواب مرتبطة بما قبلها معنى وقد حاولت أن أعثر على دليل يسند قولكم من قبلها فلم أجد شيئا. هذا نص ما تفضلتم به من قبلها:
وقد تنبأ الله عز وجل بهذا الإرتداد على الأعقاب والرسول بينهم حيث.
حيث قال بعد معركة أحد: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144. انتهى النقل.
لا تنطوي الآية الكريمة من سورة آل عمران أية إشارة إلى تنبؤ الله تعالى بارتداد المسلمين بعد وفاة رسول الله. بل الآية تستفهم استفهاما إنكاريا بأن موت الرسول لا يجب أن يؤدي إلى تراجع الناس عن دينهم لأن الرسول ليس أصيلا والإيمان هو بالله تعالى الحي الذي لا يموت وهو الأصل. وهل يمكن أن يتنبأ الله تعالى بارتداد المسلمين بعد وفاة الرسول ويخبر رسوله بذلك ويعلن ذلك للملإ في القرآن؟ كما أن الآية لا تشير إلى المرجعية الدينية مطلقا سواء أيام الرسول أو بعده. فمن أين أتيتم بالمرجعية الدينية بعد الرسول؟ لعل هناك هاجسا ذهنيا لديكم ولكن لم نر في القرآن الكريم لا هنا ولا في أية آية قرآنية أية إشارة إلى المرجعية الدينية بعد الرسول.
ولا أدري معنى المرجعية الدينية بعد الرسول؟ ليس الرسول إلا ناقلا لرسالة سماوية نقلها بالكامل ولم يترك منها شيئا وما كان جائزا له أن يترك شيئا منها. أين هذه الأحكام التي تتحدث عنها والتي أخذه المسلمون من الإمام علي ومن بعده من أئمة الشيعة أو من أي إمام من حكام المسلمين؟ هات آية قرآنية واحدة تشير إلى ضرورة أن يوصي الرسول بمرجعية دينية للناس من بعد وفاته، أو ضرورة وجود مرجع ديني بعد الرسول.
6. ثم إن سيادتكم عولتم كثيرا على حديث الثقلين وهو حديث غير حكيم ولا يجوز لرسول الله أن يتفوه به. لنحلل الحديث المزعوم. يقولون بأن الرسول عليه السلام قال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن ينفصما حتى يردا علي الحوض ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا. هناك تعابير مختلفة اخترت من بينها ما يناسب مقالة الأخ الكريم.
ألف:
هل رسول الله ولي يحكم المسلمين إلى يوم القيامة حتى يترك فيهم من ينوب عنه وهل له الحق في ذلك؟ قال تعالى في سورة هود:فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12). وقال تعالى في سورة الأنعام: وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (107). ليس للرسول عليه السلام أي دور سماوي خارج الرسالة التي تنتهي بوفاته وتبقى الرسالة متمثلة في كتاب الله تعالى. هات آية تسند ادعاءك أخي الكريم.
ب:
من هم العترة؟ إنهم أناس مجهولون غير محددي الصفات أو الأسماء. هذه وصية الجاهلين وليس وصية حكيم عليم مثل محمد بن عبد الله عليه السلام. الجملة قابلة لتفاسير كثيرة بعدد ذرية الرسول وهم بالملايين!
ج:
هل الرسول أو أي من أقاربه عدل للقرآن؟ احتاج الرسول إلى ثلاث وعشرين سنة ليتعلم القرآن بما يتناسب مع زمانه ومكانه. قال تعالى في سورة الفرقان: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (32). فالرسول نفسه تلميذ للقرآن وليس عدلا له ولا هو مالك للقرآن حتى يخلف لنا القرآن أو يخلف لنا عدلا اسمه العترة؟ حاش لرسولنا الحبيب أن يتحدث بهذا الهراء الأحمق.
د.
هل يجوز التمسك بالرسول نفسه حتى يأمرنا بالتمسك بعترته؟ هات آية تدل على وجوب بل جواز التمسك بالرسول أو أي بشر آخر. لا يجوز التمسك بأي بشر. قال تعالى في سورة الزخرف: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43). أمر الله تعالى نبينا بالتمسك بالقرآن ولم يأمرنا بالتمسك بأي بشر. البشر كائن معرض للموت فكيف نتمسك به وما فائدة التمسك به؟ وأمرنا سبحانه أيضا بأن نتمسك بالله تعالى نفسه وهو حي لا يموت كما نقرأ في آية الكرسي.
هاء.
هل الرسول عالم بالغيب ليخبر صحابته بأنهم لن يضلوا أبدا لو تمسكوا بالقرآن وبالعترة غير المعلومة؟
واو:
ما هذا الحوض الخيالي المذكور في كتب الحديث؟ لو تقصدون به حوض الكوثر فهو افتراء لا وجود له وليس لأحد أن يعلم ما سيخلق الله تعالى في الآخرة؟ سورة الكوثر تدل دلالة واضحة لا مجال للشك فيها بأن الله تعالى منَّ على رسولنا بابنته الفاضلة فاطمة فبها لا يُعتبر الرسول بلا عقب بل الذي ازدرى بالرسول أبتر بلا عقب. فالكوثر ليس حوضا كما ذكره إخواننا السنة في كتبهم التي هي مضللة مثل كتب الشيعة مع الأسف. الحديث عن الآخرة كذب إلا إذا استند إلى الله تعالى وليس بيدنا أي حديث عن الله سبحانه عدا القرآن الكريم؟
ز:
القرآن موجود وفي متناول يد كل البشر؛ فأين العترة لنتمسك بهم؟ أم أننا نكذب على الله ورسوله ونختار من نشاء ونقول بأنه العترة ويجب التمسك به؟ ثم ما معنى التمسك بالبشر وكيف يتأتى لنا ذلك؟ هل يأمرنا الله تعالى أو رسوله بأمر دون أن يوضحوا لنا كيفيته؟ لو كان حديث الثقلين صحيحا لوضح الرسول صفات محددة لمن يريد منا أن نتمسك به ولقال لنا كيفية التمسك بأن نطيع أوامره أو نتعلم منه أو نصلي كما يصلي أو نجعله واسطة بين الله تعالى وبيننا وهو شرك طبعا؟
7. وحتى أكمل الحديث وأكتفي بما وضحت لكم ولمن يقرأ هذا خطأ معتقداتكم راجيا من الله تعالى أن يوفقكم ويوفق الآخرين لتصحيح عقائدكم وأفكاركم جاعلين القرآن نصب أعينكم وكفاكم كتاب الله تعالى؛ حتى أكمل أطلب منكم أن تهدوني إلى أي تصريح قرآني يذكر اسم الأئمة الذين كانوا موجودين عند انقطاع الوحي وهم الإمام علي والإمامين الحسن والحسين عليهم السلام. وأنتم تعلمون بأن الله تعالى لا يستحيي من الحق ولا يخاف من أحد. الذي يمكن أن يخاف أو يستحيي هو الرسول عليه السلام. قال تعالى في سورة الأعراف:كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2). وقال تعالى في سورة الإسراء: وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَلَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75).
وختاما لفضيلة الأخ الكريم رياض علي زهرة ولمن يطلع على هذا سلامي ودعواتي
بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي … { لمحبي أهل البيت وقضية التكفيريين }
بعنوان : { أأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
يا علي مدد
أبدأ مقالتي بهذا السؤال الموجه بداية إلى جميع العلماء والباحثين والشيوخ والمرجعيات والمهتمين المشاركين والمتابعين لهذا المؤتمر الدولي لمحبي آل البيت بشكل خاص ..!!
وكذلك هو موجه إلى جميع علماء ومرجعيات وشيوخ وأحبار ورهبان جميع الشرائع المتفرعة والمنبثقة عن الدين الإلهي الواحد والوحيد وهو الإسلام .
لقوله تعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ }آل عمران19
{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } آل عمران85
سؤالي هو التالي :
من منكم لو تم تخييره بملء إرادته بين خيارين إلهيين لا ثالث لهما
الخيار الأول : { أأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ }
الخيار الثاني : { أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }
وكان لزاماً علينا أن نختار بين الوقوع تحت حكم الله الواحد القهار و بين الوقوع تحت حكم أرباب الشرائع الدينية المتفرقين المتناحرين الذين يكفرون بعضهم بعضاً ويفتون بذبح بعضهم بعضاً ويسيسون الدين وشعائره ويتحكمون به لتطويعه لأغراض سياسية أو تملقاً لصاحب سلطان أو محاباة لحاكم أو لهاثاً وراء منصب و منفعة مادية دنيويه خاصة أو عامة أو نصرة لهوى .. الخ .
قال الله تعالى :
{ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً }الفرقان43
جوابكم جميعاً بدون تردد والاختيار الأوحد طبعاً … ؟؟؟
هو الوقوع تحت حكم الله الواحد القهار خالق الخلق علام الغيوب الهادي إلى صراطه المستقيم
{ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }النور46
وليس الوقوع تحت حكم الأرباب المتفرقين من أحبار ورهبان وعلماء وشيوخ ومرجعيات لجميع الشرائع السماوية المنبثقة عن الدين الإسلامي لله عز وجل المتبعين للظن مهما توخوا الحيطة والحذر لعدم الوقوع فيه .
والله عز وجل وضح ذلك وأثبته في محكم تنزيله عندما قال وقوله الحق :
{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } يونس36
و في موقع آخر قال سبحانه وتعالى :
{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } النساء105
{ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ }
إذا الحكم الذي يحكم به كل نبي أو رسول بين الناس هو حكم الله عز وجل .
ولم يقل الله سبحانه وتعالى لرسوله المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم
( لتحكم بين الناس بما ارتأيته من نفسك وهواك )
علماً أنه يوجد حاكمون ومتحكمون في العالم الديني من خلال الاختلاف والتنوع في الفهم وهذا الاختلاف يعطي ثراء وغنى في البحث وهو حالة صحية أقرها الله عز وجل …؟؟
ولكن يبقى الله عز وجل هو أحسن الحاكمين .وقد ثبت ذلك بقوله سبحانه وتعالى :
{ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ }يونس109
وعلينا جميعا القبول بهذا التنوع لأن التاريخ أثبت أن التطور الحضاري والفكري لم يكن نتاج لون واحد وعرق واحد وطائفة واحدة ومذهب واحد على الإطلاق .
فلو كانت حديقة المنزل كلها باللون الأخضر لما ميزنا جمال الأزهار .
ولو كان العالم يعمل بمهنة واحدة لفنيت البشرية
ومن يسعى لأن يجعل العالم يدين بمذهب واحد ولهم مرجعية واحدة ويتأبطون ذات الكتاب الذي له تفسير واحد متفق عليه .
فإن هؤلاء يضربون المصداقية الإلهية التي أقرت التعددية والتنوع والاختلاف ودوامها إلى يوم الحساب .
لقوله تعالى :
{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }هود118
إذا أدعو من منبري هذا القائمين على أعمال المؤتمر الدولي لمحبي آل البيت العمل على الاتفاق والخروج بتعريف موحد للتطرف الديني .
و لكي نتمكن من مكافحته والانتصار عليه وتخليص البشرية من شروره يجب علينا الانطلاق من نصرة دين الله عز وجل وليس نصرة أهوائنا وخلفياتنا المذهبية .
أي هي دعوة للتعري من اللباس الطائفي والمذهبي والإحرام بلباس الحق والتقوى الذي يريده الله عز وجل ووضحه في محكم تنزيله .
قال الله تعالى :
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }الأعراف26
وقال الله تعالى أيضاً يوضح البوصلة الحقيقة لنصرته لجهودنا :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }محمد7
فمن موقعنا نحن أعضاء المؤتمر الدولي المنضوين تحت شعار
{ محبي آل البيت }
يقع على عاتقنا ونتحمل المسؤولية الإلهية أولاً والمسؤولية الأخلاقية ثانياً
تجاه الله سبحانه وتعالى من حيث أننا نجتمع لنصرة دين الحق الذي أراده الله سبحانه وأرسل رسله وأنبياءه وأنزل كتبه لتبيانه ونشره بين عباده .
وتجاه البشرية جمعاء أن نخرج بنتائج وينبثق عن المؤتمر مقررات للتنفيذ وليست لتكون حبيسة الأدراج وخبر أعلامي على الفضائيات وللتاريخ والتراث .
تُطمئن الأنفس وتزيح عن كاهل البشرية شرور التطرف الديني و وليده الإرهاب ونتائجه الحروب وسفك الدماء .
قال الله تعالى : { أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ }التين8
وللحقيقة والتاريخ لنكون صادقين مع الله عز وجل أولا ومع أنفسنا ثانياً ومع من ينتظر نتائج مؤتمرنا ثالثاً ولنعترف جميعاً
أن كلاً منا يصنف مخالفيه بالتطرف الديني والبعد عن الحقيقة الإلهية التي يظن كل منا أنه متمسك بها ويدعو إليها ويتهم مخالفيه بأن بصيرتهم لا تراها وعقولهم لم تلمحها وإدراكهم لا يلم بحقيقتها ويتمسكون بالضلال والكفر والشرك بالله عز وجل .
إذا تعريف التطرف الديني باختصار وبأقل الكلمات
هو الابتعاد عن حكم وهدي الله عز وجل والوقوع تحت حكم وتحكم الأرباب المتفرقين المتناحرين .
قال الله عز وجل :
{ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }البقرة213
ولكن السؤال الذي يُطرح بقوة الآن :
كيف نصل إلى حكم وهدي الله عز وجل بعد أن ختم النبوة برسول الله محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى :
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ }الأحزاب40
قال الله عز وجل : { وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } ولم يقل { وخاتم رسل الله }
هل هناك فرق بين اللفظتين … سنأتي إلى الجواب لاحقاً .
قال الله تعالى :
{ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }التوبة31
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } الأحزاب72
لندقق بداية على تجرؤ بعضهم على حدود الله عز وجل و حمل الأمانة التي عجزت عن حملها السموات والأرض والجبال
{ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا }
لكن هناك من حملها وهو الإنسان لقوله تعالى :
{ وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }
ولكن لفظة { الْإِنسَانُ } هي عامة وغير محددة ولا تبين هوية حاملها …؟؟؟
لذلك يقول الله عز وجل :
{ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ }الأنبياء24
ولكن إذا دققنا بصفات حاملها علمنا هويته وتحددت شخصيته وحتى مسماه .
الصفة الأولى : { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً }
الصفة الثانية : { إِنَّهُ كَانَ … جَهُولاً }
والسؤال المطروح هو التالي :
هذا الإنسان الحامل للأمانة كان ظالماً لمن …؟؟
وهذا الإنسان الحامل للأمانة كان جاهلاً بماذا …؟؟
هذا يتوقف على فهمنا للظلم كما أراد له الله عز وجل و وضحه في محكم تنزيله
لذلك يطلب منا تدبر القرآن ككل كامل متكامل وليس بشكل مجزأ ومقسم .
فالتدبر للقرآن الكريم هو :
قال الله تعالى :
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }محمد24
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82
التدبرهو إعادة تشكيل وترتيب للصورة الممزقة والمبعثرة إلى أشلاء لكي نعيد لها رونقها وإظهار جماليتها الحقيقية كما أراد لها صاحبها بدون التدخل فيها .
أو إعادة الترتيب لقصيدة بعثرت كلماتها …وليس إعادة نظمها من جديد أو إدخال كلمات جديدة أو حذف شيء منها مما يخلخل المراد والمعنى لقائلها .
والخطأ الذي يقع فيه كثير من المفسرين هو حصر تفسير القرآن الكريم من خلال معاجم اللغة العربية فقط … ؟؟؟
متناسين أن القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل والمعجم هو نتاج مخلوقاته التي وصفهم الله سبحانه وتعالى بأنهم ناقصو علم مهما بلغوا من العلم ومعرضون للوقوع في الخطأ واتباع الظنون مهما توخوا الحيطة والحذر لعدم الوقوع فيه … ويستحيل على الجزء من نتاج عقل مخلوق أن يحيط بالكل ونتاج الخالق عز وجل الذي هو المحيط ..؟؟
وهذا لا يعني ألا نستعين بالمعجم اللغوي … ؟؟
ولكن من الخطأ الجسيم أن نستعين فقط بالمعجم اللغوي … وحصر تفسير كلام الله عز وجل الخالق ضمن إطار فهم المخلوق ونتاجه العقلي المحدود .
إن ما يفسر القرآن وكلام الله عز وجل هو القرآن ذاته وكلام الله عز وجل … من خلال التفكر والتدبر والربط بين آياته .
قال الله تعالى :
{ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }يونس24
{ إِنَّ فِي ذَلِك َلَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21
التفكر هنا بالمجمل للوصول إلى فهم المجزأ وليس حصر تفكيرنا بالمجزأ فقط كلوحات منفصلة ومتقطعة بعضها عن بعض .
ومن هذا الكلام نفهم الظلم والجهل الذي تكلم عنه تعالى في محكم تنزيله كما يلي
قال الله تعالى :
{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } لقمان13
إذا حسب حل مسائل الرياضيات نضع المتماثلات في القيمة والمعنى والجوهر ونتدبر ونستخلص النتائج .
{ الشِّرْكَ } = { َظُلْمٌ عَظِيمٌ }
لكن المشركين هم نجس لقوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ }التوبة28
وهذه النجاسة هي نجاسة فكرية خاصة بالإيمان الفاسد والضال والمنحرف عن الحق … وليست هي نجاسة مادية للبدن والثياب …؟؟
فنجاسة البدن تعالجه المنظفات والماء .
ونجاسة البدن المادية لا علاقة لها بالإيمان الروحي والشرك بالله عز وجل .
أما النجاسة الفكرية والتطرف الديني والانحراف عن الحق وتبوؤ حمل الأمانة ظلماً لأصحابها وجهلاً بالعمل بمقتضياتها .
فعلاجه الدعوة إلى التمسك بهدي وحكم الله الواحد القهار .
نعيد المعادلة لكي نحقق التوافق بين آيات الله عز وجل وإزالة الاختلاف بينها
{ الشِّرْكَ } = { َظُلْمٌ عَظِيمٌ }
{ الشِّرْكَ } = { نَجَسٌ }
{ الشِّرْكَ } = {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ … أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ }
{ الشِّرْكَ } = {اتَّخَذُواْ …. رُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ }
لقوله تعالى :
{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }التوبة31
وهنا يتبين معنا أن تلقي العلوم الدينية بعد وفاة رسولي الله عز وجل موسى وعيسى عليهما السلام من علماء الدين عندهما من أحبار و رهبان هو نجاسة فكرية وشرك بالله عز وجل وتطرف ديني .
وهذا لا يلغي إيمانهم بالله عز وجل …؟؟
ولكن الظلم الفكري والنجاسة الفكرية والشرك بالله عز وجل والتطرف بالدين وقع نتيجة الخطأ بتوجهاتهم بعد وفاة رسولي الله عز وجل موسى وعيسى عليهما السلام
لقوله تعالى :
{ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ }
{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ }يوسف106
ولكي تصل الفكرة كاملة ونستخلص النتائج المرجوة نفصل وندقق معاً ..؟؟
أولاً :
{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ … … أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ … … سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن ويفرض نفسه هو التالي :
هل كان المسلمون اليهود أتباع رسول الله موسى عليه السلام يتخذون علماء الدين الأحبار أرباباً من دون الله عز وجل في حياته .
الجواب طبعاً لا …؟؟
إذا الأمر الطبيعي الذي يفرضه واقع الحال في ظل انتقال رسول الله إلى الملأ الأعلى أن يلجأ المتدينون لاتباع علمائهم وفقهائهم والمتبحرين في علوم الدين … وما زالوا …؟؟؟
ثانياً :
{ اتَّخَذُواْ … … رُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ … … سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }
نكرر ذات السؤال وبذات التحليل السابق لنصل لذات النتائج .
بعد وفاة رسول الله عيسى عليه السلام اتبع المسلمون المسيحيين علماء الدين رهبانهم للإفتاء في دين الله عز وجل … وما زالوا …؟؟؟
ثالثاً :
بذات الترتيب السابق فالمسلمون بعد أن غيب الموت رسول الله وخاتم النبيين محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وقع الناس في حيرة من أمرهم والتباس ولغط واختلاف وتناحر بدأ في سقيفة بني ساعدة كما وثقها التاريخ وما زال قائما حتى يومنا هذا ..؟؟
وقد تنبأ الله عز وجل بهذا الإرتداد على الأعقاب والرسول بينهم حيث .
حيث قال بعد معركة أحد :
{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144
إذاً الشرك بالله عز وجل لا علاقة له بالإيمان والكفر ولكن له علاقة بالمرجعية الدينية الواجب اتباعها بعد وفاة رسل الله عز وجل الأنبياء .
وقد أقر الله سبحانه وتعالى الإيمان به للجميع طوعاً أو كرهاً
لقوله تعالى :
{وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً }الرعد15
{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }الإسراء44
حتى نصل إلى عدم النجاسة الفكرية يجب علينا إتباع حكم الله عز وجل الذي جاءت به رسل الله عز وجل إلى عباده .
حيث يخاطب الله سبحانه رسوله المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم محدداً مهمته الموكلة له بقوله :
{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً }النساء105
وهنا يوضح الله عز وجل المهمة الموكلة إلى رسوله بالتفصيل ويحددها ويرسم مسارها
{ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ }
إذا حكم الله عز وجل بين عباده هي سنة الله في خلقه التي لم تتبدل أو تتغير مع الزمن منذ الأزل والى الأبد لقوله تعالى :
{سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً }الإسراء77
{ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الأحزاب62
نعود إلى قصة سقيفة بني ساعدة والإختلاف والتنازع على صوابية التوجه في الاتباع بعد وفاة رسل الله الذي تكرر حدوثه بذات المضمون الجوهر مع اختلاف في الشكل والمسميات فقط .
ونكرر ذات السؤال ماذا كان على المسلمين اتباعه بعد رسول الله وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم …؟؟؟
اليهود اتبعوا أحبارهم
والمسيحيون اتبعوا رهبانهم
والمسلمون اتبعوا علماءهم
وهنا انقسم الجسم الإسلامي إلى فريقين رئيسين وخصوصا بعد معركة صفين والتي جرت بين المسلمين أنفسهم وكان قائد الفريق الأول الإمام علي بن أبي طالب وهو الخليفة الشرعي بعد وفاة الخليفة الثالث عثمان بن عفان .
أما الفريق الثاني فكان يقوده معاوية بن أبي سفيان والي دمشق حينئذ بتكليف سابق من الخليفة الثالث عثمان بن عفان , تفرع عنهم تشظيات مذهبية عديدة
الفرع الرئيسي الأول : ناكر للقيادة الدينية لآل بيت رسول الله الأئمة الأطهار من صلب الإمام علي عليهم السلام جميعاً .
ويدعون بالأخوة أهل السنة والجماعة لهم تحياتي ومحبتي جميعاً .
ويكتفون بالمرجعية الدينية بعد كتاب الله القرآن الكريم على السنة النبوية الشريفة والتي تم جمعها و كتابتها في القرن الثالث الهجري وقد صنفها علماء الحديث إلى أكثر من خمسين نوعاً
منها ( الصحيح والحسن والضعيف والمعلق والمنقطع والمجهول والمضعف والمجهول والمنكر والمبهم والإسرائيليات … الخ
الفرع الرئيسي الثاني : من يسلم القيادة الدينية إلى الأئمة الأطهار من صلب الإمام علي عليهم السلام جميعاً والذين تمت تسميتهم بشيعة علي أي الشيعة بشكل عام وهم الذين بايعوا الإمام علياً قبل المعركة وبعدها .
فهم مسلمون بالدرجة الأولى لأن من اتبعوه هو الخليفة الشرعي للمسلمين .
وهما ينقسمان إلى قسمين رئيسيين ….
الأول يتابع بتسلسل الأئمة الأطهار بعد الإمام جعفر الصادق بابنه موسى الكاظم عليهم السلام جميعاً .
والثاني يتابع بتسلسل الأئمة الأطهار بعد الإمام جعفر بابنه إسماعيل عليهم السلام جميعاً
وهم بمسميات عديدة لهم تحياتي ومحبتي جميعاً .
وجذور الخلاف الشيعي السني منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام ولا يزال ..؟؟
وقد أقيمت المناظرات وألفت الكتب وتحاور علماء الفريقين وكتب التاريخ والمحطات الفضائية متخمه بالحجج المتبادلة بينهم .
وهناك أحاديث يستدل بها الشيعة ينكرها عليهم أهل السنة والجماعة والعكس صحيح ..؟؟
وأكتفي بذكر حديث الثقلين الذي اتفق الفريقان على صحته وبأن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى بالتمسك بثقلين ما أن تمسكنا بهما لن نضل أبدأ وهما حبلان ممدودان لن ينفصما حتى يردا عليه الحوض …؟؟
واتفق الفريقان السني والشيعي على أن الثقل الأول هو كتاب الله عز وجل واختلفا على مسمى الثقل الثاني المرافق لكتاب الله عز وجل ولن ينفصم عنه إلى يوم الحساب بين أنه سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
أو هو عترة بيت رسول الله الأئمة الأطهار عليهم السلام جميعاً .
وكذلك يدور الخلاف بينهم على تفسير وفهم آيات كثيرة من كتاب الله عز وجل
أكتفي هنا بالحديث عن آية التطهير لقوله تعالى :
لقوله تعالى :
{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } الأحزاب33
فالفريق الشيعي يقول أن هذه الآية نزلت بأهل بيت رسول وهم الخمسة أصحاب الكساء
وهم { رسول الله والإمام علي وفاطمة الزهراء وابناهما الحسن والحسين عليهم السلام جميعاً } ويستدل بالأحاديث النبوية التي تقول أن زوجة رسول الله أم سلمى أرادت الدخول تحت الكساء فمنعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال لها ( أنت على خير ) .
وكذلك تبدل الخطاب الإلهي من التذييل بنون النسوة إلى المخاطبة بميم الجماعة
{ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ } الخاصة بالرجال وليس ( ليذهب عنكن ) كما هو تسلسل الآيات ما قبل وما بعد الخاصة بالنساء .
بينما يحتج الفريق السني على الفريق الشيعي بقولهم :
أن بداية الخطاب الإلهي هو لأزواج النبي النساء بقوله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ }
وكذلك يحتجون بأن الخطاب الإلهي تم تذييله بنون النسوة ما قبل وما بعد آية التطهير المختلف عليها … وأن قلب الخطاب الإلهي من التذييل بنون النسوة الخاصة بالنساء إلى ميم الجمع الخاصة بالرجل ليس دليلاً كافياً كون أهل بيت أي رجل هو زوجات هذا الرجل وليس ابن عمه وأهل بيته …؟؟؟
وأقول للآسف إن الفريقين تغافلا عن البحث وإعطاء الإهتمام للبيت ومعرفة جوهره وطبيعته وأوصافه والإتفاق عليه ومن ثم البحث عن أهله و من هم .
فهل الله عز وجل يوثق في محكم تنزيله وفي قرآن يقرأ الى يوم الحساب عن بيت مادي من حجارة وطين وهذا البيت الذي طهر الله أهله من الرجس قد تهدم بفعل الزمن وأصبح أرضه ملكاً لأي كان وتم البناء مكانه ببيوت حديثة أو فنادق أو طرقات بحسب التوسع العمراني المستمر … الخ .
أم هو بيت معنوي يخص بيت دعوة الحق وأهله هم القائمون عليها الصادقون الذين أمرنا الله عز وجل بأن نكون معهم …؟؟
والغريب في الآمر أن المناظرات الشيعية السنية غفلت عن ذكر الفرق بين أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً
وبين آل البيت الذين يصلي عليهم جميع فرق المسلمين الصلاة الإبراهيمية
في كل يوم وفي كل صلاة وهي كالتالي .
{ اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . }
أن البحث عن الفرق بين آهل البيت وآل البيت وماهية هذا البيت مع الإستدلال والتوثيق من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يحتاج إلى مساحة أكبر مما هو متاح لي هنا وسيكون لها مقالة مستقلة قريباً إن شاء الله .
ومن أكثر النقاط الخلافية بين الفريقين السني والشيعي
هو أن الله عز وجل ذكر وسمى و وضح جميع الفرائض من صلاة وصوم وحج وزكاة وجهاد … الخ .
فأين اسم الإمام علي في القرآن الكريم فهل غفل الله عز وجل { والعياذ بالله } عن ذكره بوضوح وقد ذكر وسمى و وضح كل شيء …؟؟
أقول أن أسم الإمام علي وذريته عليهم السلام ظاهر و واضح وضوح الشمس
لنتابع قوله تعالى :
{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى }النجم23
{مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف40
هنا وضح الله عز وجل أن هناك نوعين من الأسماء التي تتحكم في دين الله عز وجل
أسماء لم ينزل بها سلطان مبين …؟؟؟
إذا العكس والنقيض والبديل موجود وهي أسماء سماها الله عز وجل وأنزل بها سلطان مبين .
وسوف نتعرف على النوعين مع صفاتهما التي وضحها الله عز وجل .
النوع الأول :
أولا : أسماء نسميها نحن وآباؤنا
ثانياً : اتباعهم للظن وما تهوى الأنفس
ثالثاً : لم يصطفهم الله عز وجل على العالمين وينزل بهم سلطان مبين
رابعا : ليسوا هم ذرية بعضها من بعض
النوع الثاني :
أولاً : أسماء سماها الله عز وجل في محكم تنزيله وانزل بها سلطان مبين
ثانياً : لا يتبعون الظن والهوى … إذا العكس صحيح فهم يتبعون الحق والوحي والأمر الإلهي … إذا صفتهم الصدق في أقوالهم وأفعالهم .
قال الله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }التوبة119
ثالثاً : مصطفون على العالمين
رابعاً : ذرية بعضها من بعض
خامساً : مشكلون لحبل من ناس مرافق لحبل الله تعالى منذ الأزل والى الأبد
لقوله تعالى :
{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ }آل عمران112
سادساً : { ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف 40
سابعاً : هم ملة إبراهيم وصراط الله المستقيم من ذرية إسماعيل جد الإمام علي والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عليهم السلام جميعاً .
والدين القيم وضحه الله عز وجل أنه الكلمة الباقية أي ليست فانية في عقب وذرية اسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهم السلام ويتمنى الله عز وجل على عباده الرجوع إليها وهوى الأنفس إلى الذرية الطاهرة التي أسكنها الله عز وجل جانب بيته المحرم .
لقوله تعالى :
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الزخرف28
{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }النساء125
{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } الأنعام161
{ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ }إبراهيم37
وكان المعاصر لحياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل هو الإمام عمران بن عبد المطلب الملقب بأبي طالب عليه السلام والد الإمام علي بن أبي طالب وجد الذرية الطاهرة بعضها من بعض من صلب الإمام علي عليهم السلام جميعاً .
قال الله تعالى :
{ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } آل عمران 33 – 34
آخر اصطفاء في الآية الكريمة { عَلَى الْعَالَمِينَ }
{ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى … … َآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ }
ولكن قد يقول قائل ويعترض على ما سبق وكتبته في بحثي هذا ..؟؟
لقد أجمع أغلب المفسرين على أن { عِمْرَانَ } المضمر في الآية الكريمة المقصود به هو عمران والد مريم عليها السلام … ؟؟؟
ودليلهم على هذا التوجه في التفسير هو فقط قراءة الآيات الكريمة الواردة قبلها وبعدها .
وللآسف ليس عندهم دليل إثبات في توجههم إلى هذا الفهم للآية الكريمة سوى دليل ترتيب ورود آية الاصطفاء لعمران وذريته على العالمين قبل آيات تتحدث فعلاً وحقيقة عن امرأة عمران والدة مريم عليها السلام .
وتخطيئي لهذا التوجه في الفهم سوف أورده بشقين
الأول : أن أي أثبات لفهم آية ما … يعتمد فقط على ترتيبها ضمن السورة هو دليل غير كاف لاعتماده وحيداً … كون أن آية ( إقرأ ) لم تأت ترتيبها أول آية في القرآن الكريم وكذلك آية ( اليوم أكملت لكم دينكم ) ليست آخر آية … وكذلك سورة الفاتحة في أول القرآن لم تنزل أول سورة
وسورة الناس آخر سورة في القرآن لم تنزل آخر سورة …
والأمثلة كثيرة .؟
والأهم من ذلك أن قصص الأنبياء جاءت مبعثرة ضمن سور القرآن الكريم وغير منسجمة مع ما قبلها وما بعدها مثل قصة آدم وعيسى وإبراهيم عليهم السلام … الخ .
ثانياً : لنفترض جدلاً أن أصحاب هذا التوجه في الرأي صائب وصحيح ..؟؟
وسوف أعتمد هنا على تخطيئه بطريقة ما يسمى في الرياضيات بنقض الفرض أو نظرية العكس .
لو افترضنا أن عمران المقصود في الآية الكريمة هو عمران والد مريم عليها السلام … ؟؟؟
وهذا التوجه في الفهم لتفسير الآية الكريمة من المستحيل تحققه للأسباب التالية :
1-) لو افترضنا أن عمران الوارد ذكره في الآية الكريمة هو عمران والد مريم عليها السلام
لكان قوله تعالى ذرية بعضها من بعض ناتج زواج الأب من ابنته … ؟؟؟ وهذا مستحيل … لكون مريم عليها السلام وحيده لوالدها عمران …؟؟؟
ومن يتنكر لهذا … فليتفضل ويذكر لنا أسم أخيها وأسماء ذريته المصطفين على العالمين
2-) لو افترضنا أن عمران المذكور في الآية الكريمة هو عمران والد مريم عليها السلام … هذا يقودنا على أن قوله تعالى :
{ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ }
يقتضي وجود الأب والإبن والحفيد وابن الحفيد وحفيد الحفيد … و … و … الخ .
والمعروف تاريخياً أن نبي الله عيسى عليه السلام توفاه الله عز وجل ولم يتزوج … ومن يتبنى هكذا فهم للآية الكريمة يضع الله سبحانه وتعالى في عدم المصداقية والعياذ بالله .
3-) الآية الكريمة ذكرت أن اصطفاء عمران يجب أن يتوفر به شرطان مهمان وهما أن يكون له ذرية بعضها من بعض والأهم هو اصطفاؤهم على العالمين أي على جميع خلق الله إلى يوم الحساب ..؟؟؟\
وكما نعلم أن عمران ومريم وعيسى عليهم السلام توفاهم الله سبحانه وتعالى خلال زمن أقل من مائة عام على الأكثر … ؟؟؟
فهل فهمنا للعالمين محصور في زمن حياتهم فقط واصطفاؤهم هو فقط على بضع آلاف ممن كان يعاصرهم ويعيش في زمن حياتهم …؟؟؟
4-) ماذا نتسفيد نحن الآن الأحياء في القرن الواحد والعشرين من اصطفاء الله عز وجل لأناس عاشوا وماتوا منذ آلاف السنيين وحتى قبل مولد رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأكثر من ستمائة عام .
والآن يأتي دور الإجابة على سؤالي المطروح في مقدمة البحث ..؟؟
قال الله تعالى :
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ }الأحزاب40
قال الله عز وجل : { وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } ولم يقل { وخاتم رسل الله }
هل هناك فرق بين اللفظتين ..؟؟
سنترك لآيات الله عز وجل أن تجيب على هذا السؤال :
قال الله تعالى :
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ } الأنبياء73
لندقق بهذا التفصيل والبيان الإلهي :
{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا }
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً … … وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ }
فمن الذي جعله الله عز وجل إماماً وسماه وأنزل به سلطان مبين في محكم تنزيله ليهدي بأمر من الله عز وجل …؟؟؟
وجعله الله عز وجل إماماً وسماه وانزل به سلطان مبين في محكم تنزيله ليهدي بوحي من الله عز وجل
إذاً هم رسل الله عز وجل إلى عباده
فهل هناك تسمية تناسب المقام غير أنهم رسل الله عز وجل .
لذلك عندما قال الله عز وجل :
{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } الحشر7
أي إطاعة رسول الله المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وإطاعة المؤمنين لأولي الآمر ورد أي تنازع في أي شيء إليهم بعد انتقاله إلى جوار ربه من الأئمة الأطهار من عقب الإمام علي بن عمران بن عبد المطلب عليهم السلام جميعاً ذرية بعضها من بعض مصطفين على العالمين مشكلين لحبل من ناس مرافق لحبل الله عز وجل منذ الأزل والى الأبد مشكلين لعروة وثقى لا انفصام لها .
لقوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } النساء59
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256
قال الله تعالى :
{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } النساء165
إذا نستنج أن هناك نوعين من التكليف الإلهي للرسل المرسلين من قبله إلى عباده
النوع الأول : رسل الله الأنبياء ويوجد بينهم فترات زمنية متفاوتة قد تتجاوز مئات السنيين .
النوع الثاني : رسل الله الأئمة المصطفين على العالمين ذرية بعضها من بعض مشكلين حبلاً من ناس مرافق لحبل الله عز وجل منذ الأزل والى الأبد .
وتواجدهم دائم إمام يسلم إلى إمام من عقبه فالإمامة كلمة الله الباقية وهم هداة كل زمان لقوله تعالى : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }الرعد7
ورسل الله الأئمة تتواجد في حياة رسل الله الأنبياء وما بين زمن حياة نبيين
والدليل على ذلك قوله تعالى :
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }البقرة87
وقد كان الإمام اسماعيل نبياً ورسول في حياة رسول الله رسول الله إبراهيم عليهم السلام . لقوله تعالى :
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً }مريم54
والله عز وجل طلب من رسوله المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سؤال رسل لله أحياء يعاصرونه الذي تتهمه كتب التراث بأنه مات كافراً لإطفاء نور الله عز وجل بأفواههم .
قال الله تعالى :
{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }الزخرف45
{فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }يونس94
رسل الله والذين يقرؤون الكتاب وهم الذين يوحي لهم الله عز وجل وهم أهل الذكر المأمورون بسؤالهم عن أي شيء لا نعلمه لقوله تعالى :
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } النحل43
ولزيادة البيان و وضع النقاط على الحروف نقول أن الأئمة الأطهار هم خليفة الله في أرضه وهم حجاب الله عز وجل الذي كلم موسى عليه السلام .
قال الله تعالى :
هذا الحجاب الإلهي اختلف المفسرون وعلماء الدين عن ماهيته وجوهره وحقيقته
فمنهم من قال من خلف ستار نافذة أي قطعة قماش…؟؟
ومنهم من قال من خلف جبل … ؟؟؟
أي الجبل أصبح هو الحجاب …؟؟؟
ومنهم من قال أنه من خلف شجرة …؟؟؟
أي أصبحت الشجره هي الحجاب ..؟؟؟
ومنهم من قال أنك تسمع صوت الله عز وجل ولكن لن تراه … ؟؟؟
أي هربوا من الإقتراب من لفظة { حِجَابٍ } وهناك أمثال أخرى كثيره . الخ .
نحن لسنا في صدد نقد تفاسيرهم بل نحترمها ونقدرها ولكني شخصياً لي تفسير خاص سوف أتناوله معكم الآن …؟؟؟ .
في البداية جميعنا متفق أن هذا الحجاب هو مخلوق وليس خالق ..؟؟
إذا أراد الله عز وجل أن يختار حجاباً يحتجب به من مخلوقاته ليكلم من خلاله أو من خلفه مخلوقاته من البشر …؟؟
برأيكم أنتم … هل ممكن أن يختار أقل مما وصفه الله عز وجل في محكم تنزيله أنه أحسن تقويم
لقوله تعالى :
{ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }التين4
{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }القصص68
إذا وصلنا إلى استنتاج عقلي تسلسلي علمي مستوحى من القرآن …؟؟؟
أن الحجاب ما هو إلا مخلوق .. ؟؟؟
وأن أحسن مخلوق مما خلق الله هو الإنسان .. ؟؟
لأن الله عز وجل خلقه في أحسن تقويم .
والآن وحسب النصوص القرآنية التي لا يمكن لعاقل أن ينكرها أن من بين الناس بشكل عام هناك شيء اسمه ناس مصطفون على العالمين … ؟؟؟
ولهذا الإصطفاء علامة فارقة ومؤشرات وصفة مميزة وختم إلهي موثق في محكم تنزيله أن هؤلاء المصطفين هم { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ }
{َ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ }{ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ}
وأختم بحثي بهذا السؤال للجميع :
هل نسخت من كتاب الله وتعطل العمل بها وأصبح وجودها فقط للقراءة
المبايعة واتخاذ العهد مع الله عز وجل بعد وفاة رسول الله وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
رياض علي زهرة – سورية – منطقة السلمية
باحث إسلامي شيعي إسماعيلي
جوال : \ 00963949004528 \
جوال : \ 00963999854552 \