مفهوم الزواج في الفقه السني القديم
مفهوم الزواج في الفقه السني القديم
- عقد الزواج
الزواج مجرد عقد بين طرفين لتبادل المنفعة, ويتحقق إذا غلب ظن الطرفين على قدرتهما على تحقيق المنفعة المتبادلة. ولا يشترط الحب في الزواج, كما لا ينقض غياب الحب عقد الزواج, وما ينقض عقد الزواج هو تعمد طرف منع المنفعة عن الطرف الآخر, وما يجعل من حق طرف أن يطالب بفسخ هذا العقد هو تبين غياب منفعته من العقد.
محمّد سلامه
من روائع التفسير السني القديم : زواج المسلمين من غير المسلمين
*وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* البقرة: 222
*الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ* المائدة : 5
يقدم لنا الإمام الأعظم الطبري في تفسيره للآية 222 من سورة البقرة عرضًا رائعًا يبين كيف تعامل أهل العلم والنظر من أهل السنة والجماعة مع النص الكريم:
- ذهب تيار من الأئمة العظام إلى أن المقصود بالآية 222 من سورة البقرة هو تحريم زواج المسلمين من غير المسلمين. ظل هذا الأمر معمولاً به إلى أن أنزل الله تعالى الآية 5 من سورة المائدة حيث أحل زواج المسلمين من الكتابيات.
- ذهب تيار ثانٍ من الأئمة العظام إلى أن المقصود بكلمة “مشركات” هن عبدة الآوثان اللاتي ليس لهن كتاب. يذهب هذا التيار, بهذا الشكل, إلى أن الآية 5 من سورة المائدة لم تنسخ الآية 222 من سورة البقرة حيث إن الآية الكريمة 222 من سورة البقرة لم تحرم أصلا زواج الكتابيات الذي أكدت الآية 5 من سورة المائدة حله.
- ذهب تيار ثالث من الأئمة العظام الكرام إلى أن زواج المسلمين من غير المسلمين حرام سواء كان غير المسلمين كتابيين, أو مجوس, أو عبدة أوثان. استدلّ من ذهب هذا المذهب بما جاء عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرَّم كل ذات دين غير الإسلام. استدل هذا البعض كذلك بما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما نكح طلحة بن عبيد الله يهودية وحذيفة بن اليمان نصرانية، فغضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه غضبًا شديدًا، حتى همّ بأن يسطُو عليهما. فقالا نحن نطلِّق يا أمير المؤمنين، ولا تغضب. فقال: لئن حل طلاقُهن لقد حل نكاحهن، ولكن أنتزعهن منكم صَغَرة قِماءً.
قرأ الأئمة العظام, رضي الله جل ثناؤه عنهم جميعًا وأرضاهم, الآية 5 من سورة المائدة التي يخبرنا فيها العزيز الحكيم أنه قد أحل لنا الطيبات, وطعام أهل الكتاب, ونكاح الْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ, وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْكِتَابَيات, ففهموا منها أنه يخبرنا بأنه قد حرّم علينا نكاح المحصنات من الكتابيات. وحيّا الله أهل العلم والنظر من أهل الكتاب والسنة.
يحتاج الأمر إلى التوكيد على أني سأكون أسعد الناس بمن يكشف لي عن خطئي فيما أذهب إليه. والمسألة سهلة, فلا توجد مدينة إسلامية لا توجد فيها نسخة من كتاب المفسر الكبير الطبري, رضي الله سبحانه وتعالى وأرضاه. هذا فضلاً, طبعًا, عن الشبكة العالمية. وحيّا الله أهل العلم والنظر.
19 سبتمبر 2016
- عندما أحل الله ما حرمه
*الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ* المائدة : 5
تعليقًا على رسالة “زواج المسلمين من غير المسلمين”, أرسل فضيلة الشيخ أحمد المُهري رسالة ينبهنا فيها إلى ضرورة تحري الدقة عند فهم الآية الكريمة رقم 5 من سورة المائدة. تحديدًا, ينبهنا فضيلته إلى التالي:
- أن من الخطأ تصور أن الآية الكريمة تحلّ لنا طعام الذين أوتوا الكتاب من قبلنا. ينبهنا فضيلته هنا إلى أن المسيحيين يأكلون لحم الخنزير كما أنهم لا يذكرون اسم الله على الحيوانات التي يذبحونها وهو ما يخالف نصًا قرآنيًا صريحا. يتساءل فضيلته هنا عما إذا كان القرآن يناقض نفسه أم أننا لا نتعمق في القرآن لندرك حقيقة مفاهيمه؟
- أن من الخطأ تصور أن الآية الكريمة تحلّ لنا نكاح الْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِنا.
المشكلة, وحقيقة الأمر هي مشكلة, أن الآية الكريمة تخبرنا بأن الله أحلّ لنا طعام أهل الكتاب ونكاح المحصنات منهم. وكأن المسألة, بهذا الشكل, تتطلب أن يخبرنا فضيلة الشيخ أحمد المُهري بما يقصده العزيز الحكيم من قوله بأنه أحل لنا طعام أهل الكتاب على الرغم من أنه حرّم لحم الخنزير وأنه أحلّ لنا نكاح المحصنات منهم على الرغم من أنه حرم نكاح المحصنات منهم.
يقول فضيلته:
قال تعالى في كتابه العزيز في سورة المائدة: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5). ويستند عليه بعض الفضلاء الكرام بمن فيهم أخي الكريم سيادة الأستاذ الدكتور كمال شاهين لإثبات حلية الزواج بين المسلم وغير المسلم من أهل الكتاب. لو كان ذلك صحيحا فإن أكل لحم الخنزير الذي يحله كل المسيحيين تقريبا حلال وهذا يخالف نصا قرآنيا صريحا. قال تعالى في سورة النحل: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (115). كما أن ذلك الفهم الذي نشره سيادة الأخ العزيز كمال اليوم يتناقض مع أكل لحم البقر لديهم أيضا. إن إخواننا المسيحيين لا يذكرون اسم الله على الحيوانات التي يذبحونها. فهل القرآن يناقض نفسه أم أنكم لا تتعمقون في القرآن لتدركوا حقيقة مفاهيمه؟
تحياتي لكم جميعا وبانتظار حل المشكلة المذكورة هنا لأقدم لكم المشاكل الأخرى في تفسيركم الكريم لهذه الآية. وهذا تعليق على الجمل الأولى فقط للعلم.
أحمد المُهري
20/9/2016
- عندما لا يمكن أن تعني الآية ما تقوله الآية
*الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ* المائدة: 5
نشرت منذ يومين رسالة بعنوان “زواج المسلمين من غير المسلمين” ذهبت فيها إلى أن الله سبحانه وتعالى قد أحل للمسلمين الزواج من المسيحيات واليهوديات. كان دليلي على صحة ما أذهب إليه هو ما جاء في الآية الخامسة من سورة المائدة من أن الله جل جلاله قد أحل لنا نكاح الْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْكِتَابَيات. أي أحل لنا نكاح المسيحيات واليهوديات. قام شيخنا وأستاذنا الكبير, فضيلة الشيخ أحمد المُهري أطال الله عمره, ومتعه بالصحة والعافية, بالكتابة إلينا مبيّنا خطأ ما ذهبنا إليه.
يرى شيخنا الفاضل ضرورة الانتباه إلى أن المعنى السطحي للآية الكريمة ليس هو المعنى العميق. مثال على ذلك:
أولاً, أن قول الله سبحانه وتعالى *اليوم أحل لكم الطيبات* لا يعني أن الله سبحانه وتعالى قد أحل لنا الطيبات لأن القول بأن الله قد أحل لنا اليوم الطيبات إنما يعني أن الطيبات كانت محرمة علينا ثم أحلها لنا سبحانه يومذاك.
ثانيًا, أن قوله عز وجل أنه أحل لنا طعام الذين أوتوا الكتاب لا يمكن أن يكون المقصود به أنه أحل لنا طعام أهل الكتاب إذ لو كان ذلك صحيحا لكان أكل لحم الخنزير حلالا.
ثالثا, أن قوله عز وجل أنه أحل لأهل الكتاب طعامنا لا يمكن أن يكون المقصود به أنه أحلّ لأهل الكتاب طعامنا, فأكل لحم الجمل حلال عندنا حرام عندهم, ولا يمكن أن تعني الآية الكريمة أن اليهود قد رضوا بأن يأكلوا لحم الجمل.
رابعًا, أن قوله عز وجل إنه أحل لنا نكاح المحصنات من المؤمنات لا يعني أنه أحل لنا يومذاك نكاح المحصنات من المؤمنات إذ أن ذلك يعني أن المحصنات من المؤمنات كن محرمات علينا قبل ذاك اليوم.
خامسًا, وفيما يتعلق بما ورد بالآية الكريمة بخصوص حلية الزواج من اليهوديات والمسيحيات فإن شيخنا الفاضل يبين لنا أن ذلك إنما هو سوء فهم منا. يرى فضيلة الشيخ أحمد المُهري أن إشارة الله سبحانه وتعالى إلى “المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا” لا يقصد بها اليهوديات والمسيحيات وإنما يقصد بها المسلمات. بصورة أوضح يرى شيخنا الفاضل أن عبارة *المحصنات من المؤمنات* يُقصد بها المسلمات اللاتي تحولن من الشرك إلى الإسلام, علي حين يقصد بعبارة *المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم* المسلمات اللاتي تحولن من اليهودية أو المسيحية إلى الإسلام. موضوع أن الله قد أحل لنا الزواج من اليهوديات والمسيحيات, بهذا الشكل, هو موضوع لا أساس له من الصحة أصلا. ما أحله لنا الله, حسب ما يذهب إليه شيخنا الفاضل, هو الزواج من المحصنات من المؤمنات أو الزواج من المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا. وتلكم مسلمات وتلكم مسلمات, ولا يهوديات هنا ولا مسيحيات هناك, وإنما الأمر سوء فهم لمقصد الله.
وكأن المسألة, بهذا الشكل, هي كالتالي:
- أن قول الله سبحانه وتعالى *اليوم أحل لكم الطيبات* لا يعني أن الله سبحانه وتعالى قد أحل لنا الطيبات يومذاك.
- أن قوله عز وجل أنه أحل لنا طعام الذين أوتوا الكتاب لا يعني أنه أحل لنا طعام الذين أوتوا الكتاب.
- أن قوله عز وجل أنه أحل لأهل الكتاب طعامنا لا يعني أن طعامنا حلال لهم.
- أن قوله عز وجل أنه أحل لنا نكاح المحصنات من المؤمنات لا يعني أنه أحل لنا يومذاك نكاح المحصنات من المؤمنات.
- أن عبارة *المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا* لا يقصد بها اليهوديات ولا المسيحيات وإنما يقصد بها المسلمات.
لا يوجد لديّ أدنى شك في أهمية ما يخبرنا به فضيلة الشيخ أحمد المُهري. لا يوجد لدي أدنى شك كذلك في ضرورة النظر إلى تبعات ما كشف عنه فضيلته. تحديدًا:
- إذا كان قول الله سبحانه وتعالى *اليوم أحل لكم الطيبات” لا يعني أن الله سبحانه وتعالى قد أحل لنا الطيبات يومذاك, فما الذي يعنيه؟ ما المقصود من قول الله تعالى *اليوم أحل لك الطيبات*؟
- إذا كان قوله عز وجل إنه أحلّ لنا طعام الذين أوتوا الكتاب لا يعني أن طعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لنا فما الذي يعنيه؟ ما معنى قول الله *وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ*؟
- إذا كان قوله عز وجل أنه أحل لأهل الكتاب طعامنا لا يعني أن طعامنا حلّ لهم, فما الذي يعنيه قوله عز وجل أنه أحل لأهل الكتاب طعامنا؟ ما معنى قوله تبارك وتعالى *وطعامكم حل لهم*؟
- إذا كان قوله عز وجل أنه أحل لنا نكاح المحصنات من المؤمنات لا يعني أنه أحل لنا يومذاك نكاح المحصنات من المؤمنات فما الذي يعنيه قوله عز وعلا أنه أحل لنا زواج المحصنات من المؤمنات؟
- ما دليل فضيلة الشيخ على أن عبارة *المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا* لا يقصد بها اليهوديات ولا المسيحيات وإنما يقصد بها المسلمات.
باختصار, إذا كان قول الله سبحانه وتعالى أنه قد أحل لنا الطيبات لا يعني أنه سبحانه وتعالى قد أحل لنا الطيبات, وإذا كان قوله إن طعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لنا لا يعني أن طعامهم حلّ لنا, وإذا كان قوله عز ذكره إن طعامنا حلّ لهم لا يعني أن طعامنا حلّ لهم, وإذا كان قوله إن الزواج من المحصنات المؤمنات حلّ لنا لا يعني أن الزواج من المحصنات المؤمنات حلّ لنا, فما الذي يعنيه الله من قوله إنه أحل لنا يومذاك الطيبات, وأحل لنا طعام أهل الكتاب, وأحل لأهل الكتاب طعامنا, وأحل لنا الزواج من المحصنات المؤمنات؟ حقيقة الأمر, ما معنى الآية الخامسة من سورة المائدة؟ باختصار أشد, إذا كان فضيلة الشيخ أحمد المُهري قد بيّن أن المعنى “السطحي” لا يصلح فما هو المعنى “العميق”؟ ما معنى الآية الخامسة من سورة المائدة؟
يقول شيخنا الفاضل:
قال تعالى في سورة المائدة: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5).
لنحلل الآية قليلا. اليوم أحل لكم الطيبات: هل تعني بأن الطيبات كانت محرمة عليهم ثم أحلت لهم ذلك اليوم، أم تعني أمرا آخر غير مرتبط بالتشريع؟
وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم: لا يمكن أن تعني الآية بأن اليهود رضوا بأن يأكلوا لحم الجمل المحلل عند المسلمين والمحرم عندهم. فما معنى طعامكم حل لهم إذن؟ هذا الموضوع يدل أيضا أن المسألة ليست تشريعية بل إنه سبحانه يريد أن يمن على أهل مكة بحصول حادث آخر.
والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان: اليوم أحل الله لهم الزواج من المحصنات من المؤمنات فهل كانت المحصنات من المؤمنات محرمات عليهم قبل ذلك اليوم؟
والواقع أن مسألة أهل الكتاب أو الذين أوتوا الكتاب من قبل هي مسألة شرف وفخار للذين عرفوا بينهم باليهود والنصارى – والذين آمنوا منهم برسالة نبينا – فإن الله تعالى لم يرض أن يزيل عنهم ذلك الشرف العظيم ولذلك سماهم الذين أوتوا الكتاب من قبل كسمة طيبة يفخرون بها. قال تعالى في سورة آل عمران:
*لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ* آل عمران: 114
هؤلاء هم المسلمون ولكن الله تعالى سماهم أهل الكتاب لأن تلك صفة طيبة ومن حقهم أن يتصفوا بها دائما حتى بعد أن تقبلوا الدين السماوي الجديد.
قال تعالى في نهاية آل عمران: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199). فالمقصود من أهل الكتاب في سورة المائدة هم أهل الكتاب الذين آمنوا بالقرآن وبرسالة محمّد عليه السلام وليس الذين رفضوا. فالله تعالى لا يتحدث عن تشريع في الواقع بل يتحدث عن منة كبيرة على الذين آمنوا من المشركين. كان أهل الكتاب يستنكفون الأكل من ذبائح مشركي مكة ويأبون الزواج منهم. فالله تعالى وفي آخر سورة من القرآن (كما يقولون) يريد أن يمن عليهم بما فعله من أجلهم. قال تعالى قبل ذلك في نفس المائدة:
*حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ ِلأِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* المائدة: 3
هذه التحريمات تمثل تشريع الله تعالى لأهل الأرض وليست خاصة بالمسلمين بل هي لكل البشر من أول يوم ولكن أهل الحجاز في الواقع تعلموا كيف يحددوا أكلهم ومتعهم بعد أن أسلموا وتكامل نزول القرآن عليهم. فالله تعالى يقول لهم بأنه أكمل لهم دينهم بمعنى أن إكمال التشريعات الدينية في الذبائح كانت لهم ولكن أهل الكتاب كانوا يعلمون بها من قبل. كان أهل الكتاب مسلمين من قبل ولكن إبراهيم سمى هؤلاء بالمسلمين. قال تعالى في سورة المائدة: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْلِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44).
لكن الإسلام كإسم هو خاص بالذين آمنوا بالقرآن بناء على تسمية إبراهيم ولا دخل له بالله تعالى. قال تعالى في سورة الحج: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78).
فالذي حصل في ذلك اليوم هو أن الله تعالى رفع الحواجز بين المؤمنين من أهل الكتاب والمؤمنين من الذين أشركوا من قبل فأصبحوا بنعمة الله إخوانا. فأكل ذبائح أهل الكتاب الذين آمنوا صار نفس أكل المشركين الذين تركوا الشرك وآمنوا بالله ورسوله. والكتابيون الذين كانوا يأبون الزواج مع الذين كانوا مشركين فقد شعروا بأنهم إخوان مع بعض ورضوا بأن يتم التزاوج بينهم وبين المؤمنين الذين سبق لهم الشرك.
وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ؛ فهو للمنع من إخفاء الإيمان.
يقول سبحانه في سورة آل عمران: لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29).
هناك منع الله تعالى من أن يستند المؤمنون على مصادقة الكافرين وأمرهم بإظهار دينهم. كان ذلك ضروريا لتشجيع الناس على كسر حواجز الخوف من قدرات الذين يغطون حقائق الإيمان فيكفرون بها لتقوية أواصر القدرات الدنيوية بينهم. والتهديد هناك قوي جدا, وكان الحديث هناك عن أهل الكتاب أيضا كما نراه في الآيات السابقة من آل عمران وهي: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (22).
لكنه سبحانه سمح للمؤمنين أيام نزول آيات آل عمران أن يستعملوا التقية لمرة واحدة أو نوع واحد من التقوى (التقية) بقوله الكريم “إلا أن تتقوا منهم تقاة”. ولعل المقصود هو أن يتقي المرء حينما ينحصر ويشعر بالخطر ولكن عليه أن يسعى لدفع الخطر فيظهر لهم إيمانه ويتغلب على الخوف إن كان الخطر المحدق غير حقيقي.
والشأن تغير تماما يوم نزول المائدة. هناك التحق الكثير من أهل الكتاب بالمسلمين وصاروا إخوانا لهم فانكسرت شوكة أهل الكتاب الذين رفضوا الدعوة الجديدة وتمزقت وحدتهم وانهارت صفوفهم ودب فيهم الفشل والذعر فلا داعي للاتقاء إطلاقا. ثم إن الله تعالى يريد أن يعلمهم درس الإسلام ليقفوا على قوة الدين الإسلامي الذي يساير نظام الطبيعة ويتحلى معتنقوه الحقيقيون بالنصر والمساعدة من ربهم. إنه سبحانه يعتبر الاتقاء اليوم بمثابة تغطية حقيقية لواقع الدين الحنيف. هذا العمل ينطوي على ضرر كبير للطفل المسلم الذي تتقلص شجاعته في كل موقف تقوي يراه من والديه أو من كبار قومه. سوف يتأثر سلبيا ويظن بأن دينه غير قابل للظهور بأنه يرى قومه يسعون لإخفاء معالمه كما أنه سوف يصاب بالوسوسة في داخله خوفا من أن يكون دينه مماثلا للأديان الضعيفة الأخرى في الأرض ولذلك يسعى أهل هذا الدين لإخفاء دينهم.
إن من شأن الإسلام الصحيح أن يدعو الذين يرون المسلمين في ملابسهم الحقيقية ليشعروا بالود تجاههم فتتقرب إليهم قلوبهم ويسعون للالتحاق بهم. ولا يمكن تحقيق مثل هذه الدعوة العملية إلا بإظهار حقائق الدين دون خوف أو وجل. لو كان الرسول ساعيا لإخفاء دينه لما برز الإسلام أبدا و لزالت كل آثاره. ذلك لأن الإسلام لا يسمح أبدا باستعمال الضغوط لفرضه على أحد فهو دين الحرية والكرامة. إن ما نراه اليوم من غالبية المسلمين بعيد عن روح الإسلام ومتعارض لتعليمات القرآن. ليس للإسلام أية حاجة للإخفاء تقية ما دامت دعوته مصحوبة بالحرية والكرامة حتى بالنسبة لأبناء الفرد المسلم وأقاربه. لا يجوز بأي شكل فرض الدين على أحد كما لا يجوز بأي شكل منع المسلم من أن يخرج من دينه ويتخذ لنفسه دينا آخر. اللهم إلا أن نمنح النصح له بدون أن تمارس الأمة المسلمة ضده أي ضغط. إن من خصائص هذا الدين أن يُظهر المسلمون إسلامهم ليرى الناس بأن تعليماتهم ملائمة لحياتهم كبشر ولا تعارض حرياتهم ولا تسمح بفرض الدين عليهم. فلماذا التقية؟
ولذلك منع الله تعالى بعد ظهور حقيقة الإسلام وبعد تمكن هذا الدين من جذب كل إنسان يحمل نفسا طيبة من أي دين كان إلى نفسه، منع سبحانه من التقية بأي عذر بعد ذلك اليوم. والكفر يعني التغطية كما أن الإيمان يعني ما يظهر من المؤمنين ويكون قابلا للتغطية والكفر.
تظهر من المؤمنين الصلاة وحب الخير وحب البشر وتظهر منهم التضحيات إن صارت ضرورية وعلى كل حال فإنهم يصومون شهرا في كل عام. تلك تضحية متكررة ضد حاجة البدن للأكل والشرب والمتع الأخرى. المؤمن الحقيقي لا يدعو إلى غير الله تعالى ويحب كل البشر حتى غير المسلمين ويعتبرهم جميعا إخوانا له بغض النظر عن درجاتهم الدنيوية النسبية مثل الأبوة والأمومة والعمومة والملك والنبوة وكذلك العلم والفن والقوة البدنية والمالية وغيرها. إن كل المسلمين إخوان مع بعضهم يعيشون ساعات أخوة تتكرر خمس مرات كل يوم كما نرى الآية التالية لها تأمرهم جميعا لممارسة أرخص أنواع الاستقبال لإخوانهم من كل الطبقات. إنها آية الوضوء والتيمم ولا يمكنني أن أشرحهما هنا.
وأما حبط العمل فهو ما سيحصل لمن يخفي دينه في الدنيا والآخرة. فسوف يخيب في الدنيا ويرى سعيه غير نفاذ في قلوب الناس. ولو أن أفرادا من الناس انجذبوا إليه فإنه لن ينتصر نصرا بارزا. نحن نرى الكثيرين اليوم ينجذبون للأديان سواء المنسوبة إلى الإسلام أو غير الإسلام، لكنهم جميعا لم يتمكنوا من تحقيق السلام لأتباعهم. نحن نفقد النصر الإلهي ونفقد الشعور بالسلم وينقصنا الاطمئنان. ذلك يعني أن ما نصبو إليه بعيد عنا. إننا نعمل ونجتهد ونبني المساجد ونقيم الدول ولكننا لا نسلم من شرور أنفسنا ومن شرور الآخرين. هذا دليل واضح بأن مساعينا باءت بالفشل. دع عنك الدعايات القوية التي نتشبث بها فإن شعوبنا لا زالت ترزخ تحت الديكتاتورية والاستعمار والنهب من قبل بعض أفرادهم ومن قبل الأجانب. فأعمالنا ونوايانا لم تبلغ أهدافها.
والذين يعدوننا بالآخرة من أصحاب المصالح الدينية والسياسية والاقتصادية من بيننا فهم ليسوا صادقين. ليس هناك وعد إلهي قرآني لأمثالنا بالنجاة والفوز يوم يقوم الحساب مع الأسف. فنحن خاسرون في الآخرة إلا إذا وفقنا الله تعالى لتغيير أنفسنا. هناك يغير الله تعالى ما بنا من خلل فتبلغ أعمالنا الهدف ونتوفق لكسب الرضوان من ربنا فنفوز يوم الحساب.
هذا ما يعنيه المقطع الأخير من الآية الكريمة برأيي القاصر وبه نعرف بأن حديث الآية الكريمة لم يكن حول تحليل أو تحريم بل حول منة الله تعالى عليهم بالأخوة مع الذين أسلموا من أهل الكتاب وبرفع الحواجز بينهم فصار المسلم الذي أوتي الكتاب من قبل لا يتكبر على أخيه المسلم الذي كان مشركا من قبل فأصبحوا بنعمته إخوانا. وأما الذين رفضوا دعوة رسول الله فهم ليسوا مشمولين في هذه الآية الكريمة من سورة المائدة. والعلم عند المولى عز شأنه.
أحمد المُهري
20/9/2016
- الفرق بين المعنى السطحي والمعنى العميق
*الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ* المائدة: 5
يرى فضيلة الشيخ أحمد المُهري, وذلك كما رأينا, أن قول الله *اليوم أحل لكم الطيبات* لا يعني, حقيقة الأمر, أنه قد أحل لنا الطيبات يومذاك. هذا هو السبب في تساؤل فضيلته عما إذا كانت الطيبات محرمة علينا ثم أحلها الله لنا ذلك اليوم, أم أن الآية الكريمة تعني أمرًا آخر غير مرتبط بالتشريع؟ كذلك يشير فضيلته إلى أن قوله تبارك وتعالى *وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم* لا يمكن أن يعني أن اليهود رضوا بأن يأكلوا لحم الجمل المحلل عند المسلمين والمحرم عندهم, وعليه, يتساءل فضيلته عن معنى *طعامكم حل لهم*. يشير فضيلته هنا إلى أن “هذا الموضوع يدل أيضًا على أن المسألة ليست تشريعية بل إنه سبحانه يريد أن يمن على أهل مكة بحصول حادث آخر”.
المسألة, إذن, ليست تشريعية كما كنا نتخيل وإنما الموضوع مختلف تمامًا. حقًا, تعطينا الآية الكريمة انطباعًا بأن المسألة “تشريعية” حيث إنها – سطحيًا على الأقل – تحدثنا عن كيف أحل الله لنا الطيبات, وهو تشريع, وكيف أحل لنا طعام الذين أوتوا الكتاب, وهو أيضًا تشريع, وكيف أحل طعامنا للذين أوتوا الكتاب, وهو كذلك تشريع, وكيف أحل لنا الزواج من المحصنات من المؤمنات, وهو بالمثل تشريع, وكذا الزواج من المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا, وهو الآخر تشريع, إلا أن المسألة لا علاقة لها “بالتشريع” وإنما الهدف من الآية الكريمة هو المن على أهل مكة.
من الضروري للغاية الانتباه هنا إلى أن فضيلة الشيخ أحمد المُهري قد ذهب مسبقًا إلى أن الآية الكريمة ليس بها تشريع واحد. إذ لا يمكن القول بأن قوله تبارك وتعالى *اليوم أحل لكم الطيبات” يعني فعلاً أن الله قد أحل لنا الطيبات. متى كانت الطيبات محرمة حتى يخبرنا الله بأنه قد أحلها؟ كما لا يمكن القول بأن قوله جل جلاله *وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم* يعني أن طعام الذين أوتوا الكتاب حل لنا. كيف, بحق الله, يمكن القول بأن طعام الذين أوتوا الكتاب حل لنا إذا كان الذين أوتوا الكتاب يأكلون لحم الخنزير المحرم علينا؟ كما لا يمكن القول بأن طعامنا حل لهم يعني أن طعامنا حل لهم. كيف يمكن لليهود أن يأكلوا لحم الجمل الذي نأكله وهو محرّم عليهم؟ كما لا يمكن القول بأن الله قد أحل لنا الزواج من المحصنات من المؤمنات. متى كان الزواج من المحصنات من المؤمنات محرمًا حتى يحله الله؟
يذهب فضيلة الشيخ أحمد المُهري, إذن, إلى أن الآية ليس بها تشريع, ولا يقصد منها التشريع, وإنما المقصود منها المن على مشركي مكة بإتاحة الفرصة لهم لدخول دين الله. يبيّن فضيلة الشيخ أحمد المُهري, في هذا الصدد, أن:
“الله تعالى لا يتحدث عن تشريع في الواقع بل يتحدث عن منة كبيرة على الذين آمنوا من المشركين. كان أهل الكتاب يستنكفون عن الأكل من ذبائح مشركي مكة ويأبون الزواج منهم. فالله تعالى وفي آخر سورة من القرآن (كما يقولون) يريد أن يمن عليهم بما فعله من أجلهم”.
كذلك يبيّن فضيلته أن:
“مسألة أهل الكتاب أو الذين أوتوا الكتاب من قبل هي مسألة شرف وفخار للذين عرفوا بينهم باليهود والنصارى. والذين آمنوا منهم برسالة نبينا فإن الله تعالى لم يرض أن يزيل عنهم ذلك الشرف العظيم ولذلك سماهم الذين أوتوا الكتاب من قبل كسمة طيبة يفخرون بها. هؤلاء هم المسلمون ولكن الله تعالى سماهم أهل الكتاب لأن تلك صفة طيبة ومن حقهم أن يتصفوا بها دائما حتى بعد أن تقبلوا الدين السماوي الجديد. أي أن المقصود من أهل الكتاب في سورة المائدة هم أهل الكتاب الذين آمنوا بالقرآن وبرسالة محمّد عليه السلام وليس الذين رفضوا دخول دين الله”.
“الذي حصل في ذلك اليوم, إذن – كما يخبرنا فضيلته – هو أن الله تعالى رفع الحواجز بين المؤمنين من أهل الكتاب والمؤمنين من الذين أشركوا من قبل فأصبحوا بنعمة الله إخوانا. فأكل ذبائح أهل الكتاب الذين آمنوا صار نفس أكل المشركين الذين تركوا الشرك وآمنوا بالله ورسوله. والكتابيون الذين كانوا يأبون الزواج من الذين كانوا مشركين فقد شعروا بأنهم إخوان مع بعض ورضوا بأن يتم التزاوج بينهم وبين المؤمنين الذين سبق لهم الشرك. أي أن الشأن قد تغير تماما يوم نزول المائدة. هناك التحق الكثير من أهل الكتاب بالمسلمين وصاروا إخوانا لهم فانكسرت شوكة أهل الكتاب الذين رفضوا الدعوة الجديدة وتمزقت وحدتهم وانهارت صفوفهم ودب فيهم الفشل والذعر”.
وأخيرًا, وأيضًا كما يخبرنا فضيلة الشيخ أحمد المُهري, فـ:
“هذا ما يعنيه المقطع الأخير من الآية الكريمة برأيي القاصر وبه نعرف بأن حديث الآية الكريمة لم يكن حول تحليل أو تحريم بل حول منة الله تعالى عليهم بالأخوة مع الذين أسلموا من أهل الكتاب وبرفع الحواجز بينهم فصار المسلم الذي أوتي الكتاب من قبل لا يتكبر على أخيه المسلم الذي كان مشركا من قبل فأصبحوا بنعمته إخوانا”.
وعلى من كان “يتخيل” أن الله قد أحل لنا الطيبات, وطعام أهل الكتاب, كما أحل لأهل الكتاب طعامنا, أو أنه أحل لنا الزواج من المحصنات المؤمنات أو المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا أن ينتبه إلى أن شيئًا من هذا لم يحدث.
- فكرة أن الله قد أحل لنا الطيبات فكرة وهمية, و
- فكرة أن الله أحل لنا طعام أهل الكتاب هي أيضًا فكرة وهمية, و
- فكرة أن الله أحل لأهل الكتاب طعامنا فكرة لا تقل عنها وهمية, و
- فكرة أن الله قد أحل لنا الزواج من المحصنات المؤمنات أو المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا هي أكثر هذه الأفكار الوهمية وهمية.
أو, على الأقل, هذا ما يخبرنا به فضيلة الشيخ أحمد المُهري.
خالص الشكر والتقدير لفضيلة الشيخ أحمد المُهري على كريم رسالته. أدعو الله أن يسبغ عليه ثوب الصحة والعافية, وأن يطيل في عمره, وينفعنا وينفع الناس بعلمه. وللحديث, إن شاء الله, بقية إن شاءت إرادة الله أن تكون هناك بقية.
رسالة فضيلة الشيخ أحمد المُهري
*الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ* المائدة: 5
نشرت منذ يومين رسالة بعنوان “زواج المسلمين من غير المسلمين” ذهبت فيها إلى أن الله سبحانه وتعالى قد أحل للمسلمين الزواج من المسيحيات واليهوديات. كان دليلي على صحة ما أذهب إليه هو ما جاء في الآية الخامسة من سورة المائدة من أن الله جل جلاله قد أحل لنا نكاح الْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْكِتَابَيات. أي أحل لنا نكاح المسيحيات واليهوديات. قام شيخنا وأستاذنا الكبير, فضيلة الشيخ أحمد المُهري أطال الله عمره, ومتعه بالصحة والعافية, بالكتابة إلينا مبينا خطأ ما ذهبنا إليه.
يرى شيخنا الفاضل ضرورة الانتباه إلى أن المعنى السطحي للآية الكريمة ليس هو المعنى العميق. مثال على ذلك:
أولاً, أن قول الله سبحانه وتعالى *اليوم أحل لكم الطيبات* لا يعني أن الله سبحانه وتعالى قد أحل لنا الطيبات لأن القول بأن الله قد أحل لنا اليوم الطيبات إنما يعني بأن الطيبات كانت محرمة علينا ثم أحلها لنا سبحانه يومذاك.
ثانيًا, أن قوله عز وجل أنه أحل لنا طعام الذين أوتوا الكتاب لا يمكن أن يكون المقصود به أن طعام أهل الكتاب حلّ لنا إذ لو كان ذلك صحيحا لكان أكل لحم الخنزير حلالا.
ثالثا, أن قوله عز وجل أنه أحل لأهل الكتاب طعامنا لا يمكن أن يكون المقصود به أن طعامنا حلّ لهم فلحم الجمل الحلال عندنا هو محرم عندهم ولا يمكن أن تعني الآية الكريمة أن اليهود قد رضوا بأن يأكلوا لحم الجمل.
رابعًا, أن قوله عز وجل أنه أحل لنا نكاح المحصنات من المؤمنات لا يعني أنه أحل لنا يومذاك نكاح المحصنات من المؤمنات إذ أن ذلك يعني أن المحصنات من المؤمنات كن محرمات علينا قبل ذاك اليوم.
خامسًا, وفيما يتعلق بما ورد بالآية الكريمة بخصوص حلية الزواج من اليهوديات والمسيحيات فإن شيخنا الفاضل يبين لنا أن ذلك إنما هو سوء فهم منا. يرى فضيلة الشيخ أحمد المُهري أن إشارة الله سبحانه وتعالى إلى “المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا” لا يقصد بها اليهوديات والمسيحيات وإنما يقصد بها المسلمات. بصورة أوضح يرى شيخنا الفاضل أن عبارة *المحصنات من المؤمنات* يُقصد بها المسلمات اللاتي تحولن من الشرك إلى الإسلام, علي حين يقصد بعبارة *المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم* المسلمات اللاتي تحولن من اليهودية أو المسيحية إلى الإسلام. موضوع أن الله قد أحل لنا الزواج من اليهوديات والمسيحيات, بهذا الشكل, هو موضوع لا أساس له من الصحة أصلا. ما أحله لنا الله, حسب ما يذهب إليه شيخنا الفاضل, هو الزواج من المحصنات من المؤمنات أو الزواج من المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا. وتلكم مسلمات وتلكم مسلمات, ولا يهوديات هناك ولا مسيحيات, وإنما الأمر سوء فهم لمقصد الله.
وكأن المسألة, بهذا الشكل, هي كالتالي:
- أن قول الله سبحانه وتعالى *اليوم أحل لكم الطيبات* لا يعني أن الله سبحانه وتعالى قد أحل لنا الطيبات يومذاك.
- أن قوله عز وجل أنه أحل لنا طعام الذين أوتوا الكتاب لا يعني أن طعامهم حلال.
- أن قوله عز وجل أنه أحل لأهل الكتاب طعامنا لا يعني أن طعامنا حلال لهم.
- أن قوله عز وجل أنه أحل لنا نكاح المحصنات من المؤمنات لا يعني أنه أحل لنا يومذاك نكاح المحصنات من المؤمنات.
- أن عبارة *المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا* لا يقصد بها اليهوديات ولا المسيحيات وإنما يقصد بها المسلمات.
لا يوجد لديّ أدنى شك في أهمية ما يخبرنا به فضيلة الشيخ أحمد المُهري, لا يوجد لدي أدنى شك كذلك في ضرورة النظر إلى تبعات ما كشف عنه فضيلته. تحديدًا:
- إذا كان قول الله سبحانه وتعالى *اليوم أحل لكم الطيبات” لا يعني أن الله سبحانه وتعالى قد أحل لنا الطيبات يومذاك, فما الذي يعنيه؟ ما المقصود من قول الله تعالى *اليوم أحل لك الطيبات*؟
- إذا كان قوله عز وجل أنه أحل لنا طعام الذين أوتوا الكتاب لا يعني أن طعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لنا فما الذي يعنيه؟ ما معنى قول الله *وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ*؟
- إذا كان قوله عز وجل أنه أحل لأهل الكتاب طعامنا لا يعني أن طعامنا حلّ لهم, فما الذي يعنيه قوله عز وجل أنه أحل لأهل الكتاب طعامنا؟ ما معنى قوله تبارك وتعالى *وطعامكم حل لهم*؟
- إذا كان قوله عز وجل أنه أحل لنا نكاح المحصنات من المؤمنات لا يعني أنه أحل لنا يومذاك نكاح المحصنات من المؤمنات فما الذي يعنيه قوله عز وعلا أنه أحل لنا زواج المحصنات من المؤمنات؟
- ما دليل فضيلة الشيخ على أن عبارة *المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا* لا يقصد بها اليهوديات ولا المسيحيات وإنما يقصد بها المسلمات.
باختصار, إذا كان قول الله سبحانه وتعالى أنه قد أحل لنا الطيبات لا يعني أنه سبحانه وتعالى قد أحل لنا الطيبات, وإذا كان قوله إن طعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لنا لا يعني أن طعامهم حلّ لنا, وإذا كان قوله عز ذكره إن طعامنا حلّ لهم لا يعني أن طعامنا حلّ لهم, وإذا كان قوله إن الزواج من المحصنات المؤمنات حلّ لنا لا يعني أن الزواج من المحصنات المؤمنات حلّ لنا, فما الذي يعنيه الله من قوله إنه أحل لنا يومذاك الطيبات, وأحل لنا طعام أهل الكتاب, وأحل لأهل الكتاب طعامنا, وأحل لنا الزواج من المحصنات المؤمنات؟ حقيقة الأمر, ما معنى الآية الخامسة من سورة المائدة؟ باختصار أشد, إذا كان فضيلة الشيخ أحمد المُهري قد بيّن أن المعنى “السطحي” لا يصلح فما هو المعنى “العميق”؟ ما معنى الآية الخامسة من سورة المائدة؟
يقول شيخنا الفاضل:
قال تعالى في سورة المائدة: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5).
لنحلل الآية قليلا. اليوم أحل لكم الطيبات: هل تعني بأن الطيبات كانت محرمة عليهم ثم أحلت لهم ذلك اليوم، أم تعني أمرا آخر غير مرتبط بالتشريع؟
وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم: لا يمكن أن تعني الآية بأن اليهود رضوا بأن يأكلوا لحم الجمل المحلل عند المسلمين والمحرم عندهم. فما معنى طعامكم حل لهم إذن؟
هذا الموضوع يدل أيضا بأن المسألة ليست تشريعية بل إنه سبحانه يريد أن يمن على أهل مكة بحصول حادث آخر.
والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان: اليوم أحل الله لهم الزواج من المحصنات من المؤمنات فهل كانت المحصنات من المؤمنات محرمات عليهم قبل ذلك اليوم؟
والواقع أن مسألة أهل الكتاب أو الذين أوتوا الكتاب من قبل هي مسألة شرف وفخار للذين عرفوا بينهم باليهود والنصارى. والذين آمنوا منهم برسالة نبينا فإن الله تعالى لم يرض أن يزيل عنهم ذلك الشرف العظيم ولذلك سماهم الذين أوتوا الكتاب من قبل كسمة طيبة يفخرون بها. قال تعالى في سورة آل عمران: لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114). هؤلاء هم المسلمون ولكن الله تعالى سماهم أهل الكتاب لأن تلك صفة طيبة ومن حقهم أن يتصفوا بها دائما حتى بعد أن تقبلوا الدين السماوي الجديد.
قال تعالى في نهاية آل عمران: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199). فالمقصود من أهل الكتاب في سورة المائدة هم أهل الكتاب الذين آمنوا بالقرآن وبرسالة محمد عليه السلام وليس الذين رفضوا. فالله تعالى لا يتحدث عن تشريع في الواقع بل يتحدث عن منة كبيرة على الذين آمنوا من المشركين. كان أهل الكتاب يستنكفون عن الأكل من ذبائح مشركي مكة ويأبون الزواج معهم. فالله تعالى وفي آخر سورة من القرآن (كما يقولون) يريد أن يمن عليهم بما فعله من أجلهم. قال تعالى قبل ذلك في نفس المائدة:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ ِلأِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3).
هذه التحريمات تمثل تشريع الله تعالى لأهل الأرض وليست خاصة بالمسلمين بل هي لكل البشر من أول يوم. ولكن أهل الحجاز في الواقع تعلموا كيف يحددوا أكلهم ومتعهم بعد أن أسلموا وتكامل نزول القرآن عليهم. فالله تعالى يقول لهم بأنه أكمل لهم دينهم بمعنى أن إكمال التشريعات الدينية في الذبائح كانت لهم ولكن أهل الكتاب كانوا يعلمون بها من قبل. كان أهل الكتاب مسلمين من قبل ولكن إبراهيم سمى هؤلاء بالمسلمين. قال تعالى في سورة المائدة: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْلِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44).
لكن الإسلام كإسم هو خاص بالذين آمنوا بالقرآن بناء على تسمية إبراهيم ولا دخل له بالله تعالى. قال تعالى في سورة الحج: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78).
فالذي حصل في ذلك اليوم هو أن الله تعالى رفع الحواجز بين المؤمنين من أهل الكتاب والمؤمنين من الذين أشركوا من قبل فأصبحوا بنعمة الله إخوانا. فأكل ذبائح أهل الكتاب الذين آمنوا صار نفس أكل المشركين الذين تركوا الشرك وآمنوا بالله ورسوله. والكتابيون الذين كانوا يأبون الزواج مع الذين كانوا مشركين فقد شعروا بأنهم إخوان مع بعض ورضوا بأن يتم التزاوج بينهم وبين المؤمنين الذين سبق لهم الشرك.
وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ؛ فهو للمنع من إخفاء الإيمان.
يقول سبحانه في سورة آل عمران: لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29).
هناك منع الله تعالى من أن يستند المؤمنون على مصادقة الكافرين وأمرهم بإظهار دينهم. كان ذلك ضروريا لتشجيع الناس على كسر حواجز الخوف من قدرات الذين يغطون حقائق الإيمان فيكفرون بها لتقوية أواصر القدرات الدنيوية بينهم. والتهديد هناك قوي جدا. وكان الحديث هناك عن أهل الكتاب أيضا كما نراه في الآيات السابقة من آل عمران وهي: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (22).
لكنه سبحانه سمح للمؤمنين أيام نزول آيات آل عمران أن يستعملوا التقية لمرة واحدة أو نوع واحد من التقوى (التقية) بقوله الكريم “إلا أن تتقوا منهم تقاة”. ولعل المقصود هو أن يتقي المرء حينما ينحصر ويشعر بالخطر ولكن عليه أن يسعى لدفع الخطر فيظهر لهم إيمانه ويتغلب على الخوف إن كان الخطر المحدق غير حقيقي.
والشأن تغير تماما يوم نزول المائدة. هناك التحق الكثير من أهل الكتاب بالمسلمين وصاروا إخوانا لهم فانكسرت شوكة أهل الكتاب الذين رفضوا الدعوة الجديدة وتمزقت وحدتهم وانهارت صفوفهم ودب فيهم الفشل والذعر فلا داعي للاتقاء إطلاقا. ثم إن الله تعالى يريد أن يعلمهم درس الإسلام ليقفوا على قوة الدين الإسلامي الذي يساير نظام الطبيعة ويتحلى معتنقوه الحقيقيون بالنصر والمساعدة من ربهم. إنه سبحانه يعتبر الاتقاء اليوم بمثابة تغطية حقيقية لواقع الدين الحنيف. هذا العمل ينطوي على ضرر كبير للطفل المسلم الذي تتقلص شجاعته في كل موقف تقوي يراه من والديه أو من كبار قومه. سوف يتأثر سلبيا ويظن بأن دينه غير قابل للظهور بأنه يرى قومه يسعون لإخفاء معالمه كما أنه سوف يصاب بالوسوسة في داخله خوفا من أن يكون دينه مماثلا للأديان الضعيفة الأخرى في الأرض ولذلك يسعى أهل هذا الدين لإخفاء دينهم.
إن من شأن الإسلام الصحيح أن يدعو الذين يرون المسلمين في ملابسهم الحقيقية ليشعروا بالود تجاههم فتتقرب إليهم قلوبهم ويسعون للالتحاق بهم. ولا يمكن تحقيق مثل هذه الدعوة العملية إلا بإظهار حقائق الدين دون خوف أو وجل. لو كان الرسول ساعيا لإخفاء دينه لما برز الإسلام أبدا و لزالت كل آثاره. ذلك لأن الإسلام لا يسمح أبدا باستعمال الضغوط لفرضه على أحد فهو دين الحرية والكرامة. إن ما نراه اليوم من غالبية المسلمين بعيد عن روح الإسلام ومتعارض لتعليمات القرآن. ليس للإسلام أية حاجة للإخفاء تقية ما دامت دعوته مصحوبة بالحرية والكرامة حتى بالنسبة لأبناء الفرد المسلم وأقاربه. لا يجوز بأي شكل فرض الدين على أحد كما لا يجوز بأي شكل منع المسلم من أن يخرج من دينه ويتخذ لنفسه دينا آخر. اللهم إلا أن نمنح النصح له بدون أن تمارس الأمة المسلمة ضده أي ضغط. إن من خصائص هذا الدين أن يُظهر المسلمون إسلامهم ليرى الناس بأن تعليماتهم ملائمة لحياتهم كبشر ولا تعارض حرياتهم ولا تسمح بفرض الدين عليهم. فلماذا التقية؟
ولذلك منع الله تعالى بعد ظهور حقيقة الإسلام وبعد تمكن هذا الدين من جذب كل إنسان يحمل نفسا طيبة من أي دين كان إلى نفسه، منع سبحانه من التقية بأي عذر بعد ذلك اليوم. والكفر يعني التغطية كما أن الإيمان يعني ما يظهر من المؤمنين ويكون قابلا للتغطية والكفر.
تظهر من المؤمنين الصلاة وحب الخير وحب البشر وتظهر منهم التضحيات إن صارت ضرورية وعلى كل حال فإنهم يصومون شهرا في كل عام. تلك تضحية متكررة ضد حاجة البدن للأكل والشرب والمتع الأخرى. المؤمن الحقيقي لا يدعو إلى غير الله تعالى ويحب كل البشر حتى غير المسلمين ويعتبرهم جميعا إخوانا له بغض النظر عن درجاتهم الدنيوية النسبية مثل الأبوة والأمومة والعمومة والملك والنبوة وكذلك العلم والفن والقوة البدنية والمالية وغيرها. إن كل المسلمين إخوان مع بعضهم يعيشون ساعات أخوة تتكرر خمس مرات كل يوم كما نرى الآية التالية لها تأمرهم جميعا لممارسة أرخص أنواع الاستقبال لإخوانهم من كل الطبقات. إنها آية الوضوء والتيمم ولا يمكنني أن أشرحهما هنا.
وأما حبط العمل فهو ما سيحصل لمن يخفي دينه في الدنيا والآخرة. فسوف يخيب في الدنيا ويرى سعيه غير نفاذ في قلوب الناس. ولو أن أفرادا من الناس انجذبوا إليه فإنه لن ينتصر نصرا بارزا. نحن نرى الكثيرين اليوم ينجذبون للأديان سواء المنسوبة إلى الإسلام أو غير الإسلام، لكنهم جميعا لم يتمكنوا من تحقيق السلام لأتباعهم. نحن نفقد النصر الإلهي ونفقد الشعور بالسلم وينقصنا الاطمئنان. ذلك يعني أن ما نصبو إليه بعيد عنا. إننا نعمل ونجتهد ونبني المساجد ونقيم الدول ولكننا لا نسلم من شرور أنفسنا ومن شرور الآخرين. هذا دليل واضح بأن مساعينا باءت بالفشل. دع عنك الدعايات القوية التي نتشبث بها فإن شعوبنا لا زالت ترزخ تحت الديكتاتورية والاستعمار والنهب من قبل بعض أفرادهم ومن قبل الأجانب. فأعمالنا ونوايانا لم تبلغ أهدافها.
والذين يعدوننا بالآخرة من أصحاب المصالح الدينية والسياسية والاقتصادية من بيننا فهم ليسوا صادقين. ليس هناك وعد إلهي قرآني لأمثالنا بالنجاة والفوز يوم يقوم الحساب مع الأسف. فنحن خاسرون في الآخرة إلا إذا وفقنا الله تعالى لتغيير أنفسنا. هناك يغير الله تعالى ما بنا من خلل فتبلغ أعمالنا الهدف ونتوفق لكسب الرضوان من ربنا فنفوز يوم الحساب.
هذا ما يعنيه المقطع الأخير من الآية الكريمة برأيي القاصر وبه نعرف بأن حديث الآية الكريمة لم يكن حول تحليل أو تحريم بل حول منة الله تعالى عليهم بالأخوة مع الذين أسلموا من أهل الكتاب وبرفع الحواجز بينهم فصار المسلم الذي أوتي الكتاب من قبل لا يتكبر على أخيه المسلم الذي كان مشركا من قبل فأصبحوا بنعمته إخوانا.
وأما الذين رفضوا دعوة رسول الله فهم ليسوا مشمولين في هذه الآية الكريمة من سورة المائدة. والعلم عند المولى عز شأنه.
أحمد المُهري
20/9/2016
- المِنّةُ الكُبْرَى
الفكرة الأساسية التي يقدمها لنا فضيلة الشيخ أحمد المُهري في تناوله للآية الكريمة الخامسة من سورة المائدة, هي أن الآية الكريمة لا علاقة لها – كما قد يؤدي بنا خيالنا – بالحل والتحريم. حقًا, يخبرنا سبحانه وتعالى بأنه قد “أحلّ” لنا الطيبات, كما يخبرنا بأنه قد “أحلّ” لنا طعام الذين أوتوا الكتاب من قبلنا, كما يخبرنا بأنه قد “أحل” للذين أوتوا الكتاب طعامنا, كما “أحلّ” لنا الزواج من المحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا, إلا أن “التحليل الدقيق العميق” سرعان ما يكشف أن هذا الفهم ما هو إلا فهم “سطحي”. مثال على ذلك, عندما يخبرنا جل ثناؤه أنه قد أحل لنا الطيبات, هل يعني ذلك أنه جل جلاله قد أحل لنا الطيبات فعلاً؟ ألا يعني القول بأن الله قد “أحلّ” لنا الطيبات أنها كانت محرّمة؟ ومتى كانت الطيبات محرّمة؟ أيضًا, عندما يخبرنا العزيز الحكيم بأنه قد “أحلّ” طعامنا للذين أوتوا الكتاب قبلنا, ألا يعني ذلك أن اليهود قد رضوا بأن يأكلوا لحم الجمل؟ ومتى أكل اليهود لحم الجمل؟ وإذا كانت عبارة *وطعامكم حلّ لهم* لا يمكن أن تعني أن اليهود قد رضوا بأن يأكلوا لحم الجمل فما معنى طعامكم “حلّ” لهم إذن؟ ألا يعني هذا – كما يتساءل فضيلته – أن الآية الكريمة تعني أمرًا آخر غير مرتبط بالتشريع؟ ألا يدل هذا على أن المسألة ليست تشريعية بل إنه سبحانه يريد أن يمن على أهل مكة بحصول حادث آخر؟
يرى فضيلة الشيخ أحمد المُهري أن هذا الحادث الآخر الذي يمن به الله على المؤمنين هو أن الله سبحانه تعالى رفع الحواجز بين المؤمنين من أهل الكتاب والمؤمنين من الذين أشركوا من قبل فأصبحوا بنعمة الله إخوانا, وبعد أن كان أهل الكتاب يستنكفون عن الأكل من ذبائح مشركي مكة ويأبون الزواج منهم أصبح أكل المشركين الذين تركوا الشرك وآمنوا بالله ورسوله نفس أكل الكتابيين, وشعر الكتابيون الذين كانوا يأبون الزواج من الذين كانوا مشركين بأنهم إخوان مع بعض ورضوا بأن يتم التزاوج بينهم وبين المؤمنين الذين سبق لهم الشرك.
ينبهنا فضيلته هنا إلى أن عبارة “أهل الكتاب” وكذلك عبارة “الذين أوتوا الكتاب من قبل” لا تشير – كما قد نتخيل – إلى اليهود أو المسيحيين, وإنما تشير إلى المسلمين. أي أن المقصود بأهل الكتاب في سورة المائدة هم أهل الكتاب الذين آمنوا بالقرآن وبرسالة محمّد عليه السلام وليس الذين رفضوا. هؤلاء مسلمون ولكن الله تعالى سماهم أهل الكتاب لأن تلك صفة طيبة ومن حقهم أن يتصفوا بها دائمًا حتى بعد أن تقبلوا الدين السماوي الجديد. يبيّن فضيلته أن مسألة أهل الكتاب أو الذين أوتوا الكتاب من قبل هي مسألة شرف وفخار للذين عرفوا بينهم باليهود والنصارى من الذين آمنوا برسالة نبينا. كذلك يرى فضيلته أن الله سبحانه وتعالى لم يرض أن يزيل عنهم ذلك الشرف العظيم ولذلك سماهم الذين أوتوا الكتاب من قبل كسمة طيبة يفخرون بها, وهكذا تغير الشأن تمامًا يوم نزول المائدة. هناك التحق الكثير من أهل الكتاب بالمسلمين وصاروا إخوانا لهم فانكسرت شوكة أهل الكتاب الذين رفضوا الدعوة الجديدة وتمزقت وحدتهم وانهارت صفوفهم ودب فيهم الفشل والذعر.
ختامًا, يخبرنا فضيلته بأن
هذا ما يعنيه المقطع الأخير من الآية الكريمة برأيي القاصر وبه نعرف بأن حديث الآية الكريمة لم يكن حول تحليل أو تحريم بل حول منة الله تعالى عليهم بالأخوة مع الذين أسلموا من أهل الكتاب وبرفع الحواجز بينهم فصار المسلم الذي أوتي الكتاب من قبل لا يتكبر على أخيه المسلم الذي كان مشركا من قبل فأصبحوا بنعمته إخوانا.
وفي ما يخبرنا به فضيلة الشيخ أحمد المُهري بعض المشاكل. من ذلك:
- كيف علم فضيلة الشيخ أحمد المُهري بأن أهل الكتاب كانوا يستنكفون الأكل من ذبائح مشركي مكة ويأبون الزواج منهم؟
- كيف علم فضيلته بأن عبارة “أهل الكتاب” وكذلك عبارة “الذين أوتوا الكتاب من قبل” لا تشير – كما قد نتخيل – إلى اليهود أو المسيحيين, وإنما تشير إلى من “كانوا” يهودًا أو مسيحيين قبل دخولهم الإسلام؟
- كيف علم فضيلته بأن الله تعالى سماهم أهل الكتاب لأن تلك صفة طيبة ومن حقهم أن يتصفوا بها دائمًا حتى بعد أن تقبلوا الدين السماوي الجديد؟
- كيف علم فضيلته بأن الشأن قد تغير تمامًا يوم نزول المائدة حين التحق الكثير من أهل الكتاب بالمسلمين وصاروا إخوانا لهم فانكسرت شوكة أهل الكتاب الذين رفضوا الدعوة الجديدة وتمزقت وحدتهم وانهارت صفوفهم ودب فيهم الفشل والذعر؟
- كيف علم فضيلته أن المقطع الأخير من الآية الكريمة يعني هذا وبه نعرف أن حديث الآية الكريمة لم يكن حول تحليل أو تحريم بل حول منة الله تعالى عليهم بالأخوة مع الذين أسلموا من أهل الكتاب وبرفع الحواجز بينهم فصار المسلم الذي أوتي الكتاب من قبل لا يتكبر على أخيه المسلم الذي كان مشركا من قبل فأصبحوا بنعمته إخوانا؟
- أين يبدأ المقطع الأخير؟
خالص الشكر لفضيلة الشيخ أحمد المُهري على كريم رسالته. أدعو الله أن يفيض عليه بالصحة والعافية, وأن يطيل في عمره, وينفعنا وينفع الناس بعلمه.
24 سبتمبر 2016
- أسباب التنزيل
يرى فضيلة الشيخ أحمد المُهري, إذن, أن الفكرة الأساسية التي تقدمها لنا الآية الكريمة الخامسة من سورة المائدة هي أن الله قد أنعم على المشركين بالمؤاخاة بينهم وبين الكتابيين وبذا أصبح اليهود والمسيحيون يأكلون من طعامهم ويقبلون الزواج منهم بعد أن كانوا يأنفون من أكل طعامهم ويستنكفون الزواج منهم.
يخبرنا فضيلة الشيخ أحمد المُهري أن أهل الكتاب كانوا يستنكفون الأكل من طعام مشركي مكة ويأبون الزواج معهم. كما كانت الكتابيات مؤمنات, ولم يمارسن العهر, ولم يرضين بأن يكن رفيقات, فلم يرضين بغير الزواج. أما المؤمنات من غير الذين أوتوا الكتاب من قبل فكن مشركات في الأصل وهن اللاتي عرفن بأنهن كن يمارسن السفاح أحيانا أو يصبحن أخدانا للبعض أحيانا أخر.
يبيّن فضيلته أن مسألة “أهل الكتاب” أو “الذين أوتوا الكتاب من قبل” كانت مسألة شرف وفخار لليهود والنصارى. وعليه, فإن الله سبحانه وتعالى لم يرضَ أن يزيل عنهم ذلك الشرف العظيم عندما تحولوا عن اليهودية والمسيحية وآمنوا برسالة رسول الله لذلك سماهم “الذين أوتوا الكتاب من قبل” كسمة طيبة يفخرون بها. أي أن الله سبحانه وتعالى سماهم “أهل الكتاب” حتى بعد أن تقبلوا الدين السماوي الجديد لأن تلك صفة طيبة ومن حقهم أن يتصفوا بها دائما.
يخبرنا فضيلته كذلك بأن هذا الشأن قد تغير تماما يوم نزول المائدة. هناك التحق الكثير من أهل الكتاب بالمسلمين وصاروا إخوانا لهم فانكسرت شوكة أهل الكتاب الذين رفضوا الدعوة الجديدة وتمزقت وحدتهم وانهارت صفوفهم ودب فيهم الفشل والذعر. الذي حصل في ذلك اليوم هو أن الله تعالى رفع الحواجز بين المؤمنين من أهل الكتاب والمؤمنين من الذين أشركوا من قبل فأصبحوا بنعمة الله إخوانا. فطعام أهل الكتاب الذين آمنوا صار نفس طعام المشركين الذين تركوا الشرك وآمنوا بالله ورسوله. والكتابيون الذين كانوا يأبون الزواج مع الذين كانوا مشركين فقد شعروا بأنهم إخوان مع بعض ورضوا بأن يتم التزاوج بينهم وبين المؤمنين الذين سبق لهم الشرك.
لا تتعلق الآية الكريمة, بهذا الشكل, بتحليل أو تحريم بل تتعلق بمنة الله تعالى على المشركين بالأخوة مع الذين أسلموا من أهل الكتاب وبرفع الحواجز بينهم فصار المسلم الذي أوتي الكتاب من قبل لا يتكبر على أخيه المسلم الذي كان مشركا من قبل فأصبحوا بنعمته إخوانا. وفيما يتعلق بما ورد بالآية الكريمة بخصوص حلية الزواج من اليهوديات والمسيحيات فإن شيخنا الفاضل يبين لنا أن ذلك إنما هو سوء فهم منا.
يرى فضيلة الشيخ أحمد المُهري أن إشارة الله سبحانه وتعالى إلى “المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا” لا يقصد بها اليهوديات والمسيحيات وإنما يقصد بها المسلمات. بصورة أوضح يرى شيخنا الفاضل أن عبارة *المحصنات من المؤمنات* يُقصد بها المسلمات اللاتي تحولن من الشرك إلى الإسلام, علي حين يقصد بعبارة *المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم* المسلمات اللاتي تحولن من اليهودية أو المسيحية إلى الإسلام. موضوع أن الله قد أحل لنا الزواج من اليهوديات والمسيحيات, بهذا الشكل, هو موضوع لا أساس له من الصحة أصلا. ما أحله لنا الله, حسب ما يذهب إليه شيخنا الفاضل, هو الزواج من المحصنات من المؤمنات أو الزواج من المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا. وتلكم مسلمات وتلكم مسلمات, ولا يهوديات هناك ولا مسيحيات, وإنما الأمر سوء فهم لمقصد الله. أي أن عبارة *المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا* لا يقصد بها اليهوديات ولا المسيحيات وإنما يقصد بها المسلمات.
المسألة, إذن, ليست تشريعية كما كنا نتخيل وإنما الموضوع مختلف تمامًا. حقًا, تعطينا الآية الكريمة انطباعًا بأن المسألة “تشريعية” حيث إنها – سطحيًا على الأقل – تحدثنا عن كيف أحل الله لنا الطيبات, وهو تشريع, وكيف أحل لنا طعام الذين أوتوا الكتاب, وهو أيضًا تشريع, وكيف أحل طعامنا للذين أوتوا الكتاب, وهو كذلك تشريع, وكيف أحل لنا الزواج من المحصنات من المؤمنات, وهو بالمثل تشريع, وكذا الزواج من المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا, وهو الآخر تشريع, إلا أن المسألة “ليست تشريعية” وإنما الهدف من الآية الكريمة هو المن على أهل مكة.
الآية ليس بها تشريع, ولا يقصد منها التشريع, وإنما المقصود منها المن على مشركي مكة بإتاحة الفرصة لهم لدخول دين الله. يبيّن فضيلة الشيخ أحمد المُهري, في هذا الصدد, أن: “الله تعالى لا يتحدث عن تشريع في الواقع بل يتحدث عن منة كبيرة على الذين آمنوا من المشركين. كان أهل الكتاب يستنكفون عن الأكل من ذبائح مشركي مكة ويأبون الزواج منهم. فالله تعالى وفي آخر سورة من القرآن (كما يقولون) يريد أن يمن عليهم بما فعله من أجلهم”.
وفي ما يخبرنا به فضيلة الشيخ أحمد المُهري بعض المشاكل. من ذلك:
- كيف علم فضيلة الشيخ أحمد المُهري بأن أهل الكتاب كانوا يستنكفون الأكل من ذبائح مشركي مكة ويأبون الزواج منهم؟
- كيف علم فضيلته بأن عبارة “أهل الكتاب” وكذلك عبارة “الذين أوتوا الكتاب من قبل” لا تشير – كما قد نتخيل – إلى اليهود أو المسيحيين, وإنما تشير إلى من “كانوا” يهودًا أو مسيحيين قبل دخولهم الإسلامي؟
- كيف علم فضيلته بأن الله تعالى سماهم أهل الكتاب لأن تلك صفة طيبة ومن حقهم أن يتصفوا بها دائمًا حتى بعد أن تقبلوا الدين السماوي الجديد؟
- كيف علم فضيلته بأن الشأن قد تغير تمامًا يوم نزول المائدة حين التحق الكثير من أهل الكتاب بالمسلمين وصاروا إخوانا لهم فانكسرت شوكة أهل الكتاب الذين رفضوا الدعوة الجديدة وتمزقت وحدتهم وانهارت صفوفهم ودب فيهم الفشل والذعر؟
- كيف علم فضيلته أن حديث الآية الكريمة لم يكن حول تحليل أو تحريم بل حول منة الله تعالى عليهم بالأخوة مع الذين أسلموا من أهل الكتاب وبرفع الحواجز بينهم فصار المسلم الذي أوتي الكتاب من قبل لا يتكبر على أخيه المسلم الذي كان مشركا من قبل فأصبحوا بنعمته إخوانا؟
لا يوجد لديّ أدنى شك في أهمية ما يخبرنا به فضيلة الشيخ أحمد المُهري, لا يوجد لدي أدنى شك كذلك في ضرورة النظر إلى تبعات ما كشف عنه فضيلته. تحديدًا:
ما دليل فضيلة الشيخ على أن عبارة *المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا* لا يقصد بها اليهوديات ولا المسيحيات وإنما يقصد بها المسلمات؟
وكأن المسألة, باختصار, هي كالتالي:
كيف حصل فضيلة الشيخ أحمد المُهري على هذه المعلومات التفصيلية المحيطة بظروف تنزيل الأية الكريمة الخامسة من سورة المائدة؟ ثم كيف عرف فضيلته أن
“مسألة “أهل الكتاب” أو “الذين أوتوا الكتاب من قبل” كانت مسألة شرف وفخار لليهود والنصارى. وعليه, فإن الله سبحانه وتعالى لم يرضَ أن يزيل عنهم ذلك الشرف العظيم عندما تحولوا عن اليهودية والمسيحية وآمنوا برسالة رسول الله لذلك سماهم “الذين أوتوا الكتاب من قبل” كسمة طيبة يفخرون بها؟
كيف عرف شيخنا الفاضل بأن الله لم يرضَ بأن يزيل عن أهل الكتاب شرف تسميتهم باسم “أهل الكتاب”؟ هذه أشياء لا يعلمها إلا الله.
28 سبتمبر 2016
- الرد على أسباب التنزيل 1
تعليقًا على رسالة “أسباب التنزيل”, أرسل فضيلة الشيخ أحمد المُهري رسالة مطولة يرد فيها على ما ورد في رسالة أسباب التنزيل. الرسالة طويلة ويستحيل مناقشتها بالكامل, وعليه فقد اخترت جزءًا واحدًا مما ورد بها على أن أستكمل الرد في وقت آخر إذا أعطانا الله عمرًا وصحة. يقول فضيلة الشيخ أحمد المُهري:
“أسئلة الأخ الدكتور كمال حول فهمي للآية 5 من سورة المائدة والجواب. أكتب السؤال بالأحمر.
- كيف علم فضيلة الشيخ أحمد المُهري بأن أهل الكتاب كانوا يستنكفون الأكل من ذبائح مشركي مكة ويأبون الزواج منهم؟
- أنتم اليوم أهل الكتاب السماوي المسمى بالقرآن ولا تأكلون ذبائح المشركين مثل المجوس والبوذيين؛ على أن الفاصلة بينكم وبين رسولكم حوالي 15 قرنا فكيف يمكن القول بأن النصارى بفاصلة ستة قرون تركوا كل تعليمات التوراة التي أيدها رسولهم وأكلوا مع المشركين أو تزوجوا منهم؟ أما اليهود فهم حتى يومنا هذا لا يأكلون من ذبائح المشركين ولا يتزوجون معهم. هذا دأب كل المؤمنين بالكتب السماوية. فهل نحتاج إلى دليل لنعرف ذلك؟ حينما يدخل غريب مصر ويزور الكثير من المدن المصرية ويرى المسيحي والمسلم وغيرهما يتحدثون العربية ثم يدخل المكتبات ويرى كل الكتب القديمة والحديثة مكتوبة بالعربية فيقول بأن مصر عرب من قديم الزمان. ولكن لو جاء أحد بدليل ضده بأن المصريين قبل عشرين قرنا ما كانوا يتحدثون العربية؛ هناك نقول بأن العربية بدأت من زمان ما بعد تاريخ العشرين قرن. فأنت يجب أن تأتي بدليل بأن الكتابيين قبل نزول القرآن كانوا يأكلون من ذبائح المشركين ويتزوجون منهم ويزوجونهم بناتهم.
اليهود يفرضون ذكر بركات الله على الحيوانات في مسالخهم والبقاء على الذكر حتى يتم ذبح كلها وهذه سنة يهودية مثل سنن الصلاة والذبح عندنا وهي باقية حتى اليوم. ولكن المشركين لم يذكروا اسم الله دائما على الحيوانات حين ذبحها فكيف كان ممكنا لليهود أن يأكلوا منها؟ قال تعالى في سورة الأنعام: وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (138). بالطبع من هذه الآية الكريمة يمكننا استنتاج أن سنة ذكر اسم الله على الأنعام هي إبراهيمية إذ لا نبي سبق مشركي مكة عدا إبراهيم وإسماعيل. فالسنن الطيبة لديهم سنن إبراهيمية وصلتهم احتمالا ولذلك كانوا يذكرون اسم الله أحيانا على أنعامهم. لكن المشكلة هي أن المشركين كانوا يذبحون الحيوان باسم الأصنام أحيانا.
وأما في ديانات أهل الكتاب عامة فإنهم يحرمون الزواج مع الزانيات وكانت نساؤهم يلبسن الحجاب كما نرى نساء الكنائس اليوم. وحينما أراد الرئيس جورج بوش الابن أن يزور البابا فإن زوجته تحجبت. النصارى اليوم مختلفون مع النصارى السابقين ولكن بقيت بعض التعاليم في حريم بعض الكنائس وبعض الأماكن البابوية. وهكذا اليهود وهكذا المسلمون يحرمون الزواج من الزانيات والمشركات. قال تعالى في سورة النور: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3).
يقول في سفر يشوع بن سيراخ: إصحاح 9: وهو من أسفار العهد القديم
- لا تلق المراة البغي لئلا تقع في اشراكها
- لا تالف المغنية لئلا تصطاد بفنونها
واليهود في يومنا هذا لا يجيزون الزواج من غير اليهودية إلا ما ندر. الأرثوذوكس منهم يحرمون ذلك وفي إسرائيل اليوم يتزوجون غالبا خارج إسرائيل إذا أرادوا الزواج بين اليهودي وغير اليهودي. كما أن الأرثوذوكس لا يأكلون من لحوم غير يهودية فلا يأكلون من أكل النصارى ولا المسلمين. لكن المشركين كانوا يتعاطون الزنا بكل صراحة. انظر إلى هذا الشعر من امرئ القيس من معلقته التي كانت على الكعبة:
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع فألهيتها عن ذي تمائم محول
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له بشق وتحتي شقها لم تحول
فهل رأيتم شعرا أو تصريحا مثل هذا بين شعراء أهل الكتاب في بداية العصر الإسلامي وقبله بقليل؟ وحينما أراد الأعشى أن يذهب إلى رسول الله عليه السلام ليعلن إسلامه بعد أن قال قصيدة في مدح الرسول فإن أبا سفيان خوَّفه بأن الإسلام يعني الحرمان من الزنا لكن العجوز تشبث بشيخوخته وبانتهاء حاجته إلى الزنا فاضطر المشركون أن يجمعوا له مقدارًا كبيرًا من النوق والأموال لعلهم يصرفونه عن زيارة الرسول خوفا من أن يؤثر شعره سلبيا ضدهم. بالطبع قبل الأعشى ذلك ولكنه مات قبل أن يصل بأمواله إلى بلده. خسر الدنيا والآخرة. هذا ما يقوله المؤرخون.” انتهى كلام فضيلته
يرى فضيلة الشيخ أحمد المُهري, إذن, وذلك فيما يتعلق بالسؤال الخاص باستنكاف اليهود والمسيحيين أكل ذبائح المشركين أو الزواج منهم التالي:
- أن اليهود حتى يومنا هذا لا يأكلون من ذبائح المشركين ولا يتزوجون منهم, و
- أن على من يقول بغير ذلك أن يأتي بدليل بأن الكتابيين قبل نزول القرآن كانوا يأكلون من ذبائح المشركين ويتزوجون منهم ويزوجونهم بناتهم.
- أن اليهود يفرضون ذكر بركات الله على الحيوانات في مسالخهم والبقاء على الذكر حتى يتم ذبح كلها وهذه سنة يهودية مثل سنن الصلاة والذبح عندنا وهي باقية حتى اليوم.
- أن ديانات أهل الكتاب عامة تحرم الزواج من الزانيات. وهكذا اليهود وهكذا المسلمون يحرمون الزواج من الزانيات والمشركات.
- اليهود في يومنا هذا لا يجيزون الزواج من غير اليهودية إلا فيما ندر.
يحتاج الرد على ما كتبه فضيلته إلى بعض التفصيل. وعليه:
- تحرم الديانة اليهوديه زواج اليهودي أو اليهودية من غير اليهود وكذلك الأكل من ذبائحهم. لا تختلف الديانة المسيحية في ذلك عن اليهودية حيث تحرم هي الأخرى زواج المسيحيين من غير المسيحيين أو أكل المسيحيين من ذبائح غير المسيحيين.
- لا أحد يقول بأن الكتابيين قبل نزول القرآن كانوا يأكلون من ذبائح المشركين ويتزوجون منهم ويزوجونهم بناتهم.
- من الخطأ القول بأن اليهود في يومنا هذا لا يجيزون الزواج من غير اليهودية إلا فيما ندر. تحرم اليهودية تحريمًا باتا, واضحًا, لا جدال فيه, زواج اليهودي أو اليهودية إلا من يهودي أو يهودية. حقًا لا يلتزم اليهود بهذا التحريم إلى درجة أن نسبة الزواج المختلط بين اليهود وغير اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية قد وصلت إلى 50% تقريبًا إلا أن الديانة اليهودية لم تسمح يومًا, لا اليوم ولا أي يوم فيما مضى, بزواج اليهود بغير اليهود. لا يختلف الوضع في حالة الديانة المسيحية قيد شعرة عن الوضع في الديانة المسيحية.
لا يتعلق الخلاف بيني وبين فضيلة الشيخ أحمد المُهري, بهذا الشكل, بما إذا كان مسموحًا لليهود أو المسيحيين بالزواج من المشركين أو أكل طعامهم. يتفق كلانا, بشكل عام, على أن الديانة اليهودية, مثلها في ذلك مثل الديانة المسيحية, لا تسمح لليهود بالزواج من غير اليهود كما لا تسمح الديانة المسيحية للمسيحيين بالزواج من غير المسيحيين. يتعلق الخلاف بنقطة أخرى.
كان السؤال الذي سألته لفضيلة الشيخ هو التالي:
كيف علم فضيلة الشيخ أحمد المُهري بأن أهل الكتاب كانوا يستنكفون الأكل من ذبائح مشركي مكة ويأبون الزواج منهم؟
وهو سؤال لا يتعلق بما إذا كان اليهود والمسيحيون يأكلون من ذبائح المشركين أو يتزوجون منهم – نحن نعرف أن هذا “مُحرّم” عليهم – وإنما هو سؤال يتعلق بما إذا كان اليهود والمسيحيون “يستنكفون” أكل ذبائح المشركين أو الزواج منهم. القول بأن اليهود والمسيحيين كانوا “يستنكفون” من أكل ذبائح المشركين أو الزواج منهم قول يعني أن اليهود والمسيحيين كانوا يمتنعون عن أكل ذبائح المشركين والزواج منهم أنفة واستكبارًا. وهو قول خاطيء. لم يمتنع اليهود والمسيحيون عن أكل ذبائح المشركين والزواج منهم أنفة واستكبارا وإنما امتنعوا عن ذلك لأن دينهم “لا يحل” ذلك. عندما تسألك المضيفة في الطائرة عما إذا كنت ترغب في طعام “حلال” فإنها تعلم أنك لم تمتنع عن أكل الطعام غير الحلال أنفة واستكبارا وإنما لأن دينك يأمرك بذلك. المسألة لا علاقة لها بالأنفة, أو الاستكبار, أو الاستنكاف وإنما لها كل علاقة بما أمر به الله. والقول بأن اليهود والمسيحيين كانوا “يستنكفون” ذبائح المشركين أو الزواج منهم قول غير سليم. المسألة لا علاقة لها بالاستنكاف أصلا.
خالص الشكر لفضيلة الشيخ أحمد المُهري على كريم رسالته. وعسى أن يمكنني الله من استكمال الحديث
- الرد على أسباب التنزيل 2
كان السؤال الثاني الذي وجهته إلى فضيلة الشيخ أحمد المُهري هو السؤال التالي:
كيف علم فضيلته بأن عبارة “أهل الكتاب” وكذلك عبارة “الذين أوتوا الكتاب من قبل” لا تشير – كما قد نتخيل – إلى اليهود أو المسيحيين, وإنما تشير إلى من “كانوا” يهودًا أو مسيحيين قبل دخولهم الإسلام؟
كان رد فضيلته هو التالي:
أولاً, أن هذا هو ما يقوله الله تعالى. قال تعالى في سورة القصص:
*الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53)*
ثانيًا, يبيّن فضيلته أن “هؤلاء هم الذين أوتوا الكتاب من قبل القرآن, وهم يؤمنون بالقرآن, وبأنه الحق من ربهم, ويشهدون بأنهم كانوا مسلمين من قبل”.
ثالثا, يشير فضيلته إلى أن لله تعالى قد استعمل نفس التسمية لبيان أن المشركين بعد أن تشرفوا بالإسلام صاروا إخوانا للذين أوتوا الكتاب من قبل وصار الزواج بينهم مقبولا.
رابعًا, يشير فضيلته إلى أن الله سبحانه وتعالى قد اعتبرهم مسلمين في سورة القصص فهل يحتاج المسلمون إلى أن يأتيهم ربهم بآية تجيز لهم الزواج من الذين أوتوا الكتاب من قبلهم في سورة المائدة؟
خامسًا, يؤكد فضيلته أنه إذا حدث ذلك فإن ذلك سيعني إما أن ما في سورة القصص زائد وإما أن ما في سورة المائدة زائد وهو غير صحيح.
سادسًا, أن الحديث في المائدة عن أمر آخر وليس عن تشريع.
سابعًا, أن الصحيح أن نقول بأن اليهود كانوا مسلمين حتى ظهر المسيح فمن آمن بالمسيح بقي مسلمًا أيضا وهكذا حتى جاء رسولنا فمن آمن به بقي مسلما ومن كفر منهم فقد ترك الإسلام الحقيقي لا الإسلام الإسمي الذي سمانا به أبونا إبراهيم.
والفكرة الأساسية التي يقدمها لنا فضيلة الشيخ أحمد المُهري, باختصار شديد, هي أن عبارة “أهل الكتاب”, مثلها في ذلك مثل عبارة “الذين أوتوا الكتاب من قبلنا” لا تشير إلى اليهود أو المسيحيين – كما قد يظن الواحد منا – وإنما تشير إلى المسلمين. يعتمد فضيلته في تفسيره هذا لكتاب الله على أن الله ذاته هو الذي أخبرنا بذلك في الآيتين 52 و53 من سورة القصص. يخبرنا الله, وذلك حسب ما يرى فضيلة الشيخ أحمد المُهري, أن الذين أوتوا الكتاب من قبل القرآن يؤمنون بالقرآن, وبأنه الحق من ربهم, ويشهدون بأنهم كانوا مسلمين من قبل. رجاء ملاحظة أن هذا هو السبب في دهشة فضيلة الشيخ أحمد المُهري مما يقوله البعض من أن الله سبحانه وتعالى قد “أحلّ” في سورة المائدة زواج المسلمين من أهل الكتاب. كيف يحلّ الله في سورة المائدة زواج المسلمين من الكتابيين إذا كان سبحانه وتعالى قد بيّن في سورة القصص أن الكتابيين هم أنفسهم من المسلمين؟ وختامًا, يقترح فضيلته أن الصحيح هو أن نقول إن اليهود كانوا مسلمين حتى ظهر المسيح فمن آمن بالمسيح بقي مسلمًا أيضا وهكذا حتى جاء رسولنا فمن آمن به بقي مسلما ومن كفر منهم فقد ترك الإسلام الحقيقي لا الإسلام الإسمي الذي سمانا به أبونا إبراهيم.
والمسألة, بهذا الشكل, معقدة أشد التعقيد. فاليهود مسلمون وكذلك المسيحيون. والمشكلة أن الذي أخبرنا بذلك – حسب ما يخبرنا فضيلة الشيخ أحمد المُهري – هو سبحانه وتعالى الذي أخبرنا في سورة القصص بأن الذين أتاهم الكتاب من قبل تنزيل كتاب الله يؤمنون بكتاب الله وعندما يتلى عليهم يقولون إنهم يؤمنون بأنه الحق من الله وأنهم كانوا من قبل تنزيله من المسلمين.
*الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53)* القصص
والمسألة, بهذا الشكل أيضًا, تحتاج إلى تقديم تعريف للإسلام والمسلمين حتى نكون على بينة بما نتحدث حوله. يرى كاتب هذه السطور أن المسلم هو من آمن بالله, وبأن محمدًا رسول الله, وبأن القرآن كلام الله. يعني ذلك, فورًا, أن إخواننا من اليهود والمسيحيين ليسوا مسلمين. يعني ذلك, كذلك, أن الله عندما يحدثنا عن “أهل الكتاب” أو “عن الذين أوتوا الكتاب من قبلنا” لا يحدثنا – طبعًا – عن المسلمين وإنما يحدثنا عن الكتابيين. ويبقى موضوع زواج المسلمين من غير المسلمين, وهو موضوع بيّنه الله في سورة المائدة حينما أخبرنا سبحانه وتعالى بأن “طَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لنا, وَطَعَامُنا حِلُّ لَّهُمْ, وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِنا”.
وكأن المسألة, بهذا الشكل, أن طعام الذين أوتوا الكتاب حل لنا, وطعامنا حل لهم, والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا. والذين أوتوا الكتاب هم اليهود أو المسيحيون وليس المسلمين. وهو ما يعني أن الله قد أحل للمسلمين الزواج من الكتابيين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول فضيلة الشيخ أحمد المُهري:
- كيف علم فضيلته بأن عبارة “أهل الكتاب” وكذلك عبارة “الذين أوتوا الكتاب من قبل” لا تشير – كما قد نتخيل – إلى اليهود أو المسيحيين, وإنما تشير إلى من “كانوا” يهودًا أو مسيحيين قبل دخولهم الإسلام؟
- هذا ما يقوله الله تعالى. قال تعالى في سورة القصص:الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53). أليس هؤلاء هم الذين أوتوا الكتاب من قبل القرآن وهم يؤمنون بالقرآن وبأنه الحق من ربهم ويشهدون بأنهم كانوا مسلمين من قبل؟ والله تعالى استعمل نفس التسمية لبيان أن المشركين من قبل وبعد أن تشرفوا بالإسلام صاروا إخوانا للذين أوتوا الكتاب من قبل وصار الزواج بينهم مقبولا. لقد اعتبرهم الله تعالى مسلمين في سورة القصص فهل يحتاج المسلمون أن يأتيهم ربهم بآية تجيز لهم الزواج من الذين أوتوا الكتاب من قبلهم حتى يقول لهم سبحانه في سورة المائدة؟ فإما ما في القصص زائد وإما ما في المائدة زائد وهو غير صحيح؟. فالحديث في المائدة عن أمر آخر وليس عن تشريع. لو كان احتمالي خطأ ففكروا في احتمال آخر يتناسب مع الآيات الكريمة.
وأظن بأن الصحيح أن نقول بأن اليهود كانوا مسلمين حتى ظهر المسيح فمن آمن بالمسيح بقي مسلمًا أيضا وهكذا حتى جاء رسولنا فمن آمن به بقي مسلما ومن كفر منهم فقد ترك الإسلام الحقيقي لا الإسلام الإسمي الذي سمانا به أبونا إبراهيم. واسمح لي أن أبوح بأمرين هنا ليعلم الإخوة والأخوات بأن ما يسمعونه من رجال الدين ليس دائما هو ما يعملون به. وهما:
أولا: مسألة الدين الذي كان يدين به محمًد بن عبد الله عليه السلام قبل أن يُبعث رسولا. أنا في قرارة نفسي وبدون أي دليل تاريخي أومن بأنه كان نصرانيا بدليلين. فخديجة كانت من أسرة مسيحية ولا يمكن أن تقبل الزواج من المشركين. والدليل الثاني هو أن الله تعالى لا يمكن أن يبعث رسولا من بين المشركين مع وجود النصارى المؤمنين بالله تعالى وبكل رسله الذين أرسلهم حتى ذلك اليوم. وأحتمل بأن تردده عليه السلام على غار حراء هو نوع من الرهبنة النصرانية التي كان يهتم بها. حقا، سيبقى محمًد لغزا غريبًا عند المحققين وسيبقى سرا يصعب فهمه. لا يمكن البوح بكل ما نحتمل حوله ولكنه إنسان في غاية الأهمية وفي غاية الشرف وفي غاية الطيب. إنه إنسان نفتخر به ونزهو بأنه أخونا ومثلنا ورسول ربنا.
وبالمناسبة، فحينما أسمع من بني جلدتي بأنهم يفضلون فاطمة الزهراء على خديجة فليس بيدي حيلة إلا أن أضحك. لو ينظروا إلى زوجيهما. فهم يقولون بأن رسولنا بقي فترة طويلة بعد وفاة خديجة بلا زوج وسمى العام عام الحزن، وكانت فاطمة طفلة صغيرة تحتاج إلى أم تداريها. وهم يقولون بأن عليا تزوج في اليوم الثالث من وفاة فاطمة. فكر في تأثير تلك المرأة العظيمة التي تفوق رسولنا عمرا على أعظم إنسان آنذاك وتأثير ابنتها على إنسان أقل من رسول الله بكثير حتى يتزوج في اليوم الثالث من وفاتها. هدى الله بني جلدتي.
والأمر الثاني هو أنني كنت أعرف السيد الخميني من قريب فهو كمرجع شيعي للتقليد كان يجيز الزواج بأربعة كما يجيز ما يسمى بزواج المتعة. لكنه عمليا كان يكره الزواج بأكثر من واحدة وكان يفر من المتعة. وقد أربك النظام القضائي كثيرًا أيام سلطته. وأذكر أن أحد النواب المعممين في البرلمان شكا لي تلك المسألة قائلا ما معنى أن تجيز المتعة في كتبك ودراساتك وتمنعها عمليا؟ أظن بأنه قال لي ذلك لأنقله للإمام ولكنني كنت أعرف بأنه كان شديدًا في تلك المسألة ولا يمكن التحدث معه فيها. وأذكر أن أحد كبار مسؤولي السلطة القضائية تزوج بامرأة ثانية بدون إذن زوجته باعتبارهما من أسر دينية وكان في إيران قانون أقره الشاه من قبل الثورة وهو يفرض أخذ الإذن من الزوجة الأولى قبل الزواج بالثانية ولكن الخميني لم يرض بتغيير القانون بحجة أنه قانون بشري ملزم للذين التزموا به. ما فكر المسؤول القضائي في أن زوجته ستذهب وتشكوه عند الإمام مباشرة. فما كان من الإمام الخميني إلا أن طرد المسؤول من كل مسؤولياته فورًا لأنه خالف قانون الدولة. وهكذا فحينما كنا نرى البابا شنودة مثلا يتحدث عن جواز الزواج من غير المسيحي فهو لا يعني بأنه كان يشجع ذلك. هناك كتب دينية لا يمكن لرجال الدين أن يتخطوها في تعليماتهم وبجوارها قناعات شخصية يعملون بها.
كان رسولنا بظني يكره الزواج من أكثر من واحدة ولكنه أمر الله ولا سبيل له إلا الإذعان. قال تعالى في سورة الأحزاب: مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39). هناك حرج في قرارة نفس الرسول ولكن الله تعالى رفع ذلك الحرج بأن فرض عليه أمرا. لكننا أخي الأستاذ كمال والحمد لله تعرفنا على كتاب سماوي عظيم تعلمنا منه بأن القرآن في عمق معناه ليس مخالفا مع عقولنا كما أنه لا يمس عواطفنا إلا قليلا. وذلك القليل بسبب جهلنا ببعض المسائل.
أنا شخصيًا كنت أستهجن الزواج من أكثر من واحدة وما كنت أعرف السر في تجويز القرآن لأكثر من واحدة. هذا نوع من مخالفة القرآن لعواطفنا. ولكنني بعد أن هداني ربي وفكرت في الآية ولاحظت بأن الذين أقنعونا بالزوجة الثانية أقحموا أفكارهم في القرآن فقالوا وقلنا: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع. هذا العمل لعب بالقرآن فالآية تقول: وإن خفتم ألا تعدلوا في اليتامى فانكحوا… هناك سبب داع لذلك التجويز الذي يخالف سنة الطبيعة في ظاهره. فطبيعيا نرى بأن عدد الذكور متعادل مع الإناث. ولذلك أمعنت يومًا كثيرًا وأذكر بأنني ألقيت محاضرة في إحدى كلياتنا اللندنية كزائر وليس كأستاذ حول المسألة وأعجبوا بها. قلت لهم بأن الله تعالى في القرآن لا يريد إباحة التمتع بالزوجات بل يريد حل مشكلة اجتماعية كانت في غاية الخطورة يوم نزول القرآن. هي مشكلة النساء اللائي يعشن وحدهن بلا معيل بسبب الوفاة أو الحروب أو أي سبب آخر. كن معرضات للاغتصاب وللفساد ولكل ما لا يخطر ببالنا. فأراد حل المشكلة وحينما قال ما طاب لكم من النساء لأنه تعالى يكره أن يمن الرجال على اليتامى ويعني اللائي يعشن منفردات بأنهم ساعدوهن. فيقول إنكم سوف تستمتعوا أيضا. ولاحظت بأنه تعالى حينما يقول وإن لا تعدلوا فإنه لا يقصد العدالة بين النساء لأنه في نفس السورة ينفي إمكانية ذلك بقوله: ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم. إذن يقصد العدالة مع من تعيش معها وهي زوجتك الأولى فإن لم ترض فأنت ظالم لو تزوجت عليها. فالقرآن في حقيقته ليس فقط موافقا للعقل بل هو موافق للعواطف أيضا ولكننا نحتاج إلى الانتباه الشديد للقضايا.
7 أكتوبر 2016
- الرد على أسباب التنزيل : بين الترفع والتواضع في أكل ذبائح المشركين
استمرارًا للحوار الدائر حول أسباب تنزيل الآية الكريمة الخامسة من سورة المائدة, أرسل إلينا فضيلة الشيخ أحمد المُهري الرسالة التالية التي يذهب فيها إلى أن أهل الكتاب كانوا يمتنعون عن الأكل من ذبائح المشركين كبرًا, وترفعًا وليس طاعة لأمر الله.. يقول فضيلته:
“كلا أخي العزيز سيادة الأستاذ الدكتور كمال حفظه الله تعالى، كانوا يستنكفون آنذاك. وإذا أردت أن تنظر إلى أمثالهم فانظر إلى طبقات من العرب اليوم في نجد يظنون بأنهم فوق بقية الناس. هذا النوع من البشر موجودون دائما. ولكن حتى أختصر الطريق أنقل لك آية واحدة من سورة المائدة لعلك تقتنع وإلا ندخل في نقاش طويل لا أمتنع منه؛ والآية هي:وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18). لك كل احترامي وتكريمي0
خالص الشكر والتقدير لفضيلة الشيخ أحمد المُهري على كريم رسالته. ولي تعليق.
أولاً, لا شك في صواب ما يذهب إليه فضيلة الشيخ من أن هناك بشر يظنون بأنهم فوق بقية الناس. لا أجد مثالاً يدل على ذلك أفضل مما كان يفعله الأوروبيون في سكان أستراليا الأصليين. لم يكن القانون الأوسترالي ينطبق عليهم وإنما” قانون حماية النباتات والحيوانات” حيث لم يكن المجتمع الأوسترالي ينظر إليهم على أنهم بشر. هذا هو السبب في أن سكان أوستراليا الأصليين لم يحصلوا على الجنسية الأوسترالية إلا في عام 1967 بعد أن أصدر البرلمان الأوسترالي قرارًا باعتبارهم بشرا. رجاء التأكد من صحة هذا الكلام بالرجوع إلى الشبكة العالمية.
ثانيًا, لا شك في صواب ما يذهب إليه فضيلته من أن الآية 18 من سورة المائدة تبيّن كيف يضع اليهود والمسيحيون أنفسهم فوق بقية البشر. يؤمن المسيحيون أن دخول الجنة مقصور عليهم هم فقط.
على الرغم من ذلك, لا يمكن القول بأن اليهود والمسيحين كانوا يستنكفون الأكل من ذبائح المشركين. القول بأن أهل الكتاب كانوا يستنكفون من الأكل من ذبائح المشركين معناه أنهم كانوا يمتنعون عن الأكل من هذه الذبائح أنفة, وتكبرًا, وترفعًا. وهذا ليس بكلام سليم. لم يكن باستطاعة أهل الكتاب أن يأكلوا من ذبائح المشركين مجاملة وتواضعا. حرم الله على أهل الكتاب الأكل من ذبائح المشركين. المسألة لا علاقة لها بالتواضع أو بالترفع وإنما لها علاقة بطاعة الله. لا يمتنع المسلمون عن الذهاب إلى حانات الشراب في أوروبا ترفعًا واستكبارا, وإنما طاعة لأوامر الله. في حالة الأكل والشرب لا يستطيع المسلمون, ولا اليهود, ولا المسيحيون “التواضع”.
مرة أخرى, خالص الشكر لفضيلة الشيخ أحمد المُهري على كريم رسالته.
8 أكتوبر 2016
- عندما حرّم الله الزواج من اليهود والمسيحيين
استمرارًا للحوار الدائر حول زواج المسلمين من غير المسلمين, أرسل إلينا فضيلة الشيخ أحمد المُهري الرسالة التالية. يقول فضيلته:
“الكرة الآن في ملعب الدكتور كمال شاهين. لا أشك في حسن نية أخي الكريم سيادة الأستاذ الدكتور كمال شاهين فيما يخالفني فيه حول موضوع آية المائدة. ذلك لأنني عشت سنوات طويلة أفكر في هذه الآية الكريمة وكنت أسعى لأجد حلا لأهلنا الذين يتزوجون من غير المسلمين شئنا أم أبينا. كان بعض أصدقائي الأعزاء ولا سيما في القرن الماضي يصلون ويصومون ولكنهم يأكلون ذبائح أهل الكتاب بذرائع واهية. وقد سمعت الكثير من الحلول وكلها باطلة وازداد بطلانها بعد أن تعرفت على معاني الكتاب الكريم. لذلك قلت أخيرًا من الخير أن يعصي الإنسان ربه ويتوب ولا يسعى لتغيير أحكام الله تعالى. قد يقبل الله تعالى من عبيده العصيان بلا عناد ولا إصرار ويغفر لهم ولكنه لن يقبل تغيير أحكامه. لا أرى فيما أجده في القرآن مصيرًا لمن يغير أي تشريع قرآني إلا النار وغضب الجبار.
وقد قلت لسيادة الأخ كمال بأن يجد حلاً للمسألة غير ما فهمته وأنا مستعد لقبوله. أما أن نؤمن بالتناقض في القرآن فهذا ما أرفضه رفضًا باتا. كيف يمكن القول بأن الله تعالى يصرح بتحريم الميتة ولكنه يقول كلوا من طعام النصارى كائنا ما كانوا وكيفما فعلوا؟ إنهم اليوم في بريطانيا والغرب لا يذبحون الحيوان كما كان يفعل كل أنبيائنا وأبقى الله تعالى سنتهم بيننا فكيف نجمع بين الاثنين؟ ثم لنكن واقعيين, هل يمكن أن تسمي الآية الكريمة تشريعية؟ لنقرأها مرة أخرى مع آيتين تشريعيتين قبلها. قال تعالى في سورة المائدة:
*حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ ِلأِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)*
يحرم لحم الخنزير وبعد آيتين يقول كلوا مع النصارى على سفرتهم وهم يحللون لحم الخنزير. أليس هذا تضاد بل تناقض؟ حتى الكتب البشرية لا يمكن أن تقول ذلك. قد ينسى الإنسان ويناقض نفسه ولكن ليس في نفس الصفحة. فكيف بالله تعالى؟ هناك عشرة أنواع من التحريم في الآية رقم 3 مما يعني بأن الله تعالى وضع تشريعا للذبائح. حتى الصيد فإنه سبحانه أمر بأن نذكر اسم الله عليه وإلا فهو حرام ولا يجوز أكله والنصارى اليوم في الغرب لا يؤمنون بوجوب ذكر اسم الله على الحيوان. ولا يمكن أن نذكر اسم الله على المذبوح لأنه سبحانه حرم علينا أن نأكل مما لم يُذكر اسم الله عليه وإلا قال فاذكروا اسم الله على كل لحم وكلوه. لم يُذكر يعني لم يُذكر حين الذبح.
وأما الزواج فهو تمامًا مثل حكم الذبائح فلو قلنا بأن الله تعالى أحل كل الذبائح وناقض نفسه فإن الزواج مع المسيحية مسموح به ولو قلنا بأن الله تعالى لا يمكن أن يناقض نفسه ولا يمكن أن يحلّ ما حرمه فإن الآية لن تدل على جواز التزاوج بين المسلم والمسيحي أو اليهودي.
دعنا نعتبر خطأ ما توصلتُ إليه بأن الذين أوتوا الكتاب من قبل كانوا يستنكفون عن أكل ذبائح المشركين وعن الزواج معهم وبأنه تعالى يتحدث عن واقع موجود وليس عن تشريع. إذن فما معنى الآية الكريمة بدون أن تثبت التناقض في كتاب الله تعالى؟ أنتظر من سيادة الأستاذ الدكتور كمال حلا للمسألة وأنا على أتم الاستعداد لتغيير رأيي.
أحمد المُهري
خالص الشكر لفضيلة الشيخ أحمد المُهري على كريم رسالته. ولي تعليق. يسعدني, طبعًا, أن يناقش فضيلة الشيخ أحمد المُهري فهمي للأية الكريمة الخامسة من سورة المائدة, فهذا خير دليل على أنه رأى فيه ما يستحق نقاشه, إلا أنه لا يسعدني بالمرة أن ينتظر مني شيخنا الفاضل أن أقدم الفهم “النهائي” للآية الكريمة. أين أنا من رجل أوقف العشر سنين الأخيرة من حياته على فهم كتاب الله؟ يعني هذا الكلام أني على أتم الاستعداد لسماع ما يقوله فضيلته وإثارة التساؤلات حوله إلا أني لا أستطيع إطلاقًا تقديم الفهم النهائي لكتاب الله. بعبارة أخرى, لا يمكنني أبدًا أن أقول إن هذا هو مقصد الله إلا أني يمكنني دومًا أن أقول إن هذا هو ما فهمته من كتاب الله. والحمد لله على توفيقه لنا بالتعرف على رجل نقتدي به في بذل الجهد في فهم كتاب الله. وبعد,
يتعلق “صلب الموضوع” الذي نتحاور حوله بما إذا كان من المسموح لنا أن نأكل طعام اليهود والمسيحيين وأن نتزوج منهم. يرى فضيلة الشيخ أحمد المُهري, وذلك فيما يتعلق بالطعام, بأن القول بأن الله قد أباح لنا أكل طعام أهل المسيحيين يتناقض مع ما أمرنا الله به من الامتناع عن أكل لحم الخنزير. وهذا شيء أفهمه. ما لا أفهمه هو قول فضيلته إن الزواج من أهل الكتاب يتناقض مع تحريم الله الزواج من أهل الكتاب. وسؤالي كالتالي: أين حرّم الله زواج المسلمين من اليهود والمسيحيين؟
مرة أخرى, خالص الشكر لفضيلة الشيخ أحمد المُهري على كريم رسالته. أدعو الله أن يفيض عليه بالصحة, والعافية, وراحة البال, وأن يطيل عمره, وينفعنا وينفع الناس بعلمه.
9 أكتوبر 2016
- أين حرم الله زواج المسلمين من اليهود والمسيحيين؟
تعليقًا على ما ورد في رسالة “عندما حرّم الله زواج المسلمين من المسيحين”, أرسل إلينا فضيلة الشيخ أحمد المُهري الرسالة التالية. يقول فضيلته:
“حسنا، فكما يبدو أن المسألة قريبة من الحسم. لعل سيادة الدكتور كمال غفل عن أن الذين أباحوا الزواج من اليهود والمسيحيين قد استدلوا بالآية 5 من سورة المائدة فقط وليس في جعبتهم آية أخرى. إن الله تعالى حرم أية مصادقة قوية مع اليهود والنصارى وليس فقط الزواج. الزواج يمثل أهم ولاية بين الرجل والمرأة. قال تعالى في نفس سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51). لكن أهلنا اعتبروا الزواج قضاء للشهوة الجنسية وليس مشاركة كاملة في الحياة كما تؤمن أنت به أخي كمال وكما أؤمن أنا به وكما آمن به رسولنا الأمين محمّد عليه السلام. ولذلك أباحوا الزواج ليقضوا منهن وطرا ولم يبيحوا ذلك لبناتهم – بل لرجالهم – أن يتزوجوا من غير المسلمين.
المشكلة أخي الكريم هي أن أهلنا لا يقرؤون القرآن بدقة ولا يفكرون في أهداف السور. سورة المائدة تتحدث عدة مرات عن أهل الكتاب الذين آمنوا برسول الله بجوار أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا برسول الله ويفرق بينهم. فمثلا لاحظ الآيات التالية منها: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (77) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86).
أهل الكتاب في الآية 77 هم الذين بقوا على يهوديتهم ونصرانيتهم ولم يؤمنوا برسالة نبينا عليه السلام. ثم إن النصارى في الآية 82 هم الذين آمنوا برسولنا وصدقوا القرآن وهم موعودون بالجنة من ربهم. وأظن بأنه سبحانه لم يقل أهل الكتاب بل قال النصارى ليفرق بينهم وبين اليهود. ذلك لأن نسبة الذين آمنوا من النصارى أكبر بكثير من نسبة الذين آمنوا من اليهود. إن غالبية الأقوام اليهودية تركت الحجاز وابتعدت عن التجمع الإسلامي. لكن النصارى آمنوا في الغالب إن لم نقل كلهم.
والواقع أننا نحتاج إلى إذن بالزواج لنتزوج لأن التحريم هو الأصل في العلاقات الجنسية وما يتبعها. فأرجو ملاحظة الآيات التي أذن الله تعالى لنا أن نتزوج فهو سبحانه يبدأ بالتحريم ثم يحلل البعض ويبقي الأخريات على حرمتها. قال تعالى في سورة النساء:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25).
الآيات واضحة ولعل هناك ضرورة لأبين أمرا بسيطا في الآيات الثلاثة. الآية 23 توضح النساء المحرمات للزواج إضافة إلى بداية الآية 24 ثم تستثني ملك اليمين. هذا لا يعني بأن مملوكة اليمين مباحة متى وكيفما شاؤوا كما تصور أصحاب الشهوات من الذين سموا أنفسهم رجال الدين مع الأسف. إنهن مستثنيات باعتبار أن حكم الزواج معهن أتى بعد الزواج من الحرائر في الآية 25. ذلك لأن الله تعالى يكره الزواج من العبدة قبل أن يتم تحريرها وأظن بأن ذلك بسبب تأثير الشعور بالعبودية للبشر في النسل والعلم عند مولانا عز اسمه. فأباحه بشروط ولمن خشي العنت فقط وليس لكل شخص. لكن الإخوة يستمتعون كما يشاؤون ويبيحون كل شيء باسم الدين.
وحينما ندقق النظر في الآية 25 نعلم بأنه سبحانه أحل المحصنات من المؤمنات فقط وليس كل فتاة محصنة ولو من غير المؤمنات. لننتبه إلى التعبير القرآني: فمن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات. بمعنى أن أية علاقة جنسية مع غير المؤمنة غير مسموح بها حتى لو كانت مملوكة. ومن هي المؤمنة ومن هو المؤمن؟
هناك أربع آيات في القرآن لتحديد المؤمنين وهي تبدأ بـ “إنما المؤمنون”, بمعنى أنهم هم المؤمنون وليس غيرهم. وأذكر ما أظن بأنها أجلاها بداية. قال تعالى في سورة الأنفال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2). فشرط الإيمان أن يتقبل آيات القرآن.
وقال تعالى في سورة الحجرات: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15). فاشترط سبحانه تقبل الرسول وهو عين الإيمان بآيات الله تعالى باعتبار أنه أصل لو قبلناه فقد قبلنا القرآن لأنه رسول جاء بالقرآن. ومثلها الآية التالية من سورة النور: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (62). وأما الآية الرابعة فهي في سورة الحجرات أيضا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10). فهي لا توضح شرط الإيمان بقدر ما تفرض الأخوة على المؤمنين وتأمرهم ليصلحوا بين أخويهم. فأين اليهود والنصارى ممن وصفهم الله تعالى في هذه الآيات؟ لكم كل الاحترام, والحب, والشكر.” انتهى كلام فضيلته
خالص الشكر والتقدير لفضيلة الشيخ أحمد المُهري على كريم رسالته. ولي تعليق. في نهاية رسالة “عندما حرم الله زواج المسلمين من اليهود والمسيحيين”, أشرت إلى أن
“صلب الموضوع” الذي نتحاور حوله يتعلق بما إذا كان من المسموح لنا أن نأكل طعام اليهود والمسيحيين وأن نتزوج منهم. يرى فضيلة الشيخ أحمد المُهري, وذلك فيما يتعلق بالطعام, بأن القول بأن الله قد أباح لنا أكل طعام المسيحيين يتناقض مع ما أمرنا به الله من الامتناع عن أكل لحم الخنزير. وهذا شيء أفهمه حيث إن المسيحيين يأكلون لحم الخنزير. ما لا أفهمه هو قول فضيلته إن الزواج من أهل الكتاب يتناقض مع تحريم الله الزواج من أهل الكتاب. وسؤالي كالتالي: أين حرّم الله زواج المسلمين من اليهود والمسيحيين؟
لم يبيّن فضيلة الشيخ المُهري أين حرّم الله زواج المسلمين من اليهود والمسيحيين. وعليه, فما زال السؤال قائما: أين حرم الله زواج المسلمين من اليهود والمسيحيين؟
مرة أخرى, خالص الشكر لفضيلة الشيخ أحمد المُهري على كريم رسالته. أدعو الله أن يفيض عليه بالصحة, والعافية, وراحة البال, وأن يطيل في عمره وينفعنا وينفع الناس بعلمه.
10 أكتوبر 2016
- عندما أحل الله طعام المسلمين للمسلمين وزواج المسلمين من المسلمين
*الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين* المائدة: 5
كان السؤال الذي وجهته إلى فضيلة الشيخ أحمد المُهري هو التالي:
كيف علم فضيلته بأن الله تعالى سماهم أهل الكتاب لأن تلك صفة طيبة ومن حقهم أن يتصفوا بها دائمًا حتى بعد أن تقبلوا الدين السماوي الجديد؟
يأتي هذا السؤال في إطار ما ذكره فضيلة الشيخ أحمد المُهري من أن عبارة “الذين أوتوا الكتاب” وكذا عبارة “الذين أوتوا الكتاب من قبلكم” لا تشير – كما قد يتخيل الواحد منا – إلى اليهود أو المسيحيين وإنما تشير إلى المسلمين. تقول الآية الكريمة:
*الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين* المائدة: 5
والسؤال سؤال حقيقي. يخبرنا الله تعالى بأنه قد أحل لنا طعام الذين أوتوا الكتاب من قبلنا كما أحل لنا الزواج منهم, فنفهم نحن من ذلك أن الله سبحانه وتعالى يشير إلى من أوتوا الكتاب من قبلنا, أي إلى اليهود والمسيحيين, إلا أن فضيلة الشيخ المُهري يخبرنا بأن الله هنا لا يقصد لا اليهود, ولا المسيحيين, وإنما يقصد المسلمين الذين كانوا سابقًا يهودًا أو مسيحيين. والسؤال, مرة أخرى, سؤال حقيقي. كيف لمن يقرأ هذه الآية أن “يخطر على باله” أن عبارة “الذين أوتوا الكتاب من قبلكم” لا تشير – كما قد يدفعنا خيالنا – إلى من أوتوا الكتاب قبلنا بل تشير إلينا؟ بل كيف استطاع الصحابة عندما استمعوا إلى هذه الآية الكريمة ساعة نزولها أن “يفهموا” منها أنها لا تشير إلى اليهود ولا إلى المسيحيين وإنما تشير إلى المسلمين الذين كانوا يهودًا أو مسيحيين قبل أن ينعم الله عليهم بنعمة الإسلام؟ أعلم, طبعًا, أن هذا هو ما فهمه فضيلة الشيخ أحمد المُهري من الآية الكريمة, إنما السؤال هنا هو كالتالي: ما الذي وجده شيخنا الكريم في الآية الكريمة ففهم منه أن عبارة “الذين أوتوا الكتاب من قبلكم” لا تشير لا إلى اليهود ولا إلى المسيحيين وإنما إلى المسلمين الذين كانوا “أصلاً” يهودًا أو مسيحيين؟ ما الذي يمكنه أن يدفع “الصحابة” إلى هذا الفهم؟ أما فيما يتعلق بي أنا “شخصيًا” فأنا لا أرى في الآية الكريمة أي شيء على الإطلاق يمكن أن يدفعني نحو هذا الفهم. أضف إلى ذلك أنه إذا كان ما يخبرنا به فضيلة الشيخ المُهري صحيحًا, وهو غير صحيح, من أن عبارة “الذين أوتوا الكتاب من قبلكم” لا تشير إلى يهود ولا إلى مسيحيين, وإنما إلى مسلمين فإن السؤال الذي يثور على الفور هو السؤال التالي:
ما معنى أن يخبرنا الله جل ثناؤه أنه أحل لنا طعام المسلمين الذين كانوا يهودًا أو الذين كانوا مسيحيين كما أحل لنا الزواج من المحصنات من المسلمات والمحصنات من المسلمات اللاتى سبق لهن أن كن من اليهوديات أو المسيحيات؟
بحق الله, ما معنى أن يحلّ الله للمسلمين طعام المسلمين الذين كانوا سابقًا يهودًا أو مسيحيين؟ وما معنى أن يحلّ الله لنا الزواج من المسلمات اللاتي سبق لهن أن كن يهوديات أو مسيحيات؟ ألا “يجب الإسلام ما قبله”؟ ثم ما معنى أن يحل الله طعام المسلمين للمسلمين أو زواج المسلمين من المسلمين؟ متى كان زواج المسلم الذي كان مشركًا من المسلمة التي كانت يهودية أو مسيحية محرمًا حتى يحله الله في الآية الكريمة الخامسة من سورة المائدة؟ ولا بد من العودة مرة أخرى إلى الصحابة. كيف بالله استطاع للصحابة – ودعك منا نحن – أن يفهموا أن عبارة “الذين أوتوا الكتاب قبلنا” لا تشير إلى يهود ولا إلى مسيحيين وإنما إلى مسلمين سبق لهم أن كانوا يهودًا أو مسيحيين؟ أين قال الله هذا الكلام؟
وكان رد فضيلته هو التالي:
“هكذا تعامل القرآن معهم. قال تعالى في سورة يونس: فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94). الذين يمكنهم إخراج الشك من قلب رسول المسلمين فهم يحملون صفة طيبة و شرفا عظيما أخي الكريم. وقال تعالى في سورة النحل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (43). فهم أهل الذكر والمسلمون يتعلمون من بعضهم أحيانا. وقال سبحانه في سورة الأنبياء: مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلاّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (7). فاعتبرهم الله تعالى شهودا على صحة رسالة نبينا ضد الذين لم يؤمنوا بعد بالرسالة الجديدة. أليس كل ذلك شرفا لهم ووصفا طيبا لأحوالهم؟ اعتبرهم الله تعالى أهل الذكر وهم المؤمنون الطيبون من الذين أوتوا الكتاب من قبل مشركي مكة. والذكر عام يشمل الكتب الثلاثة فتسميتهم أهل الذكر أكبر من تسميتنا أهل القرآن.
ولننظر إلى خطابات القرآن المباشرة لهم: يا أهل الكتاب؛ فهل قال تعالى في أي مكان: يا أيها المشركون أم اعتبرهم من الناس فقط فقال: يا أيها الناس لهم جميعا. حتى أنه تعالى كان يأمر رسوله بقوله الكريم: قل يا أهل الكتاب. هل هناك شرف أكبر من ذلك. تصور لو خاطبك ربك يوما: يا كمال ، كما خاطب يحيى: يا يحيى؛ فسوف تشعر بالزهو وتغمرك الفرحة ولو خاطبك: يا عبد الله أو يا أيها المؤمن فسوف تمر بمرحلة خيالية من الشعور بالحبور. ولو خاطبك ونحن في مركز التطوير معك بـ: يا أهل الذكر فسوف لا نتحمل ثقل التوصيف العظيم. كل ذلك نفسرها بالشرف. بالطبع أنه سبحانه لم يخاطب أحدا بوصف أهل الذكر. إنما هو توصيف عام بدون خطاب لبعض علماء أهل الكتاب وهذا ما اعتبرته شرفا عظيما وصفة طيبة لا تفارقهم إلا إذا انحرفوا.
وللحديث, إن شاء الله, بقيّة إن كان في العمر بقيّة.
10 أكتوبر 2016
|
- معتوق الأمير كمال شاهين
دعتني ظروف عملي إلى الإقامة في عديد من البلدان الإسلامية بدءًا بالسودان الحبيب مرورًا بليبيا, والسعودية, والكويت, والإمارات العربية المتحدة, والعراق, وانتهاءً بماليزيا. أتاح لي ذلك, طبعًا, التعرف على العديد من أوجه الاختلاف والتشابه بين المجتمعات الإسلامية. كان هناك المجتمع الماليزي الرائع بهدوئه المطلق, وعمله الدؤوب, وتقبله للاختلاف. يمكنك في ماليزيا – حرفيًا وليس فصاحة – أن ترى المعبد الصيني رائع الجمال بجوار المسجد الإسلامي فائق الجمال, كما يمكنك أن ترى المعبد الهندي مبهر الجمال بجوار المعبد البوذي مذهل الجمال. وأنت حر: يمكنك أن تعبد الله في المسجد الإسلامي أو أن تعبد جدك وجدتك في المعبد الصيني. أنت حر. كان هناك كذلك المجتمع الليبي في واحة إجدابيا حيا الله أهلها الكرام. لم يكن مسموحًا للأغراب – وأنا طبعًا منهم – أن يتناولوا طعام الإفطار في رمضان في بيوتهم. نظم أهل الواحة الأمر بحيث يقوم كل بيت من بيوتها بدعوة عدد من “الأغراب” للإفطار في منازل أهل الواحة. اللطيف في الأمر أني لم أشعر في يوم من الأيام بأني من “الأغراب”. إجدابيا بلدي وأهلها أهلي. كان هناك كذلك السودان حيث يعتبرك أهله واحدًا منهم إذا مضى عليك هناك شهران. إلا أنه كانت هناك بعض العادات الغريبة في بعض من هذه البلدان. أذكر يومًا أن رأيت في قائمة أسماء الطلاب اسم أحد الطلاب متبوعًا بعبارة “معتوق الأمير فلان بن علان”. كانت العبارة غريبة وعليه سألت واحدًا من أهل البلد عما تعنيه. جاءني الرد بأنها تفيد أن هذا الطالب ينتمي إلى أسرة “كانت” من عبيد الأمير فلان بن علان ثم “تحررت” مع صدور قانون تحرير العبيد إلا أنها رأت أن من مصلحتها أن تبقي على ارتباطها بالأمير وعليه فبدلاً من أن يذكر الواحد اسمه متبوعًا بعبارة “عبد الأمير فلان بن علان”, أصبحوا يذكرون اسمهم متبوعًا بعبارة “معتوق الأمير فلان بن علان”, وبذا يكونوا قد كسبوا الحسنيين: فهم أحرار كما أنهم على علاقة خاصة للغاية بالأمير فلان بن علان.
أخذني الأمر بعض الوقت حتى أفهم السبب الذي يدفع بعض الناس للإعلان عن ماضيهم الأليم. والعبودية أليمة, ومهينة, وشنيعة. كيف لخليفة الله في أرضه أن يكون عبدًا لا دية له. إلا أنني مع الوقت فهمت السبب. إعلانك عن ماضيك المؤلم فيه مكسب لك في الحاضر إذ أن فيه إخطار للناس بالعلاقة الخاصة مع الأمير فلان بن علان. وعلى من يتعامل معك أن يدرك أن باب الأمير فلان بن علان مفتوح دائمًا في وجهك. الشيء الذي لا أفهمه هو ما يخبرنا به فضيلة الشيخ أحمد المُهري من أن الله عمل على إرضاء اليهود والمسيحيين الذين تحولوا إلى الإسلام بإطلاق اسم “الذين أوتوا الكتاب من قبل” عليهم. يعود ذلك, كما يخبرنا شيخنا الفاضل, إلى أن الله سبحانه وتعالى يعلم بمدى اعتّزازهم بدياناتهم السابقة وعليه فهو يريد أن يكرمهم بإطلاق هذا الاسم الحبيب إلى قلوبهم عليهم من أجل التمييز بينهم وبين المسلمين الآخرين الذين لم يكونوا من المؤمنين مثلهم وإنما كانو من الكفار, المشركين, عبدة الأوثان. وما يخبرنا به فضيلة الشيخ أحمد المُهري مُشكِل.
كيف, بحق الله, يميّز الله بين مسلمين ومسلمين؟ كيف يطلق الله على بعض المسلمين اسم “المؤمنين” فقط ولا شيء غيره, بينما يطلق على البعض الآخر اسم “الذين أوتوا الكتاب من قبلنا” تكريمًا وتفضيلاً لهم؟ كيف لمن كان يهوديًا أو مسيحيًا أن يختال بيهوديته أو مسيحيته – سابقًا – على باقي المسلمين؟ كيف يميّز الله بين مسلم ومسلم؟ والقول بأن عبارة “الذين أوتوا الكتاب من قبل” لا تشير إلى اليهود أو المسيحيين وإنما إلى المسلمين قول غير سليم. لا يمكن أن يميّز الله بين المسلمين.
والقول بأن الله تعالى سمّى المسلمين الذين كانوا في السابق يهودًا أو مسيحيين باسم أهل الكتاب لأن تلك صفة طيبة ومن حقهم أن يتصفوا بها دائمًا حتى بعد أن تقبلوا الدين السماوي الجديد قول غير مقبول. يبيّن فضيلته أن مسألة أهل الكتاب أو الذين أوتوا الكتاب من قبل هي مسألة شرف وفخار للذين عرفوا بينهم باليهود والنصارى من الذين آمنوا برسالة نبينا. كيف يفتخر مسلم على مسلم بأنه كان مسيحيًا أو يهوديا؟ يمكن للبشر أن تفتخر بأنها كانت عبيدًا لبشر إلا أنه لا يمكن لمسلم أن يفتخر على مسلم بأنه كان يهوديًا أو مسيحيا. وأخيرًا, فلابد هنا من التساؤل عن كيف علم شيخنا الفاضل بكل هذه القصة. ما الذي رآه فضيلة الشيخ أحمد المُهري في الآية الخامسة الكريمة من سورة المائدة ففهم منه كل هذا. أو, بعبارة أخرى, أين قال الله كل هذا الكلام؟
مرة أخرى, خالص الشكر والتقدير لفضيلة الشيخ أحمد المُهري على كريم رسالته. أدعو الله أن يفيض على فضيلته بموفور الصحة والعافية, وأن يطيل في عمره, وينفعنا وينفع الناس بعلمه. وللحديث, إن شاء الله, بقية إذا أعطانا الله عمرًا وصحة.
11 أكتوبر 2016
- عندما أحل الله طعام المسلمين للمسلمين وزواج المسلمين من المسلمين
*الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين* المائدة: 5
كان السؤال الذي وجهته إلى فضيلة الشيخ أحمد المُهري هو التالي:
كيف علم فضيلته بأن الله تعالى سماهم أهل الكتاب لأن تلك صفة طيبة ومن حقهم أن يتصفوا بها دائمًا حتى بعد أن تقبلوا الدين السماوي الجديد؟
يأتي هذا السؤال في إطار ما ذكره فضيلة الشيخ أحمد المُهري من أن عبارة “الذين أوتوا الكتاب” وكذا عبارة “الذين أوتوا الكتاب من قبلكم” لا تشير – كما قد يتخيل الواحد منا – إلى اليهود أو المسيحيين وإنما تشير إلى المسلمين. تقول الآية الكريمة:
*الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين* المائدة: 5
والسؤال سؤال حقيقي. يخبرنا الله تعالى بأنه قد أحل لنا طعام الذين أوتوا الكتاب من قبلنا كما أحل لنا الزواج منهم, فنفهم نحن من ذلك أن الله سبحانه وتعالى يشير إلى من أوتوا الكتاب من قبلنا, أي إلى اليهود والمسيحيين, إلا أن فضيلة الشيخ المُهري يخبرنا بأن الله هنا لا يقصد لا اليهود, ولا المسيحيين, وإنما يقصد المسلمين الذين كانوا سابقًا يهودًا أو مسيحيين. والسؤال, مرة أخرى, سؤال حقيقي. كيف لمن يقرأ هذه الآية أن “يخطر على باله” أن عبارة “الذين أوتوا الكتاب من قبلكم” لا تشير – كما قد يدفعنا خيالنا – إلى من أوتوا الكتاب قبلنا بل تشير إلينا؟ بل كيف استطاع الصحابة عندما استمعوا إلى هذه الآية الكريمة ساعة نزولها أن “يفهموا” منها أنها لا تشير إلى اليهود ولا إلى المسيحيين وإنما تشير إلى المسلمين الذين كانوا يهودًا أو مسيحيين قبل أن ينعم الله عليهم بنعمة الإسلام؟ أعلم, طبعًا, أن هذا هو ما فهمه فضيلة الشيخ أحمد المُهري من الآية الكريمة, إنما السؤال هنا هو كالتالي: ما الذي وجده شيخنا الكريم في الآية الكريمة ففهم منه أن عبارة “الذين أوتوا الكتاب من قبلكم” لا تشير لا إلى اليهود ولا إلى المسيحيين وإنما إلى المسلمين الذين كانوا “أصلاً” يهودًا أو مسيحيين؟ ما الذي يمكنه أن يدفع “الصحابة” إلى هذا الفهم؟ أما فيما يتعلق بي أنا “شخصيًا” فأنا لا أرى في الآية الكريمة أي شيء على الإطلاق يمكن أن يدفعني نحو هذا الفهم. أضف إلى ذلك أنه إذا كان ما يخبرنا به فضيلة الشيخ المُهري صحيحًا, وهو غير صحيح, من أن عبارة “الذين أوتوا الكتاب من قبلكم” لا تشير إلى يهود ولا إلى مسيحيين, وإنما إلى مسلمين فإن السؤال الذي يثور على الفور هو السؤال التالي:
ما معنى أن يخبرنا الله جل ثناؤه أنه أحل لنا طعام المسلمين الذين كانوا يهودًا أو الذين كانوا مسيحيين كما أحل لنا الزواج من المحصنات من المسلمات والمحصنات من المسلمات اللاتى سبق لهن أن كن من اليهوديات أو المسيحيات؟
بحق الله, ما معنى أن يحلّ الله للمسلمين طعام المسلمين الذين كانوا سابقًا يهودًا أو مسيحيين؟ وما معنى أن يحلّ الله لنا الزواج من المسلمات اللاتي سبق لهن أن كن يهوديات أو مسيحيات؟ ألا “يجب الإسلام ما قبله”؟ ثم ما معنى أن يحل الله طعام المسلمين للمسلمين أو زواج المسلمين من المسلمين؟ متى كان زواج المسلم الذي كان مشركًا من المسلمة التي كانت يهودية أو مسيحية محرمًا حتى يحله الله في الآية الكريمة الخامسة من سورة المائدة؟ ولا بد من العودة مرة أخرى إلى الصحابة. كيف بالله استطاع للصحابة – ودعك منا نحن – أن يفهموا أن عبارة “الذين أوتوا الكتاب قبلنا” لا تشير إلى يهود ولا إلى مسيحيين وإنما إلى مسلمين سبق لهم أن كانوا يهودًا أو مسيحيين؟ أين قال الله هذا الكلام؟
وكان رد فضيلته هو التالي:
“هكذا تعامل القرآن معهم. قال تعالى في سورة يونس: فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94). الذين يمكنهم إخراج الشك من قلب رسول المسلمين فهم يحملون صفة طيبة و شرفا عظيما أخي الكريم. وقال تعالى في سورة النحل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (43). فهم أهل الذكر والمسلمون يتعلمون من بعضهم أحيانا. وقال سبحانه في سورة الأنبياء: مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلاّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (7). فاعتبرهم الله تعالى شهودا على صحة رسالة نبينا ضد الذين لم يؤمنوا بعد بالرسالة الجديدة. أليس كل ذلك شرف لهم ووصف طيب لأحوالهم؟ اعتبرهم الله تعالى أهل الذكر وهم المؤمنون الطيبون من الذين أوتوا الكتاب من قبل مشركي مكة. والذكر عام يشمل الكتب الثلاثة فتسميتهم أهل الذكر أكبر من تسميتنا أهل القرآن.
ولننظر إلى خطابات القرآن المباشرة لهم: يا أهل الكتاب؛ فهل قال تعالى في أي مكان: يا أيها المشركون أم اعتبرهم من الناس فقط فقال: يا أيها الناس لهم جميعا. حتى أنه تعالى كان يأمر رسوله بقوله الكريم: قل يا أهل الكتاب. هل هناك شرف أكبر من ذلك. تصور لو خاطبك ربك يوما: يا كمال ، كما خاطب يحيى: يا يحيى؛ فسوف تشعر بالزهو وتغمرك الفرحة ولو خاطبك: يا عبد الله أو يا أيها المؤمن فسوف تمر بمرحلة خيالية من الشعور بالحبور. ولو خاطبك ونحن في مركز التطوير معك بـ: يا أهل الذكر فسوف لا نتحمل ثقل التوصيف العظيم. كل ذلك نفسرها بالشرف. بالطبع أنه سبحانه لم يخاطب أحدا بوصف أهل الذكر. إنما هو توصيف عام بدون خطاب لبعض علماء أهل الكتاب وهذا ما اعتبرته شرفا عظيما وصفة طيبة لا تفارقهم إلا إذا انحرفوا.
وللحديث, إن شاء الله, بقيّة إن كان في العمر بقيّة.
10 أكتوبر 2016
- العطل الدينية الأسبوعية
استمرارًا للحوار الدائر حول ما إذا كان الله قد حرم على المسلمين الزواج من غير المسلمين, أرسل إلينا فضيلة الشيخ أحمد المُهري رسالة نشرت تحت عنوان “أين قال الله تعالى لا تأكلوا الصراصير”. تحتوي رسالة فضيلته على سبع نقاط تؤيد كل نقطة فيها – وذلك من وجهة نظر فضيلته – ما يذهب إليه من أن الله قد حرّم على المسلمين الزواج من اليهود والمسيحيين. وكل نقطة من هذه النقاط مهمة, ويلزم نقاشها, إلا أن أهمها – من وجهة نظري – هي النقطة الخاصة بالعطل الدينية الأسبوعية. يقول فضيلته:
“لقد فرق الله تعالى بين اليهود والمسيحيين في أيام العطل. فأما اليهود فقد صرح سبحانه بأنه جعل لهم السبت وأشار إليه في القرآن بقوله “سبتهم”، ليعني بأنه يوم عطلتهم الرسمية كما عينه الله لهم. وأما المسلمون فقد عين لهم الجمعة وعين لها صلاة وأباح التسوق بعد الصلاة. يدل ذلك على أنه تعالى يحب أن نجتمع يوم الجمعة نصلي معا, وننظر إلى أحوال أمتنا, وندفع زكواتنا لمن يحتاج, فالصلاة بلا زكاة غير واردة في كتاب السماء. وأما المسيحيون فإن الله تعالى قدر لهم يوم الأحد كما نرى ونسمع. لماذا هذا التفريق؟ أليس معناه بأنه سبحانه وتعالى لا يريد لنا أن نجتمع معًا في عطلتنا وأيام راحتنا حتى تكون علاقاتنا محدودة بأيام العمل فقط. أم أن الدكتور كمال الذي عرفناه مفكرًا واسع الفكر ينتظر أن يقول ربنا صراحة بأنه فرق بين عطلنا حتى لا نجتمع؟ ولنفرض بأنه تعالى قال ذلك، فهل تراه جميلا لربنا أن يصرح بأنه يفرق بيننا؟ سوف نقول بأنه ليس كلام ربنا لأنه رب الجميع.” انتهى الاستشهاد.
قرأت ما كتبه فضيلته أكثر من مرة, طبعًا, ففهمت منه التالي:
- أن الله سبحانه وتعالى قد عيّن لليهود يوم راحة يختلف عن يوم راحة المسيحيين كما يختلف عن يوم راحة المسلمين.
- أن الهدف من هذا التقسيم هو ألا يلتقي اليهود مع المسيحيين, ولا المسلمين مع اليهود, ولا المسيحيين مع المسلمين.
- أن الهدف من هذا هو ألا تلتقي هذه الجموع في أيام راحتها, وبذلك تكون علاقاتهم محدودة بأيام العمل فقط.
- أن ليس لنا أن ننتظر أن يقول ربنا صراحة بأنه فرق بين بين عطلنا حتى لا نجتمع.
- أن ليس جميلاً لربنا أن يصرح بأنه يفرق بيننا.
- أنه لو صرح ربنا بذلك فعلاً فسوف نقول بأنه ليس كلام ربنا لأنه رب الجميع.
وسؤالي سؤال بسيط: هل ما فهمته هذا هو ما يقصده فضيلة الشيخ أحمد المُهري أم أني أسأت الفهم؟
12 أكتوبر 2016
- أولياء أم لا أولياء: هذا هو السؤال
يخبرنا فضيلة الشيخ أحمد المُهري أن الله قال في سورة المائدة
*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57)*
يبيّن فضيلته أن:
“الولي يعني القريب الذي يساعدك, ويُطلق على الصديق, والحبيب, والشريك, والزوج, والخادم, والسيد, والمعلم, وعلى ولي الأمر أحيانا, وعلى الله تعالى. فنحن ممنوعون من أن نتخذهم, أولياء فكيف نتزوج بهم؟ حينما يقول سبحانه “الذين أوتوا الكتاب من قبلكم” ويعتبرهم مثل الكفار فهو يقصد اليهود والنصارى الذين رفضوا دعوة رسول الله. فلو فسرت آية المائدة بأنها تعني اليهود والنصارى بصورة عامة فهي تتعارض مع هذه الآية والآيات المماثلة؛ فهل القرآن في تضاد مع نفسه أم أننا نحتاج إلى أن نمعن قليلا ولا نلقي نظرة ساذجة على الآيات الكريمة؟” انتهى كلام فضيلته
يخبرنا فضيلة الشيخ أحمد المُهري, إذن, بالتالي:
- أن الولي يعني القريب الذي يساعدك, ويُطلق على الصديق, والحبيب, والشريك, والزوج, والخادم, والسيد, والمعلم, وعلى ولي الأمر أحيانا, وعلى الله تعالى.
- أننا ممنوعون من أن نتخذهم أولياء.
- أن منع الله لنا أن نتخذهم “أولياء” يعني منعه لنا من الزواج بهم.
- أن الله حينما يقول “الذين أوتوا الكتاب من قبلكم” ويعتبرهم مثل الكفار فهو يقصد اليهود والنصارى الذين رفضوا دعوة رسول الله.
- أننا لو فسرنا الأية الكريمة الخامسة من سورة المائدة على أنها تعني اليهود والنصارى بصورة عامة فهي تتعارض مع الآية الكريمة 57 من سورة المائدة والآيات المماثلة.
- أن تفسير الآيات بهذه الشكل يعني أن القرآن في تضاد مع نفسه.
- أننا نحتاج إلى أن نمعن قليلا ولا نلقي نظرة ساذجة على الآيات الكريمة.
وما يقصده فضيلة الشيخ أحمد المُهري واضح وضوح الشمس في نجد في منتصف النهار. المسألة واضحة كأوضح ما يكون. أمرنا الله ألا نتخذ من اليهود والمسيحيين أصدقاء لنا, ولا أحباء لنا, ولا شركاء في عمل لنا, ولا معلمين لنا, ولا سادة لنا, بل ولا خدم لنا, فكيف لنا أن نتخذهم أزواجًا لنا؟ وفضيلته على حق. كيف لنا أن نتخذ من اليهود والمسيحيين أزواجًا لنا إذا كان الله سبحانه وتعالى قد منعنا من أن نتخذهم سادة أو خدمًا لنا؟
الآية الكريمة 57 من سورة المائدة, بهذا الشكل, تحرّم على المسلمين الزواج من غير المسلمين من اليهود والمسيحيين.
*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57)*
هذا هو السبب في أن فضيلة الشيخ أحمد المُهري يحذرنا من أن نفهم من الآية الكريمة الخامسة من سورة المائدة أن عبارة *الذين أوتوا الكتاب من قبلكم* تشير إلى عموم اليهود والمسيحيين. كما سبق أن أوضح فضيلته, لا تشير عبارة *الذين أوتوا الكتاب* ولا عبارة *الذين أوتوا الكتاب من قبلكم*, الواردتين في الآية الكريمة, لا إلى اليهود ولا إلى المسيحيين وإنما إلى المسلمين الذين كانوا فيما سبق من اليهود أو المسيحيين.
*الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين* المائدة: 5
يحذرنا فضيلته من أن هذا معناه أن القرآن يناقض نفسه. كيف يحلّ الله لنا الزواج من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا في الآية الكريمة الخامسة من سورة المائدة, ثم يحرّم علينا الزواج منهم في الآية 57 من نفس السورة.
وكأن المسألة, بهذا الشكل, وباختصار شديد, تعتمد بالكامل على أن الله سبحانه وتعالى حرّم علينا في الآية 57 من سورة المائدة الزواج من اليهود والمسيحيين. يعني ذلك, كذلك, أننا لو بيّنا أن الآية الكريمة 57 من سورة المائدة “لا تحرم” الزواج من اليهود والمسيحيين فإن ذلك يرفع التناقض مع تفسير الآية الكريمة الخامسة من سورة المائدة. أي مع التفسير الذي يرى أنها “تحلّ الزواج من اليهود والمسيحيين. وهذا أمر بسيط ويسير.
لا يأمرنا الله في الآية الكريمة 57 من سورة المائدة بألا نتخذ من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا أولياءً لنا وإنما يأمرنا ألا نتخذ من الذين اتخذوا ديننا هزوًا ولعبًا من الذين أوتوا الكتاب من قبلنا والكفار أولياء. لا يأمرنا الله, بهذا الشكل, ألا نتخذ اليهود والمسيحيين أولياء وإنما ألا نتخذ من الذين اتخذوا ديننا هزوًا ولعبًا أولياء – سواء كانوا يهودًا, أو مسيحيين, أو كفارا. وهذا كلام عدل. كيف لنا, بحق الله, أن نتخذ ممن يهزؤون بديننا من اليهود, والمسيحيين, والكفار أولياءً لنا؟ ثم كيف لنا ألا نتخذ من اليهود والمسيحيين الذين يحترمون ديننا, ويراعون مصلحتنا ومشاعرنا, أولياءً لنا. ليس لنا أن نتخذ أولياء لنا ممن يسيؤون إلينا, وليس لنا ألا نتخذ أولياء لنا ممن يراعون مصلحتنا ومشاعرنا.
وللحديث, إن شاء الله, بقيّة, إن كان في العمر بقيّة.
13 أكتوبر 2016
- عندما حرّم الله على المسلمين الزواج ممن هب ودب
يخبرنا فضيلة الشيخ أحمد المُهري أن الله جل ثناؤه قد قال في سورة النور
*وَأَنكِحُوا الأيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (33)*
يتساءل فضيلته عما إذا كان النصارى منا كما يذكرنا بأن الله قد أمرنا بألا نصادقهم, ولا نصاحبهم, بل ولا نستخدمهم خدمًا لنا. يبيّن لنا فضيلته أن الله سبحانه وتعالى قد أذن لنا بأن ننكح “من هم منا” وأمر الذين لا يقدرون على الزواج “ممن هم منا” أن يستعففوا ولم يسمح لهم بأن يتزوجوا ممن هب ودب. والمسأله, مرة أخرى, واضحة وضوح الشمس في صعيد مصر في منتصف النهار.
- يخبرنا فضيلة الشيخ أحمد المُهري أن الله أمرنا بألا يكون اليهود والمسيحيين أولياء لنا. أي ألا يكونوا أصدقاء لنا بل ولا حتى خدمًا لنا.
- يبيّن فضيلته أن الله قد أمرنا في الأيتين الكريمتين 32 و33 بأن ننكح الأيامى “منا” والصالحين من عبادنا وإمائنا ولو كانوا فقراء.
- يؤكد لنا فضيلته أن الله لم يسمح لنا بالزواج ممن هب ودب.
وفي ما يقوله فضيلة الشيخ المُهري أكثر من مشكلة.
- فلم يحدث أن أمرنا الله “بمقاطعة” اليهود والمسيحيين, وإنما أمرنا بمقاطعة من يهزؤون بديننا سواء كانوا مسيحيين أو يهوديين, أو كفارا.
- كما لم يحدث أن “حرّم” الله علينا الزواج من الكتابيات. فكرة أن أمر الله لنا بالزواج من الأيامى والصالحين منا من عبادنا وإمائنا معناها ألا نتزوج إلا من كان منا فكرة غير سليمة. تحتاج هذه النقطة إلى بعض التفصيل. وعليه,
يرى فضيلة الشيخ أحمد المُهري, كما رأينا, أن أمر الله لنا بأن ننكح الأيامى “منا” والصالحين من عبادنا وإمائنا ولو كانوا فقراء معناه أن الله يأمرنا بألا نتزوج إلا من كانوا “منا”. وهذا كلام غير صحيح, فلو كنا نشرب الشاي – أو القهوة – مثلا في فندق البارون في مصر الجديدة وقلت لفضيلة الشيخ المُهري أن أفضل ما في هذا الفندق هو تورتة الميل فيّ فإن هذا لا يعني أني “أمنعه” من أن يأكل أي حلوى أخرى. أيضًا, لو طلب فضيلة الشيخ أحمد المُهري من سائقه أن يغسل سيارته التويوتا فإن ذلك لا يعني أنه “يمنعه” من غسيل سيارته الدايهاتسو. باختصار, أمر الله لنا بأن ننكح الأيامى والصالحين منا لا يعني أنه يحرّم علينا الزواج ممن ليسوا منا. لم يحرّم الله على المسلمين الزواج من غير المسلمين. لتوضيح هذه النقطة أكثر سوف أعرض مثلاً آخر من علم النفس الإدراكي.
تحتوي اختبارات بياجيه على عدد من الأسئلة اللطيفة فعلاً. من ذلك السؤال التالي:
كلما كان عتريس غاضبًا ضرب زوجته بخيتة. عتريس الآن ليس غاضبًا. وعليه, فهل هو يضرب بخيتة الآن؟
والإجابة التقليدية هي أنه يضربها على الرغم من أن الإجابة الصحيحة هي أننا “لا نعرف” إذ أن المعلومات المتاحة لنا لا تخبرنا بأنه لا يضرب بخيتة إلا إذا كان غاضبا بما يعني أنه قد يكون منهمكًا في ضربها أو منهمكًا في مشاهدة التليفزيون معها. وكأن المسألة, بهذا الشكل, هي أن أمر الله لنا بنكاح الأيامى والصالحين منا لا يعني أنه حرّم علينا الزواج إلا ممن كان منا.
مرة أخرى, خالص الشكر لفضيلة الشيخ أحمد المُهري على كريم رسالته. أدعو الله أن يفيض على فضيلته بالصحة, والعافية, وراحة البال, وأن يطيل عمره, وينفعنا وينفع الناس بعلمه. وللحديث, إن شاء الله, بقيّة إن أعطانا الله عمرًا وصحة.
13 أكتوبر 2016
يقول فضيلة الشيخ أحمد المُهري:
قال تعالى في سورة النور:
*وَأَنكِحُوا الأيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (33)*
هل النصارى هم منا وقد أمرنا ربنا ألا نتخذ منهم أولياء؟ لقد أذن سبحانه بأن ننكح من هم منا. وأمر الذين لا يقدرون على الزواج ممن هم منا أن يستعففوا ولم يسمح لهم بأن يتزوجوا مٍمَن هب ودب.
19
- أين قال الله تعالى لا تأكلوا الصراصير؟
استمرارًا للحوار الدائر في المركز حوال ما إذا كان الله سبحانه وتعالى قد أباح للمسلمين الزواج من غير المسلمين, أرسل إلينا فضيلة الشيخ أحمد المُهري رسالة مطولة يرد فيها على السؤال الذي ورد في نهاية رسالة “معتوق الأمير كمال شاهين”. أي على السؤال الخاص بـ “أين قال الله إنه قد حرّم على المسلمين الزواج من غير المسلمين”؟
إذا كانت رسالة “معتوق الأمير كمال شاهين” قد انتهت بالتساؤل عن أين قال الله إنه قد حرّم على المسلمين الزواج من غير المسلمين, فإن فضيلة الشيخ أحمد المُهري يعرض علينا قائمة طويلة من الأعمال التي يقوم بها المسلمون على الرغم من أن الله تعالى لم يأمرهم بها. مثال على ذلك, يتساءل فضيلته عن:
- أين قال الله تعالى كفّنوا موتاكم ثم ادفنوهم؟
- وأين قال الله تعالى صلوا الظهر أربع ركعات؟
- وأين قال الله تعالى ادرسوا الطب لتعالجوا به المرضى؟
- وأين قال الله تعالى استخرجوا النفط واستمتعوا بفوائده؟
كذلك يعرض علينا فضيلته قائمة طويلة أخرى من الأعمال التي لا يقوم المسلمون بها على الرغم من أن الله سبحانه وتعالى لم ينههم عنها. مثال على ذلك, يتساءل فضيلته عن:
- فأين قال الله لا تجتمعوا جنسيا مع الحيوانات؟
- وأين قال الله تعالى لا تأكلوا الصراصير؟
- وأين قال الله تعالى لا تهبوا كل أموالكم إلى الكلب الذي تحبونه وما عليكم من أولادكم؟
- وأين قال الله تعالى لا ترقصوا الدبكة حول الكعبة؟
- وأين قال الله تعالى لا تشربوا بول الإبل أو حتى بول البشر؟
- وأين قال الله تعالى لا تضربوا زوجاتكم خمسة عشر جلدة كل ليلة؟
- وأين قال الله تعالى أشياء كثيرة نفعلها وأشياء كثيرة لا نفعلها؟
هناك, إذن, أشياء لم يأمرنا الله سبحانه وتعالى بالقيام بها إلا أننا نقوم بها – بل يلزم أن نقوم بها – ولم يتساءل أي منا عن أين أمرنا الله بالقيام بها. مثال على ذلك, تكفين الموتى ودفنهم, وصلاة الظهر أربع ركعات, ودراسة الطب لعلاج المرضى, واستخراج النفط للاستمتاع بفوائده. كما أن هناك أشياء لم ينهنا سبحانه وتعالى عن القيام بها إلا أننا لا نقوم بها – بل يلزم ألا نقوم بها – ولم يتساءل أي منا عن أين نهانا سبحانه وتعالى عن القيام بها. من ذلك أننا لا نجامع الحيوانات, ولا نأكل الصراصير, ولا نرقص الدبكة حول الكعبة, ولا نشرب بول الإبل ولا حتى بول البشر, كما أننا لا نجلد زوجاتنا خمسة عشر جلدة كل ليلة. والفكرة التي يحاول فضيلة الشيخ المُهري أن يعرضها علينا هي أن زواج المسلمين من غير المسلمين لا يختلف إن قليلا أو كثيرًا عن جماع الحيوانات, أو أكل الصراصير, أو رقص الدبكة حول الكعبة, أو شرب بول الإبل أو بول البشر. هذي أشياء لا نقوم بها, ويلزم ألا نقوم بها, ولا يتساءل أحد منا عن أين نهانا سبحانه وتعالى عن القيام بها. هذي أشياء لا نقوم بها, ويلزم ألا نقوم بها, ولا يتساءل أحد عن أين قال الله إن من اللازم ألا نقوم بها, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يحتاج الأمر إلى الإشارة إلى أن ما يعرضه علينا فضيلة الشيخ أحمد المُهري مليء بالمشاكل. من ذلك أن البعض منا يجامع الحيوانات – رجاء التحقق من “مبغلة بغداد” – كما أن البعض منا يأكل الصراصير – رجاء التحقق من طعام جنوب شرق آسيا – كما أن البعض منا يشربون بول الإبل – رجاء التحقق من وصفات علاج الطب النبوي, كما أن ضرب الزوجات في المجتمع العربي لا يختلف عن شرب البيبسي – رجاء التحقق من الحديث النبوي الشريف “لا يُسأل رجل فيما ضرب امرأته”. أضف إلى ذلك أن عادات الدفن عند الشعوب تختلف من مجتمع إلى مجتمع اختلافا كبيرا, فالبعض يحرق, والبعض يدفن, والبعض يقطع الجثمان قطعًا صغيرة لمساعدة الجوارح على أكلها. أي أن التكفين والدفن ليسا الطريقة التي “فطر عليها الإنسان”. أضف إلى ذلك, كذلك, أن المسلمين فقط هم الذين يصلون الظهر أربع ركعات. أي أن صلاة الظهر أربع ركعات ليست أيضًا هي الطريقة التي “فطر عليها الإنسان”. وتتبقى دراسة الطب واستخراج النفط. وهذه هي الأخرى ليست من الفطرة السليمة التي ولد الإنسان عليها.
وكأن المسألة, بهذا الشكل, هي أن القول بأن هناك أشياء نقوم بها على الرغم من أن الله لم يأمرنا بالقيام بها لا يعني أن هذه الأشياء التي نقوم بها أشياء “فطرية”. هناك مجتمعات لا تقوم بها. كما لا يعني أن علينا القيام بها بدون التساؤل عن أصلها. وفي حالة زواج المسلمين من غير المسلمين فلا يمكن النظر إلى تحريم الزواج بين المسلمين وبين غير المسلمين على أنه جزء من الطبيعة البشرية وبالتالي فعلينا أن نمتنع عنه كما نمتنع عن السؤال عن أصله. يخبرنا فضيلة الشيخ المُهري أن زواج المسلمين من غير المسلمين لا يختلف إن قليلا أو كثيرًا عن جماع الحيوانات, أو أكل الصراصير, أو رقص الدبكة حول الكعبة, أو شرب بول الإبل أو بول البشر وأنه مثله مثلها شيء لا نقوم به, ويلزم ألا نقوم به كما يلزم ألا يتساءل أحد منا عن أين نهانا سبحانه وتعالى عن القيام به. وما يخبرنا به شيخنا الفاضل امر غير سليم, إلا أنه يكفي أننا نعلم الآن أن فضيلته يرى أن الله لم ينهنا عن الزواج من غير المسلمين إذ أن هذا أمر لا نحتاج إلى أن ينهانا سبحانه وتعالى عنه. هذا أمر لا يختلف عن جماع الحيوانات وشرب بول الإبل. يعني ذلك, طبعًا, أنه إذا كان البحث قد دار باستمرار عن أين قال الله بأنه حرّم زواج المسلمين من غير المسلمين, فإن فضيلة الشيخ المُهري قد بيّن لنا أخيرًا أن الله لم يحرم زواج المسلمين من غير المسلمين مثلما لم يحرم جماع الحيوانات, وأكل الصراصير, وشرب بول الإبل.
وللحديث, إن شاء الله, بقية, إن أعطانا الله عمرًا وصحة.
12 أكتوبر 2016
يقول فضيلة الشيخ أحمد المُهري:
“الخطر الذي أخافه عليك أخي الدكتور كمال بمنطقك هذا أن يأتيك مجرم من الدواعش ويقول لك بأنه يريد أن يقتلك لأن الله تعالى لم يقل في القرآن لا تقتلوا كمال شاهين. ولكنه لو جاءني فسأقول له بأنه يحتاج إلى إذن من الله تعالى ليقتلني وإلا فهو مجرم. فعليه أن يأتي بآية يقول فيها ربنا: اقتلوا المُهري ولا يكفي السكوت عن قتل المُهري.
أين قال الله لا تجتمعوا جنسيا مع الحيوانات وأين قال الله تعالى لا تأكلوا الصراصير وأين قال الله تعالى كفّنوا موتاكم ثم ادفنوهم وأين قال الله تعالى لا تضربوا زوجاتكم خمسة عشر جلدة كل ليلة وأين قال الله تعالى صلوا الظهر أربع ركعات وأين قال الله تعالى لا تهبوا كل أموالكم إلى الكلب الذي تحبونه وما عليكم من أولادكم وأين قال الله تعالى لا ترقصوا الدبكة حول الكعبة وأين قال الله تعالى ادرسوا الطب لتعالجوا به المرضى وأين قال الله تعالى استخرجوا النفط واستمتعوا بفوائده وأين قال الله تعالى لا تشربوا بول الإبل أو حتى بول البشر وأين قال الله تعالى أشياء كثيرة نفعلها وأشياء كثيرة لا نفعلها؟
ثم أين قال الله تعالى بأن الصيام واجب على المؤمنين بعد وفاة الصحابة؟ قال لهم بأنه كتب عليهم كما كتب على الذين من قبلهم ولم يقل كتب على الذين من بعدهم. بموجب هذا النمط من الأسئلة فإننا لا نحتاج إلى أن نتبع أخانا الفاضل الأستاذ الدكتور شحرور حتى ندفع مالا للفقراء بدل الصوم بل لا نصوم أصلا. غفر الله للأستاذ شحرور الذي أخطأ خطئًا بليغا ولكن خطأه أقل ضررا على المسلمين من أن نقول أين قال الله لا تتزوجوا من البوذيين, ولا تتزوجوا من الملحدين, ولا تزوجوا بناتكم للهندوس.
قال تعالى لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء كما وضحته لسيادتكم, وقال تعالى في سورة النور: وَأَنكِحُوا الأيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (33). هل النصارى هم منا وقد أمرنا ربنا ألا نتخذ منهم أولياء؟ لقد أذن سبحانه بأن ننكح من هم منا. وأمر الذين لا يقدرون على الزواج ممن هم منا أن يستعففوا ولم يسمح لهم بأن يتزوجوا مٍن مَن هب ودب.
قال تعالى في سورة التوبة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71). فهل الزواج ولاية وحب أم مجرد ارتباط جنسي؟ و يا ليتني أسمع هذا التعليق من غير الدكتور كمال. إنه بشخصه الكريم عنوان لحب العائلة, ولحب الشريكة, ومثال رائع لاحترام المرأة, ولكنه حينما يتحدث عن الموضوع بصورة عامة ينسى معنى الزواج وكأن الزواج بيع وشراء.
وقال في نفس سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57). الولي يعني القريب الذي يساعدك ويُطلق على الصديق والحبيب والشريك والزوج وعلى الخادم وعلى السيد وعلى المعلم وعلى ولي الأمر أحيانا وعلى الله تعالى. فنحن ممنوعون من أن نتخذهم أولياء فكيف نتزوج بهم؟ حينما يقول سبحانه الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ويعتبرهم مثل الكفار فهو يقصد اليهود والنصارى الذين رفضوا دعوة رسول الله. فلو فسرت آية المائدة بأنها تعني اليهود والنصارى بصورة عامة فهي تتعارض مع هذه الآية والآيات المماثلة؛ فهل القرآن في تضاد مع نفسه أم أننا نحتاج إلى أن نمعن قليلا ولا نلق نظرة ساذجة على الآيات الكريمة؟
المسموح لنا هو ما نسمعه من آيات سورة الممتحنة: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9). أرجو من سيادته ومن الإخوة والأخوات أن يقرؤوا الآيات التالية من سورة التوبة ليروا بأن الله تعالى يجمع المشركين ومن لم يسلم من أهل الكتاب جميعا في سلة الكفر:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (27) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32).
من هم الكافرون في آخر الآيات؟ أليسوا هم اليهود والنصارى الذين رفضوا دعوة القرآن؟ لم يقل بأنهم مشركون باعتبار التسمية ولكنه تعالى قال: سبحانه عما يشركون. بمعنى أنهم أشركوا عزيرًا, والمسيح, وأحبارهم, ورهبانهم, بالله تعالى في ربوبيته. إنهم أعداء المسلمين ولكننا مأمورون بأن نحبهم ونساعدهم ونحسن إليهم ونريهم عدالة الإسلام وحب المسلم الحقيقي لبني جنسه بغض النظر عن الدين والجنس كما فعل رسلنا المكرمون. نحبهم ونساعدهم ولكن لا نشاركهم في عطلاتهم ولا نشاركهم في مناسكهم الشركية فلا نتخذهم أولياء. ولا أظن بأن هناك ولاية بشرية للإنسان أقرب من ولاية الزوجين فأرجو الإمعان والتفكير فقط.
أوتوا الكتاب شرف وليس اليهودية والنصرانية:
قال تعالى في سورة آل عمران: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (71). نلاحظ بأنه تعالى يلوم أهل الكتاب في هذه الآيات ولا يمدحهم ولا يمدح يهوديتهم ولا نصرانيتهم. كما أنه يعتبرهم كفروا بآيات الله. بالطبع لا يقصد الجميع. أنا لا أدري كيف يمكن أن يقول الله تعالى بأن بعض أهل الكتاب كفروا بآيات الله ثم يسمح لنا بأن نعاشر أولئك الذين كفروا منهم حد الزواج؟ يجب أن أفقد توازني الفكري حتى أقبل هذا الأمر.
الذين أوتوا الكتاب يعني الذين تشرفوا بأن يعلمهم الله تعالى كتاب السماء سواء التوراة أو الإنجيل أو القرآن. آتى يعني أوصل شيئا إلى الآخر إيصالا كاملا ولن ترى في القرآن أن ينسب ربنا إيتاء العلم أو الإيمان لغير الله تعالى. الإنسان يمكن أن يؤتي المال والحب للغير ولا يمكنه أن يؤتي العلم. ذلك لأن العلم في واقعه يعبر عن قناعة النفس بالكليات الممكن تطبيقها أو قناعة النفس بحصول أمر فيما مضى وبما أنه مرتبط بالنفس فهو خارج عن إرادة الإنسان نفسه. ولما يقول سبحانه أوتوا الكتاب يعني بأنه هو تعالى علمهم الكتاب ولما يقول أهل الكتاب يعني بأنهم من أتباع الكتب السماوية سواء علموا عنها شيئا أم لم يعلموا. فإذا لا نعتبر ما منح الله تعالى الإنسان من علم بكتب السماء شرفا فأين الشرف إذن؟ وأظن بأن سيادتكم تعلمون بأن جذر شرف غير موجود في القرآن ولكني أطلقت الشرف على ما نسميه نحن شرفا فقط.
العطل الدينية الأسبوعية
لقد فرق الله تعالى بين اليهود والمسيحيين في أيام العطل. فأما اليهود فقد صرح سبحانه بأنه جعل لهم السبت وأشار إليه في القرآن بقوله “سبتهم”، ليعني بأنه يوم عطلتهم الرسمية كما عينه الله لهم. وأما المسلمون فقد عين لهم الجمعة وعين لها صلاة وأباح التسويق بعد الصلاة. ويدل ذلك على أنه تعالى يحب أن نجتمع يوم الجمعة نصلي معا وننظر إلى أحوال أمتنا وندفع زكواتنا لمن يحتاج فالصلاة بلا زكاة غير واردة في كتاب السماء. وأما المسيحيون فإن الله تعالى قدر لهم يوم الأحد كما نرى ونسمع. لماذا هذا التفريق؟ أليس معناه بأنه سبحانه وتعالى لا يريد لنا أن نجتمع معا في عطلتنا وأيام راحتنا حتى تكون علاقاتنا محدودة بأيام العمل فقط. أم أن الدكتور كمال الذي عرفناه مفكرا واسع الفكر ينتظر أن يقول ربنا صراحة بأنه فرق بين عطلنا حتى لا نجتمع؟ ولنفرض بأنه تعالى قال ذلك، فهل تراه جميلا لربنا أن يصرح بأنه يفرق بيننا؟ سوف نقول بأنه ليس كلام ربنا لأنه رب الجميع.
اعتبر الله اليهود والنصارى كفارا في القرآن. قال تعالى في سورة المائدة:
*وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ (66) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)*
وقال تعالى في سورة التوبة:
*وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32).
وقال تعالى في سورة النساء:
*مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً (47)*
اعتبرهم الله تعالى من أهل النار. قال تعالى في سورة البقرة:
*وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (111)بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَلهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)*
وأما تساؤل أخي العزيز سيادة الأستاذ الدكتور كمال شاهين بأن الصحابة كيف عرفوا معنى الآية الخامسة من سورة المائدة فأظن بأن عليه أن يأتي بتاريخ يقول بأن الصحابة بعد ذلك بدأوا بالتزاوج مع اليهود والنصارى الذين رفضوا القرآن العظيم كما أنهم بعد ذلك زاروا موائد إخوانهم النصارى, وأكلوا معهم لحم الخنزير, وشربوا الخمور ووو.
اللغة الإيجابية في القرآن:
بما أن الله تعالى إيجابي وليس سلبيا فإنه يسعى في كتابه أن يمنعنا بطريقة إيجابية لا سلبية. بمعنى أنه يقول كلوا ولا يقول لا تأكلوا ويقول أنكحوا ولا يقول لا تنكحوا, وحينما ينسب الضلال إلى نفسه فإنه يتحدث عن أنه سيترك عبده للشياطين وتركُه تضليل له ولا يمكن أن يُعلِّم الله أحدًا الضلال. لاحظوا الآيات التالية في الصيام – وأنتم تعرفون معنى الصيام – فهو لا يقول لا تأكلوا ولا يقول لا تمارسوا الحب مع نسائكم ولكن يمنع بصورة إيجابية. إنها في سورة البقرة:
*أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)*
أحل لكم الرفث في ليلة الصيام يعني حرم عليكم الرفث في نهار الصيام. كلوا واشربوا حتى الفجر يعني لا تأكلوا ولا تشربوا بعد الفجر. وأما قوله لا تباشروهن وأنتم في المساجد فلأن التحديد هناك احترام لحال العبادة. هناك يقول لا تفعلوا لأن كل عاقل يعرف بأن العاكف في المساجد يجب أن يبتعد عن الممارسات الجنسية. وليس هناك عاكف يمارس الجنس فهو أيدهم وذكر حالهم ولم يمنعهم مباشرة. تماما مثل قوله اليوم أحل لكم الطيبات وطعام أهل الكتاب حل لكم. فهو يتحدث عن وضع حادث ولا يتحدث عن تشريع. وهذه الآيات من سورة الحج:
*وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)*
هذه الآيات تعني بأن الله تعالى أحل الأنعام الثلاثة الصغيرة التي تسمى بهيمة الأنعام إضافة إلى الجمل وحرم كل الحيوانات الأخرى. ولولا ذلك فما معنى قوله ولكل أمة جعلنا منسكا؟ ثم لماذا يحدد ما نأكله من الأنعام؟ كان يمكن أن يقول للمسلمين أحل لكم أن تأكلوا مما تحبون لكنه وحتى يمنعنا من أكل ما حرمه ذكر لنا ما أحله فقط ونحن نعرف, وسيرة أمتنا, وسيرة اليهود, تشهد بذلك.
هل تريد مني أن أتوسع أكثر من هذا؟ أنا على أتم الاستعداد وفي جعبتي الكثير والحمد لله تعالى. مع أطيب دعواتي وتمنياتي لأخي سيادة الأستاذ الدكتور كمال و للجميع.
أحمد المُهري
11/10/2016
- لا أستطيع أن أفهم
السلام عليكم،
لا أستطيع أن أفهم كيف يتسني لنا – في ضوء ما عرضه شيخنا الجليل من آيات كتاب الله تعالى – أن نتعامل مع سائر خلق الله الذين لا يدينون بديننا – وهم سائر أهل الأرض أجمعين.
مسموح لنا إذن أن نتعامل دون موالاة – يعني مع الاحتفاظ بمسافة فرضها علينا اعتقادنا – القرآني المصدر – بأنهم في واقع الأمر “كفار”. ما الفرق إذن بين ما ندعيه من فكر متطور يريد أن ينسلخ من الفهم التقليدي الموروث الذي تحكم فينا وتمكن منا طوال القرون الماضية، والذي أجمع جهابذته علي أن *المغضوب عليهم* في آخر آيات الفاتحة هم “اليهود” و*الضالين* هم “النصارى”؟ ما الفرق بيننا وبين من هم بشر مثلنا، خلقهم الله تعالي وأرسل لهم رسلاً وكتبًا، فآمنوا بها, وصدقوا ما فيها, واعتنقوه, ومارسوه، فما لنا بهم وبالحكم عليهم حتي نعتبرهم “أعداء” لله في لله؟ كلهم دون تصنيف؟ أفهم أن نعادي المعتدين، ولكن من يبادلوننا الاحترام والمشاعر الإنسانية السليمة، كيف لنا أن نعاديهم؟
شيخنا. أنت تعيش في بلادهم, وتخالطهم, ولك معارف وعلاقات وصداقات من مختلف الجنسيات بحكم عملك, ونشاطاتك, ووضعك السياسي والاجتماعي، فهل تتعامل مع أولئك الناس المختلفين وأنت تعتبرهم في قرارة نفسك “أعداء؟ فيم نختلف إذن عمن يدعون جهارًا علي منابر المساجد بوجوب كراهتهم وعدم تهنئتهم بأعيادهم أو مشاركتهم أفراحهم وأحزانهم؟ أستطيع أن أفهم استحباب عدم “الموالاة” ولكن كيفية التعامل بإبطان عداوة خفية لا أفهمه.
أما بخصوص الاقتران والزواج، فالأمر الإلهي واضح في البعد عن المشركين والمشركات، وليس أهل الكتاب. كما ابتدع الفقهاء حكم الرجم دون وجه حق، كذلك ابتدع البعض فكرة حرمة الزواج من المسيحيين واليهود دون تحريم واضح في كتاب الله، تحريم دون مواربة, ولا تورية, ولا خلافه. نحن نؤمن بحق الله الحصري في الحل, والتحريم, والتشريع، حقا لا يشاركه فيه سواه. هذا ما أعتقده، والله أعلم.
هالة كمال
- الزواج ولاية وحب لا مجرد ارتباط جنسي
في محاولة فضيلة الشيخ أحمد المُهري لبيان أن الله قد “حرّم” على المسلمين الزواج من غير المسلمين, يستشهد فضيلته بالآية الكريمة 71 من سورة التوبة. يقول العزيز الحكيم:
*وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ*
يتساءل فضيلته هنا عما إذا كان الزواج مجرد ارتباط جنسي أم أنه يقوم على حب الشريكة, وحب العائلة. يؤكد فضيلته أن الزواج لا يقوم على الجنس فقط وإنما يقوم على الحب والموالاة. والفكرة, مرة أخرى, واضحة وضوح الشمس في صحارى العرب في منتصف النهار.
يرى فضيلة الشيخ أحمد المُهري أن الزواج ليس مجرد عقد لشراء حق ممارسة الجنس مع المرأة وإنما هو علاقة تقوم على الحب والولاء بين الرجل والمرأة. وعليه, وحيث إن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بألا نتخذ أهل الكتاب أولياء فكيف نتزوجهم؟ وما يخبرنا به فضيلة الشيخ أحمد المُهري من أن العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة هي علاقة تقوم أساسًا على الحب والولاء كلام سليم نتفق فيه معه تمام الاتفاق, أما ما يخبرنا به فضيلته من أن من غير المسموح به للمسلمين الزواج من أهل الكتاب حيث إنهم ممنوعون من اتخاذهم أولياءً لهم فكلام غير سليم. لم يخبرنا الله سبحانه وتعالى بألا نتخذ من أهل الكتاب – على الإطلاق هكذا – أولياءً وإنما أمرنا بألا نتخذ الذين اتخذوا ديننا هزوًا ولعبًا أولياءً سواء كانوا ممن أوتوا الكتاب قبلنا أم من الكفار. يقول عز من قائل:
*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* المائدة : 57
باختصار, لم يأمر الله المسلمين بعدم إقامة علاقة تقوم على الحب والولاء بينهم وبين الكتابيين. وللمسلمين أن يتزوجوا من الكتابيين.
مرة أخرى, خالص الشكر والتقدير لفضيلة الشيخ أحمد المُهري على كريم رسالته. أدعو الله أن يفيض عليه بالصحة, والعافية, وراحة البال, وأن يطيل في عمره, وينفعنا وينفع الناس بعلمه. وللحديث, إن شاء الله, بقية إن كان في العمر صحة وبقيّة.
14 أكتوبر 2016
- عندما حرّم الله موالاة اليهود والنصارى بدون استثناء
أظن بأن مشكلة أخي العزيز سيادة الأستاذ الدكتور كمال شاهين هي نفس مشكلتي التي تواجهني دائما وهي النسيان. لقد قلت ضمن هذا البحث بأن الله تعالى حرم علينا موالاة اليهود والنصارى بدون استثناء واستشهدت بالآية التالية من سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51). ثم أتيت بالآيات الأخرى إضافة على ذلك. والآن أخاف أن أذكر لكم المزيد فينسى أخي الحبيب كمال بيك ويحلل الآيات الجديدة وينسى ما ذكرت قبلها. ولذلك أكتفي بهذه الآية الكريمة. والسلام عليكم حتى نلتقي مرة أخرى. وأعتذر من أنني كنت مشغولا في الأيام الثلاثة الماضية فما تواصلت بجدية مع المركز وسوف أتناول كل المسائل غدا بإذن الله تعالى.
أحمد المُهري
15/10/2016
- نوع العلاقة بين أهل التوراة, وأهل الإنجيل, وأهل القرآن
سيادة الأخت الكريمة الأستاذة هالة كمال. اسمحي لي أن أطلب منك لتصيري حكما بيني وبين سيادة الأستاذ الدكتور كمال شاهين. إنك مررت بتجربة مريرة في الزواج ولكن كمال بيك مر بتجربة حلوة فيه فيظن بأن الزواج مثل المشاركة في التجارة أو المخالطة في الحديث. وأنا باعتبار مخالطتي مع مختلف الجنسيات والأديان شاهدت أمرا أغرب من كل هذا. كان لي صديق مسيحي متزوج مع امرأة بوذية. بالطبع أن تلك البوذية تحولت إلى المسيحية فيما بعد لأسباب لا تتعلق بالزواج. كان لهما ولد يحبانه كثيرا ولكنهما افترقا وقررا المتاركة الدائمة وأظن بأنهما قاما بالطلاق الرسمي. البوذية كانت تملك عدة شركات تجارية في لندن وكان زوجها مديرا لإحدى الشركات ومساعدا لها في كل شركاتها احتمالا.
انقطعت علاقات الزواج وبقي العمل وبقيت كل علاقات العمل وكان الولد المشترك يذهب أحيانا عند أمه وأحيانا عند أبيه. وأخيرا مرض الزوج السابق وتوفي رحمه الله تعالى. تألمت الزوجة السابقة ألما غير قابل للتصور واضطرت للدخول فترة في المستشفى للعلاج. قلت لها فضولا: لقد قطعت كل علاقات الزوجية مع زوجك السابق وهو يعني بأنكما انقطعتما من حيث الحب والولاء وبقيت بينكما علاقات العمل والمشاركة المالية فقط، فما معنى هذا التأثر بحيث تدخلين المستشفى وتعالجين ما يقرب من شهر ضد توتر الأعصاب؟ قالت لي أحمد: صدقيني بأنه كان أملي في الحياة وكنت أحبه كثيرا والزواج أمر لا دخل له بشعوري العميق تجاهه. هو كان سندي وذخري وقد فقدت كل شيء بموته.
كنت أتحدث مع صديق اسكوتلندي وزوجته مشتركين معي في الصداقة مع البوذية وزوجها. الاسكوتلندي يقول لي بأن العلاقات التجارية أهم علاقة بين الناس وأنا وزوجتي لا نفهم معنى رفض جيني البقاء مع زوجها ولكنها تثق فيه كامل الثقة في المال. بالطبع تعلمين بأن الإسكوتلنديين يحبون المال حبا جما. أظن بأنك عرفتِ الآن و قبل أن تحكمي بيني وبين أخي كمال سبب ذكري لهذه الحكاية الغريبة التي هي من مشاهداتي الشخصية وليس حدثنا زيد عن عمرو عن بكر. نحن فعلا بشر مختلفون في النظريات والآراء ومن الصعب أن ننظر إلى أحكام الله تعالى بنظاراتنا المختلفة. لم يحرم الله تعالى أن نحب المشركين ولم يحرم المخالطة معهم ولكنه حرم الولاء والولاء بظني لا تعني المشاركة المالية ولا المخالطة ولكن بالدرجة الأولى أن يسر الشخص مع من يتولاه. فنحن نرى في الله تعالى وليا لنا ونسر له كل ما في قلبنا ونستمتع بأن يعرف كل شيء عنا فيساعدنا بما يتناسب معنا. إنه عالم بما نسره وما نعلنه ونحن نساير علمه حينما نسر له بكل ما نكنه بل نشعر باللذة حينما نناجيه. هذا هو أعلى وأعظم ولاء وهو بين العبد ومولاه.
وحينما يأمرنا الله تعالى بأن لا نوالي اليهود والنصارى ويقول بأن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض نعرف بأن الولاية فعلا تعني أن نسر إلى بعضنا البعض ونحن بعد الله تعالى نسر إلى أزواجنا وحينما نرى جفاء منهم فإننا نتألم كثيرا لأننا كنا نعتبرهم حافظي سرنا. لنلجأ إلى القرآن فننظر ما يقوله ربنا. قال تعالى في سورة النساء: وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (21). فما هو الميثاق الغليظ؟ هو مشروح في نفس سورة النساء: وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154) فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155).
ومشروح أيضا في سورة الأحزاب: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (7). ميثاق الله تعالى مع رسله وميثاق الله تعالى مع بني إسرائيل قبل إنزال التوراة عليهم وميثاق المرأة مع الرجل، ميثاق غليظ ولا يوجد ميثاق غليظ آخر في القرآن. فهل الزواج مثل أن أشارك اليهود والنصارى في التجارة أو في الصداقة أو حتى في العمل والحكم؟ هل هناك ميثاق غليظ بيني وبين من يعمل عندي أو من يشاركني في التجارة أو في السفر؟
نحن لا نكره اليهود ولا نكره النصارى ولا نكره البوذيين ولا نكره الهندوس بل نحبهم ولكن لا نُسِرُّ إليهم. قال تعالى في سورة الممتحنة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (1). نحن نعتبرهم أصدقاء ولكن لا نعلم بأنهم أيضا يعتبروننا أصدقاء أم يجاملوننا فقط. يوضح سبحانه في الآية التالية معنى العداوة هكذا: إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3). وهذا ما حصل على مر التاريخ مع الأسف.
لن أطيل على سيادتك ولا على الذين يقرؤون علينا خوفا من النسيان فأرى بأن الموضوع جاد جدا ومن الأفضل أن نسير فيه سيرا حثيثا ولكن بطيئا أيضا. مع كل التمنيات بالتوفيق من الله تعالى
أحمد المُهري
15/10/2016
- تدفئة الأسير
يحيط بمقتل مالك بن نويرة العديد من القصص. من ذلك أن خالدًا بن الوليد طلب من حراس مالك أن يدفؤوه فقاموا بقتله, ذلك أن جملة “أدفيء الأسير” في لغتهم تعني “اقتل الأسير”. يعني هذا الكلام أن قتل الأسير كان عرفًا مقبولاً آنذاك وعليه فلم يرَ حارس مالك بن نويرة أي دافع للسؤال عما يقصده خالد. قرأ فضيلة الشيخ أحمد المُهري الآية الكريمة ففهم منها أن الله سبحانه وتعالى يطلب منا أن نقاطع اليهود والمسيحيين. يعني هذا الكلام أن من العادي أن يعاقب الله خلق الله بدون سبب. أفهم أن يعاقب الله اليهود والمسيحيين – ومعهم, طبعًا, المسلمين – إذا أساؤوا السلوك. أما أن يعاقب اليهود والمسيحيين بدون سبب فهذا شيء غير مفهوم, وغير صحيح. الله عدل.
- حكاية سجن العقرب
يخبرنا فضيلة الشيخ أحمد المُهري بأن الله تعالى حرّم علينا أن نتخذ من اليهود والنصارى أولياءً لنا. يستند فضيلته في ذلك إلى ما جاء في الآية الكريمة 51 من سورة المائدة من قول العزيز الحكيم:
*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين* المائدة : 51
كما يخبرنا بأن :
“الولي يعني القريب الذي يساعدك, ويُطلق على الصديق, والحبيب, والشريك, والزوج, والخادم, والسيد, والمعلم, وعلى ولي الأمر أحيانا, بل وعلى الله تعالى”.
الوليّ, إذن, هو القريب الذي يساعدنا, كما هو الصديق, والحبيب, والشريك, والزوج, والسيد, والخادم, والمعلم, ووليّ الأمر أحيانًا, بل والله سبحانه وتعالى. والله يأمرنا, إذن, بألا نتخذ اليهود والنصارى أولياءً لنا ويبيّن لنا أن من اتخذ منهم أولياءً فقد صار منهم. أي خرج عن دين الله وأصبح يهوديًا أو نصرانيا.
وهذا كلام معناه ألا نتخذ منهم خدمًا, ولا سائقين, ولا عمالاً, ولا مديرين, ولا أطباءً ولا مهندسين, ولا أصدقاء, ولا أحباء, ولاشركاء, ولا طباخين, ولا ممرضات, ولا ممرضين, ولا صحفيين ولا إعلاميين, ولا عمال نظافة أو باعة جائلين, ولا رجال أعمال أو مقاولين. والقصة طويلة, والأمثلة لا نهاية لها والفكرة أن من “تعامل” مع اليهود والنصارى فقد دخل النار. كيف لمن آمن بالله, وبأن محمدّا رسول الله, وبأن القرآن كلام الله – وذلك حسب ما يخبرنا فضيلة الشيخ أحمد المُهري – أن “يستعين” بالنصارى واليهود بعد أن بيّن لنا الله أن من استعان بهم فقد خرج من دين الله؟
والقصة طويلة ويحتاج شرحها إلى وقت طويل إلا أن شرحها ضروري مهما كان طويلاً. والفكرة الأساسية هي أن تسأل نفسك سؤالاً بسيطًا: هل يمكن أن يكون هذا هو مقصد الله؟ نعم, هذا ما فهمته. نعم, هذا هو ما يبدو عليه “ظاهر الأمر” ولكن ألا يمكن أن يكون فهمك خاطئا؟ دعني أصور الأمر بقصة حقيقية حدثت في سجن العقرب بصحراء مصر الغربيّة.
بعد قيام ثورة 30 يونيو المجيدة والإطاحة بحكم الطغمة الضالة من الإخوان المسلمين, قام الثوار الأبطال بوضع الإخوان في السجون وكان القرار هو وضع رؤوس الفساد في سجن العقرب في الصحراء الغربية. والمقصود برؤوس الفساد هنا هو الطغمة الفاسدة التي حكمت البلاد خلال السنة التي استولى فيها الإخوان على السلطة. إلا أنه لم يمضِ طويل وقت حتى أدرك عقلاء الأمة أن تجميع كبار الإخوان في سجن العقرب سوف يسبب العديد من المشاكل, فالإعلام العالمي الفاسد لا يترك فرصة إلا وطلب مقابلتهم, وجمعيات حقوق الإنسان المنحرفة ترابط أمام باب السجن بصورة يومية, وكاميرات التلفيزيون لا تكف عن العمل. وعليه, أرسلت الجهات المسؤولة رسالة سرية تطلب فيها من مدير السجن “التخلص” من جميع المساجين قبل طلوع الصباح.
وقع مدير السجن في حيرة بالغة. كيف يمكن التخلص من آلاف المساجين قبل طلوع الصباح؟ انقسمت الآراء قسمين: ذهب فريق إلى أن هذا الكلام معناه إعدام المساجين. ذهب فريق آخر إلى أن المقصود هو ترحيلهم إلى سجون أخرى. كانت حجة الفريق الآول هي أن الإعدام هو الحل الوحيد الممكن للتخلص من المساجين قبل طلوع الشمس. كانت حجة الفريق الثاني هو أن القوانين المصرية لا تسمح بإعدام الناس هكذا دون محاكمة. يستحيل أن يكون هذا هو “مقصد” عقلاء الأمة. كانت الحجة التي استخدمها هذا الفريق مرة, بعد مرة, بعد مرة, هي أن الفهم الذي يقدمه الفريق الأول يتناقض مع كل المباديء التي تعمل وزارة الداخلية المصرية على أساسها. وبالمثل, فيستحيل أن يأمرنا الله بمقاطعة اليهود والمسيحيين وعدم طلب المساعدة منهم, أو صداقتهم, أو محبتهم, أو شراكتهم, أو الزواج منهم, هكذا بدون سبب. ما الذي فعله اليهود والمسيحيون حتى يحل عليهم هذا العقاب؟
وكأن المسألة, بهذا الشكل, هي أن القول بأن الله قد طلب منا مقاطعة كل اليهود والمسيحيين بدون استثناء على الإطلاق هو قول فيه تقوّل على الله. هذا طلب لم يطلبه الله. ما الذي فعله اليهود والمسيحيون حتى يعاقبهم الله؟
وللحديث, إن شاء الله, بقيّة, إن كان في العمر بقيّة.
16 أكتوبر 2016
- الفهم المؤدي إلى نتائج كارثية
السلام عليكم,
أنا سعيد جدًا بهذا الاختلاف المتوقع بين الدكتور كمال والشيخ المهري, وأرجو ألا نترك هذا الموضوع ونقفز إلى موضوع آخر بدون تغطية كاملة قد تغير من بعض قناعاتنا الايمانية. كما وأفتقد ومنذ فترة مشاركات أخينا العزيز الدكتور محمّد سلامه والذي أحاول أن أعيش شخصيته العلمية أحيانًا – أو بالأحرى الفلسفية – من خلال قاعدة المنظور لكي أستفيد من منطقه وطريقة تفكيره. أتمنى أن نسمع رأيه في آخر ما تم تناوله بخصوص موضوع فهم الموالاة, وفكرة تعميمها واستنباط ما تم استنباطه من أحكام وفقا لما يراه شيخنا المهري والذي نختلف معه فيه جملة وتفصيلا طالما كان ذلك الفهم يؤدي إلى نتائج كارثية لا تنسجم ودين الله الذي نراه.
كلما أقرأ ما تنشرون وتعلقون حول ما قاله الشيخ المهري في مخالفته الصريحة للجميع وما يترتب على ذلك من تجسيد لظاهرة الكراهية، أتذكر ذلك الفكر الذي تقوم عليه الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش – ومن قبلها القاعدة, والتكفير والهجرة, والوهابية, والتيمية, وغيرها من الحركات الدينية الإسلامية بل ويتعداه إلى غيره من الأديان والمذاهب الفكرية, والوطنية, والقومية, التي تحمل مثل تلك الصبغ الإيمانية المعززة بالكراهية. نتكلم عن ذلك الإيمان الذي يدعو للكراهية ولا يقبل أحدا، الذي كان هو الدافع لكل الجرائم بحق الإنسانية فحتى قبائل الفايكنگ التي احتلت بريطانيا واجتاحت أوربا بكل وحشية ودموية كانت مؤمنة بما عندها وترى الكراهية والقتل وسيلة لإنفاذ مصداقية الايمان فيما عندها.
عند النظر الى الدوافع الايمانية الصادقة التي حملت هؤلاء الناس – المجرمين بحق الانسانية – للقيام بمثل تلك الأفعال الشنيعة، أحاول أن ألتمس لهم ما يكفي من الأعذار، ولا أجد فكرة بديلة غير الرحمة – رحمة ربي التي وسعت كل شيء – في نفس الوقت أشد العزم على منع مثل هذه الدعوات اللا إنسانية مهما كان الثمن.
أدعو الله ان يخلص الناس جميعًا من كل إيمان يترتب عليه حالة من الـ “لا إنسجام”. أرى أن النتيجة التي وصل إليها شيخنا المهري غير منسجمة مع الطبيعة الإنسانية, وأكرر أن هذه الفكرة – فكرة كونها غير منسجمة – واضحة تمامًا كوضوح الشمس. وهذا لا يختلف عليه اثنان من خلق الله, كما أظن.
أتمنى أن أسمع رأي باقي الإخوة فيما نظر اليه واستنبطه الشيخ المهري بخصوص الموالاة وتحريم ما يصعب علينا تحريمه بهذه الطريقة، أتمنى أن أسمع وجهة نطر أخي العزيز عزت هلال, وبلا شك فإن رأي الجميع مهم جدًا لمن يتفضل علينا. أقول ذاك ولعلي أكون مخطئا ولو أني أستبعد ذلك. تحياتي.
أخوكم
عبدالسلام المياحي
16 أكتوبر 2016
|
لا ألوم أخينا الكريم سيادة الأستاذ الدكتور كمال شاهين على أنه يختار من حديثنا ما يشاء ويفسر كما يشاء وإذا قمنا بالرد فإنه إما أن ينشر أو لا ينشر حسب مزاجه ويأتي بدليل جميل وقصص بديعة على عمله. إنه أخونا الكبير ونحن نحبه ولا نلومه وقد تعلمنا عليه. هو مؤسس هذا المركز العلمي وأنا من المصرين على أن يشرفنا بإدارة المركز ومن حقه أن يتبع سياسته في التعامل مع ما تصله من مقالات فينشر ما يشاء ويحذف ما يشاء. لكنني طلبت من الأخت الفاضلة الأستاذة هالة كمال أن تحكم بيني وبينه فلعل ذلك يفيد المقام ولكنها لغاية الآن لم تستجب. أرجو أن يكون المانع خيرا ولعلها مشغولة أو تفكر في كيفية الرد. على كل حال فما يقوله أخي كمال في موضوع الزواج مع اليهود والنصارى مجرد عمل إعلامي لا أكثر مع الأسف. إنه لم يقرأ ما كتبته ولم يحقق ولم يدقق تماما مثل ما فعل قبل أيام حينما كتب أخي العزيز الآخر أحمد الكاتب ضدي واعتبر تفسيري تعسفيا واعتبرني دون أن يقصد ألعب بالقرآن فيكون مصيري النار طبعا. نشر سيادة الدكتور كمال رسالته ضدي ولم ينشر ردي عليه بحجة واهية. كما أنني طلبت منه مرة أخرى لينشر بيانا أوضح بأن ردي كان جميلا وبديعا ولا إشكال فيه ولكنه لم ينشر أيضا.
وقد سبق أن طلب سيادته مني علنيا أن أرد على بعض إشكالاته على موضوع الصلاة كما أتذكر ولم ينشر ردي فظن الناس بأنني عاجز عن الرد عليه. لعل المانع هو النسيان أو أي مانع آخر فنحن لن نتخلى عنه لأنه في النهاية شخص مفيد للأمة ورجل طيب وقائم بإدارة المركز خير قيام ونحن له شاكرون. لكنني أشعر بالحيف والظلم وهو غير صحيح وغير مناسب لقامة علمية مثل كمال شاهين أن يشعر بعض إخوانه بأنه ليس عادلا معهم. وأنا دائما أراعي الآداب ولا أبعث برسائلي إلى أعضاء المركز مباشرة بل أبعثها إلى سيادته وسوف أستمر في ذلك. لكنني أرجوه رجاء خالصا أن ينشر هذه الرسالة استجابة لطلب شخصي من أخيه أحمد المُهري. فأطلب من كل من يتابع ما أكتبه في مركز تطوير الفقه الإسلامي أن يلتحق أيضا بتجمع المودة حتى يرى كل ردودي فلا يحكم علي غيابيا بالجهل أو عدم الاهتمام. شكرًا للجميع.
أحمد المُهري
16/10/2016
28
أخي عبد السلام حفظه الله تعالى,
لك كامل الحق في أن تخالفني في رأيي ولكن هل لك الحق أن تتهمني أيضا؟ متى دعوت إلى الكراهية والحقد ضد اليهود والنصارى؟ لقد وضحت وسوف أوضح بأن الزواج بين المسلم والمسيحي غير مجاز قرآنيا فقط ولا شيء غيره. هذه هي الولاية المرفوضة وتتبعها الولاية بمعنى التبعية طبعا. والتبعية تعني بأنني أتبع العقيدة والشريعة اليهودية أو النصرانية في إيماني وفي معاملاتي أو أفضل غير المسلم على المسلم وكل ما أقوله فإنني أثبته بالقرآن بإذن الله تعالى. شكرًا.
أحمد المُهري
16/10/2016
- لكي نفهم القضية
|
قلنا وكررنا إن البشر يعيشون في ثلاثة مستويات حضارية: المستوى الأول, وهو البدائي, يكون فيه الإنسان خاضعًا لهواه وهو يلبي غرائزه, ويستخدم العقل أو الذاكرة لكي ينجح في تحقيق ما يريد طبقاً للواقع, ولا يعطي القيم والأخلاق أي وزن إلا ليصنع حول نفسه سياجاً من الاحترام الشكلي, وهو بهذا يستند في فعله وتفكيره على شيء واحد وهو هواه, أي مصلحته ومنفعته ولذته.
ثم يرتقي الفرد إلى المرحلة الثانية حيث يتم تقييد هواه بما يجده من الواقع في صورة عادات وتقاليد ومفاهيم ومسلمات ودين وعقائد ودستور وقانون وغير ذلك, هنا يحقق مصلحته ومنفعته ولذته داخل هذا الإطار, وكذلك يكون تفكيره من نبع انتمائه ولا يجاوز هذا السقف.
ثم يرتقي إلى المستوى الثالث فئة نادرة من البشر, حيث يجعلون ما خلق الله في أنفسهم من عقل وفطرة هو مرجعيتهم دون شيء غيرها.
وقلنا إن المستوى الأول يمثل منهج النفاق, والمستوى الثاني يمثل منهج الكفر, والمستوى الثالث يمثل منهج الإيمان.
نأتي لقضية زواج المسلم من الكتابية
في المستوى الأول سيكون الباعث والدليل والبرهان على جواز هذا الزواج, وعلى الإقدام عليه هو تحقيق المتعة واللذة والمصلحة, ولا مانع من إضفاء شيء من العقل والفطرة لزوم الخداع.
في المستوى الثاني سيكون الباعث والدليل والبرهان على جواز هذا الزواج من عدمه هو التراث, أي ما وجد عليه من موروث الآباء, وسيتم تذليل كل شيء لإثبات صواب ما وجدوا عليه آباءهم.
في المستوى الثالث سيكون الباعث والدليل والبرهان هو ما يتفق مع العقل والفطرة.
والآن ماذا في الزواج من مسيحية أو يهودية؟
إن العلاقة السامية بين البشر تتلخص في أمرين, الأول هو ما يتفق مع الواقع ويتمثل في العقل (ويشتق منه العلم والمنطق), ثم الفطرة وهي منبع ومصدر ومرجعية القيم والأخلاق والمثل العلا في النفس البشرية, والأمر الثاني هو الاعتقاد, وهو كل ما يتعلق بالغيب المطلق الذي لا يمكن إثباته أو نفيه بدليل مادي. هنا يأمر الإسلام أتباعه – أو هكذا أفهم أنا الإسلام -, بأن تتحدد العلاقة بينهم وبين الآخرين من خلال الجانب الأول فقط وليس الجانب الثاني, من هنا يفتح الإسلام الباب للتعاون بين الناس جميعا, والمودة والمساواة بين البشر على أساس بشريتهم دون النظر لاعتقاداتهم. وبهذا يبيح الإسلام للمسلم أن يتزوج اليهودية والنصرانية من خلال محتويات القسم الأول, أي من خلال العقل والفطرة, أي أن يكون أساس الزواج هو ما يقتضيه العقل والفطرة, فيختار المرأة العاقلة المتزنة العالمة المنطقية, والتي تتقيد بالقيم والأخلاق والمثل العلا دون النظر للانتماء. أما ما تعتقده فهو أمر يخصها طالما أنهما متفقان على ما في الفطرة من تعظيم لله, أما من تكفر بالله فقد ناقضت ما في فطرتها, فلا تؤتمن على بيت ولا على أولاد ولا على عرض.
وما يجوز في الزواج يجوز في كل أمر, فحين نتعاون أو نتشارك في تجارة أو صناعة أو حتى رحلة مشتركة فيجب أن نتخير من يتفق معنا فيما يقتضيه العقل وما تقيده الفطرة, وإلا فلابد من النهي عن مشاركة مثل هؤلاء. أما الموالاة فهي غير التعاون والمشاركة والتوادد. فالموالاة تعني أن يصبح الشخص وليًا لشخص آخر. أي أن يصبحا شيئًا واحدًا أو كشيء واحد, هنا يصبح العدوان على أحدهما عدوانًا على الشخص الآخر, والتعامل مع أحدهما من خلال الاتفاقات والعهود ملزم للشخص الآخر. وهذا الأمر يجب أن يتم من خلال وجود تطابق تام في منهج الحياة بين الطرفين, وهذا لا يحدث إلا بين المؤمنين وليس فقط بين المسلمين. فالموالاة لا تكون إلا بين مؤمن ومؤمن, وليس بين مؤمن ومسلم, أو نصراني أو يهودي, فالموالاة يجب أن يتيقن فيها الشخص أن وليه سيملك عهده وأمنه ولهذا فلابد أن يتيقن من أنه مؤمن مثله. أما الموالاة بين غير المؤمنين فهي قائمة على المصلحة والمنفعة واللذة في المستوى الأول, وعلى الموروث والانتماء في المستوى الثاني. بقي أن ندرك أن القرآن يتحدث من خلال المستوى الثالث, ولا يمكن فهمه إلا من خلال هذا المستوى, أي من خلال العقل والفطرة, أما غير ذلك فهو مجرد تلفيق, وتبرير, وتخيل, وتوهم.
محمّد سلامه
16أكتوبر 2016
- 30.أين القرآن في هذا الكلام؟
كلام جميل وبديع ومنمق دون شك ولكن لا موقع للقرآن في هذا الكلام. فالقرآن عليه أن يوفق نفسه مع عقلية كل فرد منا ولسنا نحن الذين نوفق بين ما نفهمه وندركه وبين ما يقوله الله تعالى. لقد أصبحنا جميعا آلهة ولكل منا قرآنه وأظن بان القرآن الذي أنزل على محمد لا دور له في تقييمات أخينا العزيز طبيب محمّد سلامه حفظه الله تعالى لنا ذخرا.
أحمد المُهري
16/10/2016
- هل هذا من هذا القرآن أم من قرآن غيره؟
*لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* الممتحنة : 8
*إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* الممتحنة: 9
*إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ* التوبة: 4
*لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ* المائدة : 82
هل القرآن يجعل أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم هي العقيدة أم التقيد بالقيم والأخلاق والاستقامة؟
*الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ* المائدة: 5
هل ما أقوله يتفق مع هذا القرآن أم هو من قرآن غيره؟
محمًد سلامه
- الزواج من نساء أهل الكتاب مباح بنص صريح
*حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* المائدة
هل نفهم أنه قبل اليوم لم يكتمل الدين ولم تتم النعمة ولم يكن الله راضياً لنا الإسلام ديناً؟
*الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ* المائدة: 5
هل فهم أحد أنه قبل اليوم لم تكن تحل الطيبات؟
*قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ* هود: 43
وهل قبل ذلك كان هناك عاصم من أمر الله؟
*فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* يــس : 54
فهل كان هناك ظلم للأنفس قبل ذلك؟
*يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ* الزخرف: 68
إذن كان هناك خوف قبل ذلك لعباد الله, فكيف يتسنى ذلك مع هذه الآيات:
*قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* البقرة : 38
*إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* البقرة : 62
*بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* البقرة : 112
*الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* البقرة 262
*الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* البقرة: 274
*إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* البقرة: 277
*إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* المائدة: 69
إن الأمر بحل شيء لا يعني أنه كان محرمًا بل لتأكيد الحل أو للمن على العباد. أما أن يصرح القرآن بحل الزواج من نساء أهل الكتاب ثم يأتي من يحرم ذلك بدعوى دلالة أهل الكتاب ومعناها فهذا أشد ما تعجبت منه. إن الزواج من نساء أهل الكتاب مباح بنص صريح, أما تطبيق ذلك على الواقع فيخضع للظروف: أي الزمان, والمكان, والأشخاص, والأحداث ويحكمه ما يتفق مع العقل, والمنطق, والعلم, والفطرة.
محمّد سلامه
- الآية الخامسة من سورة المائدة
حتى نتمكن من حسم الموضوع وأداء واجبنا تجاه أمتنا التي تنتظر من أمثالنا أن نُسمعهم فهما دقيقا وقريبا من الصحة؛ فسأقوم بإذن الله تعالى بدراسة موسعة للآية الخامسة من سورة المائدة ليهتدي من يهتدي على بينة ويضل من يضل على بينة. نتحدث عن منطق القرآن ولا نتحدث عن منطق أرسطو ولا منطق الفارابي. ليس القرآن بحاجة إلى من يعلمه كيف يشرع فهو كتاب السماء ومن أنزله هو الله تعالى. أما أن يتدخل كل إنسان بما يظن بأنه مسألة عقلية في تشريعات السماء فهو يعني بأن القرآن باطل.
لنعيد ذكر الآية الكريمة ونبدأ بدراستها كلمة كلمة. قال تعالى في سورة المائدة: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5).
اليوم ويعني اليوم الذي أنزلت فيه الآية الكريمة. هل يمكن أن يذكر الله تعالى تشريعا عاما مثل تشريع الأكل والزواج يوم نزول القرآن دون الأيام التي سبقت نزول القرآن؟ بالطبع لا يمكن ذلك لأن المؤمنين بالله كانوا يتزوجون وينجبون والمسلمون من أولادهم كما كانوا يأكلون ويشربون ولم ينتظروا القرآن ليشرع لهم. والطيبات التي أحلها الله تعالى ذلك اليوم كما يبدو لبعضنا كانت موجودة ومحللة من قبل. قال تعالى في سورة المؤمنون: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51). لا أظن بأن الله تعالى يعين الطيبات للرسل من قبل ثم يعين للمسلمين طيبات أخرى. فالطيبات عند الله طيبات لآدم وطيبات لآخر إنسان في الأرض. ولكن الجواب حقيقة في القرآن نفسه. قال تعالى في سورة الشورى: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13). فديننا بدأ من نوح وليس من محمد عليهما سلام الله تعالى.بيَن الله تعالى في سورة المائدة بوضوح كامل بأن التشريع ليس جديدا، فقال عز من قائل: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50). فحكم الله تعالى موجود في التوراة وليس خاصا بالقرآن. ثم جاء الإنجيل مصدقا لما في التوراة وهو يعني بأن الأحكام لم تتغير بل بقيت على حالها. ثم جاء القرآن مصدقا لما بين يديه من الكتاب وهو التوراة والإنجيل. هذه الكتب تمثل حكم الله تعالى والتالي يصدق السابق والله تعالى واحد ولا معنى فعلا لتغيير حكمه. وكل حكم غيره حكم الجاهلية ومن أحسن من الله حكما.
أتمنى أن تكون هذه الآيات كافية ليعلم الجميع بأن تشريع السماء لم يتغير ولن يتغير لأنه تشريع طبيعي يناسب الطبيعة وقد شرعه خالق ما في الطبيعة جل جلاله. فما معنى: اليوم أحل لكم الطيبات؟ هل كانت الطيبات محرمة عليهم أم كانت محللة عليهم من قبل؟ لو كانت محرمة فهي تخالف الآيات التي تقول بأن الكتب تصدق بعضها البعض. ولو كانت محللة فما فائدة أن يقول ربنا: اليوم أحل لكم الطيبات؟ لقد قلت رأيي سابقا ولا نحتاج إلى تكرار وأرجو ممن له رأي آخر أن يبدي رأيه لنناقشه ثم ننتقل إلى الموضوع الثاني في الآية.
شكرا للجميع
أحمد المُهري
16/10/2016
أشكر أخينا الفاضل الدكتور أبا المكارم حفظه الله تعالى فقد وافق على تفسيري وفهمي في نهاية بحثه وهو صحيح برأيه وبرأيي. قال: إن الأمر بحل شيء لا يعني أنه كان محرمًا, بل لتأكيد الحل أو للمن على العباد. إذن الحكم حكم قديم وليس جديدا. بالطبع, لا أريد التعليق على الأيام التي ذكرها سيادته فسيأخذ وقتا طويلا. لكنني إكراما له أعلق على الآيات الثلاث الأولى فقط.
- الآية 3 من سورة المائدة. تساءل الطبيب سلامه بقوله: هل نفهم أنه قبل اليوم لم يكتمل الدين, ولم تتم النعمة, ولم يكن الله راضيًا لنا الإسلام دينا؟ وجوابي عليه: نعم, لم يكن الدين مكتملا للمسلمين في قرآنهم قبل ذلك اليوم, كما لم يكن الإسلام اسم علم لأي دين قبل اكتمال الدين الإسلامي للذين حضروا الرسالة السماوية الأخيرة التي نزلت شيئا فشيئا ثم اكتملت. قال تعالى في سورة الإسراء: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106). وقال تعالى في سورة الفرقان:وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (32). وآخر حكم في القرآن هو هذا الحكم الذي تلاه سيادة الطبيب علينا من المائدة ويقول بعض المفسرين بأنه آخر حكم في التوراة أيضا. الإسلام كان دينا خاصا بالأنبياء وبعض أولادهم ثم صار دينا عاما لكل الناس. قال تعالى في سورة المائدة: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44).
- وأما تساؤله حول الآية الخامسة التي نسعى لفهمها وهو:هل فهم أحد أنه قبل اليوم لم تكن تحل الطيبات؟ . كلا ولكنه سبحانه وكما تفضلتم أراد أن يمن على المسلمين بأنهم عرفوا الطيبات في ذلك اليوم معرفة كاملة بعد اكتمال آخر تشريع في القرآن فصارت الطيبات حلالا فقط وغير الطيبات حراما عليهم. والعبرة بقيد “لكم” أخي العزيز.
- تساؤله حول آية سورة هود *قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ* هود :43
وهل قبل ذلك كان هناك عاصم من أمر الله؟
نعم كان هناك قبل ذلك اليوم عاصم من الماء وهو البيوت والجبال, والولد لم يقل يعصمني من الله بل قال يعصمني من الماء. ومقطع من أمر الله يعني بأن زوال العاصم في ذلك اليوم هو من أمر الله تعالى. أتمنى أن تكتفوا بهذه الآيات حتى لا نضيع ونعود إلى آية المائدة لنفهمها. وإذا طلبت مني أن أشرح بقية الآيات فأنا على أتم الاستعداد. أما مسألة الزواج فأرجو من أخي العزيز الطبيب ألا يستعجل فسنصل إليها. نريد أن نسير في الآية كلمة كلمة حتى نفهمها بدقة راجين ربنا أن يمن علينا جميعا بذلك. مع التحيات والصلوات,
أحمد المُهري
18/10/2016
بالنسبة لموضوع زواج المسلمين باليهود والمسيحيين
أرسل إلينا فضيلة الشيخ أحمد المُهري اليوم رسالة هامة تعالج عددًا من المواضيع الهامة, من أهمها, بالنسبة لي موضوع زواج المسلمين من اليهود والمسيحيين, وموضوع فهمنا للقرآن الكريم.
يخبرنا فضيلة الشيخ المُهري, وذلك فيما يتعلق بالنقطة الأولى, بأنه شخصيًا متعاطف مع من يؤمن به ويتمنى أن يثبت خطؤه في نهاية البحث لأن الكثير من إخواننا يتزوجون من اليهوديات والمسيحيات. يخبرنا فضيلته أنه قد طلب منه عدة مرات أن يقوم بعقد القران بين مسلم ومسيحية إلا أنه كان يرفض على الرغم من شعوره بالحرج ممن طلبوا منه ذلك لأنهم أصدقاء وأحباب أرادوا إنقاذ بناتهم من الزنا في الواقع. يخبرنا فضيلته, وذلك فيما يتعلق بالنقطة الثانية, بأنه “يتمنى أن يثبت خطؤه في نهاية البحث”. والنقطة الآولى مهمة والثانية أكثر أهمية.
تعود أهمية النقطة الأولى إلى أنها تبيّن مشكلة حقيقية يواجهها المسلمون في المجتمعات التي يمثل فيها المسلمون أقلية. وهي مشكلة غائبة تمامًا عن وعي المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات يمثل المسلمون فيها الأغلبية. تعود أهمية النقطة الثانية إلى أنها تشير إلى واحد من أهم إنجازات الفكر الديني الحديث: الوعي بأن فهمنا لكتاب الله لا يمكن أن يكون الفهم الصحيح الوحيد. إدراك أن ما نراه اليوم صوابا قد نراه الغد خطئا. لا يمكن لمن آمن بالله, وبأن محمدّا رسول الله, وبأن القرآن كتاب الله أن يخبرنا بأن فهمه لكتاب الله هو نفس ما يقصده الله. لا أحد سوى الله يعلم مقصد الله “وليس لنا إلا الصدق, والصبر, والدعاء, ليوفقنا ربنا لفهم صحيح لدينه”.
يقول فضيلة الشيخ أحمد المُهري:
“وبالنسبة لموضوع التزاوج بين المسلمين واليهود والنصارى فأنا شخصيًا متعاطف مع من يؤمن به وأتمنى أن يثبت خطئي في نهاية البحث لأن هناك الكثير من إخواننا يمارسون هذا التزاوج, وقد طُلب مني عدة مرات أن أقوم بعقد القران بين مسلم ومسيحية ورفضت وكنت أشعر بالحرج كل مرة لأن الذين طلبوا مني هم أصدقاء وأحباب وأرادوا إنقاذ بناتهم من الزنا في الواقع. لكن ما باليد حيلة فإن فهمي هو ما أقوله لكم وكنت أتهرب كثيرًا من الدخول في هذه المناقشات ولكننا دخلنا وليس لنا إلا الصدق, والصبر, والدعاء, ليوفقنا ربنا لفهم صحيح لدينه.”
خالص الشكر والتقدير لفضيلة الشيخ أحمد المُهري على كريم رسالته.
19 أكتوبر 2016
تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/
عندما اصطفى الله العرب على غيرهم من البشر
جاء على موقع “ملتقى أهل الحديث”, وهو من المواقع المعتبرة, أن النسب من الخصال المعتبرة في الكفاءة. استند الأئمة العظام في قولهم هذا على التالي:
- قول عمر بن الخطاب إنه سيمنع زواج ذوات الحسب والنسب إلا من أكفائهن, و
- أن العرب يعتمدون الكفاءة في النسب, و
- يتفاخرون برفعة النسب, و
- يأنفون من زواج الموالي, و
- يرون ذلك نقصًا وعارا, و
- لأن العرب فضلت الأمم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
يعتمد الاعتبار في النسب على الآباء. يعود ذلك إلى أن العرب تفتخر بالآباء وليس بالأمهات. يعني ذلك أن الله قد “أحلّ” لمن كانت أمه غير عربية وأبوه عربيًا أن يتزوج ممن كان أبوها عربيًا, و”حرّم” على من كان أبوه غير عربي أن يتزوج ممن كان أبوها عربيا حتى ولو كانت أمه عربية.
يقول الكاتب:
“مِنَ الْخِصَال الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ, النَّسَبُ. وَعَبَّرَ عَنْهُ الْحَنَابِلَةُ بِالْمَنْصِبِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْل عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : لأَمْنَعَنَّ فُرُوجَ ذَوَاتِ الأْحْسَابِ إِلاَّ مِنَ الأْكْفَاءِ. وَفِي رِوَايَةٍ قُلْتُ : وَمَا الأْكْفَاءُ؟ قَال : فِي الأْحْسَابِ (1). وَلأِنَّ الْعَرَبَ يَعْتَمِدُونَ الْكَفَاءَةَ فِي النَّسَبِ, وَيَتَفَاخَرُونَ بِرِفْعَةِ النَّسَبِ، وَيَأْنَفُونَ مِنْ نِكَاحِ الْمَوَالِي، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ نَقْصًا وَعَارًا. وَلأِنَّ الْعَرَبَ فَضَلَتِ الأْمَمَ بِرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالاِعْتِبَارُ فِي النَّسَبِ بِالآْبَاءِ لأِنَّ الْعَرَبَ تَفْتَخِرُ بِهِ فِيهِمْ دُونَ الأْمَّهَاتِ, فَمَنِ انْتَسَبَتْ لِمَنْ تَشْرُفُ بِهِ لَمْ يُكَافِئْهَا مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَالْعَجَمِيُّ أَبًا وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَرَبِيَّةً لَيْسَ كُفْءَ عَرَبِيَّةٍ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهَا عَجَمِيَّةً؛ لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اصْطَفَى الْعَرَبَ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَمَيَّزَهُمْ عَنْهُمْ بِفَضَائِل جَمَّةٍ، كَمَا صَحَّتْ بِهِ الأْحَادِيثُ (2). وَذَهَبَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْكَفَاءَةِ. قِيل لِمَالِكٍ : إِنَّ بَعْضَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ فَرَّقُوا بَيْنَ عَرَبِيَّةٍ وَمَوْلًى، فَأَعْظَمَ ذَلِكَ إِعْظَامًا شَدِيدًا وَقَال : أَهْل الإْسْلاَمِ كُلُّهُمْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ”.
(1) أثر عمر . أورده ابن قدامة في المغني ( 6 / 483 ) وقال : رواه أبو بكر عبد العزيز بإسناده .
(2) بدائع الصنائع 2 / 319 ، ونهاية المحتاج 6 / 252 ، ومطالب أولي النهى 5 / 85 ، والمغني 6 / 483 .
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=179930
تعليق فضيلة الشيخ أحمد المُهري على المقال أعلاه:
“لا أدري كيف يجرؤ مسلم يؤمن بأن القرآن كتاب الله تعالى وليس بيد المسلمين كتاب سماوي محفوظ غيره ثم ينسب إلى الله تعالى ما لم يقله في الكتاب الكريم؟ وأما أحاديثهم التي كتبوها بأيديهم ونسبوها إلى الرسول الأمين عليه السلام فإن مسند الإمام أحمد بن حنبل ينقل الحديث التالي من الرسول في الجزء الخامس منه ضمن الحديث 23536: ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى. وقال الإمام أحمد رحمه الله أسفل الحديث بأن إسناده صحيح.
والأحمر في لغة العرب القديمة بمعنى الأبيض عندنا. فحديثهم عن فضل العرب على غير العرب وأحكامهم السخيفة إثر ذلك الإفك كلام باطل حتى في منطق المحدثين. أما القرآن فإنه سبحانه يصرح في سورة الحجرات: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13). وحتى يطمئن الإخوة والأخوات بأن ما يقولونه يخالف القرآن فأنقل لهم الآية التالية لها: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14). والأعراب بأي تفسير فسرناه فهم عرب في النهاية؛ عرب من أولاد إسماعيل كما يقول اللغويون ويسكنون البادية.
وحتى لا نكون ظالمين فأنقل آيات من سورة التوبة توضح الأعراب بأن منهم الجاهل الجدير بألا يعلم حدود ما أنزل الله تعالى ومنهم من ينفق لأغراض فاسدة ومنهم في النهاية من يؤمن: الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (99) وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101).
كلهم عرب وكلهم من أولاد إسماعيل ولكن أهل المدينة ليسوا منهم ولكن منهم المنافقون أيضا. فمن أين أتوا بهذا الفخر الأحمق على أمة البشر؟ وسمعت مرة أحد شيوخ المملكة يتحدث في الإذاعة بأن كل الجزيرة العربية مقدسة. هذا الشيخ لا يعلم بأن كل الجزيرة العربية بما فيها مكة والحرم والكعبة ليست مقدسة. إن مكة محرمة وليست مقدسة. لا يوجد مكان مقدس في القرآن عدا الوادي المقدس في طور سيناء و مدينة القدس المعروفة. اللهم نجنا من الجهل ونجنا من الجاهلين وعرف أمتنا المسكينة على شيوخها حتى لا يتبعوهم كالأكباش التي تتبع الراعي.
أحمد المُهري
8/9/2016