ساعات الصيام لرمضان – تصحيح اخطاءنا
تصحيح أخطائنا التراثية – ساعات الصيام
بسم الله الرحمن الرحيم
فرض الله تعالى علينا الصيام في شهر رمضان وعين السبب في الصيام وفي شهر الصيام فقال عز من قائل في سورة البقرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187).
ففلسفة الصيام كما نفهمها من الآيات الكريمة هي أن نقترب من التقوى الذي بدونه لن ندخل الجنة. وفلسفة صيام شهر رمضان هو أن القرآن الكريم أنزل في شهر رمضان ليكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. فوجب علينا الشكر لربنا الذي أكرمنا بالهدى الدائم الباقي بيننا. بهذه النظرة البسيطة ندرك التالي:
-
الصيام مما حرمه الله تعالى في نهار رمضان هو الذي يمكن أن يجعلنا متقين فلا يمكن شراء الصيام بالمال ولا يمكن تعويضه بالقربات الأخرى. فللإمساك عن بعض الطيبات أثر في تربية نفوسنا لتتقوى ضد الشهوات ثم تتعالى على السيئات فتكسب الرضوان والجنان. يجب التنازل عن الشهوات وما يريح النفس ولا يكفي التنازل عن المال كما ظن قليلو العلم.
-
ذكر القرآن الكريم حكاية إنزال التوراة على بني إسرائيل تحت الرعب والخوف من سقوط الجبل المدمر عليهم حينما رأوه فوق رؤوسهم كأنه ظلة. هناك أخذ عليهم العهد إذ لا عهد إلا عند الخوف وفقدان الأمان. ولكن القرآن مختلف عن التوراة بأنه كتاب يتجدد فهم الناس له في كل زمان بتجدد الثقافات والحضارات والتقدم العلمي؛ فيريد ربنا أن يأخذ منا العهد بتعلمه تحت وطأة الصيام. والصيام يمثل حالة الكفاح ضد شهوات الأكل والشرب والجنس.
-
لم يذكر القرآن أية عبرة بتلاوة القرآن في رمضان فالتلاوة تؤدي إلى الاستمتاع بجمال الجمل والآيات القرآنية البديعة ولكنها لا تؤدي إلى فهم القرآن ليهتدي به الإنسان. والقرآن ليس حكرا على المسلمين فهو هدى للناس جميعا. فهو يعني بأن على المسلمين أن يتعلموا القرآن وينشروا مفاهيمه كي ينتشر هدى الله تعالى بين أبناء البشر فيهتدي من يحب الهدى عن بينة ويضل من يختار الضلال عن بينة وإدراك كامل.
-
المسلمون اليوم لا يتعاملون مع القرآن في رمضان تعاملا صحيحا فعليهم أن يغيروا برامجهم القرآنية وخاصة طيلة شهر الصيام. عليهم أن يبادروا بالتفكر في الكتاب الكريم ليتدبروا آياته ويحيطوا علما بما يمكنهم من مفاهيمه الرائعة فيغيروا حياتهم وأعمالهم مع تجدد العلم القرآني لديهم فيصيروا نماذج عملية لهدى القرآن الكريم بين كافة الأمم البشرية. لكنهم مع الأسف يهتمون في الشهر الفضيل بالسعي للتلاوة والتجويد وختم القرآن وإقامة مباريات الحفظ والتجويد. لا يوجد في القرآن الكريم أي تشجيع لتلك الأعمال الجميلة. فلو اهتموا بالتفكر في مفاهيم القرآن تاركين فهم السلف واستغلوا رمضان للعلم بالقرآن وليس للأناشيد القرآنية فلعلنا ننجو من شرور أنفسنا ومن انتشار الفوضى والقتل والسبي والحروب بيننا.
-
ظن البعض بأن القرآن هدى للناس جميعا ولكنه بينات لأهل العلم. هذا فكر خاطئ فالله تعالى لم يذكر أهل العلم حسب تعبيرهم في الآيات الكريمة ولم يخصص علم القرآن لقوم دون قوم. بل أشار إلى أن الصيام المفروض على كل الناس هو الكفيل بمساعدة الناس جميعا لفهم القرآن. كتب الله تعالى الصيام على كل الذين آمنوا من صحابة نبينا بالصيام في الآية 183 أعلاه. والخطاب بقي موجها لهم في الآيتين التاليتين لها (كتب عليكم، فمن كان منكم مريضا، فمن شهد منكم الشهر، يريد الله بكم اليسر، ولتكملوا العدة ووو). لكنه سبحانه في الآية 185 تحدث بأن شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. فالقرآن لجميع الناس هدى وهو بينات وفرقان للجميع أيضا؛ ولذلك قال تعالى بعدها: فمن شهد منكم الشهر فليصمه. بمعنى أن الآيات عادت إلى خطابها الأول الموجه للذين آمنوا. فالآية تدل على وظيفة مفروضة على الذين آمنوا ليصير القرآن هدى للناس جميعا.
-
الذين آمنوا في المقام الأول هم صحابة الرسول الذين آمنوا به وحضروا الوحي الذي كان ينشره الرسول بين صحابته شيئا فشيئا كما حضروا تفسير الرسول عليه السلام للآيات الكريمة. لكن آية الصيام بالذات لا تنحصر في الصحابة بل هي لكل من قام بعملية الإيمان. بمعنى أن كل من تعرف على الإسلام فآمن به تحقيقا وإدراكا منه فهو من الذين آمنوا. وسيرة المسلمين المتوارثة والمبنية على أساس وجوب الصيام على كل المسلمين دليل كاف على أن المقصود من الذين آمنوا في آية الصيام هم كل المسلمين.
-
وهناك آيات أخرى أمرنا ربنا فيها بأن نتدبر آيات الذكر الحكيم. قال تعالى في سورة الأعراف: كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3). فكيف نتبع القرآن إن لم نسع لفهمه بأنفسنا. لم يأمرنا الله تعالى كمؤمنين بأن نتبع فهم الرسول ولا فهم أهل العلم حسب تعبيرهم. وقال سبحانه في سورة محمد: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24). والآية تشير إلى المنافقين بأن من واجبهم أن يتدبروا القرآن، فكيف بالذين آمنوا دون نفاق؟ وقال تعالى في سورة ص: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (29). فالرسول استلم القرآن ولكن التدبر ليس خاصا به بل هو للجميع وأولو الألباب هم الذين يتذكرون. فكيف يتذكر أولو الألباب لو أنهم لم يستوعبوا مفاهيم ومقولات الذكر الكريم بأنفسهم؟ فهل يتذكر الجاهل؟ إذن على كل المؤمنين أن يفكروا في كتاب ربهم ليتدبروا آياته ويزدادوا علما ومعرفة.
وعما قريب سوف يهل علينا رمضان جديد بإذن الله تعالى وعلى المقتدرين منا صيامه فرضا واجبا من الله تعالى. نحن نحتاج إلى إثبات الشهر كما نحتاج إلى فهم ساعات الصيام الواجبة.
وكم نرى من اضطراب في طرق الإثبات. فعاشت أمتنا فترة عقود على خرافة صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته دون أن يفكر أحد منهم في ميلاد الهلال أو عدم ميلاده. وقبل عدة سنوات فقط رأوا بأن دعوة الناس للاستهلال قبل ميلاد الهلال أمر مشين وباعث للاستهزاء فبدأوا يهتمون بوجود الهلال على الأقل. وينسبون كل خرافاتهم العقائدية ظلما إلى الرسول العظيم إمامنا وقائدنا الأكبر محمد بن عبد الله عليه السلام. فهل قال الله ذلك؟ وهل للرسول أن يشرع لأحد، أم أنه ناقل للتشريع؟ فالتشريع هو في القرآن وليس في أحاديث كتبها البشر بعد أكثر من قرن من وفاة الرسول. نحن نهتم بسننه عليه السلام مثل الحج والصلوات وآداب الجنازة ولكن لا يجوز لنا العمل بما لا علم لنا به. السنن توارثناها جيلا بعد جيل فلا يجوز مخالفتها ولكن الأحكام غير متوارثة بل هي من صنع الإنسان البعيد عن الوحي.
أنا بدوري كمحقق بسيط لا يمكنني أن أتقبل تشريعا لا ينسجم مع واقع الحياة أو يؤدي إلى الإضرار بالصحة العامة أو يرغم الكثيرين على البحث عن بديل مثل المرض والسفر وغيره ليتخلصوا من الفرض الشرعي. ثم إنني وجدانا وبعد أن قمت بأبحاث موسعة في كتاب السماء لاحظت بأن ما اشتهر بيننا من أحكام فليست كلها أحكام قرآنية. لقد ورثنا أكثر الأحكام من بعض سلفنا الذين كانوا يجهلون حقائق الحياة التي عاشوها فضلا عن حياة الأمم التي أتت بعدهم. هذه الأحكام بشكلها الفعلي لا تشجع عامة البشر المتواجدين في أقاصي الشمال ولعل بعض المتواجدين في أقاصي جنوب الكرة الأرضية أن يسلموا لكتاب الله تعالى. ونحن السبب ونحن الجريمة ونحن الذين سوف نُسأل يوم القيامة وسنرى بأننا نفقد العذر الشرعي المقبول أمام الله تعالى.
من تلك الأحكام الحكم بالصوم بشكل غير مقبول وأنا هنا بصدد تحليل هذا الحكم الشرعي لنفرق بين ما هو من الله تعالى وما هو من غير الله تعالى. وقبل الدخول في الموضوع نحتاج إلى مقدمة ضرورية.
لو أن إنسانا اقترض مبلغا كبيرا من المال لغرض معقول ثم انكسر تحت ضغوط الظروف فاشتكى الدائن لدى المحكمة. هناك يمكن للقاضي أن يصدر الحكم بشكلين مختلفين:
-
أن يحكم بدفع المبلغ بالكامل للدائن باعتبار أنه أقرضها دفعة واحدة وذلك بأن تبيع السلطة التنفيذية كل ممتلكات المدين بما فيها بيته وأثاث بيته ليدفعوا حق الدائن.
-
أن يلاحظ القاضي الحالة العامة للمدين فيصدر الحكم لصالح الدائن بكامل المبلغ دون أن يمس ضرورات الحياة لدى المدين. فيقسط المبلغ عليه لفترة معقولة حتى لا ينهار المدين وهو إنسان أو يفقد كل ممتلكاته ويتعسر عليه وعلى أهله الاستمرار في الحياة الطيبة.
بهذا المثال البسيط ننتقل إلى حكم الصوم وإلى القاضي الديان الذي أصدر عز شأنه حكم الصوم لضرورة وضحها في آية الصوم. فنحن مسلمون وقد عشنا فترة طويلة من حياتنا في مناطق قريبة من خط الاستواء وصمنا ولم نر من الصوم ما يزعجنا كثيرا. صمنا ونحن صغار ولم نمرض ولو أننا تعبنا قليلا. ليس المقصود من الصوم أن نتلذذ بل المقصود منه أن نتعب فكأننا مدينون دينا كبيرا ولكن القاضي الديان قام بتقسيط الدين علينا فأوجب علينا أن نستنكف عن الأكل والشرب واللذة الجنسية بالكامل ساعات محدودة ثم نعود إلى الحياة من جديد. لم يحكم سبحانه بأن علينا أن نصوم عدة مئات من الساعات بصورة متواصلة بل قسطها على شهر كامل وفي حدود معقولة. كما أنه لم يحكم بأن علينا بأن نصوم 20 ساعة في الصيف وأربع ساعات لو صادف رمضان في الشتاء!
هكذا عشنا نحن الذين عشنا في المناطق المحيطة بمنزل القرآن العظيم وهو مكة ويثرب. ثم قدر الله تعالى لنا أن ننتشر في الأرض لينتشر معنا دين الله وينتشر معنا كتاب الله في كل أرجاء المعمورة. هناك من انتقل إلى أقصى الشمال فلم ير شيئا اسمه الظلام في الصيف كما لم ير شيئا اسمه الشمس في الشتاء. فلو فرضنا أن مجموع ساعات الصيام لدى أي إنسان يعيش في أي مكان من الأرض لا يتجاوز مجموع ما يصومه الفرد الذي كان في مكة خلال 36 عاما من عمره فإن التقسيط غير منسجم مع الذي يعيش في المناطق القطبية.
القاضي الديان عادل ولا يمكن أن يحكم على المدين الذي يعيش في مكة بأن يكون أقصى وأطول يوم يصومه في حدود 15 ساعة وأقصرها في حدود 12 ساعة وهو مقبول لدى الإنسان. ولكن الذي يعيش في المناطق القطبية فعليه أن يصوم أحيانا 22 ساعة بل أكثر وأحيانا أخرى ساعتين فقط بل أقل. هذا حكم لا ينسجم مع واقع الحياة الإنسانية فما ذنب الذي يعيش في المناطق القطبية أم هل الإسلام حكر على من يعيش في وسط الأرض وحرام لمن ولد في أقصى الأرض؟ ثم ما ذنب أطفالنا نحن الذين انتقلنا من الشرق إلى الغرب لنبلغهم زورا بأن حكم ربهم أن يصوموا من الشروق إلى الغروب ولو طال عشرين ساعة؟ هل يجوز لنا ذلك وما موقفنا أمام ربهم يوم الحساب؟ لم يقل الله ذلك إخواني وأخواتي فأرجو أن تمعنوا في التفكير وتتركوا ما ورثتموه من أحكام لا تنسجم مع واقع الحياة فالله تعالى هو الخالق لكل شيء ولا يمكن أن يصدر أحكاما قاسية على البعض وعادلة للبعض الآخر.
وألاحظ بأن بعض العوائل المتفتحة في الغرب لا تبلغ حكم الصيام للشباب لأنهم يرون بأن بعض الأحكام سوف ينفر أولادهم من الإسلام. أنا بدوري كمسلم أكبر فيكم روح التضحية في سبيل الله ولكن لم يقل الله تعالى أن تصوموا أطول مما صامه أهل مكة الذين أنزل عليهم الوحي. وقد قلت سابقا ولعلي كتبت أيضا بأن الحكم نزل على أهل مكة زمانا ومكانا فخاطب سبحانه الذين آمنوا في رأس آية الصيام. فاسمحوا لي أن أعود مرة أخرى للآيات الكريمة لعلكم تفكروا فيها وتمعنوا وتتقبلوا التيسير بدل التعسير. قال تعالى في سورة البقرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187).
الخطاب للذين آمنوا فعلا وهم الذين آمنوا من الصحابة وليس غيرهم. ولكن الآية 186 تتحدث عن عباد الله عامة فهي تشملنا جميعا. كما أن الآية 185 تشملنا أيضا باعتبار أن القرآن هدى للناس ونحن من الناس. وليس سهلا أن يقول أحد بأن حكم الصيام حكم مؤقت لصحابة الرسل فقط. فلو كان كذلك لصرح القرآن بأن الحكم لكم ما دام الرسول بينكم فإذا توفى رسولكم فأنتم في حل من الصيام. لم يقل الله تعالى ذلك وشعر الصحابة بأن الصيام واجب عليهم ما داموا يعيشون الحياة الدنيا فصاموا بعد رسول الله كما صام أولادهم الذين كانوا صغارا يوم نزول الآية الكريمة وانتشر الصوم بين كل من أسلم وصار جزءا من الدين الإسلامي بالتزام المسلمين به.
والصيام بمعنى الإمساك عن الأكل والشرب والتمتع الجنسي واجب محتوم وبعض الإخوة الذين ظنوا بأنه واجب على الفقراء ولكن الأغنياء في خيار أن يدفعوا المال أو يصوموا فهم غير مصيبين برأيي المتواضع. مثالهم مثال الفقهاء الذين صنعوا لنا فقها ذكوريا يلاحظ الأثرياء ويقويهم ويعتبر الفقراء والإناث بشرا من الدرجة الثانية وعليهم أن يخدموا أصحاب الأموال والذكران من العالمين. أما الأثرياء فهم يشترون الجنة بالمال وبرأي أخينا المعاصر يتخلصون من حكم الصوم بالمال أيضا. هذه الأحكام مزورة ولا تنسجم مع ربوبية الله تعالى للعالمين جميعا. أنا لست فقط رافضا لمثل هذه الأحكام بل أرفض كل الأحكام التي تعطي حقوقا للمسلمين تفوق حقوق غير المسلمين. كلها أحكام باطلة وهم فعلا يجهلون القرآن ولا يعرفون الله تعالى. وبعضهم يفضل المسلم على غير المسلم لمجرد أن الحظ ساعده ليولد في العوائل المسلمة بالاسم طبعا. فدينهم دين الحظوظ وليس دين السعي والتقوى. المال حظ والذكورية حظ والمسلم الجغرافي حظ و فهم اللغة العربية حظ إلى غير ذلك من الحظوظ التي لا يد للإنسان في كسبها. والله تعالى يقول في سورة النجم: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى (42).
ثم يذكر سبحانه الحظوظ بعد ذلك وينسبها إلى نفسه وليس إلى الناس فيقول عز من قائل: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (45) مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48).
نعود إلى آية الصيام لنشاهد عمومية الحكم أو نكتشف السبب في توجيه الخطاب للصحابة. بدأ سبحانه مجموعة من آيات الأحكام في سورة البقرة هكذا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168). وكل ما تلاها من آيات فهي للناس جميعا ولكن القرآن ينتقل فجأة إلى الصحابة ويوجه الخطاب لهم فتقول الآية التالية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178). وبعد ذلك تأتي آية الصيام المذكورة أعلاه.
أنا شخصيا لاحظت بأن حكم الآية أعلاه خاص بالصحابة فعلا وليس عاما وذلك قبل أن أصل إلى آية الصيام. قلت للزملاء الكرام بأن الحكم للقتلى الذين قتلوا قبل انتشار الإسلام فهو خاص بالصحابة الذين آمنوا وبعضهم أولياء للدم. خيرهم الله تعالى بأن يعفو عن إخوانهم أو يلتزموا بحكم خاص وهو أن القاتل لو كان حرا وقتل حرا يُقتل ولكنه لو قتل عبدا فلا يُقتل. ولو كان القاتل عبدا يُقتل إن كان المقتول عبدا أيضا ولكنه لا يُقتل إذا قتل حرا. ويُقتل الأنثى إذا قتلت أنثى ولكنها لو كانت قد قتلت ذكرا فلا تُقتل. وأظن بأن الصحابة اتفقوا على أن يتخلوا عن المطالبة بالدم ويكتفوا بكرم ربهم الذي أراد لهم أن يكونوا إخوانا، فهو حكم خاص بهم. اللهم إلا إذا قرر الشعب البريطاني مثلا اليوم أن يسلم كما أسلم صحابة النبي فيمكن أن نعود إلى ذلك الحكم لمن سبق أن أراق الدم المحرم.
ثم أنزل الله تعالى حكم الصيام مخاطبا الصحابة أيضا فما هو السر؟ كل الأحكام المتوسطة عامة لكل الناس وواضحة كل الوضوح. وبعد ذلك تذكر السورة أحكام الأهلة والحج وهي عامة لكل الناس لأن الدعوة إلى الحج ليست خاصة بالمسلمين بل هي لجميع الناس في القرآن الكريم.
أظن أنا بأن السر هو أن المعيار لساعات لصيام هو معيار مكان نزول الآية الكريمة وهو منطقة الحجاز وليس أمرا آخر والعلم عند المولى عز اسمه. هكذا ينسجم الحكم مع كل أهل الأرض فلا يشعر أي مسلم بالحيف.
وأما قولهم بأن الصيام ينتهي مع مغرب الشمس فإن الله تعالى ما قال ذلك، بل قال سبحانه: ثم أتموا الصيام إلى الليل. والليل المعرف بـ أل التعريف، بظني إشارة إلى الليل المذكور في نفس الآية: أحل لكم ليلة الصيام.
ولا يوجد في القرآن الكريم تعريف لوقت الليل ولكن هناك تعريف لليل نفسه بالنسبة لنا. قال تعالى في سورة النمل: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86). هذا هو ليلنا وليس هو الليل الذي يسبح في فلك كما وصفه سبحانه في سورة الأنبياء: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33). هو ليل آخر نشرحه في وقت آخر بإذن الرحمن.
فالليل الذي جعله الله تعالى لنا هو وقت سكوننا وهدوئنا وتركنا للعمل وليس غروب الشمس كما ظن أصحاب الفقاهة الكرام. وبما أنه سبحانه ذكر الليل في نفس الآية وأحل للمؤمنين الرفث إلى نسائهم فأين وقت هذا الرفث بالنسبة للذين يعيشون في المناطق القطبية؟ وأين وقت السكون والاستراحة لهم لو اتبعنا الفقهاء الذين ظنوا خطأ بأن الليل يعني غروب الشمس؟ حتى نحن في بريطانيا لا راحة لنا لو اعتبرنا الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. الفجر كما يحتسبه عامة المسلمين السُّنّة في بريطانيا يبدأ الساعة 02:39 يوم 20 يونيو وهو احتمالا أطول نهار في السنة وينتهي النهار في الساعة 09:24 مساء. والكثيرون يمسكون 10 دقائق قبل الفجر احتياطا ويفطرون 3 دقائق بعد الغروب. فسيكون طول الليل عندهم خمس ساعات فقط. ونحن في خير.
لاحظ الذين يعيشون في Akureyri في جرينلاند فلا فجر لديهم إطلاقا. يعتبر البعض الغروب عندهم في الساعة 00:59 صباحا والشروق في الساعة 01:29 صباحا. بمعنى أن طول الليل عندهم في حدود نصف ساعة فقط. وأما مدينة Aasiaat فلا شروق ولا غروب لديهم طيلة شهر يونيو أو طيلة فصل الصيف تقريبا.
فأظن بأن العرف العام الذي أمرنا الله تعالى بأن نتبعه وأمر نبينا بأن يأمر به هو الحكم الفصل في مثل هذه القضايا وليس الفقهاء. والعرف العام يعتبر الساعة دليلا على وقت الراحة في المناطق البعيدة عن خط الاستواء وليس غروب الشمس. كل الأعمال تقريبا تتعطل في الساعة الخامسة مساء وهو وقت الليل وليس غروب الشمس. فكل إنسان يجعل لنفسه وقتا لليله في النهاية وليس للشمس أي دور في البلاد القريبة من القطب. وبما أن العبرة بنهار أهل مكة وليلهم فنحن علينا بأن نراعي معدل ساعات الصيام في السنة خلال 33 أو 36 عاما لنلتزم بها حتى يكون معدل صيامنا متعادلا مع معدل صيامهم في مجموعة السنوات.
وبما أن الله تعالى أمر بأن يبدأ الصيام بالفجر فنبدأ بالفجر في كل بلد يتحقق فيه الفجر. والفجر برأيي المتواضع هو ما يسمى لدى الفلكيين بـ (Nautical twilight) وأنا أضيف إليها ستة دقائق لصلاة الفجر حتى نطمئن من تجمع الفجر في الأفق الشرقي عملا بقوله تعالى: (وقرآن الفجر). ولكنني أنقص منه 10 دقائق لبداية الصيام عملا بقوله تعالى: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر).
لكم خالص الدعوات وسوف أرسل إمساكية رمضان هذا العام لأهل لندن قريبا.
أحمد المُهري
6/5/2017
كتب أخي المهندس عادل الحسني في المودة
السلام عليكم جميعاً
انت ترفض التكرار في القران كما تعلمنا منك والقران كتاب لا زوائد فيه للجماليه مثلاً
السؤال لماذا تكررت فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ في آلية ١٨٣ وفي الآية ١٨٤ ومَنّ.
فما هي رؤيتكم بهذا ؟؟ أليس فيه معنىً أخر
9/5/2017
ردي على عادل
أشكر أخي عادل على الانتباه الجميل وكنت قد اكتفيت بالرد الذي نشرته في اليوم الذي سبق مقالة الترحيب، على رأي أخينا المجاهد الدكتور شحرور حفظه الله تعالى.
قلت التالي في الرد المذكور: الآية الأولى آية إبلاغ لحكم الصيام وليست آية حكم لأنها لا تعين موعدا للصيام. وكما قال بعض المفسرين بأنها تمهد لموضوع قاس على الناس ببيان أن الحكم ليس خاصا بالمسلمين بل كان حكما على كل أتباع الأديان السماوية.
والآية الثانية أيضا لا تنطوي على الحكم الأساسي للصوم باعتبار عدم ذكر زمان الصوم. لكنها تتضمن تسهيلات للصائمين. حتى حكم المريض والمسافر ليس جازما في الآية الثانية ولذلك كرر الله تعالى الحكم في الآية الأخيرة.
وقلت أيضا في نفس الرد: فالآية الأولى آية تمهيدية تخبرنا بأن الصيام قد كتب علينا كما كتب على الذين من قبلنا ولا تنطوي على أمر فعلي. والآية الثانية توضح لنا التسهيلات ولا تنطوي على حكم فعلي. والحكم الكامل هو في الآية الثالثة ولذلك كرر استثناء المريض والمسافر في الآية الثالثة ليكون الحكم الجزمي كاملا من كل الحيثيات. انتهى النقل.
وسوف أكرر هنا الموضوع بتفصيل أكثر إكراما لأخي عادل حفظه الله تعالى.
وما أقوله هنا قد قيل من قبل وليس خاصا بتحقيقاتي ولعل العبارات تختلف فقط. وكما أذكر بأن المرحوم العلامة الطباطبائي قد ذكر السبب فيمكن مراجعة رأيه في تفسيره المعروف بالميزان أيضا.
فالواقع هو أن حكم الصيام ليس حكما سهلا بل هو من الصعوبة بمكان. والله تعالى خلق لنا ما في الأرض جميعا وهو لا يحب أن يُحرم عبيده المؤمنين به والذين تقبلوا رسله ودينه ولا سيما الذين اتبعوا كتابه الأخير وهو القرآن، من التمتع بخيراته ولو بصورة جزئية. ولذلك بدأ بالتحضير للحكم في الآية الأولى من آيات الصيام فقال عز من قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183). ذلك لعلم الصحابة الكرام الذين كانوا يصلون ويحجون قبل ظهور الرسالة الختامية ولكن الصوم لم يكن معروفا لديهم كما يبدو. فأراد ربهم إخبارهم بداية بأن هذا الحكم الصعب كان موجودا من قبل ومكتوبا على الذين من قبلهم.
ثم أعقب سبحانه التمهيد الأول التشجيعي بأن الحكم ليس جديدا، أعقبه ببيان التسهيلات قبل إصدار الحكم. ولو نلاحظ القوانين الوضعية اليوم فهي عادة تُصدر مشفوعا بمذكرة تفسيرية للقانون. يكتب المشرعون في المذكرة التفسيرية أسباب القانون ويضيفون أحيانا قضايا حصلت في المجتمع مما ألزمتهم إصدار قانون لمعالجة تلك القضايا الاحتمالية. والمذكرات التفسيرية تنشر مع القوانين وتُكتب بعدها أو قبلها وهي نفس القانون ولكن بلغة غير قانونية. والقرآن تضم مذكرات تفسيرية في كثير من أحكامها وهي غير الحكم. فالتسهيلات في الصيام هي كالتالي: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184). وبيانها:
-
الحكم ليس شاملا كل عمر المؤمن بل هو لأيام معدودات في السنة.
-
المسافر والمريض معفوان من الصيام في الأيام المعدودات وعليهما الصوم بدل رمضان بعد رمضان. ولم يحدد الله تعالى الأيام الأخر فيمكن للذي كان مسافرا أو مريضا أن يختار الصوم قضاء متى ما شاء بعد رمضان.
-
وبما أن الصيام واجب في رمضان واضطر المسافر والمريض أن يفطرا بأمر الله تعالى فعلى من كان مقتدرا منهما أن يفدي صيام رمضان الواجب بطعام مسكين واحد على الأقل ولمن أراد المزيد من الإطعام فهو خير له عند ربه طبعا.
-
وبما أنه سبحانه أمر المسافر والمريض بأن يصوما البدل فإنه تعالى وضح لهما بأن الصيام على كل حال خير من الإفطار في رمضان. وأظن بأن السر في ذلك هو أن يسعى المرء للتحقق من فعلية الضرر في المرض والتحقق من فعلية السفر ولا يكتفي بالظن والاحتمال. والعلم عند المولى.
ثم جاء الدور بعد المقدمات لبيان الحكم. ولعلم أخي عادل فإن حكم الصيام نفسه قد كرر أيضا. ألم يقل ربنا في الآية 183 بأنه كتب علينا الصيام. فلماذا كرر نفس الحكم المكتوب مرة أخرى في الآية 185 بقوله تعالى: فليصمه؟ ودعنا نتصور بأنه تعالى لم يستثن في الآية الكريمة حكم المريض والمسافر لنرى ما الذي كان يحصل؟ نرى بأن الأمة الإسلامية ومنذ مئات السنين تعتقد بأن هناك آيات منسوخة في القرآن والعياذ بالله. فكان المفسرون وبدون شك يقولون بأن الآية الأولى نسخت بالثالثة ويجب على المريض والمسافر أن يصوما أيضا. وكان لكلامهم وجه من الصحة. ذلك لأن آية الحكم نزلت بعد آية الإبلاغ وبعد آية التسهيلات. وأقصد بالنزول موقعها في السورة وليس زمان النزول. فالتكرار كان ضروريا هنا.
وللمزيد من العلم فإن حكم الصوم نفسه مذكور أربع مرات في مجموعة الآيات:
-
في الآية 183 يخبر عن وجوب الصيام دون بيان الحكم بقوله الكريم: كتب عليكم الصيام.
-
في الآية 184 قال تعالى: وأن تصوموا خير لكم، ليفرض على المسافر والمريض أن يطمئنا من حالتهما كما أظن.
-
الآية 185 هي آية الحكم فعلا حيث أمرنا تعالى فيها أن نصوم إذا شهدنا رمضان بقوله الكريم: فمن شهد منكم الشهر فليصمه.
-
في الآية 187 حيث أراد سبحانه أن يوضح لنا وقت الإمساك عن الأكل والشرب والمغازلات بين الرجال والنساء خلال اليوم من أيام رمضان فقال تعالى: ثم أتموا الصيام إلى الليل.
ودعني أوضح موضوع التكرار فأنا قلت بأن التكرار في القرآن ليس لغرض التنضيد أو البلاغة فليس القرآن شعرا وليست سوره وآياته مقطوعات أدبية. والجمال الذي نراه ونلمسه في هذا الكتاب العظيم هو بسبب إحاطة الله تعالى بكل شيء بما فيها اللغات فكل كلام ربنا جميل وبديع وبليغ وكل كلام لا يحمل نفس بلاغة القرآن فهو ليس من الله تعالى دون ريب.
إذن لقد تعرض الأخ الزميل عادل لموضوع في غاية الأهمية، ولذلك أرى من واجبي التنبيه بأن الجمل التي ليست بقوة القرآن وهي منسوبة إلى الله تعالى مثل الحديث الموسوم بالقدسي وغيرها فهي كلها مفتريات ولا أشك في ذلك. ليس بين يدي البشر كلام رباني عدا التوراة والإنجيل والقرآن. ولقد صرح ربنا بأن بعض أهل الكتاب تمكنوا من القيام ببعض التغييرات في التوراة والإنجيل فيجب الانتباه إليها. كما أن اللغة الأصلية للكتابين القديمين غير مفهومة لنا نحن اليوم. وأما القرآن فإنه تعالى تعهد بحفظه وصيانته بقوله الكريم في سورة الحجر: وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9).
ونلاحظ حقا بأنه تعالى صان الكتاب من التغييرات ومن الكشط والإضافة كما صانه من تعدد المعاني وخاصة في آيات الأحكام. ولذلك نرى الذين يتحدثون عن أحكام غير متجانسة في القرآن فإنهم يلجؤون إلى الأحاديث ولا يمكنهم إثبات ادعاءاتهم من القرآن نفسه. ومقصودي من نشر تصحيحاتي لأخطائنا التراثية شيئا فشيئا هو اكتشاف اللعب الذي حصل في فهم الآيات الكريمة الجامعة المانعة ودرء الشبهات في قلب من يريد فهم كتاب ربه بإذن الله تعالى.
فللتكرار ضرورات فعلا. وحتى يجرب أخي عادل ذاكرته فإنني أتلو عليه التالي من سورة النساء:
أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا (79). لقد ذكر سبحانه في الآية الأولى بأن كل ما يصيبنا من حسنة أو سيئة فمن الله ثم كررها في الآية التالية ولكنه قال بأن ما يصيبنا من السيئات فهي من عندنا. فما السبب؟
أردت تذكيركم بأن التكرار فعلا في القرآن لأسباب وضرورات ولكن علينا أن نتدبر تلكم الضرورات.
أتمنى أن يكون الجواب بليغا ومفيدا.
أحمد المُهري
9/5/2017
الرد الثاني لعادل علي
السلام عليكم جميعاً وأحسنت أخي أبا علي على التوضيح
سيدي الكريم هذه الآية مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا (79
شارحةٌ للآية 78 وحتى لا تلتبس على الناس في الفهم وينسب العمل السئ لله فالاولى يقول الله إن كل حركات الكون وتصرفات الناس ووووو ضمن قوانين الله ولا يخرج أحد عن هذه القوانين الشاملة الكاملة المحيطة بكل شئ ولكن التصرف والاختيار منسوب لك في أختيار السئ
أما أية الصوم فهمًا حكمين منفصلين ولهذا قال البارئ في الاولى وعلى الذين يطيقونه والتي فُسرت خارج المنطق والعقل مع الأسف
وهذا ما أؤمن به بأن الله وضع القوانين لليسر ولتنظيم المجتمع وكذالك كل القوانين الوضعية فيها ثغرات لتجنبها عمداً وليس خطئ وهذا حتى لا ينفر الناس ويستخدموا العقل للتَدبّر حتى تستمر الحياة وتتطور وإلا لأصبحنا أجهزة تُسيرها القوانين
عادل الحسني
10/5/2017
ردي الثاني على عادل
أخي الكريم المهندس عادل الحسني رعاه الله تعالى
أشكرك على ما كتبت ولكنني في النهاية ما عرفت فهمك في تطبيق المعنى الذي ذكرته على المصاديق. أرجو أن تصرح لمن يسمع بفهمك، هل تظن بأن حكم الله تعالى في وجوب الصيام والذي سار عليه كل معتنقي الأديان السماوية من أنبياء ومؤمنين، يمكن تجاوزه بالمال؟ لكن الفقراء يجب أن يصوموا ولا حل لهم؟
أحمد المُهري
11/5/2017
الرد الثالث لعادل علي
السلام عليكم جميعاً
عزيزي ابو علي نحن تناقشنا بفكرة وانت رافضها مقدماً ولكن سؤالي هو ما المقصود ب على الذين يُطيقونه في الآية ١٨٣ كذالك لماذا قال الله فٍدية ولم يقل كَفَّارَة أو دية أو صدقة
فلنترك مخالفت أوإجماع الأمة ونفهم ما هو المسموح والأصلح لبناء المجتمع الخالي من الفقراء كما وصل الغرب اليوم تقريباً
تعلمنا منك أن لا قيمة للإجماع ولو للكون كله وهذا ما نؤمن به كمجموعة صغيرة
11/5/2017
ردي الثالث على عادل
أخي الكريم المهندس عادل رعاه الله تعالى
اسمح لي أن أرقم المسائل التي تعرضتم لها:
-
ما هو المقصود بـ على الذين يطيقونه في الآية 183؟
-
لماذا قال الله فدية ولم يقل كفارة أو دية أو صدقة؟
-
قولكم: فلنترك مخالفة أو إجماع الأمة؛ لا قيمة للإجماع ولو للكون كله.
-
ما هو المسموح والأصلح لبناء المجتمع الخالي من الفقراء كما وصل الغرب اليوم تقريباً؟
فأقول مقدمة لمن يطلع على هذه المناقشات بأن أخي عادل الحسني رجل مؤمن ومحب لله تعالى وللقرآن وهو يصلي ويصوم وقد حج عدة مرات مع أهله وهو يرفض رأيي في تعيين الليل لساعات الصيام بل يصوم نهار لندن الطويل بالكامل. فقوله هذا مغاير لفعله فلا يظن أحد بأخي الكريم الظنون. وأما أقواله الباطلة المغايرة لأفعاله الصحيحة فأرد عليها حسب ترقيمي بإذن الله تعالى:
-
لقد وضحت المقصود من على الذين يطيقونه في الآية الكريمة وأكرر مرة أخرى. معناها كما أظن وعلى الذين هم قادرون ماليا. فالضمير في نهاية يطيقونه لا يعود إلى الصيام كما ظن السلف وكما ظن أخونا الدكتور شحرور هداه الله تعالى، بل يعود إلى القدرة المالية المذكورة بعدها وهي فدية طعام مسكين أو أكثر ليتطوع خيرا. فلو قلنا كما قال الأخ شحرور بأن الذين يطيقونه يعود إلى الصيام فسيصير معنى الآية هكذا:
وعلى الذين يطيقون الصيام فدية طعام مسكين. فيكون واجبا على كل الصائمين أن يعطوا الفدية. وهو مناقض لمعنى الفدية طبعا. فذلك يعني بأن القرآن خطأ والعياذ بالله. ثم ما معنى على الذين وما الفرق بينها وبين للذين. وقد انتبه أحد المعلقين على أخينا شحرور وكتب هذا الإشكال في تعليقاته التي لم يرد عليها الدكتور شحرور أو أنني أنا ما رأيت رده على الرغم من أنني سعيت لذلك. وحتى نعرف الفرق أتلو عليك آية من سورة التوبة ثم أبدل على باللام لتقف على الفرق. قال تعالى في سورة التوبة: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (93). فلو بدلنا على الذين وقلنا بدله: إنما السبيل للذين يستأذنونك وهم أغنياء.
هناك سوف يتغير المعنى رأسا على عقب. السبيل على الذين، تعني من حقك على الذين يستأذنونك وهم أغنياء أن توقفهم عند حدهم فلا سبيل لهم.
ولكن، السبيل للذين، تعني من حق الأغنياء أن تسمح لهم ولا توقفهم لأن السبيل لهم. ثم مثال آخر من سورة هود: يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (51). أجري على الذي فطرني؛ تعني بأن لي أجرا على الله تعالى. وأجري للذي فطرني؛ تعني بأن ليس لي أي أجر على الله بل أجري لله نفسه. بمعنى أنه يشهد على نفسه أنه كان مسيرا بالكامل ولم يقم بعمل باختياره ليكسب أجرا. فقوله تعالى على الذين يطيقونه يعني هناك فرض عليهم وقوله للذين يطيقونه يعني هناك سماح لهم. والأخ شحرور كما يبدو ليس دقيقا في اللغة العربية وقد فسر الآية وكأنها تعطي حقا أو خيارا للأغنياء.
وأنا رأيت الكثير من أخطاء سيادته وكنت ألوي الطرف عنها لأنني فعلا أحب هذا الإنسان الفاضل باعتباره يحب الله تعالى ويرد على مقولات السلف فهو كما تعلم موافق جدا مع مسيرتي أنا في حياتي الدينية. لكنني من اليوم فصاعدا أراني مضطرا لأكثر من الرد على سيادته وأعتذر منه مسبقا والسبب هو أخي عادل. كما أرجو من أخي الكريم عادل أن يتفضل بإرسال ردودي السابقة واللاحقة لأخينا الكبير الدكتور شحرور ليمارس حقه في الرد علي أو يغير أفكاره إن رأى في كلامي رشدا أو يسكت كما شاء ولكن يرى الآخرون بأن هناك من يرد ردودا قرآنية على سيادته. هكذا تبقى لنا معذرة إلى الله تعالى حينما نقف أمامه ليحاسبنا.
-
لنعلم لماذا لم يقل الله تعالى كفارة أو دية أو صدقة ثم نقول لماذا قال فدية. قلت بأن الحديث عن المسافر والمريض وليس عن عامة الصائمين، فالمسافر والمريض يفطران للضرورة وبأمر الله تعالى فليس عليهما كفارة في الإفطار بالضرورة. الكفارة على من خالف أمرا من أوامر الرحمن عز اسمه المذكورة في كتابه الكريم. هذه الكفارة مضافة إلى التوبة ليذوق وبال أمره بمعنى أنه يتحمل مشقة مقابل السماح لنفسه بمخالفة الله تعالى. هكذا يمكنه درء خطر النار إلى حد ما يوم القيامة. لكن الذي يفطر مضطرا وبأمر الله تعالى فلا كفارة عليه.
وأما الدية فهي مضافة بأمر الله تعالى إلى تحرير الرقبة لمن يقتل مؤمنا خطأ. فالقتل الخطأ يدل على الاهمال وعدم الانتباه من القاتل بالخطأ ولذلك عليه جزاء من نوع آخر، و لم يسمه الله تعالى كفارة. ذلك لأنه كان السبب في موت أحد عبيد الله تعالى. ثم يضاف إليه الدية كتعويض لأهل القتيل في الواقع. فليس في هذه القضية مورد للكفارة، كما ليس للمريض والمسافر المفطر مورد للدية.
وأما الصدقة فهي من الخيارات التي تكسب بها الأجر عند الله تعالى ولكن الفدية واجبة الدفع لمن يقوى عليها وليس فيها خيار.
وأما الفدية فهي المقابل لنقص في الأداء أو لعدم القيام بواجب ولو بعذر. ولننظر إلى موارد الفدية في القرآن الحكيم.
ألف: قال تعالى في سورة البقرة: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ….. فهذا الذي به أذى يضطر لحلق رأسه وهو محرم ولذلك يدفع الفدية على تلك المخالفة التي اضطر أن يأتي بها.
ب: قال تعالى في سورة الصافات: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107). رأى إبراهيم مناما بأنه يذبح ابنه إسماعيل فظن بأن ذلك أمر من الله تعالى أن يذبح ابنه. لم يكتف بظنه بل ذكر المنام لإسماعيل نفسه فظن هو أيضا بأنه أمر الله تعالى ولذلك قال لأبيه: افعل ما تُؤمر. هذا يعني بأنهما شعرا بالواجب فعليهما الإتيان بالأمر الواجب. إن كل من شعر بأمر واجب من الله تعالى فعليه أن يأتي بها ولكن بعد أن يطمئن بالوجوب طبعا. إبراهيم نبي وابنه نبي آخر وكلاهما رأيا رأيا فقهيا فأصبح واجبا عليهما. لقد أخطآ دون شك ولكن الوجوب حصل لهما ولم يعلما بالخطأ حتى بعدما أمرهما ربهما بالتوقف كما أحتمل. من الذي وقف دون أداء هذا الواجب؟ الذي أوقف الواجب هو الله تعالى نفسه. ولذلك لم يأمرهما بدفع الفدية بأنهما تركا الواجب بل أوجب سبحانه على نفسه الفدية فقال عز من قائل: وفديناه بذبح عظيم. أرجو الدقة في مثل هذه المسائل وقد استشهد الأخ شحرور بهذه الحكاية دون دقة مع الأسف.
ج: وقال تعالى في سورة الحديد: يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15). المنافقون والمشركون و العصاة عامة يقدمون قرابين لله تعالى بزعمهم. فهم جميعا يهتمون بالوسائط ليكونوا شفعاء لهم يوم القيامة على آثامهم. ظنوا بأن الإثم يمكن أن يفتدى بعمل آخر مثل إكرام الأصنام أو ما شابه الأصنام. ذلك العمل الآخر فدية للإثم الذي اضطروا أن يأتوا به أو ضعفوا أمام شهواتهم فأتوا به. فيقال لهم بأن الفدية مقابل الضعف مرفوض يوم القيامة فلا فدية ولكن كان عليهم أن يتركوا العمل الخاطئ ويتوبوا إلى الله تعالى وحده ليغفر لهم.
وهناك الفدية عن كل ما يمكن تلافيه مثل الأسير الذي يُعتبر عدوا مخطئا يجب معاقبته ولكنهم يستبدلونه بأسير آخر أو بأمر آخر مقابل عدم العقاب الذي يستحقه. وكذلك الفداء الذي تقدمه المرأة للتخلص من زوجها باعتبار أنه دفع مهرا قبل النكاح.
فهناك مورد للفدية إن كان الصائم مضطرا للإفطار مثل المريض والمسافر ولكن لا معنى للفدية لمن يقوى على الصيام فهو عليه بأن يؤدي الواجب. أرجو منك أن تقرأ كل موارد الفدية في القرآن لعلك تقتنع بأن لا مجال لأن تفدي الصيام بالمال وأنت قادر على الصوم. والخلاصة أن الفدية على المسافر والصائم الذين اضطرا على الإفطار بأمر الله تعالى في شهر رمضان الواجب صيامه وليس لأحد. عليه لا له.
-
أظن بأن مقصودك من إجماع الكون هو إجماع أهل الأرض لأن الكون يعني كل الوجود الممكن. وهو ما يقابل الكملة الإنجليزية: Universe. بالطبع لا يمكن لأحد أن يقول لا قيمة لإجماع أهل الأرض؛ ولكننا نقول بأن إجماع أهل الأرض مستحيل حتى في زمان واحد. ونرد مقولة الفقهاء الكرام وهي: إجماع أهل العلم وليس إجماع أهل الأرض. ويقصدون بأهل العلم، الفقهاء في كل زمان ومكان فنقول لهم ذلك غير ممكن. وأما إجماع أهل الأرض فدعني أضرب لك مثلا. لو فرضنا وفرض المحال ليس بمحال؛ لو فرضنا أن أهل الأرض جميعا اتفقوا على أن يحرموا الأكل في الشارع وقرروا أن يضربوا من يخالفهم عشر جلدات أمام الناس. بالطبع أنني أنا وأخي عادل وكل بائعي السندويتشات سنكون في مقدمة من يخالفهم. نحن نخالفهم حماية لبائعي السندويتشات الذين سيفقدون رزقهم الحلال بسبب إجماع أحمق لأهل الأرض. ولكن هل يمكن لنا أن نفعل شيئا؟ سيضربونا عشر جلدات لو أكلنا السندويتش أخي العزيز فكيف يتأتى لنا مخالفتهم؟
لكنك لا تقصد ذلك أيضا بل تقصد أن كل أهل الأرض لو قاموا بعمل يخالف حكم الله تعالى فنحن لهم بالمرصاد. هذا كلام صحيح في حدود القدرة طبعا. فهل السنة العملية التي ورثناها من رسول الله عليه السلام والتي أمر بها الله تعالى تمثل إجماع أهل الأرض أم أن أهل الأرض تكلفوا مشكورين بالقيام بها طيلة التاريخ الماضي فورثناها منهم؟ مثال ذلك الصلاة التي أمر الله تعالى بها ولم يعين لنا طريقة الصلاة. فنحن امتثالا لأمر الله تعالى ننظر إلى الميراث العملي.
لا علاقة لهذا الميراث بكتب الحديث ولا برأي الفقهاء أخي الكريم. وهكذا مواريثنا منهم امتثالا لأمره تعالى بالصوم. فنحن رأينا سلفنا القريب وهم رأوا سلفهم القريب كل منا في كل زمان وكل مكان وكل أسرة وكل مدينة وقرية رأينا المسلمين يصومون بطريقة خاصة ولا يدفعون مالا مقابل الإفطار العمد. وأخيرا ظهر الأخ الكبير الدكتور شحرور وقال لنا افطروا لو كنتم قادرين على دفع البدل وفسر آية بجهل وعدم علم وأنا على استعداد للرد عليه وعلى كل من يؤيده علميا طبعا وليس بالسياط. فهل يجوز أن نفطر بجرة قلم من رجل طيب ولكنه قليل العلم ؟ كيف نرد على الله تعالى وهو قطعا سوف يسألنا يوم الحساب؟ هل نخاطر برضوان ربنا لأن أخا بشريا قال أمرا وهو فعلا لا يعلم ويجهل ما يقوله؟
لو تريد أخي عادل أن تخالف السنة العملية المتوارثة فسوف تترك الكثير من سنن الإسلام وسيكون مصيرك مثل جورباجوف الذي قال في نهايات حكمه: هل أنا فعلا شيوعي؟
-
وأما سؤالك الأخير وهو مستمد من رأي الأخ العزيز الدكتور شحرور بأن هناك إمكانية جمع عشرة بلايين يورو من الفاطرين في أوروبا لإشباع جائعي العالم فهو غير سليم بالمرة. بالطبع فإني أكبر فيك وفي أخينا الشحرور روح الحب لخلق الله تعالى و السعي لإشباع عبيده ولكن لا سبيل إلى ذلك بتعطيل أحكام الله أخي الكريم. فأرد عليك بمجموعة من المسائل:
ألف: لنستقرئ العالم الإسلامي ونقارن بين مقدار الإنفاق الذي يقدمه الصائمون للفقراء في رمضان وما يقدمونه لهم في غير رمضان. كم مائدة تقام بالمجان عامة لكل فقراء المدينة والقرية وكم من المال يدفعه كل صائم لأخيه الفقير لأنه يشعر بالراحة النفسية بأن الفقير صائم مثله فيجب أن يتمتع بأكل طيب كما يتمتع الغني؟ إن أبواب الإنفاق تفتح في رمضان أخي والذين يدفعون هم الصائمون وليس الفاطرين. الفاطرون عمدا مجرمون في عرف الرحمن ولا يهتمون بالفقراء بل يهتمون بإشباع شهواتهم ويبحثون عن مخارج ليخدعوا بها غيرهم. لو كنت فقيرا وقدم لي غني مالا مقابل إفطاره فسأرميه على وجهه. الفقير المؤمن يكره الذين يخالفون أمر الله تعالى والله كفيل بأن يرعاه ولا حاجة لفقرائنا الكرام إلى الفاطرين الذين يعصون ربنا الكريم الرحيم.
ب: الصيام واجب ودفع المال الزائد واجب آخر ولا مبادلة بينهما. الذي يكدس المال والثروة في البنوك ولا ينفقها في سبيل الله فهو آثم ولا دخل للإنفاق الواجب بفدية الصيام. قال تعالى في سورة التوبة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35).
ج: عفوا أخي الكريم؛ قال تعالى في سورة البقرة: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160). ألم تر بأن الله تعالى أمر نبيه بأن يرفض ما يدفعه المنافقون يوم حاجته إلى المال وهو ذاهب إلى الحرب بأمر الله تعالى؟ قال تعالى في سورة التوبة: قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55).
إن كنت تريد إشباع الفقراء بما يرضي ربك فعليك بأن تصوم وتعطي فائض مالك للفقراء وإلا فلا حاجة للفقراء في أموال الفاطرين الذين يخالفون أمرا واجبا جازما من ربهم وقد سار عليه كل المؤمنين منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة.
د: اقتراح الأخ العزيز شحرور مضحك جدا. فهل هناك فعلا جائعون في أوروبا أم أن الأوروبيين يعرفون خطورة الجائعين أو يشعرون بالراحة النفسية لإشباع بني جنسهم أو يحبون الإنسان فيساعدونه أو يحبون الله تعالى فيسعون لإرضائه؛ ولذلك يدفعون ما يشاؤون لإزالة الفقر والجوع من بلدانهم ومن بلاد العالم. أعرف امرأة غير متدينة ولا تذهب إلى الكنيسة مطلقا ولكنها تذهب كل سنة لتخدم الفقراء عدة أيام حبا منها للإنسانية، ولقد ذهبت هذا العام إلى اليونان في عطلتها السنوية لتطبخ للنازحين من بلداننا. لكن خيال الأخ شحرور الغريب جعله يظن بأن كل المسلمين في أوروبا سيفطرون بأنه كتب رسالة غير دقيقة فيجمع عشرة مليارات من الدولارات ليزيل الفقر في العالم! أنت عادل الحسني تدفع للفقراء ولا تنتظر رمضان لتفطر ثم تدفع البدل. بالطبع سوف نراك في رمضان المقبل بعد أيام هل ستصوم أم ستدفع البدل طلبا للرضوان من غير الله تعالى؟ أظن وظني في مكانه أنك ستصوم ولا يمكن أن تعمل بما قلته.
هاء: لا أدري حدود سؤالك الكريم لإزالة الفقر؟ فهل نريد من إزالة الفقر إرضاء الله تعالى أم إرضاء ضمائرنا فقط بدون إرضاء الله؟ لو نريد إرضاء ضمائرنا فإن هناك الكثير من المجرمين والآثمين وكذلك بائعات الهوى يدفعون الأموال تعويضا لما جنوه على أنفسهم وما رأيت في كتاب الله تعالى أي تشجيع لهم. ولكننا لو نقصد إرضاء الله تعالى فإنه يتقبل الصدقات من المتقين فقط. أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. فليست إقامة الصلاة كافية عند مولانا بلا زكاة كما أن دفع الزكاة بلا صلاة مرفوضة أيضا عنده سبحانه. يجب الإتيان بالاثنين معا. نصلي ونزكي؛ نصوم وننفق؛ نؤمن بالله ونساعد الفقراء إرضاء لربهم لأن ما بيدنا ليس ملكا لنا بل نحن مخولون فقط من المالك الحقيقي وهو الله تعالى.
و: إشباع الفقراء في العالم يتم بأن نمنع من الإسراف. هل تعلم كم من الطعام يرمى في الزبالة كل يوم؟ لا أدري هل حضرت موائد المترفين ولا أظن بأنك لم تحضرها. فأقول لك بدون مبالغة بأنهم يطبخون مائة مرة أكثر من ضيوفهم لإبراز كرمهم الزائف وكنت أحضر بعضها مع الألم وأقوم بالنصح غير المجدي طبعا. كم أميرا وشيخا يعيش في كل بلد خليجي وكم يتلفون من الطعام الذي خلقه الله تعالى لعباده. الدكتور شحرور يعيش في دبي ويرى الإسراف في الطعام هناك فليمنع منه لصالح الفقراء ولا يكتسب الإثم في المنع من الصيام. حينما يضيفون أحدا فإنهم بجوار أنواع الأطعمة يطبخون مقابل كل ضيف قوزي مناسب مع شأن الضيف. فبعضهم يطبخ خروفا والآخر بقرة وبعضهم يطبخ جملا. أليس ذلك إسراف في طعام الله تعالى وحرمان لخلق الله تعالى مما خلقه لهم من الطيبات؟
لو منعنا من الإسراف فإن الأغنياء لا يرون فائدة في تكديس المال لأنهم سوف يكونوا ممنوعين من الإسراف في الملابس والمراكب والمآكل والمناكح والمنازل وغيرها.
هل تعرف بأن العمال في دبي الغنية ينامون في غرف بداخلها سرائر من ثلاث طوابق ويتقاضون مرتبات تعادل ربع أو أقل من الربع من مرتب العامل في بريطانيا. وهكذا مرتبات العمال في الكويت والسعودية وقطر والبحرين ومعلوماتي قليلة عن مرتبات العمال في عمان.
وحقا قال الإمام البطل علي بن أبي طالب عليه السلام: ما متع غني إلا بما جاع به فقير.
أحمد المُهري
11/5/2017