أنا والفقهاء :3
أنا والفقهاء :3
معنى كلمة واردها وواردون
يستحب أصحاب منطق الورود على النار أن يقولوا بأن معنى كلمة (واردها) يعني (يمر عليها) ليستقيم ما يرمي إليه من معاني الانحراف بدلالات كتاب الله التي يمارسها دون دراية، وهنا لابد من وقفة لنعلم أيكون تعبير [وإن منكم إلا واردها] يعني داخلها أم يمر عليها، لتعلم بأن انحراف ذلك المعنى أفسد كل فهم في أمر شكل المصير في الآخرة وهو ما سأتناوله فيما يلي:
يقول الله تعالى بسورة الأنبياء: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ{98} لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ{99} لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ{100}.
فتدبر هنا قوله تعالى (أنتم لها واردون) أي (داخلون)، وقوله تعالى: (ما وردوها) يعني (ما دخلوها)، وهو دليل يؤكد بأن كلمة (واردون) يعني (داخلون)، وأن تعبير (ما وردوها) يعني (ما دخلوها)، فأين يقع الميزان الفكري لمن قالوا بأن الورود هو المرور، إلا انه ميزان باطل.
ومن البراهين التي تؤكد أن كلمة (واردها) تعني داخلها ولا تعني أنه يمر عليها، هو قوله تعالى بسورة هود: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ{96} إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ{97} يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ{98}؛ فمعنى (فأوردهم ) يعني (أدخلهم)، أما الورد المورود هو الرصيد الداخل في النار……والعياذ بالله.
ومن الأدلّة قوله تعالى [فلما ورد ماء مدين] تعني فلما أدرك ماء مدين إدراكا فعليا وصار عنده شأنه كشأن الباقين، وليس لما مر على ماء مدين.
بين التناقض والنرجسية وإنكار آيات كتاب الله
وكما أسلفنا فإن المؤمنين سيكونون أبعد من حتى أن يسمعوا حسيس النار، فكيف نقنع بحديث أو تفسير يقول بأن نبينا سيرد على النار ويقول اللهم سلم اللهم سلم، وألا يعني قوله اللهم سلّم أنه خائف؟!، فكيف يخاف أحد ممن يقول الله عنهم بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
بل ومن فساد متن حديث جسر جهنم وعدم اتساقه مع الآية التي يتخيلون بها ورود كل الخلائق على النار، أن الحديث يقرر بوجود ميزة السبق في العبور وأن أول الذين سيجوزون ذلك الصراط المزعوم هو سيدنا محمد ثم أمته.
إن ذلك يعني إن عم عطية بتاع الفول سيجوز الصراط قبل أسيادنا آدم ونوحا وعيسى وموسى وإبراهيم، أي سيحظى بميزة عنهم، وما ذلك إلا لنرجسية تمتعت بها ثقافتنا، فبينما يقول تعالى: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ }آل عمران33، نقول نحن بأن الله اصطفى أمة محمد قبل آدم ونوحا وموسى وعيسى وإبراهيم صلى الله عليهم وسلم أجمعين.
ومن يحتكرون العلم من الذين يتوهمون عرضًا زائفًا للمؤمنين على النار إنما يخالفون مُحكم التنزيل، فما نص القرءان على ذلك، بل نص أن العرض على النار لا يكون إلا للكافرين فقط، وتدبر قوله تعالى: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً }الكهف100.
ويقول سبحانه: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }الأحقاف34. فما يكون عرض المؤمنين على النار إلا من خلال أدمغة ما نظرت بموضوعية لأمر المصير بالآخرة.
ومما يدل على أن الورود إلى جهنم لا يكون بجسر من فوقها، قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}الزمر71.
فلو كانوا فوقها أصلا ما قال الله كلمة [وسيق]، ولو كان كل الناس ستساق إلى جهنم لترد عليها، ما قال الله تعالى: [وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ]، فخصص الله الفئة التي يحدث اقتيادها إلى جهنم، ثم هم سيدخلون من أبوابها السبعة، التي ستُفتح لهم، وليس بكلاليب على جانبي الجسر الخرافي.
والبرهان الثاني أن الدخول إلى النار يكون عبر أبواب وليس بالسقوط من أعلاها، وذلك لقوله تعالى بسورة الحجر: { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ{42} وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ{43} لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ{44}. فليس بالأمر كلاليب.
وتلك الآيات الأخيرة من سورة الحجر بها القول الفصل، حيث يقول تعالى (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ)؛ فكلمة (أجمعين) هنا تعني جميع (الغاوين) وليس جميع الناس، فلو كان للمؤمنين موعد بجهنم كما انتهى مفسروا آية (وإن منكم إلا واردها) ما خصص الله موعد جهنم للغاوين فقط.
والحقيقة أن الفقيه قديما كان يبذل قصارى جهده، وكان يُفَسّر كتاب الله بالقطعة، فلم يكن لديه الأدوات التي تجمع له كل آيات اليوم الآخر ليستخلص الصورة الحقيقية لذلك المشهد العظيم، وبهذا نشأ تضارب المعاني والمواقف بين الفقهاء، بل وفي أقوال الفقيه الواحد.
وإننا إن تصورنا نجاة من السقوط في جهنم فإننا نكون قد اخترقنا حاجز المعنى السليم لقوله تعالى [لا يسمعون حسيسها] واخترقنا تدبر [ أولئك عنها مبعدون] وأهملنا قوله تعالى [لا يحزنهم الفزع الأكبر]، ولم نكترث لوعد الله للمؤمنين بأن يرجعوا راضين مرضيين، وابتدعنا جسرا لم يقل به الله ولا رسوله، بل هو من مدسوسات القرون الغابرة وأقمنا به فقها وتفسيرا معقدا لآيات كتاب الله.
فكيف ستكون بعيدا وأنت فوق جهنم ترتعد فرائصك من الهول، والرسل تدعو لأنفسهم ولك اللهم سلم، ألا تستشعر كمّ الخوف والقهر الذي يصوره لك الحديث المدسوس، أيكون هذا هو حقيقة وعد الله [لا خوف عليهم ولا هم يحزنون]؟!!، أيصلح أن يكون هذا فكرا يمكن الاعتداد به لتدبر كتاب الله.
بل وتدبر قوله تعالى عن صراطك المستقيم الذي تدعو الله أن يهديك إليه في كل قراءة لفاتحة الكتاب، حيث يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }فصلت30. فهل يبشرك الله بالجنة مقدما على أن تمر على النار أولا؛ يا ناس كفاكم سيطرة تلك العقليات على ثقافتكم وأفكاركم عن ربكم.
إن المسلم المستقيم لا يخاف ولا يحزن بل ويُبشّره الله في الدنيا قبل الآخرة برحمة منه ورضوان وجنات فيها نعيم مقيم، وليس بالأمر منغصات، ولا دعاء اللهم سلِّم اللهم سلِّم كما ورد بحديث البخاري ومسلم.
لأن أصل الفوز يكون في الدنيا، ومصيرك مُعلّق بطاعتك لربك فيها، وسعادتك تكون مجرد خروج نفسك إلى بارئها، فيقال لك [يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ{27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً{28}]، فالرجوع بالرضوان والطمأنينة التي وعدها الله لنا، يتنافيان مع فوضى جسر جهنم ورعب الأنبياء ودعائهم في خوف اللهم سلِّم سلِّم.
ودليل عقلي على القبول، وهو إذا كان المسلم يؤمن بأن الله يغفر الذنوب، ويقبل التوبة عن عبادة المذنبين، فكيف لا يتقبل عملك الصالح مهما كنت مذنبا!، وهو سبحانه وتعالى القائل: الشورى: ٢٥
فالإخلاص هو أساس قبول العمل، وما أرانا نصلي إلا لأننا مخلصون لله، ولا نصوم إلا له سبحانه، فلا شك أنه حتما يقبل منا كل الأعمال كل يوم على مدار العمر، ويزداد ذلك بشهر رمضان، وفي الكعبة المشرفة، وفي جوف الليل، وفي يوم الجمعة، ويوم عرفة…وهكذا، لكن لابد أولا من الإخلاص.
والصراط المستقيم لا علاقة له بالآخرة، فهو صراطك في الدنيا وليس بالآخرة، وليس بالآخرة صراط إلا بدعة ابتدعها من ابتدعها، ليحقق بها موضوع مرور الخلائق فوق جهنم، وصرنا نتوارثها بنظرية ذمّها الله في كتابه وهي نظرية [هذا ما ألفينا عليه آباءنا]، وسأستعرض معكم بعض الأمثلة في هذا الشأن فتدبر معنى الآيات التالية:
- {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }آل عمران101…. يعني من يلتزم بدين الله تتم هدايته للاستقامة أكثر وأكثر في الدنيا.
- {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }الأنعام161…….فالصراط المستقيم هو الدين.
- {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الزخرف43…الدين هو الصراط المستقيم
- {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}الملك22.
- {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الأنعام39……يعني على دين قويم.
هذا إلى غير قوله تعالى [والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم]، فالاستقامة تكون بالدنيا دوما ولا علاقة لها بالآخرة، وهي الصراط المستقيم الذي هدانا الله إليه بالدنيا وهو تعاليم دين الإسلام، يقول تعالى: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }الأنعام153. لذلك فلابد أن نخلع فكرة وجود صراط بالآخرة أيا كان نوعه.
ومن يتلون الفاتحة إبان الصلاة وحين قراءتهم لقوله تعالى:[إهدنا الصراط المستقيم] ويتخيلون صراط على ظهر جهنم يعبرون عليه، إنما يتخيلون بدعة ويهتدون بفقه ينافي آيات كتاب الله، ولو أنهم تدبروا كلمة [اهدنا] لعلموا بأن الصراط يعني الاستقامة في الدنيا على تعاليم الله وليس له أدنى علاقة بخبل جسر العبور.
ولست أدري ألم يسأل أحدهم نفسه، أتكون هناك ثلاثة أنواع من الجسور، أولهم للذين أنعم الله عليهم، والثاني لغير المغضوب عليهم، والثالث للضالين، والمصلي يدعو الله وينتقي جسر الذين أنعم الله عليهم ليعبر به جهنم، هكذا فقه المصلي في مصر من جراء مغلوطات الفقه الذي يحيد عن كتاب الله.
لذلك أرى بأن اتخاذ العقائد مسلمات من أفكار المتخصصين إنما هو نوع من أنواع صناعة معصومين جدد، وإن إخضاع تفسير كتاب الله لكتب الحديث وهي كلها تقريبا روايات آحاد أمر لا يستقيم به فقه ولا تفسير ولا بيان ولا دعوة إلى الله، وهو أيضا صناعة ونشر للبدعة في الدين، وما ذلك إلا تعظيم من لا يستحق مكافأة له لنشره للباطل في عقولنا، فضلا عما يسببه ذلك من ضياع لنا يوم القيامة.
لذلك لابد من التفسير الموضوعي لكتاب الله كما أشار بذلك الإمام/محمد الغزالي (رحمه الله)، ولابد ألاّ نقدّم فقه الرواية على فقه الآية، لأن في غير ذلك إساءة لكتاب الله وللإسلام أيما إساءة، وأسأل الله أن يوفق أهل الأزهر لما فيه صالح الأمة، لأنهم أهل العلم الذين نتطلع أن ينقحوا تلك المدسوسات في أقرب وقت.
أحمد عبده ماهر
قام بإعادة تدوين هذه على aboahmedmwafy.