الحكم الاخلاقي لدى الطفل – القسم الاخير

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

 

CHILD100.jpg

الحكم الأخلاقي لدى الطفل   – القسم الأخير

من هنا يقوم تشابه بين التطور الأخلاقي والعقلي, فالتعاون وحده يؤدي إلى الذاتية.  وبالنسبة للمنطق نجد أن التعاون في باديء الأمر هو مصدر النقد, ونظرًا للضبط المتبادل الذي يأتي به فإنه يخمد كلاً من الاعتقاد التلقائي الذي يميز مركزية الذات والاعتقاد الأعمى في سلطة الراشد.  على هذا, فإن المناقشة تؤدي إلى ظهور التفكير والتحقيق الموضوعي ولكن في هذه الحقيقة بعينها نجد أن التعاون يصبح مصدر القيم التبادلية فهو يؤدي إلى معرفة قواعد المنطق الشكلي ما دامت هذه القوانين ضرورية للبحث العام عن الحقيقة وهو يؤدي فوق ذلك إلى تحقيق الشعور في منطق العلاقات نظرًا لأن التبادل في المستوى العقلي يتضمن بالضرورة تصفية هذه القوانين النظرية التي وجدناها في العمليات المميزة لنظم العلاقات.

 

وبنفس الطريقة نجد أن التعاون فيما يتعلق بالحقائق الأخلاقية يكون أول الأمر مصدر النقد والفردية، ذلك أن الفرد بمقارنة بواعثه الخاصة بالقواعد المتنوعة التي اصطلح عليها كل فإنه يميل لأن يحكم موضوعيًا على أعمال الناس الآخرين وأوامرهم بما فى ذلك الراشدون, ومن هنا جاء ضعف الاحترام من جانب وأسبقية الحكم الشخصي.  ولكن نتيجة ذلك أن التعاون يقضي على كل من مركزية الذات الواقعية الأخلاقية وبذلك يؤدي إلى جعل القواعد داخلية، وبذلك نجد أن أخلاقًا جديدة قد تلت أخلاق الواجب الخاص والذاتية قد تركت مكانها ليحتله الشعور بالخير, وهذا يؤدي إلى الذاتية الناتجة من قبول قواعد التبادل.  وتنسحب الطاعة أمام فكرة العدل والخدمة المتبادلة التي أصبحت مصدر كل الالتزامات التي كانت حتى هذا الوقت مفروضة كأوامر غير مفهومة.  باختصار, فإن التعاون في المستوى الأخلاقي يؤدي إلى تحويل يشبه تمامًا ذلك الذي قلنا بوجوده في الناحية العقلية.

 

وفي الختام, هل هناك حاجة لأن نشير إلى النتائج التربوية لمثل هذه الملاحظات وليس هناك ضرورة ما دامت التربية تعتبر التطبيق المباشر لما نعرفه من علم نفس الأطفال، فمن الواضح أن نتائجنا لا تؤيد جانب الطرق القائمة على السلطة بقدر ما تؤيد الطرق القائمة على الفردية الخالصة.  فقد سبق أن قلنا حين كنا نناقش دوركايم إنه من السخف، بل ومما يناقض الأخلاق, أن نحاول أن نفرض على الطفل نظامًا محكمًا علي حين أن الحياة الاجتماعية بين الأطفال تكفي لقيام نظام قريب جدًا من الخضوع الداخلي الذي يميز أخلاق الراشد.  ومن السخف أيضًا أن نحاول تغيير عقل الطفل من الخارج على حين أن ذوقه الخاص نحو البحث النشيط ورغبته فى التعاون تكفيان للوصول إلى نمو عقلي عادي.  فالراشد إذن يجب أن يكون معاونًا لا سيدًا، سواء من الناحية الأخلاقية أو العقلية.  وعلى العكس من ذلك فليس من المعقول أن نعتمد على “الطبيعة” البيولوجية وحدها للوصول إلى النمو المزدوج للضمير والذكاء على حين أنا نعرف إلى أي حد تكون القواعد الأخلاقية والمنطقية نتيجة للتعاون.  لذلك فلنحاول أن نخلق في المدرسة مكانًا يقوم فيه التجريب الفردي والتفكير بشكل مشترك ومتعاون متزن.  فإذا كان علينا أن نختار من بين مجموعة النظم التعليمية القائمة نظامًا ينسجم مع نتائجنا النفسية فإننا نتجه نحو “الأعمال الجمعية” و”الحكم الذاتي”, وطريقة العمل في جماعات التي يؤيدها ديوي, وساندرسون وكوزينييه Dewey , Sanderson & Cousinier ومعظم مؤسسي “مدارس النشاط”، تقوم على السماح للاطفال بأن يسيروا وراء غرضهم المشترك إما في “فرق منظمة” أو في “مجموعات تلقائية”.  أما المدارس التقليدية التي مثلها العليا بالتدريج في شكل إعداد للامتحانات لا للحياة فقد وجدت نفسها مضطرة إلى وضع الطفل في عمل فردي في غاية الإحكام؛ فالتلاميذ يشتركون في الإنصات في الفصل ولكنهم يقومون بواجباتهم المنزلية فرادى.  وهذه العملية التي ساعدت أكثر من جميع المواقف العائلية مجتمعة على تغذية مركزية الذات التلقائية عند الطفل يظهر أنها مضادة للحاجات الضرورية للنمو العقلي والأخلاقي.  وهذه هي حالة الأشياء التي تعمل طريقة العمل فى مجموعات على تصحيحها فالتعاون قد صعد إلى مستوى عامل أساسي للتقدم العقلي.  ولا داعي للقول بأن هذه المستحدثات ذات قيمة؛ لأن القوى الابتكارية متروكة للأطفال ليستغلوها في العمل الذي يقومون به. والحياة الاجتماعية هنا هي تتمة “للنشاط” الفردي (على العكس من التكرار السلبي الذى يميز طريقة الدراسة من الكتب) ولن يكون لها معنى في المدرسة إلا في علاقتها بإصلاح التعليم نفسه.

 

أما عن الحكم الذاتي فإن كتب فورستر F.W. Forrester وفريير Ad. Ferriére  قد جعلت من غير الضروري أن يعرض أسسها على القراء؛ ففريير بنوع خاص قد وصف لنا بكل عناية وبحماسة تستميل القاريء، تلك الحماسة التي تتميز بها كتبه التربوية، الأنواع المختلفة للحكومات التي يديرها الأطفال أنفسهم.  ومن الصعب أن تقرأ هذا الكتاب دون أن تمتلئ نفسك بالأمل في رؤية التجارب التي أتى على تحليلها وقد عمم انتشارها ودون أن ترضي حين تعثر في الأسس التي تميز جمهوريات الأطفال على ما عرفناه الآن نتيجة للدراسة النفسية والاجتماعية للحياة الأخلاقية. أما عن فورستر F.W. Forrester فإن التربية الأخلاقية عنده مازالت في نظرنا مصطبغة إلى حد كبير بتقديس السلطة والاحترام الجانبي. وفوق ذلك كله فإنها مرتبطة إلى حد كبير بفكرة العقوبة التكفيرية، ولكن هذا يجعل سبق اشتغاله بالذاتية والحكم الذاتي الذي يظهر في بقية كتابه ذا مغزى كبير.

 

ولكن التربية بعيدة جدًا عن أن تكون مجرد تطبيق للمعلومات النفسية.  فإذا تركنا موضوع أغراض التربية فمن الواضح أنه حتى فيما يتعلق بالطرق الفنية  فإن التجربة وحدها لا القياس هي التي تبين لنا ما إذا كانت الطرق – مثل طرق العمل في جماعات أو الحكم الذاتي – لها أي قيمة حقيقية.  فالبرهنة على أن التعاون في اللعب والتلقائية في الحياة الاجتماعية بين الأطفال تؤدي إلى تأثيرات أخلاقية معينة هذا موضوع خاص.  أما أن تضع الحقيقة القائلة بأن هذا التعاون يمكن أن يعمم تطبيقه كطريقة للتربية فهذا موضوع آخر.  والنقطة الأخيرة هي نقطة لا يمكن أن تقرر إلا عن طريق التربية التجريبية.  هذا والتجربة التعليمية على أساس أنها مفيدة من الناحية العلمية هي بالتأكيد أعظم بالنسبة لعلم النفس من أي كمية من التجارب العملية, ولهذا فإن التربية التجريبية قد تتحد مع مجموعة الدراسات النفسية الاجتماعية.  ولكن نوع التجربة التي يحتاج إليها مثل هذا البحث لا يمكن أن يقوم به سوى المدرسين, أو المجهودات الموحدة للمجرمين, أو علماء النفس التعليمي، وليس في استطاعتنا أن نستخرج النتائج التي قد يؤدي إليها هذا العمل.

 

#كمال_شاهين

#تطويرالفقهالاسلامي

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.