تصحيح أخطائنا التراثية إعداد الصحابة لغياب رسولهم
بسم الله الرحمن الرحيم
تصحيح أخطائنا التراثية
إعداد الصحابة لغياب رسولهم
تابعنا هنا مركز #تطويرالفقهالاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/
حينما ننظر إلى القرآن الكريم نظرة دقيقة شاملة لنتعرف على أساس القرآن ورسالته العظمى فإننا نجد وجدانا بأن الكتاب الكريم يتحدث عن الله تعالى وعن اللقاء مع الله تعالى ويحث بل يأمر الناس بالتمسك بالله وباللقاء مع الله. هذا التمسك يحقق للناس الرضوان في الآخرة كما يحقق لهم الحياة المعقولة والطيبة في الدنيا. ولأهمية الآخرة باعتبار أبديتها فنجد بأن القرآن الكريم يوضح فوائد التمسك بالله وباللقاء معه سبحانه في الآخرة أكثر من توضيح فوائدها الدنيوية في السور الكبرى الطوال في بدايات القرآن وفي السور الأخيرة يضع الاهتمام الأكبر بالفوائد الدنيوية العاجلة.
فمثلا هناك سورتان في البداية وهما البقرة وآل عمران مفتوحتان على ألم. وكما أظن بأن الألف ترمز إلى الله تعالى باعتبار أله يأله بمعنى أخضع يخضع. واللام تشير إلى اللقاء مع الله تعالى والميم ترمز إلى التمسك بما قبلها. فنرى السورة الأولى تركز على اهتمامات ربنا بتشريعاته الدنيوية وعلى فوائدها الكبرى في الآخرة. كما نرى الثانية تذكر لنا نماذج بشرية من الذين استفادوا من التمسك بالله تعالى وباللقاء معه سبحانه. ثم يكرر الله تعالى نفس الفواتح في أربع سور متوسطة وهن العنكبوت والروم ولقمان والسجدة ولكنها في تلك السور توضح الفوائد الدنيوية لمن تمسك بالله تعالى وباللقاء معه أكثر من بيانها للرضوان في الآخرة. يتلو هذه السور الأربع مجموعة من سبع سور كريمة توضح علاقات الرسل بالناس بمن فيهم أصحابهم وأهل بيتهم ثم علاقات الناس بالرسل وهي الأحزاب إلى الزمر. ثم نرى سبع سور تبدأ بـ حرفي حم. وكما أظن بأن الحاء تعني الحجة والميم تعني التمسك بما قبلها. هذه السور السبع هي غافر حتى الأحقاف تشير كلها إلى حجية القرآن الذي يبقى بعد وفاة الرسول والذي هو الحجة على الرسول وعلى صحابته وأتباعه إلى انتهاء الحياة الإنسانية في هذا الكوكب. ويخلو الكتاب الكريم من أية حجة بشرية فليس هناك بشر عينه الله تعالى حجة له على خلقه كما يظن بعض الإخوة.
ونقرأ بعد ذلك عشر سور كريمة من محمد إلى الواقعة وهي تشرح اهتمام رب العالمين برسله سواء من حيث اختيارهم واصطفائهم أو من حيث اهتمامه سبحانه بأن يكونوا قريبين من الناس ويكونوا مخلصين محبين لمن أرسلهم الله تعالى إليهم ويختمها بسورة الحديد حيث يشرح فيها أحول الصحابة الكرام وأنه قد حان وقت الخشوع الكامل لربهم الذي أكرمهم كثيرا. ولا ننس بأن كل سورة من سور القرآن تحمل ميزة خاصة بها.
وتبدأ السور بعدها ببيان الحياة البعيدة عن الرسول وكيف يختار المسلمون زعماءهم وكيف يحاسبوهم ويحددوا وظائفهم. فبدأ بسورة المجادلة التي افتتحت بالحديث عن امرأة مسلمة عظيمة الشأن وهي تعرف حقوقها وحدودها وحدود رسولها. هذه المرأة تذهب إلى رسول الله لعرض مشكلتها مع زوجها ولكنها لا تشتكي إلى الرسول ولا تهتم بذلك الاعتبار بل تجادل الرسول باعتباره رئيس القوم؛ وزوجها أحد رعايا رئيس الدولة عليه السلام، وهو يظلمها. لكنها في نفس الوقت تقدم شكواها بقلبها إلى الله تعالى حين المجادلة مع رئيس الدولة. لقد ارتقى الصحابة نساء ورجالا إلى درجات رفيعة من المعرفة وأضحوا يميزون بين الخالق ويفصلون بينه وبين الخلق. فالخلق كلهم أمثالهم والخالق هو سيد كل الوجود وهو موجد كل شيء وهو يدير كل الكائنات بنفسه. لا نرى في التاريخ أي فهم لتلك النوع من التعامل مع ما وراء الطبيعة، فيبدو بأن هناك شيئا حصل بعد غياب الصحابة حيث اختفى بعض أعرافهم المشابهة لأعراف أسر الأنبياء الأقدمين. قال تعالى في فاتحة المجادلة: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1).
لست بصدد تفسير السورة فقد قمت بذلك عام 2007 في ثلاث محاضرات أسبوعية ولا يمكنني اختصارها هنا؛ لكنني بصدد إطلاع القراء الكرام على أهمية البرلمانات في كتابنا السماوي. ولا أريد الخوض في الظهار فنحن اليوم غير مبتلين بذلك الطلاق الأحمق ولكن يجدر بنا معرفة أن المسلمين الشيعة يعتقدون بأن كفارة الصيام العمد هي تحرير رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا. وأما السنة فيعقدون بأن لا كفارة على العامد إلا إذا أفطر على ممارسة الجنس فكفارته مثل كفارة الإفطار العمد عند الشيعة. والقرآن الكريم لا يذكر كفارة للإفطار العمد عدا القضاء وإطعام مسكين واحد إذا تجاوز السنة دون أن يقضي صيامه.
لكن القرآن يذكر نفس الكفارة الكبيرة للظهار فقط فلا أدري كيف وسعها الفقهاء للإفطار العمد في رمضان. قال تعالى في المجادلة: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4). والعودة لما قالوا بظني القاصر ليست كما فهمه المفسرون الكرام عامة.
بل أظن بأن المقصود من يعودون لما قالوا، ليس هو العود إلى القول ولا العود إلى المرأة بعد الظهار فقط كما قالوا، بل المقصود اعتبارهم الظهار المرفوض عند الله تعالى أصلا باعتبار مخالفته للطبيعة فالأمومة محصورة في اللاتي ولدننا، ولكنهم يعودون إلى اعتبار الظهار طلاقا أولا ويريدون العودة إلى المرأة. فهناك فرق في الاعتبار. ووجه ذلك أنك لو اعتبرت الطلاق بالثلاث المرفوض عقلا والمعمول به بين عامة المسلمين، لو اعتبرته صحيحا و أجريت عليه بقية المسائل فإن الطلاق بالثلاث حاصل فعلا لقبولك أنت وإياها المسألة من الأصل. وهكذا كل الأحكام المشابهة مثل زواج المشركين قبل الإسلام الذي قبله الإسلام ولم يأمر بإعادة مراسيم الزواج وفقا لأحكام القرآن. كل ذلك لما في مثل هذه المسائل من حرج على حياة الناس ولا يمكن للشرع الإسلامي أن يرفضها رفضا باتا ولكنه يعاقب عليها أحيانا بغية إزالتها من بين الناس.
فلو اعتبروا الظهار طلاقا فعليهم تبعات الافتراء على الله تعالى الذي رفض الظهار لمخالفته للطبيعة التي هي نظامه العام. على هذا قرر سبحانه عليهم البدل من التحرير وغيره. والذي يؤيد رأيي هو الآية الثامنة من نفس السورة حيث قال سبحانه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8). فالإثم هو مخالفة الله تعالى أولا. كان عليهم أن يرفضوا الظهار أصلا. هنالك لو أتوا به مثلا كانوا اعتبروه لغوا لا طلاقا ولكنهم لم يفعلوا بل أصروا على حجية الظهار فكان جزاؤهم ما فرضه سبحانه عليهم في الآية الكريمة. والله عالم بحقائق الأمور.
ثم تتحدث السورة عن النجوى وهي أساس التشاور في واقعها ولكنه سبحانه يقول عنها: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10). كيف تكون النجوى من الشيطان وهو سبحانه يبيح قبل ذلك النجوى أحيانا حيث قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9). فأظن بأن المقصود من شيطانية النجوى هو أن التناجي يحفز الشيطان ليسعى لخداع المتناجين فيجب الانتباه وتحديد التناجي ببعض المسائل الضرورية.
مثاله مثال أن يختلي شاب بشابة لغرض علمي أو اجتماعي فهناك مجال لتدخل الشيطان فيجب عليهما الانتباه في تناجيهما ألا يتجاوزا حدود الله تعالى المذكورة في الآيتين السابعة والثامنة من السورة الكريمة، والعلم عند المولى عز اسمه.
والآية التالية من المجادلة تتحدث عن المجالس النيابية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11). وما ظنه السلف من أن المقصود هو أن ينتبه الصحابة فيفسحوا المجال للعاجزين وخاصة العاجزين سمعا ليجلسوا قريبا من رسولهم عليه السلام، فهو احتمال غير صائب بالمرة. فلو كان التفسح معناه التوسع لإعطاء المجال للعجزة فلم يكن هناك ضرورة لبيان طلب النشوز منهم. ثم ما معنى يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات بعد بيان تلك المسألة الأخلاقية البسيطة كما ظنوا؟ والواقع أن المجموعة المحيطة برسول الله كانت مجموعة طيبة صادقة محبة للبشر ولا سيما المؤمنين ولا أظن بأنها كانت محتاجة لمثل هذه التوصية ولأن يعدهم الله بمنحهم درجات علمية مقابل أن يقوم أحد منهم من مكانه داخل مجلس الرسول لصالح عجوز أو عاجز أو ضيف مثلا.
ولذلك لا أظن بأن الآية تتحدث عن غير الإعداد للمجالس البرلمانية ولكن الأمة البشرية أو بالأحرى الأمة العربية الساكنة في الحجاز لم تكن مستعدة للشورى ولذلك فإن الآية تتحدث عن مستقبل ينتظرهم. هناك ضرورة قريبة قادمة وهي وفاة الرسول الذي أحبوه من كل قلوبهم وعينوه حاكما عليهم جميعا. والواقع أن الرسول وبعد وفاته شعر الصحابة بالشورى فأقاموا شورى مصغرة بين بعض المشاهير منهم داخل سقيفة بني ساعدة و عينوا أبابكر. وبما أن الإمام علي بن أبي طالب كان مشغولا باستقبال المصلين على الجسد الشريف لرسول الإنسانية الفقيد فإنه لم يتمكن من المشاركة. وما كانت الأمة قادرة على البقاء فترة بلا رئيس فكما قال الإمام نفسه: لا بد للناس من أمير بر أو فاجر كما سمعنا عنه، فإن الموجودين عينوا أبا بكر وبايعوه وبايعه الباقون شيئا فشيئا. كانوا وكان الإمام معهم في موقفهم أن الزعامة يجب أن تكون محصورة في قريش وهم الذين هاجروا مع الرسول فحرموا الأنصار من حق الزعامة ووافقهم علي فيما بعد. ذلك خطأ كبير ومناهض لأصول الشورى ولكن العقلية القديمة كانت كما سمعنا. ولذلك أوكل الله تعالى حصول الشورى لما بعد بقوله الكريم: إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم. الأمر عام للجميع وهم جميعا يتفسحون في المجالس حينما يُدعون ولا فضل لعربي على عجمي ولا لذكر على أنثى ولا لمهاجر على ناصر.
وإذا ما أردنا الاستنجاد باللغة لفهم معنى فسح وهو الجذر الذي لم يرد في القرآن خارج الآية الكريمة 11 من سورة المجادلة، فنرى بأن علماء اللغة لا يزيدون عن تفسير الكلمة بالتوسع فكأن وسع وفسح مترادفان ترادفا كاملا. ولكن دعني أسأل: إن الله تعالى يتحدث عن نفسه بأنه واسع عليم فهل يمكن تفسيرها بأنه تعالى فسيح عليم؟ أو هل يمكن أن نفسر قوله تعالى بأنه واسع المغفرة فنقول معناها فسيح المغفرة؟ أو قولهم هذا الإناء يسع ثلاث ليترات؛ فهل يمكن تغيير الجملة بـ هذا الإناء يفسح ثلاث ليترات؟ والجواب كلا لكل تلك الأسئلة. وقد ورد جذر وسع في القرآن أكثر من 30 مرة فلماذا لم يرد جذر فسح أكثر من ثلاث مرات وفي آية واحدة؟ لماذا لم يستعمل الله تعالى مرادفا لها في الآية بل كرر نفس الجذر؟ كل ذلك يساعدنا لنعرف بأن فسح لا ترادف وسع ولكنهما متقاربان في المعنى فقط.
ولقد راجعت تسع كتب لغوية معروفة لأراهم جميعا متفقون على أن معنى فسح هو وسع المكان أو توسع ولكن لم أجد لدى أي منهم شعرا للعرب القدامى يسند ادعاءهم. ولذلك اضطررت أن أقوم بمطالعة موارد ذكر فسح ووسع في القرآن الكريم لأصل إلى النتيجة التالية:
وسع تعني فعلا المعنى الذي ذكروه وهو معنى معروف حتى يومنا هذا. وتشمل الكلمة معاني مادية ومعنوية معا. فقوله تعالى في سورة البقرة: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247). فالآية تتحدث عن أن الله تعالى وسع على طالوت من عطائه المادي والمعنوي؛ فزاده بسطة في العلم والجسم. وهكذا بقية الآيات التي ذكرت جذر وسع فهي أحيانا تتحدث عن المعنويات وأحيانا عن الماديات.
ولكن فسح لم تأت في لغة العرب ولا في استعمالاتنا العربية اليوم ولا في القرآن بمعنى التوسع في الماديات. فحينما نتحدث عن التفسح فإننا نقصد به تفسح النفس لا تفسح المكان كما ظن اللغويون الكرام. إنهم يعلمون بأنهم مخطئون ولكنهم كعادتهم متأثرون بأخطاء سلفنا من المفسرين الكرام. ألا ليتهم قالوا لا نعرف معنى الآية فلعل اللغويين أو الذين يأتون بعدهم كانوا يفكرون ويفهمون معنى الآية الكريمة. ولكنهم دائما كعادتهم غير المطلوبة يعطوننا معنى للآية وحينما يخطؤون وتكون الآية صعبة الفهم فإن البقية يتبعونهم كالببغاوات مع الأسف الشديد. ففسح تعني وسع علما أو فكرا أو إيمانا أو نشاطا ولا تعني وسع مالا أو أرضا أو بيتا أو ملابس.
السورة الكريمة تفتح آياتها على نجوى امرأة فاضلة مع رسول الله لتعرض عليه خطأ زوجها في حقها. ونرى الله تعالى يسارعهما بالآية تلو الآية لبيان حكم سماوي هام جدا على أساس شكوى تلك المرأة الحكيمة المؤمنة. هي نجوى مسموح بها ثم تتحدث الآيات عن كراهة الله تعالى للنجوى وخاصة النجوى مع الرسول وتأمر الصحابة القادرين أن يسبقوا طلبهم للنجوى مع الرسول بمساعدة الفقراء ليقنعوا أنفسهم على عدم التناجي مع الرسول بالباطل أو السعي ضد بعضهم البعض. فالنفس التي ترضى بمساعدة الناس فهي تأبى أن تتآمر ضد الناس. ثم تتحدث السورة عن المجالس كبديل للنجوى.
إنما النجوى من الشيطان لأنه لعنه الله يستغل فرصة التناجي بين المؤمنين ليبث بينهم سمومه ضد بعضهم البعض لينشر الفساد والكراهية بينهم. ألا ترون بأن أتباع الكراهية المذهبية اليوم يبتعدون عن التجمعات وعن السواد الأعظم ويختتلون هنا وهناك أفرادا وجماعات صغيرة ليتآمروا على خلق الله تعالى؟ وأما التباحث المفيد هو التباحث في المجالس الكبرى التي لا يتأتى لضعاف النفوس أن يتآمروا ضد الناس فيها أو أن يسعوا لبث الخلافات والعداء والكراهية بين مكونات شعوبهم. وقوله تعالى: إذا قيل لكم؛ يعني به أنكم اليوم لا تملكون تلك المجالس وسيأتي يوم تشعر فيه الأمة بضرورة إيجادها فتدعوكم للمجالس. فقوله: تفسحوا في المجالس يعني شاركوا فيها مشاركة فعالة شاملة لتستفيدوا منها ولا تنعزلوا عن السلطة والقضاء والتشريع في أوطانكم. والفرق بين تفسحوا وافسحوا هو أن الأولى تتحدث عن تظافر الجهود وتوافق الأضداد وتعاون كل الأفراد على إيجاد شيء غير موجود. فالذين يسعون لإقامة المجالس يحتاجون إلى تعاون كل الناس معهم. ذلك لأن التفسح هي من باب التفعل وهي تشير إلى مطاوعة الفعل عادة. قال ابن حاجب في التصريف:
و تفعل لمطاوعة فعل نحو كسرته فتكسر و للتكلف نحو تشجع و تحلم و للاتخاذ نحو توسد و للتجنب نحو تأثم و تحرج و للعمل المتكرر في مهلة نحو تجرعته و منه تفهم و بمعنى استفعل نحو تكبر و تعظم. انتهى النقل.
فالمتطوعون لإقامة النظام الديمقراطي العادل وتأسيس مجالس الشورى فإنهم يدعون الآخرين ليساعدوهم على تفعيل مهمتهم. هكذا يقولون للناس: تفسحوا في المجالس. والله تعالى يأمرهم أن يفسحوا بمعنى أن يقوموا بالعمل، كل فرد بقدر استطاعته. فطلب التفسح يمثل طلب عمل جمعي والفسح عمل يقوم به كل فرد لإنجاح المهمة والعلم عنده تعالى. وأما قوله الكريم: يفسح الله لكم. فهو يعني بأن ربنا سوف يوسع علينا من بركاته وتوفيقاته لإنجاح مهمة إقامة المجالس حتى نبتعد عن الأعمال والحركات الفردية والصغيرة ونقوم بعمل جمعي بعيد عن الاستبداد فنجلب خير الله تعالى وبركاته لأمتنا.
وأما النشوز فهي تعني الترفع. ونعرف بأن كل المجالس النيابية تبدأ بعمل جمعي يشترك فيه كل الناس ولكن إقامة المجالس فعلا لن يتأتى لكل الأمة بل المجلس مكان لتجمع نواب الأمة. فالناس يطلبون من شخص أن يتقبل النيابة عنهم بمعنى أنهم يسودونه عليهم. ولكن هناك فرق بين السيادة بمعنى الحكم والسيادة بمعنى المشورة الواجبة. فالثاني نوع سيادة تشاورية فقط باعتبار تفوق المستشار علميا و إيمانيا ونشاطا. والناس عادة ما يطلبون ممن يتفوق عليهم بالعلم والحكمة والشهرة واحتمال الفوز بأصوات الناخبين، ليمثلهم. فيشجعهم الله تعالى أن ينشزوا، بمعنى تقبلهم لما يُطلب منهم وقيامهم بالمهمة. ولا ننس بأن النشوز تدل على نوع من الرفعة التي قد تكون غير حقيقية ونواب البرلمان ليسوا دائما أكثر من غيرهم علما وحكمة وإيمانا.
كما يؤكد لهم سبحانه ألا يهنوا في القيام بالمهمة ولا يخيفهم قلة علمهم وضعف خبرتهم فإن ربهم سوف يعينهم ويوسع عليهم فقال عز من قائل: وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. ووعد الله مشروط بأن يكون النائب مؤمنا حاملا لبعض العلم ثم يزيد الله تعالى عليه من علمه درجات. ثم يحثهم ربهم على العمل لأن المرحلة مرحلة عمل وبذل جهد ويذكرهم بأن ربهم خبير بما يعملون حتى لا يهتموا بالإكثار من التحدث عما فعلوه لأن الذي يقدر عمل المؤمن بحق هو الله تعالى وهو لا يحتاج إلى من يخبره.
وبما أنه تعالى لا يمكن أن يحرم صحابة نبيه من النجوى مع الرسول فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13). عرفنا معنى الجملة الأولى من الآية 12 والمقطع الثاني منها تعني بأن الصدقات لو كانت في الخفاء فهي خير للإنسان باعتبار أن صاحبه لا ينتظر الجزاء من غير ربه وهو أطهر لقلوبهم التي قد تشعر بالأنانية والتعالي على الناس قبل أن يتواضع المرء في تقديم العطيات لأشباهه في الخلق. وتطهير القلب يعني الحط من السيئات. قال تعالى في سورة البقرة: إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(271). ولا ننس بأن المجالس النيابية ما قامت أيام الرسول فما كان ممكنا أن يمنع الله تعالى الناس من التناجي مع رسولهم أحيانا.
والبيان التالي هو لمن يريد المزيد عن الآيتين 12 و13 المتنازع عليهما من قبل المفسرين الكرام الذين أرادوا إثبات النسخ في القرآن والعياذ بالله. والأنكى أنهم قالوا بأن الله تعالى نسخ آية بعد يوم أو ساعات من إنزال الآية الأولى! ولا يخفى ما في كلامهم الباطل من تنزيل لشأن كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل أبدا، فكيف أتاه الباطل ثم رفعه الله بعد ساعات؟! أبرأ إلى الله من تلك العقيدة الفاسدة. ولا توجد في القرآن آية منسوخة إطلاقا ولكن النسخ وقع في آية توراتية تخص تحريم الشحوم كما أظن فقط. والله تعالى ذكر السبب بأنه كان عقابا مؤقتا لبني إسرائيل ولم يكن تحريما طبيعيا لا يمكن تغييره.
فلنبدأ بإلقاء نظرة فاحصة لما قاله المفسرون الكرام سنة وشيعة عن القصة المزعومة عند تفسيرهم إياهما. قالوا بأن الآية الأولى نزلت تأمر الناس بدفع صدقة حين التناجي مع الرسول وقد اتفق الرسول مع علي بن أبي طالب الذي كان أقرب الناس إليه ويعمل كسكرتير له عمليا أن يدفع كل من يريد الخلوة مع الرسول الذي كان رئيسا للدولة آنذاك مبلغاً معيناً من المال لصندوق الدولة أو بيت مال المسلمين بصورة علنية. وقالوا أيضا بأن الرسول استشار عليا فاقترح درهما ورفضه الرسول بان المبلغ زهيد واتفقا أو قرر الرسول مبلغاً أكبر. ثم أضافوا بأن الذي عمل بهذا الأمر هو علي نفسه الذي تصدق مرة أو مرات ليناجي رسول الله. ثم ما لبثت الآية أن نسخت بالآية التي بعدها. ولذلك يعتبرون ما حصل فضيلة لعلي بن أبي طالب عليه السلام. فدعنا نقرأ الآيتين ثم نبدأ بتحليل ما قاله المفسرون لنلمس مدى توافق القصة المزعومة مع القرآن أولا ثم نسعى لتفسيرها من القرآن نفسه بدون إضافة غير القرآن إلى القرآن الذي أنزله الرحمن مفصلا كامل التفصيل كما كرر ذلك سبحانه وتعالى.
- الصدقة نوعان فهي إما لعمل جمعي مثل بناء المدارس، التي لا نحتاج معها إلى الإخفاء؛ أو لمساعدة الفقير التي يجب علينا إخفاؤها احتراما لكرامة المستفيد. قال تعالى في سورة البقرة: إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ؛ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271). نعلم من الآية بأن الصدقات غير الخفية غير موعودة بتكفير السيئات ولا بأجر أخروي وليست هي خيرا للدافع. والوقع أن الصدقات العامة مسألة تمثل أمرا دنيويا واجبا على المقتدر لتنظيم الحياة الدنيا ولكسر الكنوز التي حرم الله تعالى التشبث بها. فمن يعمل فهو يكسب دنيويا ومن يستنكف وهو مقتدر فسيكسب السيئات. وأما الصدقات المفيدة أخرويا فهي التي نؤتيها الفقراء. والصدقة المذكورة في الآية 12 هي من النوع الثاني لأن الله تعالى وصفها بأنها خير لهم وأطهر. فالخير هو نفس تعبير آية البقرة وأطهر تعني تكفير السيئات فتطهر المرء من بعض ذنوبه. و ما يقولونه بأن يدفع الشخص مبلغا لإدارة النبي قبل التناجي معه ليس من الصدقة الثانية وتخالف مضمون الآية الكريمة.
- لماذا بدَّل الله تعالى أمره بعد أن أنزل الآية الأولى؟ إنه سبحانه وكما يقولون لم يعط الفرصة للجميع أن يفكروا ويقنعوا أنفسهم ليدفعوا مبلغا قبل التناجي. تلك عملية تحتاج إلى زمان طويل ليحتاج فيه الناس إلى طلب المقابلة الشخصية مع رسول الله فيطلبوا لمقابلة مدفوع الأجر. هذا لو كان الأمر اختباريا مؤقتا، وأما لو كان أمرا فعليا فيبقى السؤال الأول بلا جواب إذ لا يمكن الاعتماد على المدير الذي يأمر ثم يغير أمره دون دليل وخلال فترة وجيزة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
- لم يقل الله تعالى بأنهم لم يناجوا الرسول بل قال في الآية الثانية الناسخة كما قالوا بأنهم أشفقوا أن يدفعوا الصدقة قبل نجواهم. هذا يعني بأنهم مضوا كالعادة في تناجيهم مع الرسول ولكنهم كفوا عن دفع الصدقة. وهذا يتعارض مع قولهم بأن الرسول حدد مبلغا يدفعه طالب المقابلة قبل اللقاء لأمانة صندوق الرسالة أو الحكم.
- قال تعالى في الآية بأنه تاب عليهم وهو يعني بأنهم أتوا بمعصية يحتاجون معها إلى الاستغفار أو إلى أن يتوب الله تعالى عليهم تكرما منه سبحانه. فهل طلبُ النجوى مع الرسول واجب عيني، في حين أن الله تعالى يكره النجوى بصورة عامة ويمنع عنها في نفس السورة؟ قال تعالى في الآية العاشرة بأن النجوى من الشيطان.
- وبعد أن نسخ الله تعالى الحكم فإنه أمرهم مرة أخرى بإعطاء الصدقة بلغة الزكاة. والواقع أن الزكاة والصدقة غير متعارضتبن. فكل صدقة زكاة ولو أن الزكاة أعم من الصدقة. فكيف تاب عليهم بأن عفاهم عن الصدقة ثم أمرهم بالزكاة التي هي أوسع من محض الصدقة. هذا ليس تسهيلا بل هو مزيد من الدفع فأين الإعفاء؟
- لو كان علي بن أبي طالب دافعا لبعض الصدقات في هذا الصدد فهل هو معفو من الأمر التالي بدفع الزكاة أم هي واجب عليه أيضا؟ لو كان معفوا فهو تعطيل لأمر أساسي من أوامر الله تعالى وهو محال ولو كان مأمورا بدفع الزكاة فما فائدة مبادرته بدفع الصدقات لملاقاة الرسول؟ واقع الحال أنه وكما يقولون في الأمثال: بين حانا ومانا ضاعت الحانا.
- يقول سبحانه في بداية الآية 13: ألم تر … والسؤال هو حول ارتباط قوم غضب الله عليهم بالذين لم يطلبوا المقابلة مع رسول الله عليه السلام؟ ولو قلنا بأنهم لم يطلبوها حتى لا يدفعوا الصدقة أيضا فهم لم يأتوا بمنكر فما هي علاقة عملهم بالمغضوب عليهم وهم اليهود كما يقولون إضافة إلى أنهم يحلفون على الكذب؟ والواقع أن الحلف على الكذب غير مرتبط بعينه بطلب المقابلة مع رئيس الدولة أو رسول الله. يمثلهم الله تعالى بالذين يدعون ادعاء ويشفعون ادعاءهم بالحلف وهو بعيد عما قالوه في تفسير الآيات الكريمة بعد المشرقين.
فتفسيرهم غير دقيق والقصة التي ذكروها منسوجة لا تساعد أحدا على فهم معنى الآيات الكريمة. ولا ننس بأن القرآن لا يمكن أن يحتاج إلى إضافات قصصية وغيرها من خارجه. سيكون الكتاب المبين آنذاك كتابا ناقصا غير مبين ومحتاجا للقصص المبينة. وأنى لقصص نسجتها الخيالات البشرية أن توضح معاني القرآن العظيم؟! تلك القصة مكتوبة على أساس إثبات فضيلة لبشر وليس في القرآن الكريم أي نوع من هذه الفضائل. إنني مستعد لإثبات زيف كل ما يقولونه في هذا الصدد. يكفيهم بأن كل الأسماء التي ذكروها للمستفيدين غير واردة في القرآن. إن القرآن يوضح أحوال بعض الأنبياء وبعض الأشخاص وقلما يحكم عليهم أو لهم، بل يترك المنزل العظيم كل ذلك ليوم القيامة وبعد إقامة محكمة القسط الكبرى. عاش علي بن أبي طالب بعد رسول الله حوالي ثلاثين سنة يؤدي اختباره راجيا الفوز بالرضوان فلا معنى لهذه الفضائل الزائفة بشأنه. كما لا معنى للفضائل غير الدقيقة التي يذكرونها لغيره من المهاجرين الأولين أو للبدريين. والأنكى من كل ذلك ما ذكروه من فضائل ومكرمات للصحابة بصورة عامة أو لبعضهم المعروف بكيده ومكره معاوية بن أبي سفيان.
فلنقرأ الآيات ممعنين مدبرين كما أمرنا ربنا بعيدين عن أقوال المتقولين:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿12﴾ إن طبيعة الحركة البرلمانية أو الديمقراطية أن تهتم الدولة والنظام بالتشريعات التي تفيد الجميع ويتركوا التوسل بقوة الحكام. ذلك لأن التشريع الدقيق يضمن السلامة لكل الناس ويقل المشاكل ويندر في ظلاله الإجحاف والظلم. ولكن مراجعة أصحاب النفوذ سيكون مشوبا بقوة الذي يراجعهم وبمدى اهتمام المسؤول بالعدالة ومدى فهمه لأبعاد القضايا المطروحة عليه. هكذا تبقى العدالة بعيدة عن السواد الأعظم ويحل الاستئثار بالسلطة والحظوظ الدنيوية محل العدالة التشريعية. هكذا تتعطل القوانين وتتمكن الاستبداد من الأمة فلا نتوقع السلام بينهم. وهذا ما نراه اليوم في الأنظمة المستبدة التي تتحكم في ما يسمى بالبلاد الإسلامية مع الأسف. وبسبب هذه المظالم لجأ الكثير من العقول العربية والمسلمة إلى الدول الديمقراطية الغربية وحتى اليابانية ليخدموا الأجانب ويتركوا إكمال المسيرة الحضارية للبلاد التي نشأوا فيها.
والقرآن الكريم يسعى لتربية الناس أحيانا على بعض الأحكام التي تبدو غريبة لهم. هذا هو دأبه سبحانه في ما سبق القرآن من كتب سماوية أيضا. فرأينا بأن الله عز اسمه أمر بفرض العطلة الأسبوعية على بني إسرائيل بنوع من القوة كما وصف الذين خرجوا على ذلك القانون بالذين اتصفوا بصفات القردة والخنازير وعبدة الطواغيت. ونرى القرآن حينما أنزل حكم الصيام وعممه على المسلمين باعتبار أنه حكم قديم مفروض على من سبقهم والمقصود منه تهذيب النفوس بغض النظر عن مضار الصيام للأبدان، فإنه لاحظ دأب الصائمين على أساس التشريعات القديمة. كان بعضهم يصوم ولكنهم كانوا يختانون أنفسهم في الليالي وهم يظنون بأن اللقاء الجنسي محرم في الليالي. والاختيان من باب الافتعال وهو يعني قبول الفعل مثل الاضطراب التي تعني قبول الضرب. هناك احتمال كبير بأن المسلمين وحينما نزل الحكم العام للصيام قبل نزول الحكم التفصيلي قلدوا غيرهم في الصيام ظانين بأن اللقاء الجنسي محرم طيلة شهر الصيام ولكنهم لم يتمكنوا من الاستنكاف عنه فعبر عنه سبحانه بالاختيان للنفس. وهذا يعني بأنك كنت تظن حكما جازما ولو أن الله تعالى لم يأمر به فقد خنت نفسك في الواقع.
ولنقرأ الآية التي يوضح حال المسلمين ويبيح لهم التمتع البدني في أوقات الأكل والشرب بهدف انتظار ما كتب الله تعالى لهم من نسل طيب. قال سبحانه في سورة البقرة: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187). فالعفو والتوبة هنا هو لما قاموا به من خيانة أنفسهم وهو إثم دون شك. فلا يوجد نسخ في آية الصيام ولكن بيان وتأخير لتنزيل كل أحكام الصيام. الغرض من هذا التأخير هو إثبات أن الناس عاجزون عن الاستنكاف عن الجنس طيلة شهر كامل ولا يتعارض الإباحة مع منطق الصيام. ذلك لأن الصيام حكم موقوت بالنهار وليس عاما طيلة الشهر.
مثل هذه التجربة قام بها الله تعالى حين إرادته تعليمَ المسلمين وتدريبَهم على نظام الشورى وترك التمسك بنفوذ الحكام والتي تتعارض مع إرادة الخلاق العليم لتوسيع وتكبير زخم الشعوب البشرية في المستقبل. إنه سبحانه منع من النجوى مع الحكام واستنكرها بصورة عامة في الآية العاشرة ولكنه أراد أن يثبت لهم عدم تمكنهم من مراعاة العدالة في النظام السائد آنذاك حتى لو كان الحاكم رسول الله. فحينما قال لهم بأن عليهم أن يدفعوا صدقة عند التمكن حينما يريدون التناجي مع الرسول باعتباره رئيسا للدولة أيضا آنذاك، فإنهم بطبيعة الحال يدفعون ثمن الوقت العام الذي يخصصه الرسول لهم. إنه ليس للأفراد بل للأمة جميعا فكيف يختلي به فرد ليطلب منه غرضا شخصيا؟ واضح بأن الرسول كان رئيسا للدولة وبهذا الاعتبار راجعته المرأة المسلمة التي اشتكت على زوجها باعتبار أن زوجها واحد من رعايا الرئيس الرسول. كانت المرأة تشتكي بقلبها إلى الله تعالى لا إلى الرسول ولكنها تجادل الرسول بأنه لم يتمكن من منع رعايا دولته من الظلم. فخطاب القرآن لجميع الصحابة تابع لحكاية أحدهم وهو المرأة المسلمة في بداية المجادلة. إنها هي التي ناجت الرسول لتقديم الشكوى مجادلة معه وأراد الله تعالى على أساس ذلك وضع نظام مفيد وعام يرفع الظلم عن الأمة حتى لو كان الحاكم غير الرسول. والوحي والرسول سيغيبان بعد فترة قصيرة حينما يتوفى النبي الأمين عليه الصلاة والسلام. لكنه سبحانه عالج المشكلة بعد إثبات عجز الناس عن مكافحة نفوسهم ليدربهم على التماس نمط مغاير لعادة البشر وهو نمط الديمقراطية وحكومة القانون بدلا عن حكومة الأفراد.
أمرهم ربهم بدفع صدقة قبل أن يطلبوا المقابلة مع الرئيس الذي هو رسول أيضا. يدفعون الصدقة كما عودهم عليه بينهم وبين ربهم دون الجهر بها. ليست الصدقة ضريبة حكومية ولا دخلا مقابل خدمة عامة ولكنها عمل شخصي لتنظيم حياة المجتمع في الواقع. وقد علل سبحانه الأمر بأن دفع الصدقة يستوجب تطهير المرء من بعض الدرن وهو خير له باعتبار أنه سوف يكسب بها صداقة المحتاجين من بني جلدته أو بني الإنسان. هذا الأمر مفيد ليتخلى الذي يستعين بالسلطة من بعض النزعات التي تميل بصاحبه عن الحق وتصحح له بعض طلباته حتى لا يكون مسرفا في الإجحاف بحق الغير. فما يطلبه المرء من صاحب القوة والنفوذ قد يكون ظالما للغير فعليه أن يبادر بتطهير نفسه قليلا حتى يقلل من رغباته وشهواته في المزيد من المكاسب المرجوة مع الارتباط بالسلطة. و مما لا شك فيه بأن الله تعالى أعطاهم الفرصة لكي يتبين لهم التزامهم بهذا الأمر البسيط فلم تفلح التجربة وأشفقوا أن يدفعوا بعض الصدقات المطهرة قبل أن يطلبوا التناجي مع رسول الله والله تعالى يراقبهم بالمرصاد. هي ليست مسألة يوم أو ساعات إطلاقا بل مسألة شعور نفسي لديهم حين نزول الآية الكريمة واسثقالهم الأمر.
أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿13﴾ والإشفاق كما يسعى الراغب الإصفهاني لبيان معناه فإنه يستند إلى معنى الشفق المعروف وهو حالة اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس فيميز المعنى المشتق منه هو العناية المختلطة بالخوف لأن المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه. ولعل هذا التحقيق هو أجمل تفسير قرأته لمعنى الشفق على علماء اللغة. إنني على نوع من الثقة بأن هذا المعنى ينطبق مع استعمالات القرآن لهذه الكلمة والعلم عند الله تعالى. على هذا الأساس الاحتمالي سيكون معنى أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات، بأنكم أردتم اليقين بأن مصلحتكم المرجوة تتحقق بتناجيكم مع الحاكم الذي هو رسول الله تعالى ولا يمكن أن يميل عن الحق. ولكنكم لم تستيقنوا بذلك فاستصعبتم تقديم الصدقة للفقراء قبل أن تناجوه. ولو كان الأمر بأن يدفعوا الصدقة بعد المناجاة وتحقق المصلحة لكانوا مستعدين للدفع بل لدفع المزيد أيضا. وبين يدي نجواكم يعني قبل أن تبادروا بالنجوى.
هذه حقيقة واقعة وهي أن تقديم المصالح الفردية على العدالة الاجتماعية ومراعاة المصالح الكبرى لكل الأمة يتطلب تضمين النجاح لأن الساعي إليه يعرف بأنه قد يكون ظالما ولكنه يريد أن يضمن مصالحه حتى ولو كان من منطلق الظلم. فأثبت الله تعالى لهم بأن ما تعودوا عليه من وضع القدرة بيد فرد ثم الاستعانة به لا يمكن أن يحقق العدالة. فالذي يريده الله تعالى تشريعا هو أن يضعوا القوانين العادلة المفيدة عن طريق البرلمانات التشريعية ويفرضوا حكم القانون والنظام على أحكام الأفراد مهما كان الأفراد طيبين ناصحين لغيرهم ومستعدين للتضحية في سبيل المصلحة العامة. أي أن طريق غير القانون قد تؤدي إلى الظلم وليست جديرة بأن يتبعها الذين يؤمنون بالله تعالى الذي يحب العدل والقسط ويكره الظلم والعدوان.
فيكون معنى أأشفقتم مرتبطا بشعورهم النفسي وثقل الحكم عليهم وليس مرتبطا بعمل خارجي حصل للصحابة.
وأما تحقيق العدالة الاجتماعية مقرونة بالاهتمام بقوانين السماء فهو مأتي إذا ما أصروا على إقامة الصلاة التي تجمعهم عدة مرات كل يوم لينسوا خلالها حيثياتهم الشخصية والعائلية واقفين أمام سيد الكائنات الذي هو يملكهم حقيقة وهم عبيده المملوكون له، فهم جميعا يحملون جنسية واحدة هي جنسية العبودية للواحد القهار. كل التفاوتات حتى العلمية تتهاوى أمام هذا الموقف المهيب لو أتوا بها على وجهها كما أتى بها رسل الله تعالى واقفين خاضعين يبكون من خشية الله أمام أتباعهم الذين شعروا بأنهم مثلهم وبأنهم إخوان لهم. لا سيادة لنبي على غير نبي ولا فضل لأهل بيت النبوة على غيرهم إطلاقا والفضل كله من الله تعالى والتفاضل الحقيقي في التوجهات النفسية التي لن تتبلور قبل يوم الحساب لأنها معلومة لله وحده دون غيره. فإن أقاموها إقامة صحيحة فإن ما يدفعونه لمن مثلهم في كل شيء عدا بعض التفاوتات لن تغير من نظراتهم شيئا بل يشعرون بأن هناك واجبا كاد يقصم ظهورهم بأن حملوا أمانة الله تعالى لعبيده دون أن يقدموها لهم خالصة راكعين من شدة الخوف من الخلاق العليم عز اسمه. فالزكاة هكذا تمثل الخضوع الخاشع لله بأن يغفر لهم بها ذنوبهم وليس بها أية منة على المستفيد الفقير حتى لو كانت الزكاة في العلم والمعرفة. سوف يتلاشى الزهو في أمة عرفت بأنها في النهاية عبيد لمولى واحد و يا له من مولى كريم عزيز.
ثم أمرهم الله تعالى بأن يطيعوا الله ورسوله واضعين نصب أعينهم الذي ينظر إليهم بعلم وخبرة عالما بكل ما يكِنُّونه في قلوبهم. والرسول هو الذي يأمرهم بالعمل بالقرآن ويقول لهم بأن أمرهم يجب أن يكون شورى بينهم دون أن يرفع أحد صوته الانتخابي على آخر فلكل فرد صوته الشخصي المحترم وهو يمثل عددا واحدا مشابها لأصوات غيره بأفرادهم. ليس هناك صوت أرفع من صوت إلا لو انتسب إلى الله تعالى وقد حدد الله سبحانه ذلك بصوت النبي وحده دون غيره لأنه يمثل وحي السماء ويستلهم بقوة من رب العالمين جل جلاله فلا يمكن احتمال الخطإ في رأيه و قضائه العلمي. وختام الآية تدل على أن الله تعالى في النهاية ينظر إلى تجاوبهم العملي مع تشريعات السماء لتحديد هوياتهم الإيمانية فعليهم بأن يصححوا نواياهم بكل جد وجهد. قال تعالى في سورة الحجرات: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2). فقيمة صوت النبي فوق قيمة أصوات الشعب باعتبار الوحي.
وحتى يعطيهم الله تعالى دليلا آخر على عدم جدارة أحكام الأفراد ويشجعهم على توخي القوانين دون وضع الثقة كثيرا في من ينتخبونهم فإنه سبحانه ذكرهم في الآية التالية بحقيقة كانوا يرونها أيام الرسالة المجيدة والرسول يلاحظها فقال سبحانه مشيرا إلى نفس الحكم في نفس سورة المجادلة: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿14﴾. ألم تلاحظ يا رسول الله بأن جمعا من صحابتك تقبلوا الرضوخ تحت سيطرة أقوام غضب الله عليهم وهم بعيدون عن تجمعاتكم المميزة. كما أنهم بعيدون عن وطنية صحابتك ولكنهم ذهبوا إليهم وتقبلوهم. أليس هذا دليلا كافيا على أن الأمة لا تفكر بعمق في مصالحها البعيدة بل تنظر نظرات وقتية ظاهرية قد تؤدي إلى أن يمنحوا أعداءهم القدرة عليهم فيخسروا. هذا وبينهم رسول الله وهم يعرفونه ويؤمنون به. فاختيار الناس للحاكم ليس دائما دقيقا مفيدا ولذلك من الخير لهم ألا يعطوا القوة للأفراد بل يحتفظوا بها لأنفسهم ويهتموا بالبرلمانات والمؤسسات ويعطوا أصواتهم للنواب الذين يسعون لتقديم تشريعات مفيدة للأمة فيستولي حكم القانون على حكم الفرد ويقل مخاطر الأفراد. وأضاف سبحانه إلى ما ساوق لجوء بعض ضعفاء الصحابة إلى الغرباء من كذب لتبرير عملهم. ثم إنهم لم يتورعوا من القيام بالقسم على كذبتهم لتبرير خِطئهم وأخبر سبحانه بأنهم يعلمون بأنهم يكذبون ولكنهم يأتون به لحفظ مصالحهم. ومن أراد معرفة قصصهم فليراجع سورة النساء وخاصة الآيات 59 – 63.
وهاكم بعضا من رسالات سورة المجادلة للمزيد من الانتباه لأهمية السورة:
- نتجنب الخرافات والخزعبلات التي ورثناها ممن هو أقل منا علما، فلعلها تخالف أمر الباري وأمر رسوله أيضا، فيستتبع العنت والكفارة.
- نتجنب التناجي والتحدث بالسر حتى لا يدخل الحزن في قلوب من يرانا ويشاركنا.
- نتجنب التناجي مع ذوي الشأن حتى يتفرغوا للعمل الموسع لصالح المجتمع والأمة بأسرها.
- نتمسك بالبرلمانات والمجالس الموسعة لتشريع ما يفيد الناس جميعا، لاما يفيد أشخاصنا، ثم نختار من يتميز بالعلم والإيمان بالله. إنه سبحانه سيرفعه درجات تبعا لتظافر الإيمان مع العلم. فالإيمان مع مغايرته للعلم ولكنه يزيد العالم إلماما بالسعي لمعرفة حقائق الأشياء التي يمكنه فهمها.
- نجعل الطاعة لله ولرسوله فقط. إن الله تعالى هو الحق المطلق وأما الرسول فهو محاط بالرصد الذي يمنعه من الخطأ في الرسالة ومن الاستئثار بالسلطة بالنسبة للصحابة طبعا. لكننا اليوم فإننا نطيع الرسول في ما ورثناه من سنن عملية مثل الصلاة وما صانه الله تعالى لنا مما خاطب به رسولنا صحابته وهو القرآن وليس شيئا غير القرآن.
- نخاف الله وحده فهو وحده سبحانه يملك السلطة المطلقة يوم الحساب.
- نهتم بآلام الأمة ونسعى جادين جاهدين لرفع الأذى والألم والظلم عن أمة البشر. ونسعى لتحقيق ذلك في تغيير الفكر البشري المتشبث بالتراث وبالسلطة الموجودة وبالأساطير الموروثة إلى فهم حقوقه وواجباته وضرورة التشريع لأمته ولمستقبل أولاده وترك تشريعات الإخوة الفقهاء والذين يظنون بأنهم متخصصون في الدين. نحن نشرع ولا نتبعهم ونحن نقيم المجالس النيابية لتحقيق أهداف ربنا في بسط العدالة ونشر الفضيلة وتحقيق تطور الإنسان على مر الزمن مع ما يطوره ربنا من أفكار العباد.
- لا نفرق بين أبناء وبنات المجتمع من حيث الجنس أو الدين أو اللغة أوالقومية. فكل مجموعة من البشر تعيش في مكان ما من الأرض فإنها تحتاج إلى قوانين وكل من سكن في تلك الأرض فهو يملك حق تشريع القوانين.
نكتفي بهذا القدر لمعرفة أهمية سورة المجادلة للاهتمام بالمجالس النيابية. وفق الله تعالى أمتنا الكريمة للتخلص من الديكتاتوريات الفاسدة المستبدة التي تجلب لهم الويلات يوما بعد يوم وتنشر بينهم الخوف والفقر والكراهية وكل أنواع الفساد.
هناك ملاحظة بسيطة تخص الإخوة والأخوات الذين استمعوا إلى محاضراتي الثلاث في تفسير المجادلة في أبريل 2007، وكذلك الذين قرأوا ما نشرته حينه كتبيا. سيرون الكثير من الحذف وطفيفا من الإضافات. هذا لا يعني بأن رأيي قد تغير ولكنني كتبت هذا بما يتناسب مع تصحيح أخطائنا التراثية فقط.
أحمد المُهري
9/4/2017