تحليل الخطاب الديني المستخدم لدى أهل السنة والجماعة
تحليل الخطاب الديني المستخدم لدى أهل السنة والجماعة
https://www.facebook.com/pg/Islamijurisprudence
يهدف هذا المقال إلى عرض خصائص الخطاب الديني المستخدم لدى أهلالسنة والجماعة وبيان مدى اتفاقه مع, أو اختلافه عن, النص المؤسس لدين الله, وأثره على حياة المسلمين. يحتاج الوصول إلى هذا الهدف إلى بيان التالي:
- تحديد المقصود بـ”الخطاب الديني المستخدم لدى أهل السنة والجماعة”, و
- تحديد مصادر هذا الخطاب, و
- تحديد خصائص هذا الخطاب, و
- تحديد مدى اتفاق هذا الخطاب مع, أو اختلافه عن, النص المؤسس لدين الله, و
- بيان أثر هذا الخطاب على حياة المسلمين.
- المقصود بالخطاب الديني لدى أهل السنة والجماعة
يقصد بالخطاب الديني لدى أهل السنة والجماعة مجموع النصوص المكتوبة أو الأحاديث الشفوية التي يعتقد الكاتب والقاري, أو المتحدث والسامع, أن لها علاقة بالنص المؤسس لدين الله. في دراستنا هذه سوف نقتصر على النصوص المكتوبة.
- مصادر الخطاب
تبين دراسة النصوص المستخدمة لدى أهل السنة والجماعة أن “النصوص الأصلية” المتعلقة بـ”النص المؤسس” قد بدأ العمل في إنتاجها بدءًا من بداية القرن الثالث الهجري وتم الانتهاء من إنتاجها بانتهاء القرن الخامس الهجري. أي أن النصوص التي تم إنتاجها من نهاية القرن الخامس الهجري إلى الآن ليست أكثر من إعادة طبع للنصوص الأصلية. تعرف هذه الظاهرة باسم “غلق باب الاجتهاد”. يعني هذا الكلام أن الدارس لمصادر الخطاب الديني لدى أهل السنة والجماعة لا يحتاج إلى أكثر من دراسة عدد محدود من الكتب من أهمها صحيح البخاري, وصحيح مسلم, والسيرة النبوية لابن هشام, والمغازي للواقدي, وأسباب التنزيل للواحدي, والعقيدة الطحاوية للطحاوي, إضافة إلى “الاختيار لتعليل المختار”, و”الروض المربِع”, و”أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك”, و”الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع”, فضلاً عن كتب التفسير كتفسير الطبري, وابن كثير, والبغوي. أي لا يحتاج إلى أكثر من دراسة الكتب المقررة على طلبة الأزهر الشريف.
- خصائص الخطاب
مثله في ذلك مثل أي خطاب في أي مجتمع, يتميز الخطاب الديني المستخدم لدى أهل السنة والجماعة بتوافقه التام مع النظام الإدراكي المستخدم في المجتمع العربي القديم ومع النظام الاجتماعي السائد في ذاك المجتمع.
أ. النظام الإدراكي المستخدم في إنتاج الفقه السني القديم
كشف البحث الذي دار في “مركز تطوير الفقه السني” عبر السنوات الأخيرة أن نظام الإدراك المستخدم في إنتاج الخطاب الديني السني هو نفس نظام الإدراك المستخدم في المرحلة الثانية من مراحل نمو الإدراك كما حددها جان بياجيه. يظهر هذا الأمر, بوضوح تام, في الطريقة التي تم إنتاج هذا الخطاب بها حيث تم هذا الإنتاج عن طريق “النقل”. أي أن مهمة الكاتب – ممن يطلق عليهم اسم “أهل العلم والنظر” – لا تتعدى النقل. لا يعبر الكاتب هنا عن وجهة نظره وإنما يعبر دومًا عن وجهة نظر شخص آخر. تعرف هذه الطريقة باسم “منهج النقل والتلقي.”
من هنا, وحيث إن أهل العلم والنظر من أهل السنة والجماعة لا يعبرون عن وجهة نظرهم وإنما ينقلون وجهة نظر من سبقهم من السلف الصالح, تسيطر على أهل العلم والنظر فكرة مؤداها أنهم إنما ينقلون الفهم الصحيح الوحيد الممكن الذي جاءهم عن طريق أهل العلم والنظر ممن سبقوهم من الذين نقلوه عن التابعين الذين نقلوه عن الصحابة الأجلاء الذين نقلوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء به من عند الله سبحانه وتعالى. حسب وجهة النظر هذه, لم يبلغنا رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالة الله سبحانه وتعالى إلينا وحسب وإنما بلغنا أيضًا بالمقصود بهذه الرسالة. وكأن الله, بهذا الشكل, لم يرسل إلينا كتابه الكريم وحسب وإنما أرسل إلينا أيضًا “فهمه الكريم”. رجاء الانتباه إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – حسب وجهة النظر هذه – لم يكن يقدم لنا فهمه “البشري” لكتاب الله وإنما كان يقدم لنا “فهم الله”. يذهب أهل العلم والنظر من أهل السنة والجماعة إلى أنه لو كان صلى الله عليه وسلم يقدم لنا فهمه “البشري” لكتاب الله لما اختلف هذا الفهم عن أي فهم بشري آخر ولكان قابلا, بالتالي, لأن يصيب ويخطيء.
تسيطر على أهل العلم والنظر من أهل السنة والجماعة فكرة أخرى مؤداها أن عملية “النقل” هذه تمت بدون أية أخطاء. أي أن فهم الله لدين الله قد وصلنا كاملاً غير منقوص كما لو كان قد تم تسجيله ساعة نطق رسول الله به على اسطوانة مدمجة. هذا هو السبب في الثقة المطلقة في صحة الأحاديث الواردة في كتاب البخاري إلى درجة أنه لو تعارض ما جاء في كتاب البخاري مع ما جاء في كتاب الله ساروا وراء كتاب البخاري وتركوا كتاب الله. يظهر ذلك بوضوح تام في موضوع قتل الزاني المحصن.
لم يكن أهل العلم والنظر من أهل السنة والجماعة, بهذا الشكل, على وعي باستحالة القول بصحة الأحاديث المنسوبة للرسول الكريم. يعود القول باستحالة ذلك إلى سببين, أحدهما علمي والآخر ديني. دعنا نبدأ بالعلمي أولاً. في العلم يستحيل القول بصحة أي قول إلا إذا كان هناك دليل على توافق هذا القول مع الواقع المشاهد. في حالة الأحاديث المنسوبة إلى الرسول الكريم لا توجد أي طريقة يستطيع الباحث عن طريقها أن “يثبت” أن الرسول الكريم لم ينطق بهذه الأحاديث كما لا توجد أي طريقة يستطيع عن طريقها أن “يثبت” أن رسول الله قد نطق بهذه الأحاديث. كيف يمكن لأي مخلوق أن “يثبت” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالحديث القائل بأن “والله لا يؤمن الواحد منكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”؟ أو كيف “يثبت” أنه نطق به؟ هذا حديث – كغيره من الأحاديث – لا يمكن إثبات صدوره عن رسول الله كما لا يمكن إثبات عدم صدوره عن رسول الله. أي هو حديث يستحيل القول بصحته كما يستحيل القول بعدم صحته. ويبقى أنه حديث يستحيل القول بصحته. إذا كان القول بصحة الأحاديث المنسوبة إلى الرسول الكريم غير مقبول من الناحية العلمية, فهو أيضًا غير مقبول من الناحية الدينية. يعود ذلك إلى أنه يحول سلسلة الرواة الذين وصلتنا هذه الأحاديث عن طريقهم إلى سلسلة من المعصومين من الخطأ. لا يحتاج الأمر إلى التوكيد على أن القول بعصمة رواة الأحاديث من الخطأ قول غير مقبول. وكأن المسألة, بهذا الشكل, أننا سواء كنا نتحدث علمًا أم إيمانًا فإننا لا يمكننا القول بصحة الأحاديث المنسوبة إلى الرسول الكريم.
أ. التوائم مع النظام الاجتماعي السائد
يمكن القول بأن دراسة الخطاب الديني المستخدم لدى أهل السنة والجماعة تبين أن هذا الخطاب الديني كان متوافقًا مع النظام الاجتماعي السائد وقت إنتاج هذا الخطاب أكثر من توافقه مع كتاب الله. يظهر هذا – وذلك على سبيل المثال لا الحصر – على مستوى الأحكام الخاصة بمعاملة الأسير, والدعوة, والحياة في الجنة, ومعاملة أهل الذمة, وغيرها كثير.
- معاملة الأسير
تبين دراسة الأحكام الخاصة بالأسرى في الفقه السني القديم كيف يذهب الفقه السني القديم إلى إباحة وتحريم قتل الأسرى, أو مفاداتهم, أو استعبادهم, أو إطلاق سراحهم. تتفق هذه الأحكام مع الأعراف والتقاليد العربية القديمة إلا أنها تتعارض مع أحكام كتاب الله.
- الدعوة
تبين دراسة الأحكام الخاصة بالدعوة كيف أوجب أهل العلم والنظر على من آمن بالله وبأن محمـدًا رسول الله أن يعرض على من لا يؤمن بالله وبأن محمـدًا رسول الله أن يؤمن بالله وبأن محمـدًا رسول الله أو أن يدفع مبلغا من المال لقاء تركه على كفره, فإذا آمن أصبح واحدًا منا له ما لنا وعليه ما علينا, أما إذا رفض أن يؤمن وقبل أن يدفع فقد دخل في ذمتنا ووجبت علينا حمايته. أما إذا رفض أن يؤمن أو أن يدفع فعلينا قتله. يتعارض هذا الموقف مع ما جاء في كتاب الله من أن من شاء أن يؤمن فليؤمن ومن شاء أن يكفر فليكفر كما يتعارض مع الدعوة إلى الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
- الحياة في الجنة
يصور الخطاب الديني السني الحياة في الجنة على أنها مهرجان جنسي من أول لحظة فيها إلى أبد الآبدين. تفيض الكتب بتفاصيل التفاصيل عن هذه الممارسات الجنسية. تتفق هذه النظرة مع القيمة الرفيعة التي يوليها المجتمع العربي “حتى الآن” للممارسات الجنسية وتتعارض مع ما هو معروف من أن لا أحد منا يعلم الغيب.
- معاملة أهل الذمة
يميز الخطاب الديني السني ما بين المسلمين وما بين أهل الذمة. لا يعطي هذا الخطاب لأهل الذمة نفس الحقوق التي يعطيها للمسلمين. يتعارض هذا الموقف مع ما يدعو إليه دين الله من إقامة العدل بين “الناس” لا إلى إقامة العدل بين “المسلمين” فقط.
وللحديث, إن شاء الله, بقية إن كان في العمر بقية.
2 أغسطس 2015
الجزء الثاني :
تجديد الخطاب الدينى
البيت من الداخل يحتاج إلى إعادة ترتيب وبيع قديم متهالك وشراء جديد من أجل سلامتنا وسلامة الغير.
“لن يجرؤ مشايخنا على تنقية التراث أو وضع لبنة فى بناء جديد. البضاعة القديمة مربحة، كثير المرض كثير التردد على الطبيب للعلاج، أعظم الأرباح من الجهلاء والمرضى. إن تجديد الخطاب الدينى وفض الاشتباك بين الأحاديث الصحيحة والموضوعة، بين عمومية اللفظ وخصوصيته، بين التناقض الواضح بين التراث والنظريات العلمية، هو مسؤولية الدولة والمثقفين، وليس مسؤولية المؤسسات الدينية. تاريخيا، لم يثبت تجديد الخطاب من داخلها، وحين حاول البعض هذا، حوكم وفُصل من عمله. الشيخ على عبدالرازق عن كتابه «الإسلام وأصول الحكم» الذى رفض فيه فكرة الخلافة وأيد إقامة الدولة المدنية، حاكمه الأزهر واستبعدوه من هيئة العلماء، ومن قبله الإمام محمّد عبده، أقالوه من الأزهر لمحاولاته تجديد الخطاب الدينى. فيما قال: «إن رجال الدين الإسلامى فشلوا فى إدراك فائدة العلوم الحديثة، وإن الأزهر لم يقم بواجبه لإيقاظ العالم الإسلامى، ويستوجب علينا دراسة التاريخ والأديان والحضارات الأخرى لمعرفة سر تقدمهم، لأنه ليس هناك من سبيل لثراء الأمة سوى العلوم والإدارة والتعليم».
إن مسؤولية الأزهر ليست تجديد الخطاب الدينى، بل تنقية المواد الدراسية لتلاميذ الأزهر فى المراحل المختلفة من مناهج تكفيرية وخلافية مع العقل والعلم. العقل مناط التكليف الإلهى، والأديان لا تتعامل فى غرف مغلقة، وإثباتها مسؤولية العقل، وعلى الأديان مساعدة العقل بصدق منطقها. كيف يحمل الأزهر مشعل التنوير ومواده الدراسية تحمل هذا التناقض مع ذات العقل الحاكم الفاصل فى قبول التكليف؟ خذ مثالاً، فى «كتاب الإقناع لابن أبى شجاع» يدرس فى الثانوى الأزهرى، أن القتل عقوبة المرتد وتارك الصلاة، ويجوز أكل لحمهما نيا دون شواء ودون استئذان الحاكم. المثال الثانى عن الدية «وهى ما يدفع عوضا لأسرة المقتول خطأ» فى نفس الكتاب. لا تختلف الدية بالفضائل أو الرذائل (تتساوى الدية للرجل المسلم صالحا كان أو فاسقا) وتختلف الدية وقيمتها باختلاف الأديان والذكورة والأنوثة. فإذا قتل مسلم تارك الصلاة, أو المرتد, أو الزانى المحصن, فلا دية لأى منهم عليه ولا كفّارة. المرأة والعبد ديتهما نصف دية الرجل (ابن تيمية يفتى بأن المرأة والمملوك «العبد» أمرهما واحد). ولا يقتل المسلم بكافر إلا إذا اعتاد المسلم قتل الكافرين دون سبب، يصبح لأهل القتيل من غير المسلمين نصف دية الرجل المسلم.
مثال آخر، الحمل فى المذاهب الأربعة مدته عند الحنابلة والشافعية أربع سنوات، والمالكية خمس سنوات، والحنفية سنتان (تستطيع امرأة مات أو غاب عنها زوجها أن تحمل وتلد وينسب الولد للمتوفى أو الغائب وفقا لأى مذهب)، مخالفا العلم الذى حدد مدة الحمل بتسعة أشهر إذا زادت أكثر من خمسة عشر يوما يصبح الجنين فى رحم الأم هالكا لا محالة، وخطرا على الأم، يستوجب إنزاله بالطرق الحديثة (شهد الإمام مالك أن جارة له صادقة هى وزوجها، حملت ثلاثة بطون فى اثنتى عشرة سنة) هل يصدق التلميذ مالك أم يصدق العلم؟ هل يثق فى العلم أم فى جارة مالك؟ وهل يقبل التلميذ أو الأستاذ من زوجته أو ابنته هذا؟
مثال آخر يدرسه عن بعض المذاهب، فى عدم وجوب شراء الرجل الدواء لامرأته إذا مرضت، ولا يحق لها أجرة طبيب، ويجوز له إطعامها إذا مرضت. ولها أجرة حمام مرة واحدة شهريا لتتطهر من دنس الحيض، ويشترى الزوج لامرأته كسوة فى الصيف وكسوة فى الشتاء، إذا وافق ذلك النكاح، وإلا وجب إعطاؤها أول كل ستة أشهر. لا يجوز لها أن تشترى كسوتها بنفسها بل يشتريها الزوج مرتين حسب عسره ويسره، فإذا امتنعت المرأة عن إشباع شهوة الرجل حتى لو كان السبب خارجا عن إرادتها (العجز, أو المرض, أو الملل, أو الكره) سقطت النفقة عنها. وصل الأمر إلى حد عدم إلزام الزوج بشراء كفن لامرأته للدفن، تماشيا مع فكرة انقضاء الاستمتاع بها.
وما جاء فى الوثيقة العمرية عن التعامل مع أهل الذمة وهم جيرانه وأصدقاؤه. كيف نسمح أن يدرس التلميذ حتى لو كان الأمر دراسة للتراث، أنه يجب على المسيحى أن يجز مقدم الرأس حتى لا يتشبّهوا بالمسلمين، وألا يركبوا الخيل بل يركبوا الحمير دون سرج، ولا يبدأهم هو بالسلام، ولا يهنئهم ولا يعزيهم، وإذا قابلهم فى الطريق يضيقه عليهم حتى يدفعهم إلى السير فى أضيقه، ولا يرتدوا الصلبان فى مكان ظاهر، ويقيموا شعائرهم فى صمت وفى سرية، ولا يجوز بناء كنيسة لهم فى ديار المسلمين، ولا يجوز تعلية بيت المسيحى عن بيته. أليس هذا مبررا شرعيا لبغضهم, وإذلالهم, وحتى قتالهم وهم جيرانه؟ ومطلوب من التلميذ الإجابة عن صحة كل هذا فى ورقة الامتحان، رغم مخالفتها قناعاته ومنطق العقل.
هذا قليل من كثير لا يتسع المجال لذكره. البيت من الداخل يحتاج إلى إعادة ترتيب، وبيع قديم متهالك، وشراء جديد نستخدمه لسلامتنا وسلامة الغير.” انتهى كلام سيادته
خالص الشكر لسيادة الأستاذ عادل نعمان على كريم رسالته
6 فبراير 2015
#تطويرالفقهالاسلامي
https://www.facebook.com/pg/Islamijurisprudence