تصحيح أخطائنا التراثية: 11 : رفض القرآن للمعراج_ الفصل الثاني
تصحيح أخطائنا التراثية: ثامنا: رفض القرآن للمعراج_ الفصل الثاني
مناظرة حول فرضية المعراج:
والآن دعنا نفترض حصول المعراج لنرى تبعاته وما يحيط به من أقاويل مذكورة في كتب التفسير السنية والشيعية. ولا بأس هنا أن أشير إلى ما عُرِف بمناظرة بيني وبين محمد الموسوي وهو أحد الإخوة المعممين في بريطانيا، يوم الاثنين الماضي 25/6/2007 في بيت أحد الإخوة الكرماء. وقد توقع طلاب القرآن الكريم أن يسمعوا من أخينا الكريم دلائل علمية تثبت حصول عملية المعراج فعلا. ولعل الكثير منهم كان يظن بأني شاذ في رد هذه المسألة المرفوضة قرآنيا كما وضحت في بداية البحث. وقد استجبت لطلبهم في حين أني أكره المناظرة والتعالي على الآخرين. إنني منذ سني الشباب أخاف من جملة قرأتها على الإمام علي بن أبي طالب خارج نهج البلاغة وهي: لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء. هذا الكلام جميل وأحتمل فيه الصحة. صحيح لأن العلم مملوك لله تعالى فلو منَّ علينا سبحانه به فلا معنى للتكبر به على غيرنا، والكلام يتناسب مع شأن الإمام ودقته في ما تفوه به.
في هذه المناظرة بنى الأخ المناظر دلائله لإثبات فعلية وقوع المعراج على أنني (أنا المُهري) لست متخصصا في التفسير وليس من حقي أن أفسر القرآن!!
ثم قال بأن إخواني وبنو أبي يتبرؤون مني!!
واكتفى بالقول أن الإمام علي يفسر الآيات الأولى من سورة النجم بالمعراج، ولم يستدل عليها علميا. ولا أدري مصدره ولكني ما رأيت ذكرا للمعراج في نهج البلاغة بالطبع. وقد أصابني الذهول من هذا النوع من المناظرة غير العلمية التي تستند على الأشخاص وليس على المفاهيم والدلائل العلمية. فما رأيت بُدّاً من أن أقوم بنفسي بنفي المعراج مع أن البينة على المدعي. وقلت للأخ الفاضل بأنه لم يسمع من الإمام علي ذلك القول ولا يمكنه أن يحلف بأنه عليه السلام قال ذلك، فكيف يبني عليه ادعاءه، والله تعالى يقول: ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا. واكتفى الأخ في الجواب بأن يحلف بالله تعالى بأنه كلام الإمام علي فازداد تعجبي ممن يظن في نفسه العلم الديني وهو لا يعرف الحكم الشرعي في الشهادة.
قال المحقق الحلي في شرائع الإسلام ، ج 4 ص 132 طبع دار الأضواء ببيروت:
{والضابط العلم لقوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم، ولقوله عليه السلام وقد سُئل عن الشهادة وقال: هل ترى الشمس؟ فقال: نعم، قال على مثلها فاشهد أو دع. ومستندها إما المشاهدة أو السماع}. انتهى النقل.
وأخونا لم يشهد الإمام ولم يسمع منه وحلف على صدور الكلام من الإمام بمجرد قراءة الخبر في الكتب المشبوهة.
قوله حول تفسير الإمام لا يختلف عن ادعائه الباطل بأن إخواني قد تبرؤوا مني. وعلى أنه غير صحيح بل إن علاقاتي جيدة مع كل أهلي ولكن بفرض صحته فهل هو دليل على أن نفيي للمعراج باطل؟؟ هكذا يستدلون ضدي!! كأن القضية مرتبطة بأحمد المُهري وليس هناك دليل ولا برهان!!
التبعات المزعومة للمعراج المزعوم
ما ذكره الأخ المناظر من قرائن:
وأظن بأن على الأخ المناظر كفارة القسم برأي أقدم كتاب فقهي لدى الشيعة ومقبول لدى المراكز الدينية.
والذي أريد أن أدقق فيه من كلام الأخ هو تبعات المعراج التي ذكرها، وهي قوله:
بأننا استفدنا منها في تقليل عدد ركعات الصلاة؛
وبأن المعراج قد تكرر 120 مرة؛ انتهت الادعاءات.
سمعنا القصة الخرافية حول ركعات الصلاة التي تبدأ من محاورة نبينا مع موسى في السماء الرابعة وعودته كل مرة إلى الله تعالى في السماء السابعة يطلب منه تنقيص عدد الركعات. بالطبع أن الله تعالى لم يعين عدد الركعات في كتابه الكريم ومعناه أنه من واجبات النبي نفسه أن يبحث عنه في مواريث المؤمنين الحاضرين أمامه؛ فما معنى أن يطلب من الله تعالى أمرا منوطا بالنبي نفسه، وهو ليس من شؤون الربوبية؟!
وما هو ارتباط موسى بموضوع لا يخص قومه بل يخص أمة أتت بعده بحوالي عشرين قرنا فهل موسى الميت فعلا يراقب حركة التطور الاجتماعي؟ إنه عجز عن فهم مجتمعه وقومه وذهب مع مندوبي القوم إلى الله تعالى يطلب رؤية ربه! وما أن تأخر عشرة أيام عن الموعد حتى عاد قومه القهقرى فلو كان عالما اجتماعيا لعرف ذلك قبل أن يتركهم ويذهب إلى الله تعالى يطلب الأمر المحال.
ثم إن الله تعالى يقول لنبينا بأنه لا يُسمع الموتى، وهو يعني بأن الروابط مقطوعة بين الموتى والأحياء فكيف عرف موسى شأنا تطوريا مرتبطا بقوم لم يتكاملوا بعد، وهم صحابة محمد ممتدين إلى يومنا هذا فيعرف علميا أننا عاجزون عن أداء 51 ركعة في اليوم!؟
واعترف الأخ الموسوي بأن المعراج حصل في ليلة واحدة حيث اجتاز فيها الرسول كل السماوات (الأولى حتى السابعة حسب زعمهم) حتى وصل إلى الله تعالى! وبغض النظر عن أن ذلك يعني تجسيم رب العالمين واستقراره في مكان والعياذ بالله، فإن ذلك يخالف القرآن في هذه الآية من سورة المعارج: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴿4﴾. فالروح وهو جبريل يحتاج إلى خمسين ألف سنة ليصل إلى الله تعالى. بالطبع أن السنوات هي ليست سنواتنا بل هي أطول بكثير. والعروج إلى الله تعالى لا يعني الصعود إليه مكانيا فهو ليس مستقرا في مكان سبحانه وتعالى. لكننا لو اعتبرنا صحة ادعاءاتهم فإن هذه الآية تكذبهم على الأقل.
وأما مسألة تعدد سفرات المعراج الفضائية فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ما فائدة 120 مرة من العروج إلى السماوات العلا؟ لو كانت مرة منها لاستفهام عدد ركعات الصلاة فما فائدة 119 مرة أخرى؟ ولم يذكر السيد المناظر بقية المسائل المعراجية الموجودة طيات كتب الحديث وأنا سوف أنقل بعض ذلك من تفسير الميزان للطباطبائي الذي ينقل القصة من مختلف المصادر السنية والشيعية.
مزاعم المفسرين في قصص المعراج:
قال الطباطبائي في تفسيره “الميزان” عند بيانه للآية الأولى من سورة الإسراء في البحث الروائي لمسألة المعراج:
{عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل بالبراق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذ واحد باللجام و واحد بالركاب و سوى الآخر عليه ثيابه فتضعضعت البراق فلطمها جبرائيل ثم قال لها اسكني يا براق فما ركبك نبي قبله و لا يركبك بعده مثله}.
وأردف الطباطبائي:
{و تلقتني الملائكة حتى دخلت السماء الدنيا فما لقيني ملك إلا ضاحكا مستبشرا حتى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقا منه كريه المنظر ظاهر الغضب فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء إلا أنه لم يضحك و لم أر فيه من الاستبشار ما رأيت من ضحك الملائكة فقلت: من هذا يا جبرئيل فإني قد فزعت منه؟ فقال: يجوز أن يفزع منه فكلنا نفزع منه إن هذا مالك خازن النار لم يضحك قط، و لم يزل منذ أن ولاه الله جهنم يزداد كل يوم غضبا و غيظا على أعداء الله و أهل معصيته فينتقم الله به منهم، و لو ضحك إلى أحد قبلك أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك لضحك إليك فسلمت عليه فرد السلام علي و بشرني بالجنة.
وقال الطباطبائي أيضا:
ثم قال لي ما ذا رأيت في مسيرك؟ فقلت ناداني مناد عن يميني فقال أ و أجبته فقلت لا و لم ألتفت إليه فقال: داعي اليهود لو أجبته لتهودت أمتك من بعدك.
وقال الطباطبائي أيضا: فقال جبرئيل: هو (عزرائيل) أشد الملائكة عملا فقلت: أ كل من مات أو هو ميت فيما بعد هذا تقبض روحه؟ فقال: نعم. قلت: و تراهم حيث كانوا و تشهدهم بنفسك؟ فقال: نعم.فقال ملك الموت: ما الدنيا كلها عندي فيما سخره الله لي و مكنني عليها إلا كالدرهم في كف الرجل يقلبه كيف يشاء، و ما من دار إلا و أنا أتصفحه كل يوم خمس مرات، و أقول إذا بكى أهل الميت على ميتهم: لا تبكوا عليه فإن لي فيكم عودة و عودة حتى لا يبقى منكم أحد.
وقال الطباطبائي أيضا:
ثم قال: مررنا بملائكة من ملائكة الله عز و جل خلقهم الله كيف شاء و وضع وجوههم كيف شاء، ليس شيء من أطباق أجسادهم إلا و هو يسبح الله و يحمده من كل ناحية بأصوات مختلفة أصواتهم مرتفعة بالتحميد و البكاء من خشية الله ثم رأيت ملَكا جالسا على سرير تحت يديه سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك فقلت: يا جبرئيل من هذا الذي في السماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار الله؟ إن بين الله و بين خلقه سبعين ألف حجاب و أقرب الخلق إلى الله أنا و إسرافيل و بيننا و بينه أربعة حجب حجاب من نور و حجاب من الظلمة و حجاب من الغمامة و حجاب من الماء.
وقال الطباطبائي أيضا:
قال: و رأيت من العجائب التي خلق الله و سخر على ما أراده ديكا رجلاه في تخوم الأرضين السابعة و رأسه عند العرش و هو ملك من ملائكة الله تعالى خلقه الله كما أراد رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ثم أقبل مصعدا حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة و انتهى فيها مصعدا حتى انتهى قرنه إلى قرب العرش و هو يقول: سبحان ربي حيثما كنت لا تدري أين ربك من عظم شأنه، و له جناحان في منكبه إذا نشرهما جاوزا المشرق و المغرب فإذا كان في السحر نشر جناحيه و خفق بهما و صرخ بالتسبيح يقول: سبحان الله الملك القدوس، سبحان الله الكبير المتعال لا إله إلا الله الحي القيوم و إذا قال ذلك سبحت ديوك الأرض كلها و خفقت بأجنحتها و أخذت بالصراخ فإذا سكت ذلك الديك في السماء سكت ديوك الأرض كلها، و لذلك الديك زغب أخضر و ريش أبيض كأشد بياض ما رأيته قط، و له زغب أخضر أيضا تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة ما رأيتها قط. قال:
وقال الطباطبائي أيضا:
ثم مضيت مع جبرئيل فدخلت البيت المعمور فصليت فيه ركعتين و معي أناس من أصحابي عليهم ثياب جدد و آخرين عليهم ثياب خلقان فدخل أصحاب الجدد و جلس أصحاب الخلقان. ثم خرجت فانقاد لي نهران نهر يسمى الكوثر و نهر يسمى الرحمة فشربت من الكوثر و اغتسلت من الرحمة ثم انقادا لي جميعا حتى دخلت الجنة و إذا على حافتيها بيوتي و بيوت أهلي و إذا ترابها كالمسك، و إذا جارية تنغمس في أنهار الجنة فقلت: لمن أنت يا جارية؟ فقالت: لزيد بن حارثة فبشرته بها حين أصبحت، و إذا بطيرها كالبخت، و إذا رمانها مثل الدلي العظام، و إذا شجرة لو أرسل طائر في أصلها ما دارها سبعمائة سنة، و ليس في الجنة منزل إلا و فيه غصن منها فقلت: ما هذه يا جبرئيل؟ فقال: هذه شجرة طوبى قال الله “طوبى لهم و حسن مآب” قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فلما دخلت الجنة رجعت إلى نفسي فسألت جبرئيل عن تلك البحار و هولها و أعاجيبها فقال: هي سرادقات الحجب التي احتجب الله تبارك و تعالى بها و لو لا تلك الحجب لهتك نور العرش كل شيء فيه.
وقال الطباطبائي أيضا:
و انتهيت إلى سدرة المنتهى فإذا الورقة منها تظل أمة من الأمم فكنت منها كما قال الله تعالى “قاب قوسين أو أدنى” فناداني “آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه” فقلت أنا مجيبا عني و عن أمتي: “و المؤمنون كل آمن بالله و كتبه و رسله – لا نفرق بين أحد من رسله – و قالوا سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير” فقال الله “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت” فقلت: “ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا” فقال الله لا أؤاخذك، فقلت “ربنا و لا تحمل علينا إصرا – كما حملته على الذين من قبلنا” فقال الله: لا أحملك فقلت: “ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به – و اعف عنا و اغفر لنا و ارحمنا – أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين” فقال الله تبارك و تعالى: قد أعطيتك ذلك لك و لأمتك، فقال الصادق (عليه السلام) ما وفد إلى الله تعالى أحد أكرم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين سأل لأمته هذه الخصال. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا رب أعطيت أنبياءك فضائل فأعطني فقال الله: قد أعطيتك فيما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي: لا حول و لا قوة إلا بالله، و لا منجا منك إلا إليك.
وقال الطباطبائي أيضا:
قال: و علمتني الملائكة قولا أقوله إذا أصبحت و أمسيت:
وقال الطباطبائي أيضا:
ثم سمعت الأذان فإذا ملك يؤذن لم ير في السماء قبل تلك الليلة فقال: الله أكبر الله أكبر فقال الله: صدق عبدي أنا أكبر من كل شيء فقال: “أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله” فقال الله: صدق عبدي أنا الله لا إله إلا أنا و لا إله غيري فقال: “أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله” فقال الله: صدق عبدي أن محمدا عبدي و رسولي أنا بعثته و انتجبته فقال: “حي على الصلاة حي على الصلاة” فقال: صدق عبدي دعا إلى فريضتي فمن مشى إليها راغبا فيها محتسبا كانت له كفارة لما مضى من ذنوبه فقال: “حي على الفلاح حي على الفلاح” فقال الله: هي الصلاح و النجاح و الفلاح. ثم أممت الملائكة في السماء كما أممت الأنبياء في بيت المقدس.
وقال الطباطبائي أيضا:
قال: ثم غشيتني ضبابة فخررت ساجدا فناداني ربي أني قد فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة و فرضتها عليك و على أمتك فقم بها أنت في أمتك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فانحدرت حتى مررت على إبراهيم فلم يسألني عن شيء حتى انتهيت إلى موسى فقال: ما صنعت يا محمد؟ فقلت قال ربي: فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة و فرضتها عليك و على أمتك. فقال موسى: يا محمد إن أمتك آخر الأمم و أضعفها و إن ربك لا يزيده شيء و إن أمتك لا تستطيع أن تقوم بها فارجع إلى ربك
وقال الطباطبائي أيضا:
أقول: و قد ورد ما يقرب مما قصته هذه الرواية في روايات كثيرة جدا من طرق الشيعة و أهل السنة، و قوله في الرواية “رجلا آدما” يقال: رجل آدم أي أسمر اللون، و الطامة هي الأمر الشديد الذي يغلب ما سواه، و لذلك سميت القيامة بالطامة، و الأكتاف جمع كتف و المراد الأطراف و النواحي، و قوله: “فوقع في نفس رسول الله أنه هو” أي أنه الملك الذي يدبر أمر العالم و ينتهي إليه كل أمر.
وقال الطباطبائي أيضا:
و في الكافي، بإسناده عن علي بن أبي حمزة قال: سأل أبو بصير أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا حاضر فقال: جعلت فداك كم عرج برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: مرتين فأوقفه جبرئيل موقفا فقال له: مكانك يا محمد فلقد وقفت موقفا ما وقفه ملك قط و لا نبي إن ربك يصلي فقال: يا جبرئيل و كيف يصلي؟ فقال: يقول: سبوح قدوس أنا رب الملائكة و الروح سبقت رحمتي غضبي فقال: اللهم عفوك عفوك. قال: و كان كما قال الله: قاب قوسين أو أدنى فقال له أبو بصير: جعلت فداك و ما قاب قوسين أو أدنى؟ قال: ما بين سيتها إلى رأسها فقال. بينهما حجاب يتلألأ و لا أعلمه إلا و قد قال: من زبرجد فنظر في مثل سم الإبرة إلى ما شاء الله من نور العظمة، الحديث.
وقال الطباطبائي أيضا:
أقول: و آيات صدر سورة النجم تؤيد ما في الرواية من وقوع المعراج مرتين ثم الاعتبار يساعد على ما في الرواية من صلاته تعالى فإن الأصل في معنى الصلاة الميل و الانعطاف، و هو من الله سبحانه الرحمة و من العبد الدعاء كما قيل، و اشتمال ما أخبر به جبرئيل من صلاته تعالى على قوله: “سبقت رحمتي غضبي” يؤيده ما ذكرناه و لذلك أيضا أوقفه جبرئيل في الموقف الذي أوقفه و ذكر له أنه موطأ ما وطئه أحد قبله و ذلك أن لازم ما وصفه بهذا الوصف أن يكون الموقف هو الحد الفاصل بين الخلق و الخالق و آخر ما ينتهي إليه الإنسان من الكمال فهو الحد الذي يظهر فيه الرحمة الإلهية و تفاض على ما دونه و لهذا أوقف (صلى الله عليه وآله وسلم) لمشاهدته.
وقال الطباطبائي أيضا:
و في المجمع، و هو ملخص من الروايات أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أتاني جبرائيل و أنا بمكة فقال: قم يا محمد فقمت معه و خرجت إلى الباب فإذا جبرائيل و معه ميكائيل و إسرافيل فأتى جبرائيل بالبراق و كان فوق الحمار و دون البغل خده كخد الإنسان و ذنبه كذنب البقر و عرفه كعرف الفرس و قوائمه كقوائم الإبل عليه رحل من الجنة و له جناحان من فخذيه خطوه منتهى طرفه فقال: اركب فركبت و مضيت حتى انتهيت إلى بيت المقدس ثم ساق الحديث إلى أن قال: فلما انتهيت إلى بيت المقدس إذا ملائكة نزلت من السماء بالبشارة و الكرامة من عند رب العزة و صليت في بيت المقدس،
وقال الطباطبائي أيضا:
و في بعضها بشر لي إبراهيم في رهط من الأنبياء ثم وصف موسى و عيسى ثم أخذ جبرائيل بيدي إلى الصخرة فأقعدني عليها فإذا معراج إلى السماء لم أر مثلها حسنا و جمالا. فصعدت إلى السماء الدنيا و رأيت عجائبها و ملكوتها و ملائكتها يسلمون علي…
وقال الطباطبائي أيضا:
ثم صعد بي جبرائيل إلى السماء الثانية فرأيت فيها عيسى بن مريم و يحيى بن زكريا ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فرأيت فيها يوسف. ثم صعد بي إلى السماء الرابعة فرأيت فيها إدريس. ثم صعد بي إلى السماء الخامسة فرأيت فيها هارون ثم صعد بي إلى السماء السادسة فإذا فيها خلق كثير يموج بعضهم في بعض و فيها الكروبيون ثم صعد بي إلى السماء السابعة فأبصرت فيها خلقا و ملائكة.
و في حديث أبي هريرة رأيت في السماء السادسة موسى، و رأيت في السماء السابعة إبراهيم. قال: ثم جاوزناها متصاعدين إلى أعلى عليين و وصف ذلك إلى أن قال ثم كلمني ربي و كلمته و رأيت الجنة و النار، و رأيت العرش و سدرة المنتهى ثم رجعت إلى مكة فلما أصبحت حدثت به الناس فكذبني أبو جهل و المشركون و قال مطعم بن عدي: أتزعم أنك سرت مسيرة شهرين في ساعة؟ أشهد أنك كاذب. قالوا: ثم قالت … انتهى النقل
الإشكالات العلمية على قصص المعراج
- الضحك والبكاء من خواص الإنسان : ليس الطباطبائي جاهلا بأن الضحك والبكاء هما من خواص البشر وغير مشترك بينهم وبين الملائكة ولا الجن. ذلك لأنهما يتبعان انبساط القلب وانقباضه تحت تأثير القضايا الإنسانية في الواقع. فنحن كبشر نتعرض للكثير من الحوادث التي لا نتوقعها ولا ننتظرها فتضطرب قلوبنا وتظهر العلامات على وجوهنا. أما الملائكة فليست لهم قلوب ولا وجوه ولا يتعرضون للحوادث مثلنا. إنهم موظفون لدى مالك الكون ويملكون القدرة الكاملة على تنفيذ الأعمال المناطة بهم. ليس لأي ملك أي ارتباط بأي إنسان حتى يفرح بنا أو يحزن علينا، ولا يمكن أن يكون لهم قرابة أو نسب مع أي موجود في الكون. لا يمكن للذي يريد أن ينفذ إرادة السماء والتي تقضي أحيانا بالتدمير والقتل والسحق ودك الحصون وتقضي أحيانا بتنصيب المجرمين على السلطة والكثير مما يستوجب الضحك أو البكاء أو الغضب أو أية حالة نفسية أخرى، لو كان المنفِّذُ من أهل هذه الحالات.
- ليس للملائكة أجسام مادية بل هم مجردون عن الأبعادالثلاثة: يقول تعالى في سورة الأنبياء: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ﴿20﴾. فالذي لا يفتر عن التسبيح لا يمكن أن يكون مقيدا بمستلزمات البشر المادّي مثل النوم والتعب والضحك والبكاء وغير ذلك. ولو كانت للملائكة أبعاد لما تسنى لهم الدخول في قلوبنا وأنفسنا دون أن نشعر بشيء من ذلك وهم موجودون معنا ويتحركون صاعدين أو نازلين ولكننا لا نراهم ولا نشعر بهم بأبداننا. إنهم بالتأكيد أخف من الهواء لأننا نشعر بالهواء وأخف من الضوء لسرعة تحركهم كما هو مذكور في القرآن الكريم. وعجيب أن ينقل لنا عالم مثل الطباطبائي مسألة تجسيد وتجسيم الملائكة ولا يرد عليه بشدة!!
- الديك الأسطوري الضخم: إن الله تعالى لا يرضى أن نسمي الملائكة إناثا لأن ذلك يعني أننا اعتبرناهم من ذوي الأجسام الحيوانية المتسمة بالجنس. بالطبع فإنه لا يرضى أن نسميهم ذكورا أيضا. إنهم عباد الرحمن الذين لا يحتاجون إلى ما نحتاج إليه فيمكنهم تنفيذ أمر الله تعالى فينا سواء لمساعدتنا أو لمنعنا وإيقافنا عند حد. لكن المفسر الطباطبائي ذكر قصة مَلَك وسماه ديكا والديك أقل درجة من الإنسان فكيف يتوقع ألا يُغضب الله تعالى في ذلك؟ ثم كيف تسنى لهذا الديك الضخم أن يقف على رجليه التي في تخوم الأرض ورأسه الذي في سمائهم السابعة وفي الطريق مجموعات مجرية وكوكبية ضخمة في حال التحرك بسرعات كبيرة. هذا الديك الفيزيائي الذي يصيح بصوت تسمعه مجموعات الديك الأرضية، فله مقومات الصوت البدنية. وقد عجزت أن أصنفه في ذوات الأبدان! وأنا لا ألوم المفترين الذين اختلقوا هذه الكذبة لجهلهم بكروية الأرض، ولكني ألوم العلامة الطباطبائي الذي يعرف بأن مجموع الديك منتشرة في أرضنا الكروية وتؤذن جميعا في نهاية السحر وكل دقيقة تمر منطقة من مناطق الأرض بوقت السحر. فكيف يوفق بينهم وبين هذا الزعم؟
- صلاة الله تعالى والعياذ به سبحانه: أليس عيبا يا شيخنا الطباطبائي أن تدافع عن هذا الشرك الواضح بين واجب الوجود وعبيده؟ الصلاة تعني الخضوع فالمصلي يطيع خاضعا ويحب خاضعا ويشكر خاضعا. وأما قول الطباطبائي بأن أصل الصلاة هو الميل والانعطاف فلا أعرف مصدره ولا ضير أن أبني عليه. لازم ذلك أن يصلي الله تعالى رحمة على عبيده بمعنى تزكيته إياهم. لكن الرواية تتحدث عن قيام الله تعالى بالصلاة العملي لنفسه. والصلاة لله حسب تفسير الطباطبائي هذا تعني الخضوع لله فكيف خضع الله تعالى لله؟!! ثم إننا نصلي لنقيم الصلاة خضوعا لربنا وتحقيرا لنفوسنا أمام كبريائه وإلا فإن الصلاة الحقيقية هي أن نخضع لربنا بقلوبنا. وما الصلاة التقليدية إلا تدريبا لنفوسنا وقلوبنا بالبقاء على الخضوع الدائم لله تعالى. لكن الله تعالى لا يحتاج إلى أن يدرب نفسه. إنه سبحانه يصلي دائما على عبيده ليرحمهم، ولا معنى لأن يخصص وقتا للصلاة ويتفوه في ذلك الوقت بكلمات وجمل عربية!! ليست هذه إلا أسطورة كاذبة نستعيذ بالله تعالى منها ومن أن نكررها. والله أُشهد أنني أستنكر هذا الشطط المنكر ولكني نقلته لرفضه ودحضه.
- فزع الملائكة والروح من مالك خازن النار: مالك هو ملك مثل بقية الملائكة وهو اسم خازن النار التي لم تقم بعد لعدم وجود مكان لها في النشأة الأولى. والملائكة موجودات لا تملك الإرادة ولا يمكن أن تعصي الله تعالى فتفزع من ملائكة النار. إن المحدث يناقض نفسه حينما يقول بأن مالكا سلم على النبي وبشره بالجنة في حين أن جبريل يفزع منه والنبي بنفسه قد خاف منه!! والطباطبائي الذي يؤيد هذه الخرافة فإنه يقرأ الآية التالية التي تتحدث عن الفزع الأكبر ولكن الملائكة لا تخاف منه بل تطمئن المؤمنين فيه أيضا. قال تعالى في سورة الأنبياء: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴿103﴾.
- لا جبر في عقيدتنا: من العجب العجاب أن يؤمن عالم ديني بأن الرسول لو رد على صوت لتهودت أمته. إنه يعتبر الأمة عبيدا في حضرة الرسول ولا خيار لهم، فهم يتهودون بغلطة من رسولهم ويتنصرون بغلطة أخرى ويُسلمون بعمل آخر منه! ولعل هذه العقيدة الخرافية هي التي أدت إلى اعتقاد المسلمين وبقية المؤمنين الذين يعتقدون نفس الشيء في أنبيائهم، بإمكانية الالتفاف على حكم الله تعالى بالخداع وبالشفاعة وبطاعة غير الله وحب غير الله وما شابه ذلك. والله تعالى يقول غير ذلك في سورة الكهف: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا ﴿29﴾إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴿30﴾. إن الإيمان والكفر تابعان لمشيئتنا الشخصية وليس لغلطة رسول الله. كلامهم هذا يشابه تماما ما ألقاه الشيطان إلى المسيحيين ليقولوا بأن غلطة أبيهم آدم في أكل الثمرة الممنوعة جعلتهم يعصون ربهم، ومعنى ذلك ألا يد لهم في عصيانهم لحكم ربهم. ولعل الشيطان هو نفسه الذي ألقى هذه الفرية بين المسلمين أيضا. لعنه الله تعالى وهدى قومنا. آمين.
- مسألة سلام الرسول على الملائكة: لعل العلامة رحمه الله تعالى نسي معنى السلام والذي يعني الأمان والطمأنينة. فهل الرسول كبشر قادر على أن يسيئ إلى الملائكة حتى يُخبرهم بأنهم في سلامة منه؟! وهل للملائكة أن يعيشوا في الأمان والسلام أم في الخوف الدائم من الله تعالى حتى يقوموا بواجباتهم خير قيام. قال تعالى في سورة الرعد: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴿13﴾. وبما أن الملائكة لا يفترون عن التسبيح فهم في خوف دائم. وقول الطباطبائي السخيف هذه والمنقول من زملائنا المفسرين مشابه لسخافة سلامنا على الملائكة. من العجب ومن المخجل أن يقول العلماء: جبريل عليه السلام. ليس لهذا الكلام معنى إلا أنه سخيف فعلا.
- تبشير مالك لنبينا بالجنة: ليس في القرآن الكريم آية واحدة تبشر نبينا بالجنة، بل قال تعالى في سورة السجدة: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿17﴾. والسبب في ذلك أنه مكلف كما هو عليه بقية الناس، والمكلف يجب أن يكون معرضا للصلاح والفساد وإلا فهو غير مختار، ولا قيمة لأي عمل يصدر ممن ليس مختارا في عمله ذلك. والجنة مكتوبة للذين يمتنعون عن السيئات والشرك ويعملون الصالحات باختيارهم دون أي جبر. ولذلك فإن الملائكة لن يدخلوا الجنة متنعمين لأنهم لم يكونوا مختارين في نشأتهم الأولى. ولا أعرف ما هو دور مالك في تعيين أصحاب النار أو أصحاب الجنة؟ إنه مَلَك يقوم بعمل معلوم وموضح في القرآن وليس بيده مفاتيح الغفران ولا صكوكه. وهل يُعقل أن يُبشَّر أحدٌ فعلا بالجنة ثم يدخل فيها ويرضى بعد ذلك بالعودة إلى الدنيا؟ اللهم إلا أن يكون فاقدا للعقل وهو ليس نبينا عليه وآله الصلاة والسلام. ناهيك عن أن ذلك عيب على الله ويُعتبر قسرا لا يمكن أن يأتي به الملك الحق المبين جل جلاله. ومثل هذا التبشير ما زعموه بأن النبي رأى جارية مخصصة لزيد بن حارثة وهي تسبح في أنهار السماوات!! هراء ما بعدها هراء.
- ملك الموت الواحد غير معروف قرآنيا: هناك في القرآن ملَك سماه ربنا سبحانه “ملك الموت ” وعبر عنه هكذا في سورة السجدة: قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴿11﴾. هذا الملك موجود مع كل شخص ويقوم بعمله حين الموت وليس هناك ملك واحد اسمه عزرائيل كما يدَّعون وهو يقوم باستلام نفوس جميع الموتى في كل الكرة. وقد وضح تعالى في أماكن كثيرة من الكتاب الكريم أن الملائكة وليس ملكا واحدا، هم الذين يتوفون الناس بعد موتهم. ومعنى ذلك أن ملك الموت لا يقتل الناس بل يقوم بعملية الوفاة حين الموت، فهو ينجي الإنسان بنفسه لينقله إلى الحياة البرزخية. قال تعالى في سورة الأنعام: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ﴿61﴾. فالحفظة هم نفسهم يمثلون ملائكة الموت أيضا. وقال في سورة لأعراف: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ﴿37﴾ وقال مثل ذلك في سورة الأنفال: 50 وفي سورة النساء: 97. وأما عزرائيل المزعوم فهو مشابه لما هو موجود في التوراة والإنجيل المحرَّفتين، فلعله من منقولات اليهود إلينا أيام الأمويين. هذا الملك لو صح وجوده فهو إله وليس ملَكا محدود القدرات. إنه كما يزعمون يرى الناس جميعا أينما كانوا ويشاهدهم بنفسه. هذا عمل إلهي بحت. إن جبريل غير قادر على القيام بمسؤولياته ليلة القدر ولذلك يأتي مع الملائكة ليقوم كل منهم بعمل في تلك الليلة التي تتكرر مرة كل ألف سنة. والروح نفسه مع الملائكة المساعدين يمضون دورة ليلية كاملة وهي 24 ساعة ليكملوا عملهم فيطلع الفجر وقد عمَّ القانون الجديد للألفية المقبلة كلَّ الكرة الأرضية. لكن عزرائيلهم يقوم بعمله هو بنفسه في كل الأرض، ونعلم أن هناك من يموت أو يموتون في غرب الأرض وفي نفس اللحظة يموت شخص أو أشخاص في شرق الأرض أو في مركزها فكيف يتأتى لغير الله تعالى أن يمارس ذلك بمفرده؟
- يتوهم العلامة الطباطبائي ومعه بقية المفسرين بأن هناك ملَكا آخر اسمه إسرافيل، كما يظنون بأن ميكال هو ملك مشابه لجبريل. إنهم جميعا يخدمون محمد بن عبد الله ليلة المعراج ويجهزون له براقه الذي ظنوا بأنه حيوان أكبر من الحمار وأصغر من البغل. والواقع أن إسرافيل مقولة إسرائيلية أخرى مثل عزرائيل وهو الذي ينفخ في صور إيذانا بيوم القيامة. هذا الكلام محض خطأ وليس الصور هو منفاخ من قرن الحيوان كما ظنوا وليس لإسرافيل أي ذكر في القرآن الكريم. أما ميكال فهو ملك يأتي دائما مع جبريل ليبادله الطاقة الإيجابية الموجودة معه فيتحقق العمل المطلوب. إن الملائكة موجودات طاقوية ولا يمكن لها أن تنفرد بالعمل فيقوم جبريل مع ميكال وهاروت مع ماروت بتنفيذ أعمالهم. إن بعضهم يمثل الطاقة السلبية والآخر يمثل الطاقة الإيجابية. وجبريل هو الروح القدس الذي يؤيد الله تعالى به الرسل. فهو ليس خادما لمحمد ولا لأي نبي آخر كما يتراءى لهؤلاء البسطاء. ليس محمد ولا الأنبياء مقدسين ولكن الروح قدسي منسوب إلى القدوس جل جلاله وهو أهم بكثير من الأنبياء ودوره في الحياة رئيسي ومهم جدا. إنه كان قبل الأنبياء ولا زال يقوم بعمله حتى انتهاء الكون. والحيوان الذي ذكروه وأسموه البراق فهو أعجز من أن ينقل إنسانا من مكة إلى القدس فضلا عن نقله إلى السماوات العلا.
- قاب قوسين أو أدنى: لو فكر المرحوم العلامة الطباطبائي الذي درس الفلسفة وكان معلما لها في قم، لو فكر في الحديث الذي ذكره عن قاب قوسين وإيهام المحدث بأنه وصل قاب قوسين من الله تعالى؛ إن المحدث يجسد الله تعالى ويعتبره مستقرا في مكان من الكون ومحمد قد وصل إليه فهو شبهُ إله بعد ذلك. إنه نِدٌّ صغير لرب العالمين والعياذ بالله. وإني أدعو المخلصين أن يقارنوا بين تفسيري للآية وتفسيره ثم يحكموا. لا أعرف كيف نتخلص من العقلية التي تتقبل أن الله تعالى يستقبل عبدا من عبيده أو يبعث له السلام مع الروح القدس. ذلك يعني أن مَلِكا أرسل رسولا إلى مَلِكٍ آخر، أو أن عاهلا كبيرا استقبل ملكا صغيرا يحتمي به!! إن عقلي عاجز عن تصنيف هؤلاء الفلاسفة الذين يظنون بأن هناك إنسان يصل إلى مصاف الربوبية وبأن الله تعالى أضعف من أن يرد هذا العبد الصالح، والعياذ بالله. لو لا أنهم يقرؤوا هذه الآية الكريمة من سورة المائدة: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿17﴾. ومحمد نفسه واحد ممن في الأرض. فاعتبروا يا أولي الأبصار واتقوا الله العظيم ولا تجعلوا بينه وبين عبيده نسبة أو نسبا والعياذ بالله. إن كل الخلق داخرون أذلاء أمام عظمته وكلهم يخافون عذابه ويرجون رحمته، جل جلاله. هناك البلايين بل بلايين البلايين من أمثال محمد وإبراهيم ونوح وموسى وعيسى في مختلف مجرات الكون المهيب وكلهم عبد أذلاء أمام القدوس العظيم جل جلاله.
- المساومة حول عدد ركعات الصلاة: ولا اعتراض على من يظن بأن الله تعالى ينسخ كل مرة أحكامه ويغير تشريعاته وكأنه رئيس برلمان وليس الذي يُقدِّر أرزاق الخلائق ويضع خطة ألفية لإدارة كل شيء في حياة المكلفين في الأرض. يبدو أنهم يظنون بأن أحكام الله تعالى تخضع للمساومات. تماما كما أنهم يؤمنون بوجوب دفع الخمس من أرباحهم للفقراء والمساكين حسب التقسيم الذي عندهم. ثم يأتي التاجر الكبير ويساوم المرجع أو وكيله على ما يؤمن بأن الله فرضه عليه للمحتاجين. إنه يدفع مبلغا زهيدا مما عليه ويتقبل المرجع أو وكيله منه ذلك نيابة عن المحتاجين ليفعل بها ما يشاء. بالطبع أن ذلك لا يمكن أن يبرئ ذمة أحد لأن الله تعالى قال مرارا بألا تزر وازرة وزر أخرى. قاله سبحانه بالتأكيد التالي في سورة النجم: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى ﴿36﴾ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴿37﴾ أَلاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴿38﴾ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَى ﴿39﴾ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴿40﴾ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأوْفَى﴿41﴾ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ﴿42﴾. التشريعات القرآنية بالطبع حقيقية وضعها الله تعالى على ميزان دقيق لاحظ فيه كل المتغيرات ولا يمكن تغييرها أبدا لأنها ترتبط بطبيعة البشر وطبيعة علاقاتهم مع بعض وعلاقتهم مع الله تعالى. والصلاة وركعات الصلاة هي مسائل خاصة بالأنبياء وقد علمهم ربهم كيفية وضعها على ما يبدو ولا مساومة لأحد فيها. ليس هناك مساومات ولا وساطات وليست هناك إمكانية أي تدخل في هذه الأحكام. وما يقولونه مجرد ظن لا يغني من الحق شيئا.
- دور الأنبياء الواقفين في السماوات: هذه الأنبياء قد صلوا قبل قليل خلف محمد ثم لما صعد محمد السماء وجدهم واقفين في السماوات بمعنى أنهم قد سبقوه إلى مواقعهم في السماوات. يا ترى هل هناك أعداد أخرى من البراق في اختيار بقية الأنبياء؟ فما معنى قول جبريل للبراق بعد أن لطم الحيوان المسكين: اسكني يا براق فما ركبك نبي قبله و لا يركبك بعده مثله. فإما أن يكون لدى الأنبياء الأخر وسيلة نقل أسرع من البراق فذلك تنزيل لشأن الرسول الخاتم، وإما أن نكذب صلاة الأنبياء خلف ابنهم الصغير محمد. ولا أعرف ما هو دورهم في السماوات؟ أليس الأنبياء ميتين يمضون فترة الراحة في البرزخ أم أنهم عمال ناشطون يعملون في السماوات؟ ثم هل السماوات المزعومة هي أراض قابلة للوقوف عليها فكيف خرق الرسول السماء الأولى؟ وإذا كانت السماوات العددية المزعومة مثل الغمام فكيف وقف عليها الأنبياء وهم بشر لا يمكنهم الوقوف على الغمام؟!!
- إمام الملائكة في السماء: كيف أمَّ النبي محمد الملائكة في السماء؟ ولماذا لم يُصَلِّ الأنبياء أيضا مع الملائكة وهم كانوا معهم في السماوات ؟ لعل المحدثين نسوا إضافة الأنبياء إلى الملائكة. ليس في القرآن أية آية تدل على أن الملائكة يُصَلُّون. إنهم يسبحون الله تعالى ولا يصلون. إنهم لا يستكبرون عن عبادة الله تعالى لو قدر الله تعالى لهم الحرية وأخرجهم من الخوف. لكنهم في حالتهم الحقيقية لا يعبدون الله تعالى. إن العبادة والصلاة أعمال اختيارية تستوجب المكافأة وليس للملائكة مكافأة. وقد صلى محمد صلاتين في بيت لحم والقدس. ولم تبق صلاة واجبة عليه ليصليها جماعة، إلا أن نقول أنه صلى التهجد جماعة ، والعلامة الطباطبائي شيعي لا يُجيز الجماعة في الصلوات المستحبة ولا في صلاة التهجد ولو افترضنا وجوبها على الرسول نفسه.
- تعليقات العلامة: قال الطباطبائي: {و لذلك أيضا أوقفه جبرئيل في الموقف الذي أوقفه و ذكر له أنه موطأ ما وطئه أحد قبله و ذلك أن لازم ما وصفه بهذا الوصف أن يكون الموقف هو الحد الفاصل بين الخلق و الخالق و آخر ما ينتهي إليه الإنسان من الكمال}. انتهى النقل.
هذا الكلام يدل على اعتقاد العلامة بأن الله تعالى له مكان قابل لوضع الأقدام بجواره وأن مراتب الكمال تنتهي إلى ذلك المكان الفيزيائي. وهكذا خلط العلامة الطباطبائي بين مراتب الكمال المعنوية مع مراتب المادة الفيزيائية. ولم يفلح العلاّمة في تعليقه هذا على درء التجسيم من الساحة القدسية جل جلاله. ثم إن العلاّمة أظهر عقيدته بأن الله تعالى يفوق خلقَه درجات فلازم ذلك أن يقول في صلاته: الله الأكبر. إن جملة: الله اكبر، بدون ال التعريف تعني عدم وجود حدود بين الله تعالى وخلقه وأن الموجودات كلما ارتقوا في معارفهم فإنهم لن يصلوا إلى كنه الألوهية ليتمكنوا من التعرف على درجات وحدود الاختلاف مع الله. معاذ الله تعالى من هذا الشرك الواضح في القدوس العظيم جل جلاله. قوله هذا مشابه لقول علماء اللغة بأن سدرة المنتهى هي ما ينتهي إليها العلم! وكأن العلم عبارة عن نهر ماء يجري حتى يصل إلى سدرة المنتهى فيقف!!
- كيف يجلس الملائكة؟ ادعى المحدثون الذين أرضوا العلامة الطباطبائي بأقوالهم السخيفة، فلم يرُدَّ عليهم بأن هناك ملائكة يبكون ولهم أجساد وذكر مَلَكا جالسا وتحته سبعون ألف ملك وتحت كل ملك سبعون ألف ومجموع ذلك هو 4900 مليون ملك. وأنا لا أدري كيف عدَّهم الرسول ولو يعد الإنسان عشرة ملائكة في كل ثانية فإنه يحتاج إلى خمسة عشر سنة ليكمل العدّ. على أن هذا العدد الضخم يحتاج إلى مكان أكبر من القارة الهندية فيجب أن يختار براقا يمر به بسرعة عادية ليتمكن من عدِّهم. لعل العلامة يظن بأن الملائكة بشر مثلنا ولذلك قال بأن لهم أجساما ووجوها وهم يبكون. لو كان كذلك فإن القارة الهندية لا تكفيهم بل يحتاجون إلى مكان بسعة الكرة الأرضية وتكون سهلة منبسطة ليقفوا على قسم منها ويعيشوا ويناموا ويطبخوا الأكل في القسم الآخر! اللهم لا تمقتنا.
- سبعون ألف حجاب بين الله وخلقه: ذكر العلامة بأن هناك أربعة حجب بين جبرائيل وإسرافيل مع الله تعالى. وذكر بأنها حجب من نور وظلمة وغمامة وماء. وذكر قبله بأن هناك سبعين ألف حجاب بين الله تعالى وبين خلقه، لكنه لم يذكر أنواع تلك الحجب كما فصل الحجب الأربعة المذكورة. والله تعالى يقول بالنسبة للإنسان: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد. لكنه سبحانه قال بعدم إمكانية التكلم مع الله تعالى إلا وحيا أو من وراء حجاب. سورة الشورى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴿51﴾. لكن المحدثين مضطرون لذكر آلاف الحجب حتى يقنعوا الناس المغرر بهم بأدوارهم وأدوار المعممين وأدوار الأولياء والأئمة وأدوار الأنبياء في التوسط بين الله وعبيده. والله تعالى يرفض ذلك في القرآن . وأما الحجاب المذكور في هذه الآية هي حجاب البدن المادي الذي يكتنف نفوسنا. إن نفوسنا قادرة على الارتباط مباشرة بالله تعالى وليس بيننا وبين ربنا أي حجاب. لكن البدن غيرُ مجرَّد فعلى المرء أن يهمس مع ربه بقلبه فيراه سبحانه دون أي حجاب. ويمكن للإخوة والأخوات تجربة ذلك والتحدث مع الله تعالى بقلوبهم همسا وهو مسموح ومأذون به حتى في الصلاة.
إشكالان معقولان عليّ في المناظرة:
اعترض أحد الإخوة على أن مسألة نقل الرسول من مكة إلى القدس خلال وقت قصير ليس سهلا في ذلك اليوم. وكأن الأخ كان يريد أن يقارن بين المعراج إلى السماوات العلا والإسراء. فلو كان المعراج ممتنعا فإن الإسراء ممتنع أيضا.
والجواب عليه: إننا لم نقل بأن الله تعالى غير قادر على نقل أحد إلى السماوات العلا، ولكن الله تعالى لم يقل ذلك في القرآن، وهو من الأهمية بحيث لا يمكن قبوله دون أن يُشار إليه في الكتاب الموحى الذي ظل مستمرا فترة طويلة بعد المعراج المزعوم. و قلنا أيضا بأن المادة التي صنعت منها أبداننا محدودة وغير قابلة لهذه السرعة غير العادية. و قلنا بأننا لو نتحول إلى طاقة ضوئية تسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية فنحن نحتاج إلى بلايين السنين للمرور على السماوات العلا. فليس صعبا على الله تعالى الذي علَّم الإنسان صناعة الطائرات اليوم والتي تنقل البشر خلال دقائق من مكة إلى فلسطين أن يرسل جهازا خاصا لرسوله ليطوي تلك المسافة به خلال دقائق. إن جسم الإنسان يتحمل أكثر من سرعة 50000 كيلومتر في الساعة لو استقر في كبسول محكم ومزود بالأوكسجين. والفرق بين 2000 كيلومتر وبلايين الساعات الضوئية فوق التصور.
2.
استشهد المناظر على مسألة نقل عرش ملكة سبأ إلى فلسطين قبل أن يرتد طرف سليمان إليه من قِبَل مَن عنده علم من الكتاب.
وقلت له بأن العلامة الطباطبائي لا يعتقد بأن ارتداد الطرف معناه لمحة العين. لكنه أصر على أن أريه ذلك وكان ذلك غير ممكن لي في تلك اللحظات القصيرة. وإليكم ما قاله الطباطبائي في تفسير الآية بسورة النمل: {و قوله: “أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك” الطرف – على ما قيل -اللحظ و النظر و ارتداد الطرف وصول المنظور إليه إلى النفس و علم الإنسان به، فالمراد أنا آتيك به في أقل من الفاصلة الزمانية بين النظر إلى الشيء و العلم به}. انتهى قول الطباطبائي
فهناك فاصلة زمانية ولو قليلا.
وإني لا أريد في هذا المختصر أن أخوض في سورة لم يسبق لي أن فسرتها ولذلك فإني أجهل تفسيرها اليوم في الواقع. ولكننا بنظرة إجمالية نعرف بأن ما قاله المفسرون غير بليغ. فالسورة تبدأ بحرفي طس وهما يمثلان مفتاح السورة في الواقع ولم يتمكن المفسرون من ملاحظتهما لعدم علمهم بهما. وآيات الحكاية السليمانية تبدأ بالحديث عن العلم وشكر سليمان حين الانتباه إلى حركة النمل ومعرفة مقصودها وتفسيره حديث النمل في نفسه، كلها تشابه دعاء الراسخين في العلم الوارد في سورة آل عمران، الآية 8 و 9. والهدهد بالتأكيد ليس طيرا حيوانيا لأن الحيوان غير مكلف وغير عاقل ولا يمكن معاقبته. وقد ذكر الهدهدُ بأنه وجد امرأة في سبأ تملك الشعب السبإي وقد أوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم. ثم ذكر سجودهم للشيطان. وكل ما ذكره من مشاهداته تدل على مسائل غير مادية ولكن المفسرين لم ينتبهوا لها ففسروا العرش بتخت الملك. وقد ختم الهدهد قوله بحمد الله تعالى وبأنه رب العرش العظيم. وليس لله عرش فيزيائي يجلس عليه كما تراءى للبسطاء.
ولا نرى في بقية الآيات أي ذكر لأي شيء مادي حتى الآية 35 التي ذكرت الهدية وفسرها سليمان في الآية التالية بأنها مال. ثم ذكر لهم بأن ما آتاه الله تعالى خير مما آتاهم. وقد ذكر الله تعالى أنه آتاه العلم ولم يذكر أنه آتاه المال. ثم هددهم سليمان بالجنود كما في الآية 37 ويمكن أن تكون ذلك إشارة إلى العسكر الآدمي. ثم خاطب سليمان أهل مجلسه هكذا: قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿38﴾. وكلام سليمان هذا يحمل نفس نبرات خطاب الملكة لحاشيته والتي خاطبتهم أيضا بالملأ: قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴿32﴾. والملأ في الواقع يمثل النخبة من القوم وهم حاشية الملك الذين يستشيرهم. وقد ذكر ملك مصر رؤياه للملإ من حاشيته يستفتيهم كما في الآية 43 من سورة يوسف. وليس الملأ موظفو تنفيذ في واقع الأمر. وحينما نلاحظ رد العفريت عليه وادعاءه بأنه قادر على الإتيان بعرشها مع أنه من الجن وليس للجن سلطان على الإنس بنص القرآن. حتى الجن والشياطين الذين كانوا في خدمة سليمان فكانوا يقومون بتسليط أشعتهم المحرقة بإذن الله تعالى لعمل بعض النحوت غير الممكنة للبشر في ذلك اليوم. فكانوا يعملون له المحاريب والتماثيل كما صنعوا له القدور. هذه القدور يُحتمل التنفع منها في استخراج الحديد والذي يجب أن يمر على درجة عالية جدا من الحرارة، فكان ضروريا أن يستعين البشر بموجود آخر في بداية الأمر ولكنه بعد استخراج الدفعة الأولى فإنه يستعمل نفس القدور لصناعة قدور أخرى والعلم عند الله تعالى. فسليمان كان في حال استشارة مع الملأ.
وفي الآية 41 يأمر سليمان بتنكير عرش الملكة ليعرف هل تهتدي أم تفضل الضلال. و لا دور لتنكير التخت في اتضاح حقيقة النفس التي تتقبل الحقيقة أو ترفضها. وفي الآية 42 يتضح معنى التنكير وهو قولهم لها: أهكذا عرشك. وكانت جوابها: كأنه هو، وهو يعني بأنه شبيه بعرشه ولم تقل بأنه عرشه فنعرف بأن التنكير لم يكن في إجراء تغييرات مادية في التخت الملكي بالطبع. ثم تختم الآية بذكر العلم ولعله سليمان الذي يقول ذلك. وقد حصل في هذه العملية شيء آخر عبر الله تعالى عنه بالصدّ. وبعد أن دخلت الصرح الممرد أسلمت مع سليمان لله. فيتبين بأن العملية كلها مسوغة لهداية الملكة الفاضلة بالطرق الصحيحة وليس بالفرض والجبر وقد نجح سليمان في العملية وبدت حسن نفسية الملكة المحترمة. ولا يمكن أن يكون للكرسي الذي تجلس عليها الملكة أي دور في هدايتها وتسليمها أمرها إلى الله تعالى. والسورة الكريمة تحتوي في نهايتها على بيان علم الله تعالى بمكنونات القلوب وبأن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه مختلفون. فعليه من الأنسب ألا نراجع كتب اليهود لفهم معاني الآيات الكريمة من سورة النمل ونكتفي بالنظر في القرآن نفسه. وإني للحقيقة أقول بأني لا زلت أجهل التفسير الدقيق لسورة النمل ولو سئلت فسيكون جوابي: لا أعرف بالطبع. ولكني على أمل كبير أن أتعلم معناها بفضل الله تعالى قبل أن نصل إلى تفسيرها خلال السنوات القادمة. والفرق بيني وبين إخواني المفسرين هو أني أعرف بأني لا أعرف معنى السورة ولعلهم ليسوا كذلك.
وأعتذر من هذا التفصيل الذي اضطررت إليه لإثبات خطإ الأخ المناظر في الاستنجاد بآيات النمل لإثبات إمكانية عروج الرسول إلى السماوات العلا. أتمنى أن يفرق الإخوة بين تحريك المادة في المسافات التي تقاس بالكيلومترات وتحريكها في المسافات التي تُقاس بالسنوات الضوئية.
وفي الختام أذكر آيات من سورة الإسراء نفسها حيث يؤكد الله تعالى فيها عدم إمكانية صعود النبي محمد نفسه إلى السماء: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا ﴿89﴾ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا ﴿90﴾ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا ﴿91﴾ أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً ﴿92﴾ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً ﴿93﴾ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً ﴿94﴾ قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً ﴿95﴾. فيؤكد سبحانه في الآيتين الأخيرتين بأن النبي بشر محاط بكل الموانع التي تحيط ببقية الناس وبأنه ليس قادرا على التمتع بالقدرات الملائكية. ولا يمكن أن يُرسل الله تعالى الملائكة ليحلوا محل الرسل الإنسيين إلا إن كانت في الأرض ملائكة غافلون عن حقائق الأمور فيسيرون مطمئنين في الأرض كالبشر. وليس الأمر كذلك فرسلنا في الواقع إنسيون مثلنا وهم إخواننا إن كنا مؤمنين.
أحمد المُهري
5 يوليو 2007
ملاحظة : كتبت موضوع المعراج قبل تسع سنوات وقبل أن أفسر سورة النمل. لكنني فيما بعد فسرت السورة الكريمة والحمد لله تعالى وتمكنت من أن أفهم بقدر إمكاناتي العلمية البسيطة معنى كاملا لكل السورة ولا مجال لذكرها هنا طبعا.
أحمد المُهري
20/11/2016
#تطويرالفقهالاسلامي
https://www.facebook.com/pg/Islamijurisprudence