أنا والربيع العربي 3 ثورة لا ثورة جزء ثاني
أنا و الربيع العربي ..حلقة 3
ثورة لا ثورة الجزء الثاني
انهيت اضافتي ، فأجابني البيع :
– دعني أوضح وألخص ما أردت قوله لك وقبل أن يحين وقت المغرب ، وبعدها يمكن أن نتحدث عن الموضوع اليمني :
أولاً : ثورة لا ثورة :
• كل ثورة تنشء من انتفاضة وليست كل انتفاضة ثورة ، بمعنى أوضح تحدث احتجاجات قد تكون فئوية أو خاصة ، تنتهي بانتهاء السبب ولكنها وفي الغالب لا تمتد لتصبح انتفاضة ، ولكن أن كانت القضية المحددة عامة تمس الكل تتحول تلك المظاهرات والاحتجاجات إلى انتفاضة شعبية وهكذا بدأت كل حركة ومنها الاحتجاجات التي امتدت في الأرض الفرنسية ، وتحولت إلى انتفاضة شعبية كاملة ، وفي محاولة من القصر الملكي في 1789 لإخماد ذروة الانتفاضة كما اخبرتك بدأت مظاهر التعديلات في اطار النظام بأن يتحول النظام إلى ملكة دستورية كنظيره البريطاني ، وكان يمكن أن ينتهي الأمر هنا ، فلكي تتحول الانتفاضة إلى ثورة لابد وأن تبرز قيادة ورأس يتحمل هم الثورة ويحمل مبادئها ويصبح البديل أمام النظام الحاكم ، وهذا ما حدث برزت تلك القيادة فتحولت الانتفاضة الشعبية إلى ثورة أهلية ، بدأت عمليات التجميل للنظام السابق المتهاوي ولكنها فشلت فانفجر الوضع بصورة أكبر في 1792 ، واستخدمت القوة والعنف للقضاء على الثورة والتي نتج منها العنف الثوري والذي أرهب أوربا وأخافها من تلك الثورة ، والتي انتهت بإعدام الملك واسرته وكل من ينتمي إليه .
– يعني أن كل احتجاج ليس بالضرورة أن يولد ثورة وليست كل انتفاضة تنشء الثورات .
– نعم فمقياسنا هنا أدبيات الثورات ، وكمثال على الطريق فإن أوربا بأممها ليست سريعة التعلم وذلك يعود أنها كالرجل العجوز لا يغير فكره بسهولة ، وفي المقابل نجد أن أمرياك الشمالية تحديداً أمة شابة تستوعب الدرس وتولد الحلول بسرعة مذهلة فهي النموذج الآخر لاوربا ولنا حديث آخر عنها .. ولكن كمثال عندما حدثت انتفاضة 1959م ضد العنصرية وحق المواطنة في الولايات المتحدة وكادت أن تتحول لثورة ، استوعب النظام في الولايات الدرس و واجه الانتفاضة بإقرار الحقوق المدنية والمساواة لكل المواطنين فكانت ثورة على القيم العنصرية في أمريكا والعالم كله .
– نعم سيدي .. لقد ذكرت أن كل ثورة تنشأ وتزدهر مع الانتفاضة ، بمعنى أن لكل ثورة رأس وقيادة وكيان .
– هذا هو لابد أن تنشأ قيادة تحمل هم الثورة وعقيدتها لتواجه النظام بها وبذا دعني أكمل ما أدرته :
• وبالتالي فليس كل احتجاج ثورة ، ولكن قد يكون منشأ أو بذور ثورة ، وهنا يبدأ النظام الحاكم بمواجهة الثورة بالثورة المضادة ، وهي كالثورة تبدأ على شكل احتجاجات ومظاهرات أو على شكل عنف من قبل نظام الدولة والذي يمثل الشرعية التي تدير نظام الدولة فيعتمد على النظام الحامي للدولة أي المؤسسة العسكرية ، أو يعتمد على الفئة الشعبية الصامتة والتي تنتظر لتفهم ماذا يحدث ؟ فهو إما أنه يحاول اصطناع أنه يواجه تمرد عسكري من مجموعة متمردة من المارقين والخارجين على الشرعية والقانون.. و هي تنجح تماماً عندما يكون ما يحصل هو تمرد عسكري مسلح لفئة أو جماعة ذات مطالبات جهوية أو فئوية ، وتفشل عندما يكون الأمر هو مطالب حقوقية ومظالم عامة ، وبالتالي ينتقل النظام في استخدام الفئة الصامتة عن طريق الاستمالة للشرعية والاستقرار ، ضد الفوضى والتدمير ، وبالتالي يأتي صف يأخذ في الاعتبار منهجية أن النظام يقبل التغيير وسيحدث بالتدريج وهو أفضل من البداية الأولى وانكار الانجاز الذي نحن فيه ، ويأتي فوجاً من التساؤلات: لماذا لا نكمل ما بدأ ؟ وتم ما أنجز ؟ لماذا نبدأ من الصفر ..؟ وتأتي هنا الأوراق التي يلعب بها النظام الشرعية في مواجهة الثورة ، وفي نفس الوقت عندما تكون فكر الثورة غير أصيل أي مقلد ومنسوخ أوليس له قالب كامل و واضح . بمعنى :
• كل ثورة هي نتاج احتجاجات ، برزت لها قيادة وفكر تواجه النظام الحاكم وترغب في تغييره .. وهي تتوقع أن يستجيب النظام لها ولكنها لا ترغب على الإطلاق في تدمير الدولة بل في انهاء النظام الحاكم وتغييره …
• تهدأ تلك الاحتجاجات كلياً أو نسبياً على قاعدة تجاوب النظام المبنية على نظرية الاستجابة أكبر أو أقل من التوقعات ، فإن تساوت الاستجابة مع حجم التوقعات أو علت ليها فمعنى ذلك أن الثورة تنتهي سليماً وبشكل ذكي وفعال وهذا ما نعرفه باسم الثورة البيضاء .
• في حالة كانت الاستجابة اقل من حجم التوقعات ترتفع وتيرة المطالبات مما تجعل النظام في حالة استعداء للشعب . وهنا النظام يواجه الثورة بثورة مضادة يعتمد في استخدامها على استخدام قوة الحفاظ على الدولة واستقرارها ، فيستخدم وسائل كالتهديد .. الاغراءات .. التنازلات .. لإيجاد ثغرة في قلب الثورة والتخلص من فكرها وايجاد مجموعة تتقبله منهم وترغب في انهاء ،ومنها خلق قيادات للثورة من قلب النظام ، أو شراء واختراق قيادات الثورة ودفعها للبروز كأنها تحمل فكر الثورة وتأخذ على عاتقها مسئولية المواجهة ، ويعتمد على ذكاء النظام وضعف فكر معارضيه، ومما يستخدم أيضاً قوة النظام واستقراره و و بقية أنظمة الدولة وخوف الشعب خوفاً من القادم والبديل ، وتسريب الاشاعات ، مما يخلق ردة فعل تجاه الثورة بثورة مضادة مساوية لها في المقدار مخالفة لها في الاتجاه .. فعندها تبرز مشكلة أكبر أن الثورة المضادة تتشكل في هيكلية ثورية مختلفة قد ترتقي لتصبح حرباً أهلية وتوشك الدولة فيها على الانهيار .. ولكن انبه ليست كل حرب أهلية تبدأ أو تأتي من ثورة !
• في حالة كانت الثورة المضادة وحيل النظام أقل ولا مصداقية لدى الناس تجاهها ، تتبدل الصورة في استخدام النظام القوة المفرطة في انهاء تمرد الشعب ، ويساعد ضعف الاتصال وغلبة القوة العسكرية ، و عقيدة المؤسسة العسكرية الموالية للنظام الحاكم ، وعند المواجهة من هذا النوع تتبدل الثورة من ثورة ضد النظام إلى ثورة ضد الدولة ، بمعنى انهاء الدولة بمنظوماتها الكلية وليس فقط النظام الحاكم ، وهنا يتم استدعاء كل أرث قبل قيام الدولة الحالية ونظامها ، وتبرز مفاهيم جديدة في الثورة وهي الكفاح المسلح ضد الدولة وينتهي الولاء للدولة ، وتنبثق الجماعات المسلحة من المدنيين لتصبح جماعات عسكرية ويبرز تمرد مسلح ضد الدولة واجهزتها ويتم التعامل مع الدولة كمحتل مغتصب ، هنا تبرز مقومات الثورة الحمراء ، وقوتها تكون من أنها شعبية كاملة يساندها أفراد العوائل والقبائل والأسر في كل مناطق الدولة، والسعي هنا لإنهاء الدولة وبناء دولة جديدة ، وهنا انبه ليس كل تمرد ضد الدولة نابع من ثورة !
• وأحياناً أخرى المواجهة المسلحة تجاه الشعب تخلق ثغرة بين المؤسسة الحاكمة والمؤسسة العسكرية الحامية للدولة ، مما يبرز انقلاباً أبيضاً من المؤسسة العسكرية أو احدى أنظمة الدولة كالنظام القضائي أو التشريعي البرلماني ضد النظام الحاكم وتجاوباً مع الثورة ودفاعاً عن استقرار الدولة ودفعاً ضد تحويلها إلى ثورة حمراء … أو ثورة ضد الدول .. وهذا الانقلاب يأخذ على عاتقه نقل رغبات الثورة ولكنه نقل بطيء لأنه ليس منبثقاً من قلب الثورة وإنما مستجيباً لها … وهنا انبه ليس كل انقلاب و ناتج عن ثورة رغم أن الانقلاب يسعى لتغيير النظام الحاكم ولكنه أحياناً كثيرة يأتي نتيجة نزوات أحد قادة الجيش أو رغباته أو تحقيقاً لأهداف داخلية أو خارجية .. وقد يفجر الانقلاب ثورة شعبية تتجاوب معه وقد يفجر ثورة ضده ..
– لقد أوفيت ولدي الكثير من الملاحظات سيأتي وقتها .. رجاء اكمل .
– نعم : ثانياً : ما حدث في أوربا وكيف وصلت إلى ربيع الأمم 1848م :
• ما حدث في بريطانيا في ثورتها 1689م يمكن أن نسميه ثورة بيضاء رغم ماحدث فيه من حروب حيث لم تتخل الدولة البريطانية عن تراثها بل صححت فيه ، ولذا كانت أكثر دول أوربا استقراراً و هي النموذج الذي اعطى لأوربا والعالم واهداه الثورة الصناعية التي قلبت موازني التجارة والاقتصاد في العالم أيضاً ..
• أما النموذج الفرنسي فهو معيار قياس لأنها غير في مفاهيم القارة الأوربية والعالم بأسره ، فمنه نشأت الأفكار الثورية 1789م .. وما حدث بعده انهى حكم الأقطاع ، والسيطرة للطبقة النبيلة ، ولكنه ولد مجموعة من النماذج الثورية وصار مقياساً بصورة ايجابية وسلبية … حملت الثورة الأولى رفضاً لكل متعلقات الماضي جيدة أو سيئة ، مما جعل ذلك الفكر في مهب الرياح تتقاذفه الأمواج فولد نوعاً جديداً من الاستبداد الفكري ، الذي كان سبباً في فنائه وهو يعتمد كل الاعتماد على العقلانية المطلقة ، ورغم هذا نمى في أوساط هذا الصراع الفكري أنواع مختلفة من المتناقضات ، فنشأ اليسار المتشدد الذي يرى الدولة صاحبة القرار المطلق والسيادة والشرعية في استخدام القوة ، وألغى كل طبقة فالكل يعمل ضمن نسيج الدولة وفي خدمتها وهذه الصورة ابرزها النظام الشيوعي ، وصورة يمينية متشددة ترى الحرية المطلقة ولا سلطوية لأي أحد وأي شيء والكل يفعل ما يريد ، ويصنع ما يريد ، لا سلطان ولا حاكم ولا محكوم ، وصور متنوعة بين البين تأخذ من هذا وتجني من هذا ، وبدأت الأفكار تبحث عن الأرث والتاريخ ومقومات الأخلاق ، لتصنع حضارة ، ودولة مدنية ..”أعرف لا تتجل سأشرح لك بعد قليل ” … المهم فاقتبست من الأرث الحضاري والتاريخي الأول من اليونان والأغريق والرومان وكذا الفراعنة في مصر ومن الحضارة الإسلامية متجنبين أي أصل ديني ، وسعت لاسترداد الكنيسة كمصلح وموجه للسلوك والأخلاق … وفي هذا الصراع واستبداد الجمهورية جعلها تسقط أمام الثورات المضادة والتي دعمتها أطراف خارجية على رأسها النمسا وألمانيا .. ونجحت في اعادة فرنسا إلى اطار الملكية 1815 م ، ولكن ولأن الأمر لم ينته فما زال تحت الرماد جمر مشتعل …..
• ربيع الأمم انطلق من إمارة صقلية 1848م.. ليعيد الجمر المختفي تحت الرماد في فرنسا لتعود الثورة بصورة أكبر ولديها من الأرث والفكر المتجدد الكثير ، وليكون النموذج الفرنسي بالفعل نموذج لثورات اكتسحت كل أوربا ولأن أوربا هي مجموعة من الأمم العرقية وليست أمة واحدة ، سمي هذا التاريخ بربيع الأمم ، وبرزت القوميات بقوة .. وعلى رأسها القومية الفرنسية ..
• لا يعني ما حدث أن كل شيء تغير .. اوربا ما زالت تتعلم …
– لماذا ؟؟؟
– نعم … لماذا ..؟؟ سأعطيك قوله تعالى : ((صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)) البقرة، وقوله تعالى سبحانه : {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الفتح:23].
– بمعنى !!
– قلت لك أن لكل شيء في هذا الكون قوانين وقواعد ، وبالتالي من حاول أن يتجاهلها أو يتجاوزها يحدث خلل ويعيده لنقطة بداية جديدة ولكي يستقر عليه أن يرى الصورة بوضوح حتى يطبق القواعد بشكله ..
– نعم ..
– بمعنى أوضح ، الإنسان ليس عقل فقط بل عقل وعاطفة ، جسد وروح ، كيان اجتماعي ، كما له احتياجات مادية له احتياجات روحية وعاطفية غير ملموسة ، فليس كل ما تراه هو الواقع إن ما تراه هو اداركك للواقع ..
– كيف ؟؟
– كمثال .. لو احضرت انظر إلى الكأس أمامك ما هو ؟
– كأس ماء ..
– ماذا فيه ؟
لا شيء
– أما أنا فأرى قطرات ماء متناثرة تتساقط إلى أسفل كأس زجاجي شفاف
– نعم !!
– ومن هذا ففي كل مرحلة من ولادة أوربا الحديثة كانت تتجاهل قاعدة او قانون ، ولما تحدث المشكلة تكتشف وتحاول أن تجدد من خلال التجربة والخطأ ..لأنها تعتمد على فكر بشري قاصر على ما يراه حينها .. . وعندها تبدأ في اكتشاف المشكلة ثم السعي لحلها ، ولذا دخلت أوربا صراعاً واسعاً مع نفسها بغزو العالم وخاصة فرنسا ، وتعلمت ..جاءت الحربان العالمية لتعلم أوربا والعالم .. جاءت ثورات الشعوب الأخرى ضد الغزاة لتعلم أوربا والعالم ، منهم من قرأ التاريخ وفهم ومنهم من يزال يريد أن يفهم .
– لماذا أمريكا تتجاوز ذلك بسرعة ؟
– لقد اخبرتك أن هذا موضوع آخر ..,
– إذن دعني أصل معك يا سيدي لنقطة ربط عن اليمن :
– نعم .
– قلت لك أن ما حدث في 3 فبراير 2011 وما تلاه في 11 فبراير 2011 كانت حركة شعبية مستقاة من ثورة مصر أم الدنيا والعرب ، تحاول أن تصل لما وصل له الشعب المصري ..
– نعم ..
– هذه الحركة تحولت إلى نشاط احتجاجي واسع لم يسبق له نظير … وكاد أن يتحول إلى انتفاضة جماهيرية واسعة ..وبدأ النظام يواجه بعض الأنشطة النظام الدفاعي للدولة .. العسكر ..
– نعم ..
– هنا نشأت الانتفاضة اليمنية ضد النظام الحاكم .. و تحولت لثورة شعبية حتى بدأت أحداث 21 مارس 2011
– أجل ..
– هنا بدأت الثورة المضادة بكل قوتها تتوالد من داخل النظام وعبر كل الطرق …
– جميل
– برزت من قلب تلك الأحداث قيادة تحاول أن تحمل أهداف الثورة ، ولكنها قيادة من قلب النظام
– أحسنت ..
– هذه القيادة هي كان أفضل سلاح لتحويل الثورة إلى مجرد احتجاجات فئوية شبابية ، وساهمت في انهاء الثورة وتحويل الأمر إلى انقلاب ضد النظام وتمرد واضح ..
– أحسنت ..
– وهنا تحول الأمر إلى مجرد أزمة سياسية بين المعارضة والنظام الحاكم مدعوماً بتلك الاحتجاجات …
– أجل ..
– إذن هل انتهت الثورة اليمنية … ؟
– لقد قلت لك .. مازال تحت الرماد جمراً متوهجاً .. ولكن دعني أخي نصلي المغرب إن أحببت نكمل الآن أو نؤجل القاء عن اليمن …
– إلم يزعجك الأمر فإني لا أرغب في انهاء اللقاء إلا بعد أن أنهي موضوع اليمن .
– حسن قمنا للصلاة …………………… نصلي المغرب ورأسي يتقلب … عسى الله أن يتقبل …
وللحديث بقية
احمد مبارك بشير
30/3/2012م