3 نقاش هادئ حول اشكالات القبنجي وسروش – اشكالات القبنجي العقلية

أولا: إشكالات القبنجي العقلية.

ألف: إن الله تعالى أقرب إلى النبي من جبريل فلماذا توسيط جبريل؟

أقول:

إن الله تعالى فعلا أقرب إلينا من حبل الوريد ولذلك فهو يرانا ويسمعنا ويدرك كل حركاتنا البدنية والنفسية. ولكن كيف يتأتى له ذلك لو فرضناه سبحانه حالاَّ في مكان مثلا؟ إنه في الواقع لا يمكن أن يكون مادة محاطا بالأبعاد حتى بُعد الزمان. إنه سبحانه لا يحتاج إلى مكان لرقته وشدة نفاذيته. إنه سبحانه كما وصف نفسه بأنه نور السماوات والأرض، فهو نور في منتهى القوة وهو أرق الإشعاعات المعروفة برمتها ولذلك فهو ينفذ في كل التركيبات المادية وغير المادية بلا استثناء وبنوره يرى كل شيء. إنه بنفس نوره يخلق الكائنات وذلك بأن يجلي نوره قليلا ليفجر وليصنع الطاقة ثم يفجرها ليصنع منه الكون العظيم. هذا النور المهيب يمكنه أن يصنع كل شيء ويمكنه أن يوحي إلى النبي ولكن الضعيف في هذه المعادلة هو النبي نفسه فهو غير قادر على تحمل هذا النور لضعفه وعدم تمكنه من التعرض لذلك الإشعاع الخطير. ولذلك فان الله تعالى يوسط الروح القدس بينه سبحانه وبين رسوله حينما يريد أن يجلي إشعاعه ليبث المعارف أو الكلمات إلى النبي مثلا. وقد قام سبحانه بالوحي المباشر مرتين فعَلَّم رسوله كما في سورة المزمل أن يعد نفسه لاستقبال الوحي المباشر. وبتعبير آخر؛ إن الله تعالى قريب من خلقه باعتبار أن نوره محيط بكل شيء ولكن الخلق لا يمكن أن يقتربوا منه باعتبار أنهم لا يحتملون تلك الطاقة المهيبة التي فجرت الخلق الأول. إنه سبحانه ليس في عالمنا بل هو محيط بنا. فنحن والملائكة والأرواح القدسية نتقرب إليه بالسعي لمعرفته وطاعته فحسب وليس فينا من هو قريب من الله ولكنه هو سبحانه وتعالى قريب منا جميعا لأنه يمدنا بالحياة.

باء: كيف تعرف النبي على جبريل فلعله جني ادعى بأنه جبريل؟

أقول:

هذا الإشكال مردود في القرآن بأن الجن والشياطين لا يملكون الآذان ليسمعوا ويتعلموا اللغة العربية والقرآن ليس وحيا بالمفاهيم بل هو وحي مغلف بالآيات العربية. قال تعالى في سورة الشعراء: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212).

وفي الحقيقة أن النبي لم ير شبحا ولا شخصا ذو أبعاد فيزيائية اسمه جبريل أبدا. بمعنى أن القرآن لم يذكر لنا ذلك. لا يمكن لنا نحن البشر أن نرى الموجودات الطاقوية لأنها خارج قدرة عيوننا على الرؤية. لكن الروح القدس ألقى القرآن على قلبه فقط. قال تعالى في سورة البقرة:

قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)وقال سبحانه في سورة الشعراء:وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195).

أما الذي رأته مريم فهو شبح خيالي تمثل أمامها ليمنحها الاطمئنان لوقت قصير ثم قام بعمله داخل خلايا العذراء دون أن تراه مريم. وكذلك ضيوف إبراهيم ولوط فهم كانوا أشباحا خيالية تمثلوا أمامهما وأمام الآخرين لأغراض خاصة ثم غابوا عن أعينهم في عملية أشبه ما تكون بعملية الهولوكرام التي توصل إليها العلم الحديث بتكوين شبح في الواقع لشخص المراسل التلفزيوني في داخل استوديو البث ولسنا نقول بذلك أن ما حصل آنذاك هو هولوكرام وإنما نسوق الأمر كمثال توضيحي.

حتى الجن والشياطين لا يمكن رؤيتهم وكل ما ينقلونه عن رؤية الجن والشياطين فهو محض كذب وافتراء لا يعترف به القرآن العظيم.

ثم إننا أتباع القرآن ندعي بألا سلطان للجن على البشر. والرؤية العينية لموجود أقوى منا فهو تأكيد لسلطانه علينا ولا يمكن أن يتحقق أبدا. سوف نخاف منه على الأقل فهو يعني بأنه أحكم سلطانه في قلوبنا وهو أمر مرفوض قرآنيا.

جيم: هل قال الله للنبي بأن ينتظر جبريل وأعطاه أوصافه؟

أقول:

لنفترض حصول ذلك، فهل هو مفيد لنا اليوم؟ نحن اليوم نعرف القرآن عن طريق أخرى ونعلم بأنه كتاب الله تعالى باستدلالات أخرى ولا حاجة لنا في أن نتعرف على كيفية حصول العلم للنبي نفسه. ولو تعرضنا أحيانا لبحث تلك المسألة فإن ذلك لمجرد العلم والاستزادة من المعارف وليس لإثبات صحة القرآن. لا يمكن إثبات أن القرآن كتاب الله تعالى ووضعُ الثقة الكاملة فيه استنادا إلى أخبار بشرية تحتمل الصدق والكذب وكذلك الخطأ والصواب. نحن بالقرآن نعرف النبي وليس العكس. إن الذي نراه اليوم هو القرآن ولم ير أحد منا الرسول ولا صحابته ولا الذين نقلوا عنهم ولا يمكننا التأكد فعلا مما قالوه أو صرحوا به، كما إن ذلك لا يجدينا نفعا. وسوف أذكر في ختام البحث كيفية التحقق من صحة نسبة الكلام الوارد في القرآن الكريم إلى رب العالمين بإذنه تعالى. وباختصار فالإنسان يحتاج إلى إيمان يُدخله الله تعالى في قلبه ليؤمن بالقرآن وليس للعلم دور هناك.

أحمد المُهري

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلاميhttps://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

ان كان لديكم الرغبة في الانضمام لمجموعة النقاش في المركز برجاء ارسال بريد الى :

islamjurisdev@gmail.com

#تطوير_الفقه_الاسلامي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.