التسعير في الأسواق اليمنية: لماذا تفشل “قوائم الأمنيات” في معالجة فوضى الأسواق؟
التسعير في الأسواق اليمنية: لماذا تفشل “قوائم الأمنيات” في معالجة فوضى الأسواق؟

التسعير في الأسواق اليمنية
لماذا تفشل “قوائم الأمنيات” في معالجة فوضى الأسواق؟
نظمت مؤسسة الرابطة الاقتصادية، التي أعتز بالانتماء إليها، ورشة عمل هامة في عدن حول “آليات التسعير”
https://eaf-ye.com/workshops.php?page=Details&workshops_id=14
ورشة مهمة في وقتٍ حرج، لامست أوراق العمل فيها جوهر الأزمة، لكن، يجب أن نتساءل:
إذا كان المشاركون (من النخبة الأكاديمية والقطاع الخاص) قد شخصوا المرض، فهل حقاً لامسوا السبب والعلاج؟
في ظني، تعاملت الورشة مع العرض وتجاهلت المرض.
فقد رأت الأزمة استثناءً طارئاً يمكن حله بقرارات إدارية، بينما في الحقيقة نتاج فراغ في الرؤية الاقتصادية.
كما لخّص ذلك رئيس الغرفة التجارية، الشيخ أبو بكر باعبيد، الأمر بدقة:
“المشكلة في عدم انضباط مؤسسات الدولة“.
وكأننا أمام لغز ، فأين الخلل؟
- التوصيات تحدّثت عن إصلاحات اقتصادية وإعداد موازنة رسمية. لكن كيف يمكن تطبيقها، وحكومة اليوم بلا منظور اقتصادي واضح، ولا موازنة سنوية، وتعاني في إدارة مواردها الأساسية؟
- طُلب من القطاع الخاص والمجتمع المدني “التعاون!”، لكن التعاون مع إصلاحات غامضة أقرب إلى تحركات إعلامية منه إلى إطار اقتصادي متكامل.
أين الفجوة:
- السعر الرسمي للدولار والسعودي يبدو كأنه سعر مصطنع، يجري ضبطه عبر تجفيف السيولة للعملة الوطنية ، لا عبر الإنتاجية، ولا أدوات اقتصادية، وهكذا نعيد تجربة الشطر الآخر لكن بصورة معكوسة.
- لجنة الاستيراد غير قادرة على التمويل اللازم، مما يجبر التجار على اللجوء إلى السوق السوداء بسعر أعلى بـ30% من سعر المركزي، أو عبر فروعهم في الخارج. ثم يُطلب منهم إيداع نفس المبالغ في المركزي لاستكمال الإجراءات! (فين أذنك يا جحا؟)
و النتيجة؟ أن السياسة الحكومية خلقت السوق السوداء، وأصبح التاجر يتحمل تكاليف غير مستقرة:
- جبايات قانونية وغير قانونية،
- أجور نقل وتأمين،
- انقسام النظام المالي،
- وعلاوة مخاطرة مرتفعة.
لهذا نرى فارق الأسعار بين فترة وأخرى رغم “تحسن سعر الصرف، ظاهرياً!”
فهل تنجح الدعوة لإلزام التجار بنشر الأسعار؟
لا أعتقد ذلك. فالتسعير لا يأتي بقرار إداري، هذه نظرة خاطئة لطبيعة السوقـ ربما كان ممكناً في زمن الاقتصاد الاشتراكي، حين كانت الدولة هي المستورد والبائع. أما اليوم، فالسوق تحكمه قوى العرض والطلب والتنافسية. ودور الحكومة يجب أن يقتصر على ضبط أسعار خدماتها الأساسية التي تقدمها هي، أما باقي المنتجات، فتُضبط بالمنافسة واستقرار التكلفة. وبدلًا عن مطاردة التجار، على الحكومة أن توفر آلية شفافة لتمويل العملة الأجنبية،
وأن توقف تعدد الجبايات. حينها فقط ستتكفّل المنافسة بضبط الأسعار تلقائياً.
عندما يجد المستهلك أن السلعة التي كانت بـ20$ أصبحت بـ35$ بعد تحسن سعر الصرف، لابد ان يتساءل: لماذا ترتفع الأسعار رغم تحسن الصرف؟
الجواب أن “السعر الضمني” للدولار في السوق يقارب 3000 ريال. وهذا ما يعكس تكلفة المخاطرة واللايقين الناتجة عن السياسات الغامضة.
في ظني ان التوصيات للورشة أغفلت عاملين رئيسيين يدمران السوق:
- انهيار الطلب:
- لا يمكن ضبط الأسعار في سوقٍ بلا مشترين. أين القدرة الشرائية؟ أين الطلب؟
- عندما تكون الحكومة، وهي أكبر مشغّل في سوق العمل، عاجزة عن دفع رواتب موظفيها، فذلك ينعكس بالشلل على باقي القطاعات. و يعطل أهم أدوارها في ضخ السيولة عبر المرتبات والاستثمارات، ويقيد قدرتها على خلق فرص عمل في بيئة مضطربة.
- غياب المنافسة:
- في السوق الحر، الأسعار لا تضبطها القرارات بل المنافسة واستقرار التكلفة.
- التاجر لا يخشى السعر المرتفع بقدر ما يخشى اللايقين. فمهما كان سعر الصرف أو الإجراءات، إذا كانت مستقرة ومنظمة وتعمل ضمن نظام مصرفي واضح، فبإمكانه احتساب تكلفته وتقديم سعرٍ تنافسي واقعي.
- بالتالي فدعم التنافسية تمثل القاعدة الذهبية لبناء بيئة أعمال حقيقية، تُولد وظائف وتحقق استقرار الأسعار.
والأخطر في هذا التشويه؟
أن المغترب اليمني، وهو شريان الحياة الوحيد للاقتصاد الوطني، يفقد الثقة، فقد اكتشف أن إرسال “بضائع” لأسرته أوفر وارخص من إرسال نقود لهم، يعني هذا تحول المغترب إلى مستورد صغير لأنه لم يعد يثق في قيمة الريال ولا الحكومة،
هذا السلوك كارثي في حال تم اتخاذه.
هذا يعني أننا لا نخسر فقط السعر العادل، بل نخسر التدفقات النقدية نفسها التي يعتمد عليها البنك المركزي، ويحلم بها كمورد رئيسي للواردات النقدية من العملة للاقتصاد الوطني.
المشكلة يا سادة! ، ليست في “جشع التجار” ولا في “غياب التوصيات”، بل في فراغ السياسات الاقتصادية،
الحل لن يأتي من لجان “مراقبة الأسعار”، بل من إطار اقتصادي حقيقي يبدأ بموازنة شفافة، وآلية تمويل واضحة، وإعادة بناء الثقة في العملة والاقتصاد الوطني، في البحث السبل لتعزيز هيكل الأجور وتدفقها ، في تعزيز وخلق جاذبية للاستثمارات التي تسهم في خلق فرص العمل.
لابد من وقف إدارة الأزمة بقرارات إدارية غامضة تفاقهم الازمة ، يعني باختصار (أوقفوا #هبل_تايم)
اصلح الله بالكم
احمد مبارك بشير
05/11/2025