حكاية الريالين حين يصبح الوطن عملتين

(الانقسام النقدي، والحرب الاقتصادية في اليمن)

Untitled - حكاية الريالين حين يصبح الوطن عملتين 1

هذا المقال، الذي كتبته قبل حدود 3 أيام من التحرك الإيجابي الذي قامت به الحكومة الشرعية والبنك المركزي في عدن، سعيت من خلاله الى تحليل الواقع الاقتصادي والانقسام النقدي في اليمن.

وعلى الرغم من أن هذا التحرك الأخير كان غير متوقع ، لا يمكن التنبؤ به من الناحية الاقتصادية القياسية، إلا أنه يمثل خطوة هامة ومقدرة في سبيل السيطرة على انهيار سعر الصرف وإعادة تأهيل المنظومة المصرفية، فالإجراءات التي اتخذتها الحكومة الشرعية في عدن تعتبر تطوراً إيجابياً اصبح ملموساً ، ويحسب للمركزي في عدن وللحكومة محاولاتها لإيجاد حلول لأزمة العملة.

ومع ذلك، فإن هذه التطورات لا تغير من الواقع الأساسي المتمثل في استمرار الانقسام النقدي والتحديات الاقتصادية الجذرية التي تناولها مقالي. فاليمن وللأسف وطنٌ بعملتين، والآثار المدمرة للحرب الاقتصادية لا تزال قائمة.

لذا عند قراءتك للمقال ، ارجو ان يفيد في تقديمه لرؤية شاملة للوضع بما يشمل ما تم من تحرك إيجابي الآن، ولذا من المميز في هذا العدد الخاص من مجلة الرابطة الاقتصادية رقم 43 أني نشرت مقالين فيه ،

الأول الأساسي (حكاية ريالين) في صفحة 37 ، والذي كتبته في تاريخ 28/7/2025 ،

https://eaf-ye.com/admin/uploads/magazine/pdf/%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF43.pdf

ومقالي الصغير ، لغز الريال في عدن والذي كتبته ونشرته في صفحاتي في تاريخ 31 /7/2025 وهو ضمن العدد 43 في الصفحة 29 ، عندما بدأت الصدمة الإدارية،

https://www.linkedin.com/pulse/%25D9%2584%25D8%25BA%25D8%25B2-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B1%25D9%258A%25D8%25A7%25D9%2584-%25D9%2581%25D9%258A-%25D8%25B9%25D8%25AF%25D9%2586-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B5%25D8%25AF%25D9%2585%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A5%25D8%25AF%25D8%25A7%25D8%25B1%25D9%258A%25D8%25A9-%25D8%25A8%25D9%2582%25D9%258A%25D8%25A7%25D8%25AF%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A8%25D9%2586%25D9%2583-%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D8%25B1%25D9%2583%25D8%25B2%25D9%258A-basheer-a7nuf/?trackingId=Xdj4rvQoTmeqeA7mdCTl8w%3D%3D

مقالي الأساسي حكاية الريالين ، ارجو أن  يمنحكم فرصة لفهم عمق الأزمة وجذورها. وهو تحليل يظل صالحاً في معظم جوانبه، مع التأكيد أن أي نجاحات في تثبيت سعر الصرف ، والسعي لتأهيل المنظومة المصرفية ، في حد ذاته تحرك أولي وممتاز ، وينتظر الناس المزيد. إلى المقال:

حكاية الريالين حين يصبح الوطن عملتين
(الانقسام النقدي، والحرب الاقتصادية في اليمن)

تسلم أحمد راتبه أخيراً، أوراق باهتة لا تزن شهراً من الشقاء، بين الذهاب والإياب إلى عمله،

نصف يقظة تحت وطأة انقطاع الكهرباء، أو غيابها. الكهرباء في منزله تزورهم كسائحٍ عابر، وإن حضرت، فغالباً لا تزامن عودته. بطارية صغيرة على باب الشقة تكاد تضيء حياءً، أما ألواح الطاقة، فحلم بعيد، السطح مكتظ بشقق سيطرت على مساحته، ويدفع أصحابها إيجاراً شهرياً لهذه المساحة التي يحتكرونها. نزل أحمد إلى دكان أبو صالح. نظر إلى الرفوف، اختار ما يسد رمق البيت، ودفع راتبه.

أبو صالح تأمل الأوراق، ثم نظر إلى أحمد بحرج وقال:

  • ما تزعل أستاذ احمد، رابتك ما صار يجيب نص كيس الدقيق، وحسبنا الله فيمن كان السبب!

كلاهما، غريقان في قارب مكسور، يحلمان أن يصلوا إلى وطنٍ موعود ، ولا يعلمون متى الوصول. لا عتب عليهما ، ولا على السوق ، بل على من حول الراتب الى نكتة يومية ، والوطن الى ورقة نقدية يتاجر بها حيث شاء.

ليست هذه قصة أحمد وحده، بل قصة وطن بأكمله… وطن يعيش بأوراق نقدية ميتة، واقتصاد بلا دولة، ومواطنين بلا أمان.

ما يعيشه أحمد وأبو صالح ليس حادثة عابرة، بل نتيجة مباشرة لحرب اقتصادية صامتة بدأت منذ 2016، حرب لا تُخاض بالرصاص بل بالأرقام، لا تُسمع فيها الانفجارات، بل تُشاهد آثارها على الرفوف الفارغة وجيوب الناس.

لقد أصبح اليمن مختبراً حياً لتجربة عبثية، وطن واحد بعملتين، بنك مركزي منقسم، واقتصادان يسيران في اتجاهين متعاكسين، كلٌّ منهما يُحارب الآخر بقوت الناس.

في مناطق صنعاء، لا يزال “الريال القديم” يحتفظ بقيمة ظاهرية مستقرة تقارب 530 ريالاً للدولار. لكن هذه “الاستقرار” هش ومصطنع، بُني على خنق السيولة وتجفيف السوق من النقد.

أما في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً، فالريال “الجديد” ينهار كأوراق الخريف، تجاوز عتبة 2800 ريال للدولار، لتتحول كل ورقة نقدية مطبوعة إلى عبء تضخمي جديد، يدفع المواطن ثمنه من طعامه ودوائه.

لسنا أمام أزمة مالية مؤقتة، بل أمام انهيار متكامل لمفهوم الدولة ذاته. البنك المركزي لم يعد مؤسسة سيادية محايدة، بل ساحة حرب بين سلطتين تتنازعان العملة كما تتنازعان الأرض والسلاح.

والضحية؟ هو المواطن، كأحمد، الذي يستلم ورقة نقد لا تساوي حتى كيس دقيق، أو يعيش في وهم “الاستقرار” بينما السوق مغلقة بوجهه ومحفظته فارغة.

في هذا المقال، أحاول تفكيك هذا الواقع المركّب: جذوره، أسبابه، وسيناريوهاته الممكنة.

كيف تحولنا إلى اقتصادين

قبل الحرب، لم يكن الاقتصاد اليمني في أفضل حالاته، لكنه كان على الأقل اقتصاداً واحداً. من 2011 إلى 2014، ورغم الاضطرابات السياسية، نجح البنك المركزي في إبقاء الريال عند حدود 215 ريالاً للدولار.

  • كان هذا الاستقرار هشاً، مدعوماً بعوامل خارجية:
  • صادرات نفطية تتراوح بين 1.6 و2.6 مليار دولار[1]،
  • وتحويلات مغتربين بحدود 3 إلى 4 مليارات سنوياً، [2]
  • ومساعدات خارجية تُغذي موازنة الدولة.

لكن هذا الاستقرار كان مثل منزل قديم مطلي جيدًا… من الخارج فقط.

مع اندلاع الحرب في مارس 2015، توقفت صادرات النفط، تجمدت المساعدات، وتراجعت التحويلات.

وفي ظل ارتفاع جنوني للنفقات العسكرية، بدأت خزينة الدولة تنزف.

نهاية 2015، بدأ البنك المركزي في صنعاء يواجه خطر الإفلاس. لجأ إلى خيارات طارئة، أبرزها مفاوضات لطباعة أوراق نقد جديدة مع شركة “غوزناك” الروسية، في محاولة يائسة لتأمين رواتب موظفي الدولة.

ثم جاء القرار المفصلي:

في سبتمبر 2016، قررت الحكومة المعترف بها دولياً نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن.

لم يكن هذا قراراً تقنياً واقتصادياً، بل طلقة سياسية قسمت الشريان المالي للدولة إلى نصفين.

فمنذ تلك اللحظة، أصبح لليمن بنكين مركزيين، لكلٍ منهما توجهه وسعره وإدارته وسياسته النقدية.

حصل بنك عدن على الاعتراف الدولي، ونظام SWIFT، وحق طباعة العملة.

بينما احتفظ فرع صنعاء بالكوادر، البنية، والأرشيف، والأهم، السيطرة على الكتلة السكانية والتجارية الأكبر.

وهكذا بدأ الانقسام الفعلي للاقتصاد:

  • البنوك علّقت أنشطتها.
  • التحويلات الدولية تعطلت.
  • أذون الخزانة تحولت إلى أوراق بلا قيمة.
  • وبدأ ما سُمي لاحقاً بحرب البنوك.

كانت التداعيات فورية ومدمرة. فقد أدى الانقسام إلى شل القطاع المصرفي. لم يتم تفعيل نظام سويفت في عدن بشكل فوري (حتى أبريل 2017)، مما خلق فراغاً في تمويل الواردات والتحويلات الدولية. كما أوقف كلا الفرعين مدفوعات الدين العام، مما حول أذون الخزانة التي تحتفظ بها البنوك إلى أصول مجمدة، وأشعل فتيل أزمة سيولة حادة. كانت هذه هي الشرارة الأولى لما أصبح يُعرف بـحرب البنوك. وكأن المشهد العام يقول أن قرار الرئيس هادي كان سياسياً ولم يتم دراسة أي جوانب اقتصادية به ولا بتداعياته.

القرار حول الانقسام المؤسسي إلى حرب نقدية شاملة جاء بعد ذلك بأشهر. فقد قررت إدارة البنك المركزي في عدن ربط صرف مرتبات موظفي الدولة في المناطق الشمالية بتوريد الإيرادات من تلك المناطق، وهو شرط كان من المستحيل تحقيقه في ظل سيطرة الحوثيين على تلك المناطق وسلطة الأمر الواقع التي يمارسونها. هذا القرار أدى فعلياً إلى وقف صرف المرتبات لمئات الآلاف من الموظفين في الشمال، مما خلق أزمة إنسانية واجتماعية هائلة.

كان هذا هو “الزناد” الذي فجّر الحرب النقدية. فقد واجهت سلطات صنعاء خياراً صعباً إما القبول بهذا الواقع ، أو اتخاذ إجراءات مضادة. اختارت سلطات صنعاء الخيار الثاني، وبدأت سلسلة من القرارات التصعيدية التي قسمت الاقتصاد اليمني إلى منطقتين نقديتين منفصلتين.

في مواجهة عجز مالي متزايد وفقدان لعائدات النفط، لجأ البنك المركزي في عدن إلى سياسة نقدية توسعية، حيث بدأ بطباعة كميات هائلة من الأوراق النقدية الجديدة لتمويل نفقات الحكومة، بما في ذلك دفع الرواتب. تشير التقديرات إلى أن البنك المركزي في عدن طبع ما قيمته حوالي 1.7 تريليون ريال يمني بحلول نهاية عام 2019، وهو رقم هائل بالمقاييس الاقتصادية اليمنية.

كان رد فعل سلطات صنعاء حاسماً وتصعيدياً. ففي ديسمبر 2019، أصدر البنك المركزي في صنعاء قراراً رسمياً بمنع تداول الطبعات الجديدة من الريال في المناطق الخاضعة لسيطرته، واصفاً إياها بـالعملة غير القانونية. كان المبرر المعلن هو مكافحة التضخم الذي تسببت به طباعة النقود في عدن، لكن الأهداف الاستراتيجية كانت أعمق، من ذلك الحد من استنزاف العملة الصعبة من أسواق صنعاء الكبيرة، وفرض سيطرة نقدية كاملة على مناطق نفوذها. أدى هذا الحظر إلى ترسيم وجود منطقتين نقديتين منفصلتين بشكل رسمي، لكل منهما عملتها الخاصة وسعر صرفها المتباين:

  1. الريال القديم: العملة المطبوعة قبل عام 2015 مع كميات من العملة التي تم التوافق عليها في  2017 من فئة الألف ريال ، والوحيدة المسموح بتداولها في مناطق سيطرة صنعاء.
  2. الريال الجديد: العملة المطبوعة من قبل البنك المركزي في عدن، والمتداولة في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.

وبقدرة قادر اختفت العملة القديمة من عدن، للتوافر بكمياتها الكاملة في صنعاء، و خلق هذا الواقع احتكاكات هائلة للتجارة والتمويل بين المناطق، وأدى إلى ظهور أسواق سوداء، وعمليات تهريب للعملة، واللجوء إلى استخدام العملات الأجنبية كعملات وسيطة للمعاملات بين المنطقتين.

لم تكتفِ سلطات صنعاء بمنع تداول العملة الجديدة، بل اتخذت خطوة أكثر تصعيداً في عامي 2024 و2025، حيث بدأت بإصدار عملات معدنية جديدة لمعالجة فجوة العملة التالفة. بدأ هذا التحول بإصدار عملة معدنية من فئة 100 ريال في مارس 2024، تلاها إصدار عملة معدنية فئة 50 ريالاً و ورقة نقدية جديدة من فئة 200 ريال في يوليو 2025.

على الرغم من أن المبرر الرسمي كان فنياً ، وهو استبدال الأوراق النقدية القديمة والتالفة ،  إلا أن هذه الخطوة تحمل دلالات سياسية عميقة. فهي تمثل تحولاً نوعياً لحكومة صنعاء (الحوثيين)، من مجرد إدارة مناطق سيطرة إلى ممارسة فعل سيادي، فإصدار عملة خاصة يهدف إلى تعزيز قبضتهم على الاقتصاد المحلي.

قوبلت هذه الخطوة بإدانة دولية واسعة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا، التي اعتبرتها إجراءً أحادياً يزعزع استقرار القطاع المصرفي ويزيد من انقسام الاقتصاد اليمني. ورداً على هذا التصعيد، صعّد البنك المركزي في عدن من حربه المصرفية، واستمر في متابعة أوامره المتعلقة بنقل مقرات البنوك الرئيسية إلى عدن، مهدداً بقطعها عن نظام سويفت المالي العالمي.

تتبع هذا التسلسل من الأحداث السابقة، يوضح أن الانقسام النقدي لم يكن مجرد سلسلة من ردود الفعل الاقتصادية العشوائية، بل كان تصعيداً محسوباً، تقوده بشكل أساسي سلطات صنعاء، كجزء من استراتيجية طويلة الأمد لفرض السيادة الاقتصادية. فقرار نقل البنك المركزي عام 2016 كان خطوة سياسية من الحكومة الشرعية لاستعادة السيطرة على مالية الدولة. لكن رد الحوثيين بمنع العملة الجديدة لم يكن مجرد إجراء لمكافحة التضخم، بل كان خطوة مضادة لخلق منطقة اقتصادية معزولة يمكنهم السيطرة عليها بالكامل. ويأتي إصدار عملتهم الخاصة في 2024-2025 كنهاية منطقية لهذه الاستراتيجية، حيث ينتقلون من الدفاع السلبي إلى التأكيد الفعلي للسيادة.

إن “حرب البنوك” هي في جوهرها حرب سياسية بالوكالة على هوية الدولة نفسها، فالسلطة على العملة هي أحد أركان السيادة الأساسية. وما بدأ كأزمة سيولة تقنية تحول إلى صراع وجودي حول من يحق له أن يكون البنك المركزي الشرعي لليمن، ومن يملك الحق في إصدار العملة التي يتعامل بها اليمنيون.

استقرار اجباري مقابل انهيار كارثي في صنعاء

عندما يستلم العامل في صنعاء مرتبه او أجره ، يجد أن القيمة الاسمية للمرتب او الدخل لم تتغير كثيراً، لكن قدرته على شراء الحاجات الأساسية تتآكل يوماً بعد يوم.

وعندما ينظر نظيره في عدن إلى راتبه، يجد أن الأرقام تتضاعف شهرياً، لكن قيمتها الحقيقية تتبخر بسرعة أكبر.

نموذجان اقتصاديان متناقضان تماماً، كلاهما يؤدي إلى نفس النتيجة ، إفقار المواطن وتدمير الاقتصاد، لكن بطرق مختلفة.

إن الاستقرار النسبي لسعر الصرف في صنعاء عند حوالي 530-540 ريالاً للدولار ليس نتيجة لسياسات اقتصادية سليمة، بل هو ناتج عن نموذج حكم قسري يجمع بين السيطرة النقدية الصارمة والاستحواذ الممنهج للاقتصاد. أي أنه استقرار مبني على القوة الإلزامية، وليس على القوة الاقتصادية الحقيقية.

كيف ذلك؟

من خلال منع تداول العملة الجديدة ، فرضت سلطات صنعاء سقفاً صارماً على المعروض النقدي في مناطقها. هذا الإجراء، على الرغم من قسريته، هو العامل الفني الرئيسي الذي منع انهيار قيمة “الريال القديم”. فبينما تغرق مناطق نفوذ الحكومة الشرعية في بحر من الأوراق النقدية الجديدة، يحافظ الشمال على كمية ثابتة ومتقلصة، من النقود المتداولة. مع أخذ العلم إن سعر الصرف المعلن ليس سعراً سوقياً، بل هو سعر إداري تفرضه أجهزة السلطة التي تمنع بالقوة أي محاولة للمضاربة أو البيع بسعر مختلف. هذا يخلق سوقاً سوداء محفوفة بالمخاطر ويجعل التعاملات غير شفافة. الصرافون الذين يتجرؤون على كسر السعر الرسمي يواجهون عقوبات قاسية، مما يجبر السوق على الالتزام بالسعر المحدد حكومياً.

تفرض سلطات صنعاء سيطرة محكمة على القطاع المصرفي وشركات الصرافة، وتستخدمها كأدوات لإدارة تدفقات العملة الصعبة. وتكشف العقوبات الأمريكية عن شبكات معقدة تستخدمها سلطات صنعاء لتوليد الإيرادات عبر شركات خاصة، مما يؤكد أن القطاع المالي ليس مستقلاً بل هو جزء من آلة الحكم.

مع تخلي سلطات صنعاء إلى حد كبير عن التزامات الدولة الأساسية، وأهمها دفع رواتب موظفي القطاع العام. و تقديم الخدمات، أصبح عملها الرئيس استخلاص الموارد.

الموظفون الذين كانوا يتقاضون رواتبهم بانتظام قبل الحرب، أصبحوا الآن يعيشون على الذكريات والأمل في عودة الأوضاع إلى طبيعتها، إلا من بعض المكافآت التي يقتاتون بها او أعمالهم المستقلة.

كما أنشأت السلطات نظاماً شاملاً لاستخلاص الإيرادات عبر فرض ضرائب ورسوم جمركية وزكاة ورسوم أخرى متنوعة، غالباً بشكل تعسفي، على القطاع الخاص. التجار الذين كانوا يدفعون ضرائب معقولة في الماضي، أصبحوا الآن يواجهون عشرات الرسوم والضرائب المختلفة، من رسوم الاستيراد إلى ضرائب الأرباح إلى رسوم “التنمية” و”إعادة الإعمار” وغيرها من المسميات التي تهدف في النهاية إلى الحصول على الأموال.

و مع استمرار أزمة السيولة واستمرار هذا النهج والنموذج، بصورة مقصودة او غير مقصودة تم تدمير الطلب الكلي في مناطق حكومة صنعاء ، مما أدى إلى بيئة “تضخم كسادي”، حيث يواجه التجار خسائر مستمرة بسبب ضعف الطلب، على الرغم من استقرار الأسعار الاسمي. فالناس لا يملكون المال للشراء، والتجار لا يستطيعون البيع، والاقتصاد يدخل في دوامة انكماش مدمرة وخطيرة.

وفي النتيجة النموذج المستخدم ليس نموذج ناجح في إدارة اقتصاد على المدى المتوسط والطويل، و أوضح مثال على هذا ما عرف بأزمة الشيكات البنكية، حيث تعاني صنعاء من أزمة سيولة حادة، فأصبحت الودائع لدى البنك المركزي، وخاصة ودائع ما قبل 2016،  غير قابلة للسحب نقداً. يمكن فقط تداولها على شكل “شيكات بنكية” بخصم هائل يصل إلى 80% من قيمتها الاسمية.

الدولار الواحد الذي يتم شراؤه بشيك بنكي يكلف حوالي 3000 ريال، بينما يكلف الدولار النقدي 530 ريالاً، مما يعني أن الشيكات تتداول بأقل من 20% من قيمتها الاسمية. تخيل معي هذه المأساة لقصص المدخرين الذين عملوا طوال حياتهم لبناء مستقبل أفضل لأنفسهم وأطفالهم، فقط ليجدوا أن كل ما ادخروه قد تبخر. تحولت الودائع المصرفية إلى “شيكات بنكية” لا تساوي إلا جزءاً ضئيلاً من قيمتها الأصلية. فالمودع الذي كان يملك مليون ريال في البنك، لا يستطيع الآن الحصول إلا على 200 ألف ريال من قيمتها الحقيقية.

هذا الشيك البنكي ليس إطاراً بنكياً متعارفاً عليه. وليس شكياً بالمعنى القانوني الذي هو أداة وفاء واجبة السداد عند الاطلاع. بل هو آلية سوق غير رسمية نشأت كعرض جانبي لأزمة سيولة خانقة. بدأت الأزمة عندما توقف البنك المركزي في صنعاء عن دفع عوائد استثمارات البنوك في أذون الخزانة منذ عام 2016، ثم تفاقمت مع منع تداول العملة الجديدة، مما أدى إلى شلل البنوك وعجزها عن تلبية التزاماتها. أقرب تجربة دولية مشابهة لهذه الظاهرة هي أزمة “اللّولار”[3]  في لبنان. في كلتا الحالتين، يجد المودعون أن ودائعهم بالعملة الصعبة (الدولار) محتجزة في البنوك ولا يمكن سحبها إلا بالعملة المحلية وبسعر صرف متدنٍ جداً، أو على شكل “دولار بنكي” لا يساوي قيمته الحقيقية. كلاهما يمثل انهياراً للقطاع المصرفي حيث تصبح الودائع مجرد قيود دفترية فاقدة لقيمتها، مما يجبر الناس على القبول بخسائر فادحة لاستعادة جزء بسيط من أموالهم.

هذه الأزمة هي نتيجة لعدم تحييد النظام المصرفي ، وعدم الوصول إلى آلية للتعامل مع النقد الجديد وإتلاف النقد القديم ، وكذلك تجميد الفوائد على ديون الحكومة المستحقة للبنوك، واستنزاف السيولة من النظام المصرفي ، و هذا كله يؤدي الى انهيار شبه كامل للثقة في النظام المصرفي.

التدهور غير المنضبط والفشل المؤسسي في عدن

على النقيض تماماً، فإن انهيار العملة في عدن هو قصة فشل مؤسسي وسياسي كلاسيكي، حيث فقدت الدولة القدرة على إدارة اقتصادها. إنه مثال نموذجي على ما يحدث عندما تلجأ حكومة ضعيفة إلى طباعة النقود كحل سحري لمشاكلها المالية.

المحرك الرئيسي لانهيار العملة في عدن، التي هوت قيمتها من حوالي 215 ريالاً للدولار قبل الحرب إلى أكثر من 2800 ريال حالياً، لجوء الحكومة المعترف بها دولياً لطباعة النقود لتمويل عجز ميزانيتها. زيادة هائلة في المعروض النقدي، دون أي زيادة موازية في الإنتاج الاقتصادي وتحديداً الميزان التجاري ، أدى إلى تضخم وتدهور كارثي في قيمة العملة. فكل ورقة نقدية جديدة تطبعها الحكومة هي بمثابة ضريبة تضخم على كل من يحمل الريال في مناطقها. فعندما تضاعف الحكومة كمية النقود المتداولة دون زيادة كمية السلع والخدمات، فإن النتيجة الحتمية هي ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة.

وفي عدن، تآكلت المدخرات بطريقة مختلفة عن الشيك البنكي في صنعاء،  لكن بنفس القسوة. فالمدخرات التي كانت تكفي لشراء منزل أو تمويل تعليم الأطفال، أصبحت لا تكفي لشراء سيارة مستعملة. يمكن تشبيه ذلك بالسرقة الصامتة ، حيث تُسرق ثروة الناس دون أن يلمسها أحد، بل من خلال تآكل قيمة العملة التي يحتفظون بها.

كيف؟

في حوار صادم أجراه الصحفي فتحي بن لزرق مع محافظ البنك المركزي أحمد المعبقي، كشف المحافظ عن حقائق مذهلة حول حالة المالية العامة. يعترف المحافظ بأن البنك المركزي في عدن لا يتلقى سوى حوالي 25% من إيرادات الدولة، وأن هناك أكثر من 147 مؤسسة حكومية إيرادية لا تورد إيراداتها إلى الخزينة العامة. بما يعني أن ثلاثة أرباع إيرادات الدولة تختفي في جيوب المسؤولين والمحافظين والقادة العسكريين، بينما يُطلب من البنك المركزي أن يمول جميع نفقات الدولة من الربع المتبقي. ما يشبه هذا محاولة ملء خزان مثقوب بالماء ، مهما صببت فيه، فإنه سيفرغ بسرعة أكبر.

علاوة على ذلك، تقوم بعض المحافظات إن لم نقل الكل وخاصة المحافظات ذات الموارد الكبيرة، بإدارة ميزانياتها ومواردها بشكل مستقل، ولا ترسل سوى “الفتات” إلى الحكومة المركزية، بينما تتوقع في الوقت نفسه أن يغطي البنك المركزي جميع التزاماتها. هذا التشرذم المؤسسي والصراع الداخلي داخل معسكر الحكومة الشرعية يشل السياسة المالية ويجعل أي محاولة لتحقيق الاستقرار مستحيلة.

تعتمد ميزانية الحكومة (غير المعلنة) بشكل كبير على الدعم الخارجي، وخاصة الوديعة السعودية التي كانت أداة رئيسية لدعم الريال. لكن استخدام هذه الوديعة كان مقيداً، ورصيدها المتبقي الآن ضئيل جداً ، حسب المعبقي 225 مليون دولار فقط، مع قيود صارمة على السحب. هذا يعني أن البنك المركزي في عدن يفتقر إلى احتياطيات النقد الأجنبي اللازمة للدفاع عن الريال أو التدخل بفعالية في السوق.

ما اقترحه المحافظ، استئناف تصدير النفط، ومركزية الإيرادات، ووضع ميزانية، وتحرير سعر الدولار الجمركي ، هذه الحلول في حد ذاتها دليل على عجز الحكومة عن تنفيذ أبسط مبادئ الحوكمة الاقتصادية. لقد كان الفشل في تأمين صادرات النفط بسبب هجمات الحوثيين كارثياً، كما فشلت مزادات بيع العملة في كبح تدهور الريال.

والخطر النظامي الجديد الذي يضاف الى كل ما سبق ، ” دكننة[4]” القطاع المصرفي، قيام البنك المركزي في عدن بالترخيص السريع والعشوائي لشركات الصرافة لتتحول إلى بنوك تمويل أصغر، حيث وصل عددها إلى 20 بنكاً، منها عدد 2 بنوك شاملة وخمسة قيد المراجعة. هذه السياسة التي توصف بـالدكننةـ أي تحويل القطاع المصرفي إلى ما يشبه المتاجر الصغيرة تخلق خطراً نظامياً هائلاً.

كان الهدف من هذا لشركات الصرافة الحصول على شرعية الترخيص المصرفي، والقدرة على قبول الودائع، وإمكانية الوصول إلى الأنظمة المالية الدولية، مع تجنب متطلبات رأس المال والامتثال الصارمة المفروضة على البنوك التجارية الشاملة من جهة ، وهناك شرط لم ولن يتم الإيفاء به اغلاق شركات الصرافة التي جاءت منها تلك البنوك ، إضافة الى انه لو افترضنا ان هذا الاجراء المناسب سيتحول أكثر من 400 صراف إلى بنك تمويل أصغر.!!!!  هذه السياسة تخلق خطراً نظامياً هائلاً. فهذه الكيانات الناشئة تفتقر إلى “نموذج عمل قابل للاستقرار”، مما يجعلها عرضة للانهيار في وجه أي صدمة سياسية أو اقتصادية.

“استقرار” صنعاء هو استقرار قسري ومدمر، بينما “انهيار” عدن هو نتيجة فشل سياسي تقليدي وكارثي.

نموذج صنعاء أشبه باقتصاد حرب يهدف إلى البقاء السياسي، حيث يتم التحكم في سعر النقود عبر التحكم في عرضها ومعاقبة المخالفين. يحافظ هذا على القيمة الاسمية لـ “الريال القديم”، ولكنه يدمر الاقتصاد الحقيقي من خلال خنق السيولة.

أما نموذج عدن، فهو مثال نموذجي لدولة فاشلة ، تطبع النقود لأنها لا تستطيع تحصيل الضرائب أو السيطرة على مؤسساتها. وبالتالي، فإن انهيار العملة نتيجة مباشرة يمكن التنبؤ به لفشلها المؤسسي والسياسي.

الفارق الجوهري هو السيطرة. تتمتع سلطات صنعاء بسيطرة شبه كاملة على منطقتها الاقتصادية، بينما تفتقر الحكومة الشرعية إلى السيطرة الفعالة على أراضيها ومؤسساتها وفصائلها السياسية. وفي النهاية، كلا النموذجين يؤدي إلى نفس النتيجة المأساوية، إفقار المواطن وتدمير الاقتصاد، لكن بطرق مختلفة.

وفقاً لتقارير البنك الدولي[5]، انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 58% منذ عام 2015. هذا الرقم ليس مجرد إحصائية، بل تعبير عن تراجع مستوى المعيشة إلى أكثر من النصف. فالأسرة التي كانت تعيش بكرامة قبل الحرب، أصبحت الآن تكافح من أجل البقاء.

في صنعاء، حيث يحافظ الريال على قيمة ظاهرية مستقرة، يواجه المواطنون نوعاً مختلفاً من المعاناة. فسياسة خنق السيولة أدت إلى ركود عميق، حيث تتوفر السلع لكن الناس لا يملكون المال لشرائها. إنه نوع من “الجوع وسط الوفرة”، حيث تمتلئ المحلات بالبضائع لكن الجيوب فارغة.

أما في عدن والمناطق الجنوبية، فإن المعاناة تأخذ شكلاً مختلفاً. هناك، يملك الناس الأوراق النقدية، لكن هذه الأوراق تفقد قيمتها بسرعة مذهلة. فالموظف الذي يتقاضى راتباً قدره مئة الف ريال في بداية الشهر، يجد أن قيمة هذا الراتب قد انخفضت بنسبة 10-20% أو أكثر بحلول نهاية الشهر نفسه. إنه سباق مع الزمن، حيث يحاول الناس إنفاق أموالهم قبل أن تفقد قيمتها.

عندما يصبح الوطن ورقة نقدية

عندما يعود أحمد إلى منزله بعد يوم عمل طويل، يجد زوجته تحاول أن تمد الوجبة الواحدة لتكفي يومين، والأطفال يسألون عن أشياء كانت بسيطة في الماضي وأصبحت اليوم من الكماليات. هذه ليست مجرد قصة فردية، بل هي مأساة جماعية تعيشها ملايين الأسر اليمنية التي وجدت نفسها ضحية لحرب اقتصادية لم تختر أن تكون جزءاً منها.

إن الأرقام الاقتصادية الباردة، أسعار الصرف ومعدلات التضخم ونسب النمو ، تخفي وراءها مأساة إنسانية هائلة. فعندما ينهار الريال في عدن أو يُخنق في صنعاء، فإن الضحية الأولى هي الإنسان العادي الذي يجد أن حياته تتآكل يوماً بعد يوم، وأن أحلامه وطموحاته تتبخر مع كل انخفاض في قيمة العملة أو كل زيادة في الأسعار.

تشير التقديرات إلى أن عشرات المليارات من الدولارات قد هربت من اليمن منذ بداية الأزمة. هذا الهروب لا يشمل فقط أموال الأثرياء ورجال الأعمال، بل أيضاً مدخرات الطبقة المتوسطة التي تحاول حماية ما تبقى من ثروتها. فالطبيب الذي كان يدخر لشراء عيادة، والمهندس الذي كان يخطط لبناء منزل، والتاجر الذي كان يوسع تجارته، جميعهم وجدوا أنفسهم مضطرين لتحويل أموالهم إلى الخارج أو إلى عملات أجنبية للحفاظ على قيمتها.

هذا الهروب الجماعي لرؤوس الأموال يحرم الاقتصاد اليمني من الاستثمارات اللازمة لإعادة البناء والأعمار. فبدلاً من أن تُستثمر هذه الأموال في مشاريع تخلق فرص عمل وتحرك الاقتصاد، تذهب لتقوية اقتصادات دول أخرى. إنه نوع من “النزيف الاقتصادي” الذي يضعف البلاد ويجعل التعافي أكثر صعوبة.

الفساد

لقد تجاوز الفساد في اليمن مرحلة “العمولات والصفقات” التقليدية إلى مرحلة “الاستحواذ الكامل” على مؤسسات الدولة. فبدلاً من أن تكون الدولة خادمة لشعبها، أصبحت مفترسة له. وبدلاً من أن تحمي ثروة الوطن، أصبحت تنهبها.

في الشمال، تحولت الدولة إلى آلة جباية عملاقة، تستخلص كل ما تستطيع من القطاع الخاص دون أن تقدم شيئاً في المقابل. التجار الذين كانوا شركاء في التنمية، أصبحوا “أبقار حلوب” تُستنزف حتى آخر قطرة. والنتيجة هي تدمير الطبقة المتوسطة التي كانت عماد الاقتصاد والمجتمع.

وفي الجنوب، تحولت مؤسسات الدولة إلى “إقطاعيات” يديرها المسؤولون لمصلحتهم الشخصية. فمن أصل إيرادات الدولة، لا يصل إلى الخزينة العامة سوى 25% هذا إن كانت تصل فعلاً ، بينما تختفي الـ 75% الباقية في جيوب المسؤولين والمحافظين والقادة العسكريين. إنه نهب منظم للثروة العامة، يتم تحت غطاء الشرعية والقانون.

من أبرز الظواهر التي لم يتطرق لها أحد ، وهي قديمة إلا انها تحصل على تحديثات جديدة ، ظاهرة “الجنود الوهميين” أو “الأسماء الوهمية” متجذرة في اليمن، وقد تفاقمت بشكل هائل خلال الحرب. يستخدم القادة العسكريون من مختلف الأطراف هذه الممارسة لجمع رواتب إضافية وتمويل أجهزتهم العسكرية والأمنية الخاصة. فبدلاً من أن تذهب رواتب الجنود إلى جنود حقيقيين يحمون الوطن، تذهب إلى جيوب القادة الذين يستخدمونها لبناء معسكرات موازية ولائها للقائد وليس للدولة.

هذا يفسر الحاجة الدائمة للاستحواذ على الموارد لتغطية نفقات هذه القوات الضخمة. فعندما يكون لديك 350 ألف فرد في التشكيلات العسكرية والأمنية، جزء كبير منهم وهميون أو يتبعون قادة وليس الدولة ـ فإن الحاجة لتمويل هذه الآلة العسكرية الضخمة تصبح أولوية تفوق كل الاعتبارات الأخرى، بما في ذلك رفاهية الشعب ومستقبل الوطن.

اليمن في السياق والتشابه الإقليمي

مع لبنان:

ما يحدث في اليمن يشبه انهيار البنوك الذي حدث في لبنان، مع اختلافات جوهرية في الأسباب الجذرية. في كلا البلدين، نشهد تجميداً فعلياً لودائع المواطنين “اللولار” في لبنان مقابل “الشيكات البنكية” في صنعاء. وفي كلا البلدين، فقدت العملة المحلية قيمتها بشكل كارثي، مما أدى إلى تآكل القوة الشرائية وارتفاع معدلات الفقر.

لكن الاختلاف الجوهري يكمن في طبيعة الأزمة. في لبنان، كان الانهيار نتيجة عقود من السياسات المالية والنقدية غير المستدامة التي وُصفت بأنها “هندسة مالية” أو مخطط بونزي منظم[6]. أما في اليمن، فالانهيار هو نتيجة مباشرة للحرب والانقسام الفعلي للمؤسسة النقدية إلى كيانين متصارعين.

مع ليبيا:

تتشابه الحالة اليمنية مع الليبية في وجود انقسام بالبنك المركزي بين الشرق والغرب، ووجود حكومتين متنافستين. لكن الاختلاف الجوهري هو أنه في ليبيا، استمر تدفق إيرادات النفط بشكل كبير، وتم إيداعها في حسابات خارجية تحت إشراف دولي. وكان الصراع على “كيفية إنفاق” هذه الأموال، وليس على “وجودها” من عدمه. هذا ما منع الانهيار الكامل لأي من الدينارين شرق وغرب.

في اليمن، المورد الرئيسي (النفط) شبه متوقف، مما يجعل الأزمة أعمق بكثير. فبدلاً من الصراع على توزيع الثروة، أصبح الصراع على البقاء الاقتصادي نفسه.

مع الصومال:

الصومال شهدت اختفاءً تاماً للبنك المركزي ولكل وظائفه، وسيطرت شركات الحوالات الخاصة والشبكات العشائرية على الدورة المالية بالكامل.

اليمن في خطر من الوصول إلى هذا السيناريو، لكنه لم يصل إليه بعد. وجود البنوك التجارية القديمة، وشبكات الصرافة المنظمة، ووجود كيانين يدّعيان وظيفة البنك المركزي، لكن استمرار الحرب المصرفية الحالية يدفع البلاد بثبات في هذا الاتجاه. فكلما طال أمد الانقسام، وكلما تعمقت الأزمة، كلما أصبح احتمال الانهيار الكامل للنظام المصرفي أكبر.

الاقتصاد الخفي

تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد غير الرسمي يشكل ما بين 60% إلى 80% من الاقتصاد اليمني. هذا الرقم المرعب يعني أن غالبية النشاط الاقتصادي تتم خارج سيطرة الدولة وأدواتها المصرفية، مما يضعف قدرتها على التحصيل الضريبي وتنظيم السوق.

من ناحية، يوفر هذا الاقتصاد الخفي آلية تكيف للمواطنين بعيداً عن تقلبات السياسات الرسمية. فالتاجر الصغير الذي يبيع في الشارع، والحرفي الذي يعمل من منزله، والمزارع الذي يبيع منتجاته مباشرة للمستهلك، جميعهم يجدون في الاقتصاد غير الرسمي ملاذاً من فوضى الاقتصاد الرسمي.

لكن من ناحية أخرى، فإن هيمنة الاقتصاد غير الرسمي تعني ضعف الدولة وعدم قدرتها على أداء وظائفها الأساسية. فعندما تفقد الدولة السيطرة على معظم النشاط الاقتصادي، تفقد أيضاً القدرة على تقديم الخدمات العامة وحماية المواطنين وتنظيم السوق.

تكلفة الاجيال

لعل أكثر التكاليف إيلاماً هي التكلفة التي تدفعها الأجيل لهذه الأزمة. فجيل كامل من الشباب اليمني ينشأ في ظل هذه الأزمة، ويرى الفساد والانهيار كأمر طبيعي. هؤلاء الشباب لم يعرفوا الاستقرار الاقتصادي، ولم يروا دولة تعمل بكفاءة، ولم يختبروا معنى الثقة في المؤسسات.

هذا الجيل يكبر وهو يرى أن الطريقة الوحيدة للنجاح هي الفساد أو الهجرة. فالشاب الذي يرى أن المسؤولين ينهبون ثروة البلاد بينما الشعب يعاني، لن يؤمن بقيم العمل الشريف والخدمة العامة. والفتاة التي ترى أن التعليم لا يؤدي إلى وظيفة كريمة، ستفقد الأمل في المستقبل.

إن هذه التكلفة قد تكون الأخطر على الإطلاق، لأنها تعني أن حتى لو انتهت الحرب وتوحدت المؤسسات، فإن إعادة بناء الثقة والقيم سيحتاج إلى عقود. إنه مستقبل مسروق، وجيل ضائع، وأمة تفقد أهم مواردها ، شبابها وأملها.

في النهاية، إن ما يحدث في اليمن ليس مجرد أزمة اقتصادية، بل هو تدمير ممنهج لنسيج المجتمع وقيمه ومؤسساته. إنه تحويل وطن كامل إلى ورقة نقدية يتاجر بها المتحاربون، بينما يدفع الشعب الثمن من دمه ولقمة عيشه ومستقبل أطفاله.

طرق متشعبة نحو المجهول – السيناريوهات

بينما يجلس أحمد في منزله المظلم، يتساءل عما إذا كان أطفاله سيعيشون يوماً في وطن طبيعي، حيث الراتب يكفي لشراء الطعام، والكهرباء تعمل بانتظام، والمستقبل يحمل الأمل بدلاً من الخوف. هذا السؤال لا يطرحه أحمد وحده، بل ملايين اليمنيين الذين يبحثون عن ضوء في نهاية النفق.

إن الخروج من هذه الأزمة المعقدة ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وتضحيات من جميع الأطراف، وفهماً عميقاً لطبيعة المشكلة وجذورها. فالأزمة الاقتصادية لم تعد مجرد نتيجة للصراع، بل أصبحت وقوداً له، حيث تستفيد الأطراف المتحاربة من استمرارها.

السيناريوالتوصيف
 استمرار الوضع الراهنإذا استمر الوضع على ما هو عليه، دون تدخل جذري أو حل سياسي، فإن المسارين المتباينين سيستمران في التطرف أكثر فأكثر. في الجنوب، لا يوجد قاع لسعر الصرف، وقد نشهد أرقاماً كارثية تتراوح بين 5,000 إلى 10,000 ريال للدولار خلال السنوات القليلة القادمة. هذا سيؤدي إلى دولرة كاملة للاقتصاد، حيث تصبح العملة المحلية مجرد ورق لا قيمة له، ويتحول الناس بالكامل إلى استخدام الدولار الأمريكي أو الريال السعودي في معاملاتهم.في الشمال، سيبقى الاستقرار المصطنع على حساب تعميق الركود والمزيد من الفقر. ستستمر أزمة الشيكات البنكية في التفاقم، وستتآكل الودائع أكثر فأكثر، حتى تصبح البنوك مجرد مباني فارغة. وستستمر سياسة الاستخلاص في سحق ما تبقى من القطاع الخاص، حتى يصبح الاقتصاد مجرد آلة لتمويل الحرب.هذا السيناريو سيؤدي في النهاية إلى انهيار كامل للدولة اليمنية كمفهوم اقتصادي وسياسي، وتحولها إلى مجموعة من الكانتونات المتصارعة، وقد يتشكل فعلياً الصومال اليمني.
 التدخل الخارجي المحدوديمكن للمجتمع الدولي، وخاصة دول التحالف العربي، أن يتدخل بدعم مالي كبير للبنك المركزي في عدن، مع فرض شروط صارمة على الحوكمة وضبط الإنفاق ووقف الفساد. هذا التدخل يمكن أن يوقف الانهيار المتسارع للريال، ويعيد بعض الاستقرار للأسواق. لكنه حل مؤقت ومحدود الأثر، لأنه لا يعالج الجذور السياسية للأزمة. فطالما بقي الانقسام السياسي والمؤسسي قائماً، فإن أي دعم خارجي سيكون مجرد مسكن مؤقت. وبمجرد انتهاء الدعم أو تراجعه، ستعود الأزمة للظهور بقوة أكبر.
 الحل السياسي الشاملالسيناريو الأمثل، لكنه الأصعب تحقيقاً. يتطلب هذا السيناريو تسوية سياسية شاملة تؤدي إلى إعادة توحيد المؤسسات، وأهمها البنك المركزي. هذا يعني الاتفاق على إدارة موحدة للسياسة النقدية، وتوحيد العملة، وإعادة بناء الثقة في النظام المصرفي.لكن تحقيق هذا السيناريو يتطلب تنازلات كبيرة من جميع الأطراف. فسلطات صنعاء ستحتاج للتخلي عن سيطرتها الكاملة على الاقتصاد في مناطقها، والحكومة الشرعية ستحتاج لإثبات قدرتها على الحوكمة الرشيدة وضبط الفساد. والأهم من ذلك، ستحتاج جميع الأطراف للاتفاق على آلية عادلة لتوزيع الموارد والسلطة.
 التقسيم الرسميفي حالة فشل كل محاولات التوحيد، قد يصبح التقسيم الرسمي للبلاد هو الحل الوحيد المتبقي. هذا يعني الاعتراف الدولي بوجود دولتين او ثلاث منفصلة، لن يكون ذلك على ما كان قبل الوحدة 90 ، وانما حدود ومسارات جديدة ، لكل منها عملتها ونظامها الاقتصادي الخاص. هذا السيناريو قد يوقف الحرب الاقتصادية، لكنه سيكرس التقسيم ويجعل إعادة التوحيد في المستقبل أكثر صعوبة.

خارطة طريق للتعافي

إن الخروج من هذه الأزمة يتطلب نهجاً متدرجاً ومتكاملاً، يبدأ بوقف النزيف الفوري، ويمر بمرحلة بناء الثقة، وينتهي بإعادة التوحيد الكامل للمؤسسات. فيما يلي مصفوفة مقترحة للحلول:

الجهةالاستراتيجية
 الحكومة الشرعية (المعترف بها دولياً)إجراءات فورية أقل من سنةتوحيد الأجهزة الأمنية والعسكرية وهيكلتها، وتغيير سياسي جذري للحكومة والقيادة السياسية.تشكيل لجنة اقتصادية عليا محايدة ومستقلة لإدارة الأزمة، تضم خبراء اقتصاديين وقد يكون لها ارتباط بالجهة الداعمة للحكومة (التحالف العربي).إصدار قرارات حازمة لإجبار جميع المؤسسات الإيرادية (147 مؤسسة) على توريد إيراداتها للخزينة العامة، مع فرض عقوبات صارمة على المخالفين.تفعيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، والمحاكم الإدارية. تجميد جميع الحسابات المصرفية للمسؤولين المشتبه في فسادهم، وإجراء تدقيق شامل لثرواتهم.
إجراءات متوسطة سنة الى سنتينإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإلغاء تراخيص البنوك الوهمية التي تم إنشاؤها وتحديداً التي تعمل على غسيل الأموال.وضع ميزانية عامة شفافة ومعلنة، مع آليات رقابة صارمة على الإنفاق.إطلاق برنامج شامل لمحاربة الفساد، يشمل محاكمة المسؤولين الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة.إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية، وخاصة قطاع الكهرباء والمياه.
إجراءات طويلة أكثر من سنتيناستئناف صادرات النفط والغاز بحماية دولية، لتوفير مصدر مستدام للعملة الصعبةإطلاق برنامج إصلاح اقتصادي شامل بدعم من المؤسسات المالية الدوليةبناء مؤسسات حكم رشيد قادرة على إدارة الاقتصاد بكفاءة وشفافية.
 حكومة صنعاء (سلطة الأمر الواقع)إجراءات فورية أقل من سنةالقبول بآلية فنية محايدة، تحت إشراف دولي، لضمان وصول المرتبات لجميع موظفي الدولة، بغض النظر عن المنطقة الجغرافية.وقف إصدار عملات جديدة، والعودة للتعامل مع العملة الموحدة وقد يشمل ذلك إيجاد آلية لدمج العملات من الطرفين.تخفيف القيود الخانقة على القطاع الخاص، والسماح بحرية التجارة والاستثمار.
إجراءات متوسطة سنة الى سنتينزيادة الشفافية حول الإيرادات والنفقات العامة، ونشر تقارير دورية عن الوضع المالي.السماح للبنوك بالعمل بحرية أكبر، وحل أزمة الشيكات البنكية تدريجياً.تقليل الاعتماد على الجبايات القسرية، والانتقال نحو نظام ضريبي عادل وشفاف.
إجراءات طويلة أكثر من سنتينالمشاركة في عملية إعادة توحيد المؤسسات النقدية والمالية.الانتقال إلى نموذج الدولة الخدمية.الاستثمار في التنمية البشرية والبنية التحتية.
 القطاع الخاصاستراتيجيات الحمايةالتحوط بالعملة الصعبة قدر الإمكان، وتقليل التعرض للعملة المحلية المتقلبة.تنويع الاستثمارات جغرافياً، وعدم الاعتماد على منطقة واحدة.التركيز على السلع والخدمات الأساسية التي تحتاجها الأسواق المحلية.بناء شراكات مع القطاع الخاص في الدول المجاورة لضمان استمرارية الأعمال.
استراتيجيات النموالاستثمار في التكنولوجيا والحلول الرقمية التي تقلل الاعتماد على البنية التحتية التقليدية.تطوير نماذج أعمال مرنة قادرة على التكيف مع التغيرات السريعة . (نموذج الاعمال الريادية والربط بسلاسل القيمة المحلية)بناء علاقات قوية مع المجتمعات المحلية لضمان الحماية والدعم.الاستثمار في التدريب وتطوير المهارات للاستعداد لمرحلة ما بعد الأزمة.تفعيل المسؤولية المجتمعية بشكل واسع ومنظم.
 المنظمات الدولية المانحةالضغط السياسياستخدام النفوذ الدبلوماسي للضغط على جميع الأطراف لتوحيد البنك المركزي.ربط أي دعم مالي بتحقيق تقدم ملموس في الإصلاحات.
الدعم الفنيتقديم المساعدة الفنية لبناء قدرات البنك المركزي في مجال الحوكمة والرقابة.دعم برامج التدريب وتطوير الكوادر البشرية في القطاع المصرفي.تقديم الاستشارات في مجال السياسة النقدية وإدارة أسعار الصرف.
إعادة التوجه في المساعداتالانتقال من المساعدات النقدية المباشرة إلى دعم مشاريع التنمية المستدامة.التركيز على مشاريع البنية التحتية التي تخلق فرص عمل وتحرك الاقتصاد.دعم برامج التعليم والتدريب المهني لإعداد جيل قادر على إعادة البناء.
 المواطنالحماية الشخصيةكلما أمكن:تحويل أي مدخرات فائضة إلى أصول عينية (ذهب) أو عملة صعبة.تقليل الاعتماد على السوق من خلال الزراعة المنزلية والإنتاج الذاتي.بناء شبكات تكافل اجتماعي قوية مع الأقارب والجيران.ترشيد الاستهلاك والتركيز على النفقات الأساسية.
الاستثمار في المستقبلكلما أمكن: استعد للهجرةالاستثمار في التعليم والمهارات، خاصة المهارات التقنية والرقمية.تعلم لغات أجنبية ومهارات قابلة للتطبيق في أسواق عمل مختلفة.بناء علاقات مهنية واجتماعية قوية يمكن الاعتماد عليها.المحافظة على الأمل بالله عز وجل والثقة به ايمان به بإن التغيير الإيجابي قادم بحول الله وقوته.

الطريق نحو إعادة التوحيد النقدي

إن إعادة توحيد النظام النقدي اليمني ليس مجرد حلم، بل هو ضرورة حتمية لأي مستقبل مستقر للبلاد.  لكن تطبيق أي حلول يواجه عدد من التحديات ابرزها:

  1. الأطراف المتحاربة تستفيد من استمرار الأزمة الاقتصادية، لأنها تمنحها أدوات سيطرة على المجتمع وتمويل الحرب. إقناعها بالتخلي عن هذه المكاسب قصيرة المدى لصالح الاستقرار طويل المدى يتطلب ضغطاً دولياً هائلاً وحوافز قوية.
  2. الاقتصاد اليمني مدمر إلى حد كبير، والبنية التحتية متهالكة، ورؤوس الأموال هربت إلى الخارج. إعادة بناء اقتصاد منتج يتطلب استثمارات ضخمة ووقتاً طويلاً.
  3. جيل كامل نشأ في ظل الحرب والفساد، وفقد الثقة في المؤسسات والقيم. إعادة بناء هذه الثقة وترسيخ قيم العمل الشريف والخدمة العامة يتطلب جهداً تربوياً وثقافياً طويل المدى.
  4. اليمن محاط بقوى إقليمية متنافسة، كل منها لها أجندتها الخاصة. تحقيق الاستقرار في اليمن يتطلب توافقاً إقليمياً والتوافق على المصالح المشتركة بين دول الإقليم بما يحقق الاستقرار في اليمن ويحقق في ذات الوقت مصالح الأطراف الاقليمية.

إن وضعنا آلية للتعامل مع التحديات السباقة ، يمكن النظر الى المقترح التالي لتوحيد النظام المصرفي والنقدي في اربع مراحل كما يلي:

المرحلةالاجراء
 وقف التصعيد أول 6 اشهروقف طباعة عملات جديدة من جميع الأطراف.وقف إصدار قرارات تصعيدية ضد البنوك أو القطاع المالي.تشكيل لجنة فنية مشتركة من خبراء محايدين لدراسة آليات التوحيد على ان يكون بينهم مشاركون من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
 بناء الثقة 6 الأشهر التاليةإنشاء آلية موحدة لدفع رواتب موظفي الدولة في جميع المناطق.توحيد أسعار الصرف تدريجياً من خلال آليات السوق.إعادة تفعيل التحويلات المصرفية بين المناطق المختلفة.
 التوحيد التدريجي 12-24 شهراًدمج العمليات المصرفية تدريجياً تحت إشراف إدارة موحدة.توحيد السياسة النقدية وأدوات الرقابة المصرفية.إطلاق عملة موحدة جديدة تحل محل جميع الإصدارات السابقة وسحب القديم بالكامل.
 إعادة البناء 24 شهراًإعادة بناء الثقة في النظام المصرفي من خلال ضمانات دولية.إطلاق برامج شاملة لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية.تطوير أسواق مالية حديثة قادرة على دعم النمو الاقتصادي.

في الختام:

عندما ينظر أحمد إلى أطفاله النائمين في الظلام، يتذكر الأيام التي كان فيها الضوء يملأ البيت، والراتب يكفي لشراء الأحلام وليس فقط الطعام. يتذكر وطناً كان فيه للعملة قيمة، وللعمل معنى، وللمستقبل وعد.

هذا الوطن لم يمت، بل هو نائم تحت ركام الحرب والفساد. وإيقاظه ممكن، لكنه يتطلب إرادة جماعية من جميع اليمنيين ، حكاماً ومحكومين، شمالاً وجنوباً، مدنيين وعسكريين. يتطلب الاعتراف بأن الوطن أكبر من أي حزب أو جماعة أو مصلحة شخصية.

إن حكاية الريالين في وطننا لا يجب أن تنتهي بانقسام دائم أو انهيار كامل. يمكن أن تنتهي بعودة الوحدة، وإعادة البناء، وولادة جديدة لوطن يستحق أطفاله مستقبلاً أفضل. لكن هذا يتطلب من كل منا أن يختار:

هل نريد أن نكون جزءاً من المشكلة، أم جزءاً من الحل؟

الوقت ينفد، والوطن ينتظر.

اصلح الله بالكم

أحمد مبارك بشير

‏28‏/07‏/2025


[1]  حسب الموازنة الحكومية في العامين 2013 و 2014.

[2]  صنعاء  للدراسات https://sanaacenter.org/ar/publications-all/analysis-ar/11589

[3]  اللولار (Lollar) أو دولار بنكي  وهو مصطلح غير رسمي يشير إلى الودائع المقومة بالدولار الأمريكي في البنوك اللبنانية، والتي أصبحت غير قابلة للسحب إلا بالليرة اللبنانية بأسعار صرف أقل بكثير من سعر السوق السوداء. هو في الأساس رصيد بالدولار في حسابات مصرفية لبنانية، ولكن لا يمكن الوصول إليه أو تحويله إلى دولارات فعلية. https://www.alsafanews.com/article/15694-%D8%B6%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%B3%D8%AF%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%88%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1

[4]  دكننة من دكان.

[5]  https://documents1.worldbank.org/curated/en/099103206302561755/pdf/IDU-7e9c81f8-af50-45f0-b454-e73ae077727e.pdf

[6]  نظام بونزي، نظام بيع هرمي او ما يعرف بسلسلة السعادة وهي شكل من أشكال الاحتيال يقوم على مبدأ استدراج المستثمرين من خلال دفع أرباح للمستثمرين السابقين باستخدام أموال من المستثمرين الأحدث. ( يمكن تقريب الصورة اكثر بشركات بلقيس الحداد).

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.