الاقتصاد تحت قصف الحرب والانقسام
(التشخيص واستشراف الحل)

الاقتصاد تحت قصف الحرب والانقسام
(التشخيص واستشراف الحل)

مرحبا،
مر ما يقارب الشهر 3 مايو 2025 ، لإعلان مجلس القيادة لرئاسي تعيين وزير المالية بالحكومة المعترف بها دوليا سالم صالح بن بريك رئيسا للوزراء، خلفاً لأحمد عوض بن مبارك الذي أعلن استقالته ، بعد صراع من الوزراء ، في هيكل حكومي “غير صحي” وغير منسجم في ظل الازمة ، وفي ذات الوقت يأتي الرئيس بن بريك على رأس ذات الحكومة بأعضائها دون تغيير او تقليص او تحديد للأدوار والصلاحيات، او استلام قدرات أفضل للعمل في ظل الازمة ، ويضاف إلى هذا التعقيد الغريب في الاختيار ” لرجل تقليدي متعمق في جذور الأدوار الوظيفية البيروقراطية للدولة ، ومالي معتق ، لا يفوض بسهولة ولا يثق بسرعة ” ، فالصورة (الروتينية) للعمل لن تتغير كثيراً لكن هل هذا إيجابي او سلبي ، لنفهم ما الذي يمكنه ان يحدث من تغيير ، ننظر لمن سبقه (سنجد الحواجز ) كبيرة والعقد لم تنفك بعد. وكأن اختيار فقط (لضرب ابرة فلوتارين) للناس ، واخبار المعارضين لبن مبارك ، انه تم الاستجابة لمطالبكم (ها وبعدين كيف بيقع؟.. مانا داري! )
كعادتي في كل ورقة (مقال) ، لا اسعى الى (النقد كهدف ) وانما التعاطي مع المشكلة اليمنية
واقتراح الحلول (التي اظنها مناسبة) عبر تشخيص الواقع الاقتصادي الكارثي، وتحليل جذور الأزمة، واقتراح حلول عملية قابلة للتنفيذ على المدى القريب والبعيد، بما يعزز فرص التعافي والاستقرار،
حاولت ان استفيد من التقارير التي ينشرها مكتب المبعوث الأممي، رغم انها سياسية الى العمق ، لكن سعيت لوضع قالب اقتصادي عبر الاطلاع على تقارير البنك الدولي وابرزها التقرير الأخير “كيف يمكن للقطاع الخاص تعزيز النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا[1]” المنشور في ابريل 2025 ، وهذا عدا ما استمر في نشره والحديث عنه في كل فرصة .
هذه الورقة تخاطب من يهمه الامر، وعلى راسهم الحكومة و القيادة السياسية، والتحالف العربي، وكل من يهمه أمر استقرار اليمن.
اليمن الذي سقط في هاوية إنسانية واقتصادية غير مسبوقة، نتيجة سنوات من الصراع المدمر والانقسام السياسي الحاد.
لم تعد الأزمة مجرد أرقام وإحصائيات صادمة، بل واقع مرير يطحن حياة الملايين يومياً، مهدداً بنية الدولة والمجتمع ومستقبل الأجيال القادمة.
أولاً: التشخيص: اقتصاد تحت الأنقاض
- الصورة الاقتصادية الكلية لليمن قاتمة بكل المقاييس (لم اجد لوناً اكثر حدة بعد الأسود سوى القاتم). فالانهيار لم يقتصر على قطاع دون آخر، بل شمل كافة مفاصل الاقتصاد الوطني، ويمكن تلخيص أبرز ملامحه في النقاط الآتية وقد اشرت الى اغلبها في مقالات سابقة:
- تشير تقديرات البنك الدولي إلى انكماش حاد في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، حيث انخفض من حوالي 45 مليار دولار عام 2014 إلى ما يقارب 21 مليار دولار عام 2023 ، مع التأكيد ان هذا الرقم كان في ظل استمرار المنح الدولية ، فما بالنا اليوم 2025 مع توقف المنح او انخفاضها التدريجي بدون صورة واضحة ما البديل في ظل توقف الصادرات النفطية المعززة للميزان التجاري . هذا الانكماش الهائل، يمثل خسارة لأكثر من نصف حجم الاقتصاد ” وقد يكون وصل الى اقل من هذا الرقم قد نكون خسرنا أكثر من ثلثي حجم الاقتصاد” ، حيث فاقم تأثير التضخم العالمي وكما اشرت انقطاع المصادر الأخرى كالمنح الدولية ، كما أدى تدهور سعر صرف الريال اليمني بشكل متسارع، خاصة مع وجود سعرين للصرف بين مناطق سيطرة الحكومة الشرعية ومناطق سيطرة حكومة صنعاء، إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين ودفع الملايين إلى ما دون خط الفقر ” خط الفقر يساوي تقريباً 2.5$ في اليوم” المواطن الذي لديه مرتب في المتوسط لديه في اليوم 80 سنتاً أي أننا فعلياً تجاوزنا ما دون خط الفقر ، وهذا تلقائياً ينعكس على أزمة الأمن الغذائي بشكل واسع .
- يعد انقسام البنك المركزي اليمني بين صنعاء وعدن أحد أخطر مظاهر الأزمة وتداعياتها. فقد أدى هذا الانقسام إلى فقدان الثقة بالقطاع المصرفي، وشلل السياسة النقدية، وصعوبات هائلة في التحويلات المالية الداخلية والخارجية، بما في ذلك تحويلات المغتربين التي تمثل شريان حياة لملايين الأسر. كما أن العقوبات الدولية المفروضة على أفراد وكيانات داخلية، والقيود المفروضة على التعاملات المالية بسبب تصنيفات المخاطر العالية، زادت من عزلة القطاع المصرفي اليمني وأضعفت قدرته على دعم النشاط الاقتصادي. “كان لدينا نظام مصرفي مقبول ، صال لدينا نظام مصرفي خارج التصنيف.”
- توقفت صادرات النفط والغاز تقريباً، والتي كانت تشكل المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة والعملة الصعبة قبل عام 2015، مع عدم وجود بديل لتعزيز الميزان التجاري. كما تضررت القطاعات الإنتاجية الأخرى (الزراعة، والصناعة، وغيرها) بشدة بفعل الحرب، وتدمير البنية التحتية، وانقطاع سلاسل الإمداد، وصعوبة الوصول إلى الأسواق. وتفاقمت أزمة الواردات والصادرات مؤخراً بفعل التوترات في البحر الأحمر. ونتيجة لذلك، اتسع العجز في الميزان التجاري بشكل هائل، فبعد أن كان يقارب 3-4 مليارات دولار قبل 2015 (يغطى بتحويلات المغتربين وعائدات النفط)، قفز العجز ليتجاوز 9 مليارات دولار سنوياً بحلول 2023 “أعتقد اننا تجاوزنا 13 مليار ، في 2025” و لم تتجاوز قيمة الصادرات 1.5 مليار دولار (معظمها نفط خام متقطع إلى ما قبل 2023) مقابل واردات تجاوزت 11.4 مليار دولار في 2023 (دون احتساب الواردات المهربة) (توقفت صادرات النفط تقريباً بعد استهداف الحوثيين للموانئ النفطية في نهاية 2022م).
- يعاني القطاع الخاص اليمني، الذي يفترض أن يكون قاطرة النمو، من تحديات جمة تفاقمت بفعل الحرب والانقسام. فبالإضافة إلى التحديات الهيكلية المزمنة التي كانت قائمة قبل 2015 (ضعف البنية التحتية، وصعوبة التمويل، ونقص الكفاءات، وتعقيد الإجراءات)، أضيفت تحديات جديدة مدمرة (انعدام الأمن، وتدهور البنية التحتية بشكل أكبر، وانقسام السوق، وتدهور القدرة الشرائية، وصعوبة التحويلات، وتعدد الجبايات والرسوم). وهذا يتوافق مع ما يشير إليه تقرير البنك الدولي حول ضعف ديناميكية القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل عام، وهو ما يبدو أكثر حدة في السياق اليمني.
ثانياً: جذور الأزمة: تقاطع الحرب والسياسة:
- لا يمكن فصل الانهيار الاقتصادي عن سياقه السياسي والأمني المعقد. فالأزمة الاقتصادية ليست مجرد نتاج مباشر للحرب، بل هي أيضاً نتيجة لتشابك عوامل سياسية وحكومية عمقت من آثار الصراع ودمرت أي إمكانية للتعافي، وأبرزها:
- يعاني اليمن من انقسام عمودي وأفقي. فالانقسام الرئيسي بين الحكومة المعترف بها دولياً وحكومة صنعاء ، يترافق مع انقسامات وتجاذبات حادة داخل مكونات الشرعية نفسها. وما التغيير الوزاري الأخير في عدن التي اشرت اليها سابقاً (تغيير رئيس الوزراء ” بن بريك” مع بقاء معظم الوزراء الذين يشاركون الرئيس السابق نفس الأخطاء والعقد والانقسامات) إلا دليل على استمرار هذه التجاذبات وصعوبة بناء جبهة موحدة قادرة على إدارة الدولة بفعالية. وفي المقابل، يعزز تشكيل حكومة جديدة في صنعاء (حكومة الرهوي) واقع الانقسام المؤسسي العميق.
- غياب الهدف الوطني المشترك. فعندما تتصارع الأجندات الضيقة (السياسية، والمناطقية، والفئوية، وحتى الشخصية) وتتغلب على المصلحة الوطنية العليا، يصبح من المستحيل الاتفاق على رؤية موحدة للحل أو حتى على أولويات مرحلية لإدارة الأزمة. هذا التضارب في الأهداف لا يؤدي فقط إلى شلل سياسي، بل يدمر بشكل مباشر أي فرصة للتعافي الاقتصادي، حيث تستنزف الموارد الشحيحة في الصراعات الداخلية، وتعرقل القرارات الاقتصادية الضرورية، وتفقد الثقة المحلية والدولية في قدرة أي طرف على قيادة البلاد نحو الاستقرار.
- طبيعة الحرب في اليمن، ببعدها الداخلي والإقليمي، وباعتمادها على أساليب غير متكافئة وحروب بالوكالة، تطيل أمد الصراع وتجعله أكثر تدميراً للبنية التحتية والنسيج الاجتماعي والاقتصادي. كما أدت الحرب إلى نشوء اقتصاد حرب يستفيد منه أمراء الحرب وشبكات المصالح المرتبطة بالصراع، مما يعيق أي جهود لتحقيق سلام أو استقرار حقيقي.
- أدى الصراع وتداعياته إلى تفاقم عزلة اليمن، لا سيما في ظل العقوبات الدولية المفروضة بموجب قرارات مجلس الأمن، وبالأخص القرار 2216 الصادر تحت الفصل السابع. و بقاء اليمن تحت طائلة هذا الفصل يعكس قلق المجتمع الدولي المستمر إزاء تهديد السلم والأمن، مما يفرض قيوداً إضافية. يضاف إلى ذلك تصنيف بعض الأطراف كجماعات إرهابية والقيود المفروضة على حركة التجارة والملاحة. كل هذه العوامل مجتمعة تزيد من صعوبة اندماج اليمن في الاقتصاد الإقليمي والعالمي، وتعيق تدفق الاستثمارات والمساعدات، وتحد من قدرة الدولة على التعافي، مما يفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية.
ثالثاً: استشراف الحلول:
- إن الخروج من هذا النفق المظلم يتطلب رؤية استراتيجية شاملة تتجاوز الحلول الجزئية والترقيعية التي ثبت عدم جدواها.
- ينبغي أن ترتكز هذه الرؤية على مبادئ أساسية وتوجهات واضحة، موجهة للحكومة الشرعية والتحالف والمجتمع الدولي:
- ينبغي أن يكون واضحاً لجميع الأطراف، وخاصة مكونات الشرعية، أن الوحدة الوطنية وتغليب المصلحة العليا ليستا ترفاً سياسياً، بل هما الشرط الاقتصادي والسياسي الأول والأساسي لأي تعافٍ ممكن. لا يمكن بناء اقتصاد في ظل التشرذم وتضارب الأهداف وخاصة ممن يقعون في الطرف الذي يحمل (الاعتراف الدولي به كشرعية وطنية للدولة اليمنية) . يتطلب هذا من القيادة السياسية في الحكومة الشرعية الارتقاء فوق الخلافات، والاتفاق على أولويات وطنية مرحلية واضحة (وقف الانهيار، وتأمين الخدمات، وتحييد الاقتصاد)، وتأجيل الخلافات الأخرى، مع الالتزام بأن تكون القرارات المستقبلية محكومة بالمصلحة الوطنية ومبادئ العدالة الانتقالية. لأن فشل الشرعية في توحيد صفها وقرارها هو أحد أكبر معوقات الحل.
- لا يمكن لأي حل اقتصادي أن يكون مستداماً دون التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تنهي الحرب وتعيد توحيد مؤسسات الدولة. يجب على الحكومة الشرعية والتحالف والمجتمع الدولي تكثيف الجهود الدبلوماسية، ودعم جهود المبعوث الأممي، للوصول إلى اتفاق سلام يمني-يمني يضمن مشاركة جميع الأطراف ويؤسس لمرحلة انتقالية مستقرة. ( وعدم السماح لاستمرار وضع “لا سلم ، لا حرب” فالانهيار المستمر ، يعني تضييق مساحة الاتفاق واطالة عمر الازمة الى عشريات أخرى، وتجربة الصومال شاهد قريب ومستمر.)
- إلا أنه في انتظار الحل السياسي، يجب العمل على تحييد الاقتصاد قدر الإمكان عن الصراع. يتضمن ذلك الاتفاق على آليات واضحة وشفافة لإدارة الموارد الوطنية (مثل عائدات النفط والغاز والجمارك والضرائب) وتوجيهها لتغطية النفقات الأساسية (المرتبات، والخدمات) في جميع أنحاء اليمن، بإشراف إقليمي و/او دولي محايد إذا لزم الأمر. كما ينبغي العمل مع التحالف العربي على تخفيف القيود المفروضة على الواردات الأساسية والمساعدات الإنسانية، ومراجعة آليات العقوبات وتصنيفات المخاطر لضمان عدم تأثيرها السلبي على المدنيين والقطاع الخاص الشرعي.
- يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دوراً محورياً في التعافي وخلق فرص العمل، ولكنه يحتاج إلى بيئة مواتية. ينبغي على الحكومة ، بدعم من التحالف و المانحين، العمل على: ( بعض مما سيذكر أدنا تحركت بها حكومة صنعاء تحديداً أ ، ب ، والتجربة الذكية لابد من الإشارة اليها مهما كان مصدرها ، وهي بذرة للتحسين وان لم يتحقق فيها التنفيذ الكامل بعد)
- إطلاق برنامج شامل لتبسيط الإجراءات الحكومية (التراخيص، والجمارك، والضرائب) من خلال التحول الرقمي وتطبيق “الشباك الواحد”.
- مراجعة وتحديث القوانين التجارية والصناعية والاستثمارية لجعلها أكثر شفافية وملاءمة.
- ضمان تكافؤ الفرص ومكافحة الممارسات الاحتكارية والفساد الذي يعيق الاستثمار.
- إعادة هيكلة القطاع المصرفي (بما في ذلك توحيد البنك المركزي وفق أي آلية مناسبة قد تشمل لجنة إدارية مشتركة يدعمه حيادها اطراف دولية او إقليمية )، وتشجيع دخول مؤسسات مالية قوية (وخاصة من دول التحالف) ، وإنشاء صناديق مشتركة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والصناعات الواعدة (الزراعية، السمكية، الحرفية، التحويلية الخفيفة……) بناءً على دراسات سلاسل القيمة.
- تطوير آليات لضمان الاستثمار وحماية حقوق المستثمرين.
- لا يمكن تحقيق استقرار اقتصادي دون إصلاح جذري للمالية العامة وتعزيز الحوكمة الرشيدة. يتطلب ذلك:
- إعادة بناء القدرات المؤسسية لوزارة المالية والبنك المركزي، وتطبيق معايير الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد العامة.
- اطلاق الموازنة الحكومية على ان تكون واقعية، وترشيد الإنفاق غير الضروري، وتفعيل آليات مكافحة الفساد.
- تحديد دور الدولة في الاقتصاد والتركيز على توفير البيئة المواتية للقطاع الخاص وتقديم الخدمات الأساسية.
- ينبغي أن يترافق التعافي الاقتصادي مع استثمار طويل الأمد في رأس المال البشري والمصالحة الوطنية:
- إعادة هيكلة منظومة التعليم والتدريب المهني لتلبية احتياجات سوق العمل، مع إطلاق برامج تأهيل خاصة للشباب والفئات المتضررة من الحرب (بما في ذلك المقاتلين السابقين) لدمجهم في الحياة الاقتصادية.
- إطلاق برامج لبناء قدرات القيادات والموظفين الحكوميين في التخطيط الاستراتيجي، وصياغة السياسات، والإدارة العامة الفاعلة.
- تعزيز مشاركة المرأة والشباب في عملية التنمية الاقتصادية والسياسية.
- ينبغي وضع آليات وطنية للعدالة الانتقالية تعالج انتهاكات الماضي وتضمن جبر الضرر وتحقيق المصالحة المجتمعية، بالاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال. ( وهذا فعلياً ما سينهي الضرر الناتج عن كل الماضي وفي كل الصراعات التي تمت ، وهذا يتطلب فعلياً حياد القضاء بشكل كامل وبما يشمله القضاء الإداري ، وتفعيل أدوار النظام العدلي، بأدواته بعيداً عن القرار السياسي والتدخلات الأمنية. )
رابعاً: البند السابع: عقبة أم ضرورة؟
- يخضع اليمن لقرارات مجلس الأمن المتخذة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وأبرزها القرار 2216 لعام 2015. يمنح الفصل السابع مجلس الأمن سلطة اتخاذ تدابير إلزامية، بما في ذلك العقوبات واستخدام القوة، للحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما، وذلك بعد أن يقرر المجلس وجود تهديد للسلم أو إخلال به أو وقوع عدوان (المادة 39).
- جاء إدراج اليمن تحت الفصل السابع وفرض العقوبات نتيجة لتدهور الوضع الأمني والسياسي، واستيلاء الحوثيين على مؤسسات الدولة بالقوة، وتهديدهم للسلم الإقليمي والدولي. ورغم أن الهدف المعلن هو الضغط على الأطراف المعرقلة للسلام، إلا أن لهذا الإجراء تداعيات سلبية عميقة على الاقتصاد والمواطنين، من ذلك:
- يقلل من ثقة المستثمرين ويصعب التعاملات التجارية والمالية.
- يحد من التجارة والاستثمار ويرفع تكلفة الواردات الأساسية.
- • يحد من قدرة اليمن على الحصول على قروض دولية.
- يساهم في تدهور الاقتصاد وارتفاع البطالة والفقر.
- إن رفع اليمن من تحت طائلة الفصل السابع ليس قراراً سهلاً، ويتطلب قناعة مجلس الأمن بأن التهديد للسلم والأمن الدوليين الذي استدعى اتخاذ هذه التدابير قد زال أو انخفض بشكل كبير. يعتمد ذلك بشكل أساسي على:
- تحقيق تقدم ملموس نحو حل سياسي شامل ومستدام ينهي الصراع.
- توافق حقيقي داخل مكونات الشرعية نفسها حول رؤية موحدة للمستقبل هو شرط أساسي لإقناع المجتمع الدولي بإمكانية بناء دولة مستقرة قادرة على الوفاء بالتزاماتها.
- قدرة الحكومة الشرعية على بسط سلطتها واستعادة الاستقرار والأمن.
- لا يمكن المطالبة برفع الفصل السابع كهدف قائم بذاته بمعزل عن معالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى فرضه. يجب أن يكون رفع الفصل السابع نتيجة طبيعية لتحقيق تقدم حقيقي على الأرض، وليس شرطاً مسبقاً. ومع ذلك، يجب على الحكومة الشرعية والمجتمع الدولي العمل بالتوازي على:
- مراجعة نظام العقوبات بشكل دوري لضمان استهدافه للأفراد والكيانات المعرقلة للسلام بدقة، وتقليل آثاره السلبية على المدنيين والقطاع الخاص والعمل الإنساني.
- ربط أي تخفيف للعقوبات أو مراجعة لوضع الفصل السابع بخطوات ملموسة وقابلة للقياس تتخذها الأطراف على الأرض لتنفيذ قرارات مجلس الأمن والتقدم نحو السلام.
- العمل الجاد من قبل الحكومة الشرعية على توحيد صفها، وتعزيز الحوكمة، ومكافحة الفساد، وتقديم نموذج للدولة المسؤولة، هو أفضل سبيل لبناء الثقة اللازمة داخلياً وخارجياً، مما يسهل مستقبلاً مراجعة وضع اليمن تحت الفصل السابع. (رفع العقوبات مؤخراً عن الرئيس السابق علي عفاش ونجله أحمد قد يمثل خطوة في سياق بناء الثقة، لكنه لا يغير من جوهر التحديات المتعلقة بالفصل السابع).
خامساً: خلاصة التوصيات:
- إنقاذ الاقتصاد اليمني وإعادة بناء الدولة يتطلب جهداً استثنائياً وإرادة سياسية حقيقية تتجاوز المصالح الضيقة وتضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار. الطريق طويل وشاق، ولكنه ليس مستحيلاً إذا توفرت القيادة الرشيدة والدعم المنسق. نتوجه بهذه التوصيات المباشرة إلى الجهات المعنية:
- إلى الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً:
- الأولوية القصوى هي تجاوز الخلافات الداخلية، وتوحيد الرؤية والقرار داخل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، وتقديم نموذج للحكم المسؤول.
- البدء الفوري في إصلاحات هيكلية لتعزيز الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد في مؤسسات الدولة، وإعادة بناء القدرات المؤسسية. (عودتكم للحكم من اليمن جزء من ذلك).
- هيكلة وتوحيد القوات الأمنية والعسكرية المتناثرة تحت سلطة الحكومة متطلب لا مفر منه.
- حيادية القضاء واطلاق “سراح” أجهزة الرقابة والمحاسبة والعدالة من التدخلات السياسية ، واعطاءها الفرصة للحساب والعقاب ، وسريان قدرتها على بسط النظام العدلي في اليمن أمر لا مفر منه.
- السعي الجاد، بالتنسيق مع الأمم المتحدة والتحالف، لوضع آليات لتحييد الاقتصاد وإدارة الموارد بشفافية لصالح جميع اليمنيين.
- اتخاذ إجراءات عاجلة لتبسيط الإجراءات وتحسين بيئة الأعمال ودعم القطاع الخاص و نزع سلطات الحكومة في التدخل المباشر في الحياة الاقتصادية وجعلها مشرفة فاعلة لحياة اقتصادية صحية.
- التركيز على معالجة وضع الكهرباء والاتصالات وحيادية هذه القطاعات وتجنيب التدخلات السياسية فيها.
- الانخراط الجاد والبناء في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، والعمل على بناء الثقة مع جميع الأطراف، وتبني مبادئ العدالة الانتقالية كأساس للمستقبل.
- إلى دول التحالف العربي الداعم للشرعية:
- ممارسة الضغط الدبلوماسي اللازم لتوحيد صف الشرعية “وانهاء الانقسام الداخلي غير الصحي” ودعم جهودها لبناء دولة قوية ومستقرة والتركيز على الأوليات، لمصلحة الإقليم والدولة اليمنية.
- دعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي شامل، وتوفير الضمانات اللازمة لتنفيذه.
- تقديم دعم اقتصادي مباشر ومنسق للحكومة الشرعية، والمساهمة في تمويل خطط التعافي وإعادة الإعمار، وتسهيل حركة التجارة والاستثمار.
- العمل مع المجتمع الدولي لمراجعة القيود المفروضة على الموانئ والمطارات بما لا يخل بالاعتبارات الأمنية، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية.
- إلى المجتمع الدولي والجهات المانحة:
- ممارسة ضغط دبلوماسي منسق على جميع الأطراف للانخراط في العملية السياسية وتقديم التنازلات اللازمة.
- زيادة وتنسيق المساعدات الإنسانية والتنموية، والتركيز على دعم الصمود وبناء القدرات المحلية، والانتقال التدريجي نحو التعافي وإعادة الإعمار.
- تقديم الدعم الفني والتقني للحكومة اليمنية لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والحوكمة المؤسسية.
- مراجعة نظام العقوبات بشكل دوري لضمان فعاليته وتقليل آثاره السلبية، والنظر في مراجعة وضع اليمن تحت الفصل السابع بناءً على تقدم ملموس وقابل للقياس على الأرض.
- دعم الجهود الوطنية لبناء آليات فعالة للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
كلمة أخيرة: حكايتنا حكاية الزوايا المظلمة والوقوف أمام الأبواب المغلقة
أيها السادة، يا من يهمكم أمر اليمن، إن استمرار الوضع الحالي يعني استمرار المعاناة وتعميق الأزمة وربما انهيار الدولة بالكامل. التوصيات المذكورة أعلاه تبدو منطقية على الورق، ولكن في زوايا الواقع اليمني حكايات أخرى يجب أن تروى، أو ربما لا شيء واضح يمكن قوله. فالوزارات تبدو عاجزة وإن أبدت غير ذلك، والقطاع الخاص يعيش في ترقب دائم للضربة القادمة، لا يجرؤ على المبادرة. حتى القوانين والأدوات التي تطلق، سواء هنا أو هناك، تظل حبراً على ورق حبيسة الأدراج المغلقة، لأن الإرادة منزوعة والقرار مسلوب.
كيف نتحدث عن تصدير أو صناعة تحويلية قوية وكلفة الإنتاج محاطة بالألغام؟
الوقود مستورد بأسعار تفوق العالمية، والتأمين على الشحن لليمن باهظ الثمن لأنه في نطاق الخطر الأحمر، والموانئ مشلولة بفعل قيود البند السابع.
القيادة السياسية نفسها معصوبة الأعين في المهجر، والأمن يعاني الانفلات، والقضاء صامت عن حماية الحقوق. وإن همّ مستثمر بالمضي قدماً، أمسك بقراره صاحب النفوذ في عواصم القرار الإقليمية. وحتى كبار التجار، إلا قلة قليلة تخاطر بمبادرات فردية سرعان ما يصيبها الإحباط، يفضلون ترحيل أموالهم إلى الخارج بدلاً من المغامرة في تجربة صناعية في بلادهم التي تفتقر لأبسط مقومات الحماية والاستقرار. وإليكم مثال قريب صناعة واعدة في اليمن ، الصناعة السمكية، التي بدأت منذ الثمانينيات، لا تزال تخطو كحلزون الحدائق، بينما قفزت دول أخرى لا تملك مواردنا لتصبح قوى اقتصادية في هذا المجال.
إن لم نعالج هذه الجذور العميقة،
إن لم نستعد الإرادة والقرار،
إن لم نوفر الأمن والعدالة ونكسر قيود الوصاية والتكلفة الباهظة،
فلن نزحزح أركان هذه الأزمة قيد أنملة.
سنبقى نقف أمام الأبواب تائهين، لا ندري أي باب نفتحه فننجو.
إن المصلحة الوطنية العليا، ومستقبل اليمن، يتطلبان قراراً وطنياً شجاعاً اليوم قبل الغد.
قرار بالعودة إلى الحوار الحقيقي، وتغليب صوت العقل والمصلحة العامة، والاتفاق على هدف مشترك هو إنقاذ اليمن وإعادة بنائه على أسس العدل والمواطنة المتساوية والشراكة الحقيقية.
فإما أن تكون المصلحة وطنية، ويكون القرار يمنياً، وإما أن نستمر في هذه الدوامة المدمرة التي لن يخرج منها أحد منتصراً.
كتبت هذه الورقة ونحن في الأيام العشر من ذي الحجة ، أيام مباركة ، لكن الحزن ينتابني وأنا انظر الى حالنا ، حال كل الناس في كل محافظة ، وثورة النساء التي ولدت من عدن ، تسعى ان تجد لها ممسكاً بيدها للخروج من الأزمة ، فهل حان الوقت.
نسأل الله أن يفرج كربة اليمن وأهله.
والحمد لله رب العالمين،
أحمد مبارك بشير 31/05/2025
[1] https://documents1.worldbank.org/curated/en/099727204232525914/pdf/IDU-2caa361a-cb96-4c47-8246-ec493aa50397.pdf