الريال في العاصفة

المقال الاخير في الرابطة الاقتصادية العدد 32 صفحة 35

https://eaf-ye.com/admin/uploads/magazine/pdf/%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF32.pdf

الريال في العاصفة

ورقة عمل حول:

الوضع الاقتصادي في اليمن وتوصيات حول السياسات المالية والنقدية

مقدمة

منذ اندلاع الحرب في اليمن، تعرضت البلاد لأزمة اقتصادية غير مسبوقة، فالاقتصاد اليمني عانى ويعاني من تدهور مستمر في كافة القطاعات الحيوية، متأثراً بانقسام البنك المركزي إلى إدارتين متنافستين، واحدة في صنعاء والأخرى في عدن، وفقدان الحكومة ” في عدن” السيطرة منافذها الرئيسية وعلى الموارد الرئيسية الداخلية، وانخفاض او توقف صادرات البترول والغاز[1] ،

 إلى جانب ذلك،

تسببت الحرب في نقص شديد في السيولة، بسبب ضعف او انهيار المنظومة المصرفية، وغياب الثقة بها، يضاف اليه انهيار الميزان التجاري، وتصاعد معدلات التضخم والركود (تضخم كسادي)، مما أدى إلى تفاقم الوضع المعيشي للمواطنين بشكل مأساوي لتصبح أسوأ ازمة ، وما يجعلنا نتقدم هي بروز أزمات اكثر حدة كالأزمة في السودان او غزة،

كل هذا يخلق المزيد من الفقر ، والفقر المدقع ، وزيادة البطالة ان لم نقل ان الأغلبية القادرة على العمل تتحول لأغلبية عاطلة عن العمل تبحث عن من يكفلها،  

فقر غير مسيطر عليه ، والمقابلات مع شخصيات حكومية تثبت ان الحكومة  في عدن تعاني ذاتها من فقدان القدرة و السيطرة على الموارد المحلية والقدرة على التحرك للفعل، كما تعاني حكومة صنعاء من عجزها عن توفير السيولة للسوق الأكبر والذي تديره بحكم الامر الواقع، وتجد بوابة للتخفيف ايضاً من الفقر والحاجة في نطاق سيطرتها، الامر في قمة التعقيد.

وكما نعلم فالميزان التجاري اساساً غير متزن على الاطلاق “وغير متزن” امر لا يعبر فعلياً عن الوضع فالكلمة (بسيطة المعنى)! ،

التحديات الاقتصادية:

  • الانقسام البنكي والسياسي:
  • منذ نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في عام 2016، أصبح البنك المركزي منقسماً بين إدارتين متنافستين، مما أدى إلى ضعف قدرتهما على تنفيذ سياسات نقدية فعالة[2]، ومشتركة، وأصبحت البنوك في مواجهة ذلك مما دفع النظام المصرفي الى الانهيار.
  • انخفاض السيولة والتضخم:
  • تراجعت السيولة المحلية بشكل حاد في الأسواق اليمنية، مما أدى للبنك المركزي في عدن للقيام بطباعة العملة بآلية التمويل التضخمي[3] للحصول على النقد لتوفير ميزانية للمرتبات التي تمثل الميزانية الأساسية التي تعمل عليها الحكومة في عدن،
  • والان تحول لتمويل ذلك عن طريق مزادات العملة لاسترجاع النقد الذي لا يدور في منظومته البنكية ولا تصله الإيرادات بشكل طبيعي، مما دفع الى المضاربة في العملة وزيادة الفجوة السعرية بين الريال والعملات الأخرى ،  
  • من هذا فقدت العملة قيمتها ، مع عدم معالجة هيكل الأجور الذي تلقائيا مع هذا التضخم المفرط فقدت تلك الأجور قيمتها بأكثر من 800% مقارنة بقيمتها في 2014 [4].
  • انخفاض دعم المانحين:
  • انخفضت تمويلات المانحين لليمن بنسبة تصل إلى 80% منذ عام 2022، مما زاد من صعوبة توفير الاحتياجات الأساسية للسكان[5].
  • انهيار سعر الصرف:
  • وصل سعر صرف الريال اليمني في المناطق المحررة إلى أكثر من 1900 ريال مقابل الدولار الأمريكي في منتصف 2024،
  • في المقابل لا تمتلك الحكومة في عدن أي رؤية لمعالجة استقرار الصرف ، ومعالجة هيكل الأجور ، وإيجاد حلول اقتصادية فعالة للتعامل مع هذا الانهيار ، ويبدو ان الحكومة والقيادة السياسية تفتقد الى آلية تواصل مع الجهات الداعمة لها على رأسها التحالف ، و لا تمتلك خطة عمل مشتركة للعمل في الحفاظ على الاستقرار.

الفساد والانهيار المالي:

  • انتشار الفساد:
  • يعاني اليمن من مستويات عالية من الفساد، حيث أصبحت العديد من المؤسسات الحكومية تحت سيطرة مجموعات منظمة تعمل على نهب الموارد العامة[6]، يمكننا القول اننا تجاوزنا فكرة الفساد الى مرحلة (عصابات منظمة للنهب العام).
  • زيادة الأنشطة غير الرسمية:
  • أصبحت الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية تشكل أكثر من 80% من الاقتصاد اليمني، مما يعكس تدهور البنية الاقتصادية الرسمية، وهذا ينعكس تلقائيا على ضعف او غياب الرقابة المالية ، وزيادة البيروقراطية “غير المنظمة وغير الرسمية” في قلب المنظومة الرسمية للحكومة ، وتلقائيا الفساد يُولد من تعدد “متخذي القرار” وتعدد خطوات وإجراءات العملية في المنظومة الرسمية،
  • في الخلاصة ولد كل ذلك أنشطة غير رسمية في قلب النظام الرسمي، بمعنى “نظام أعرج”.
  • ازدادت الجرائم المنظمة وتمر مرور الكرام ولا يمكن الا ان تكون هناك يد حامية لاستمرارها من تهريب المخدرات الى تهريب البشر والأموال فغياب قدرة الدولة على السيطرة على منافذها البحرية، والبرية وهي اساساً موقع حيوي بين مفترق القارات الثلاث جعلها منفذاً كبيرا للتهريب المحلي والإقليمي .

التوصيات

  1. توحيد السياسة النقدية:
  2. ضرورة تشكيل لجنة مشتركة تضم ممثلين عن إدارتي البنك المركزي في صنعاء وعدن، بالإضافة إلى ممثلين عن القطاع الخاص والمجتمع الدولي (مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي)[7].
  3. يجب أن تُمنح هذه اللجنة صلاحيات مجلس إدارة البنك المركزي لتكون قادرة على تنفيذ السياسات النقدية بشكل فعّال.
  4. قد تشمل المعالجات الغاء العملات القديمة والجديدة، وفق إطار يجنب التراجع ويسهم في توحيد العملة،
  5. مع التأكيد، توحيد العملة لن يؤدي الى عودة أسعار الصرف الى ما قبل 2015، ولا يتطلب التركيز على هذه النقطة حتى وان استقر الصرف للدولار على 2000 والسعودي على 525، وانما التركيز هنا على استقرار الصرف عند حد معين، والبدء في معالجة هيكل الأجور بما يتناسب مع المتغير من 2014 الى 2024، هذه الخطوة ستدعم استقرار السوق ، وربما تكون ميزة السعر المنخفض للعملة اليمنية ، قيمة مضافة في كون اليمن منطقة لوجستية للتصدير، وتخدم نطاق القرن الافريقي بالكامل،
  6. إعادة هيكلة الوزارات:
  7. تقليص عدد الوزارات وتشكيل حكومة مصغرة، وفريق ازمة يضم كفاءات عالية لضمان اتخاذ قرارات فعّالة[8].
  8.  تعزيز الرقابة المالية واهم عمل في ذلك تفعيل دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لضمان الشفافية ومحاربة الفساد بشكل فعّال
  9. يتطلب أيضا العمل فوراً على تقليص الإجراءات والخطوات في الاعمال الحكومية لزيادة الرقابة والسيطرة والحد من الأنشطة غير الرسمية التي نشأت من طول العمليات الحكومية واجراءاتها “التي تبدو رسمية” .
  10. ينبغي العمل بشكل مشترك و تنسيق عالي المستوى مع التحالف للوصول الى خريطة المصالح والتوقعات، من خلال لجنة او فريق مختص يعمل مع فريق الطرف الثاني ، في وضع الخريطة والخطة للانتقال الى توحيد مسار القرار، والعمل في مسار مشترك للخروج من الازمة الاقتصادية ويليها الازمة السياسية.
  11. إصلاح النظام البنكي
  12. معالجة وضع الصرافين وتحويلهم إلى جزء من النظام البنكي الرسمي لتجنب انتشار الأنشطة المالية غير القانونية،
  13. لا يعني ذلك تحويلهم الى بنوك ، بل هذا الوضع الاستثنائي يتطلب أفكار استثنائية للمعالجة، للاستفادة من ثقة الناس بالصرافين وتجنبهم البنوك ، فالضغط على الصرافين قد يؤدي الى زيادة خوف العملاء ومزيد من العودة لنقطة الصفر في الوصول الى النقد الطبيعي ودورته واثره في التنمية.

الخلاصة:

  • التحديات الاقتصادية في اليمن تتطلب تبني سياسات نقدية، ومالية مستدامة وفعالة واستثنائية، فينبغي على الحكومة اليمنية بالتعاون مع المجتمع الإقليمي و الدولي والتركيز على:
  •  وضع خريطة طريق وعمل مشترك والعمل سوية لمعالجة الوضع الاقتصادي،
  • ومنها توحيد السياسة النقدية،
  • وتحسين الشفافية ومحاربة الفساد،
  •  وتنظيم القطاع المالي لضمان تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتخفيف المعاناة عن المواطنين.

احمد مبارك بشبر

‏11‏/08‏/2024


[1] توقف الرسمي لصادرات النفط او الغاز وهي كمية لا تقارن بصادرات الإقليم من النفط والغاز لا يمثل حتى 1% من صادرات المملكة، لكن لا يعني أيضا ان الصادرات غير الرسمية “السوق السوداء” لهذه المنتجات غير المراقب عليها متوقف ، كما حال بعض الدول الواقعة في ذات الازمة او مشابهة لها، وهذه كارثة أخرى لا يمكن التحقق من حجمها بسبب عدم قدرة الحكومة السيطرة على منافذها.

[2]  أشار البنك الدولي في تقريره 2023 إلى أن انقسام البنك المركزي ساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية، حيث أصبحت كل إدارة تنتهج سياسات مالية منفصلة، مما زاد من تعقيد الوضع.

[3] لا تمثل طباعة العملة في العادة مشكلة في الوضع المستقر ، يتطلب في الغالب ان يقوم المركزي بطباعة عمله لمواجهة الطلب النقدي في السوق ،في مقابل سحب التالف والغاؤه ، ومعالجة التضخم النسبي بين 2-3% ـ وتظهر طبعات جديدة كل 3 -4 سنوات ، لكن ما حدث ان الطباعة التي تمت لم يتوافق معها سحب العملة القديمة والغاءها مما ولد عملتين مباشرة في السوق قديم وجديد.

[4]  أشارت  تقارير البنك الدولي إلى أن التضخم كان مدفوعاً بعوامل متعددة، منها انخفاض الدعم الدولي وانخفاض الصادرات.

[5]  أشار البنك الدولي إلى أن تراجع دعم المانحين كان نتيجة للتوترات السياسية الداخلية والخارجية، فضلاً عن تحولات في أولويات المانحين العالمية.

[6]  تشير التقارير المتعلقة إلى أن الفساد في اليمن تفاقم بسبب ضعف الرقابة المالية، والانقسام المؤسسي الذي أدى إلى استغلال الموارد بشكل غير قانوني https://carpo-bonn.org/wp-content/uploads/2020/01/Rethinking_Yemens_Economy_white_paper_4_ar.pdf .

[7] أشار البنك الدولي في تقريره 2023 إلى أهمية وجود آلية تنسيق مشتركة لضمان استقرار الاقتصاد وإدارة السياسات النقدية بشكل متكامل : تقرير جديد للبنك الدولي يؤكد أن الاقتصاد اليمني يواجه أزمات متفاقمة (albankaldawli.org)

[8]  تشدد مجموعة البنك الدولي في عدد من تقاريرها على أهمية تقليص الهياكل الحكومية في الدول التي تواجه أزمات مالية لضمان كفاءة الإدارة وتوجيه الموارد بشكل أفضل.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.