غلاء وصيف ساخن
المقال الجديد في العدد 29 من مجلة الرابطة الاقتصادية صفحة 58-61
غلاء وصيف ساخن
الكهرباء، العملة، البنوك
يزيد من حرقة الصيف مشكلة استقرار الكهرباء من جهة ، والانهيار المستمر لسعر الصرف ، قد أكون اشرت اكثر من مرة ان الوصول الى 2000-2500 سيكون حتمياً ، الاشكال ليس في هذا التوقع لكن في القدرة الشرائية في ظل ثبات هيكل الأجور للموظفين ، ويزيد عليها انسحاب كبير في تمويل المانحين الدوليين لليمن ، فمثلا توقع كبار المانحين وصول المنح التمويلية الى 2 مليار $ الا انه لم يصل منها حتى الربع 25% في 2024 ، وهذا التداعي المستمر في ظل استمرار عجز الحكومة و دول التحالف والدول الصديقة في دعم الحكومة ، واستمرار ازمة البحر الأحمر ، وحرب غزة ، مؤشرات متتالية عالمية تنعكس سلباً على اليمن وأهله ،
يظن البعض ان استقرار سعر الصرف في صنعاء مؤشر إيجابي ، الا انه سعر وهمي في مقابل تضخم الأسعار في نطاق حكومة صنعاء ، يمكن ملاحظة ان الازمة تنعكس اكثر في نطاق صنعاء مع اخذ العلم عودة حركة الموانئ عدن وصلالة لتوصيل البضائع لصنعاء بسبب ان كلفة و وقت النقل لميناء الحديدة اصبح مرتفعا جداً بسبب ارتفاع التأمين. و رغم ذلك الجبايات لم تتوقف ، مما ضاعف انسحاب المستثمرين من اليمن ، يضاف اليها انسحاب اكثر من 70% من تمويل المانحين من نطاق صنعاء الى نطاق الحكومة الشرعية، والبنوك والمصارف تعاني اليوم من انخفاض السيولة في الريال او الدولار ، والخلاصة ان كل 100$ تنفقها في عدن يتطلب منك انفاق ما يقارب او يزيد عن 170$ في صنعاء للحصول على نفس المتطلبات ، مع التذكير انه لا صرف لمرتبات القطاع الحكومي ، وتوقف الاستثمارات المعتمدة على تمويل المانحين ،
أيها السادة بالمختصر الوضع اليمني يغلي في ضغاط (التضخم) ومستويات الفقر في تزايد، هذه الصورة القاتمة حول الوضع الاقتصادي ، لا يمكن لحكومات في وضع حرب معالجتها ما لم تمتلك الأدوات ، وهذه الأدوات لا تتوفر والحكومات ذاتها تتصرف وكأنها حكومات فعلية في وضع مستقر ، تتناسى الحكومات انها مرتبطة بقوى إقليمية لها مصالح ، وهي صاحبة القرار الأول في كثير من التحركات ، هذا العامل المجهول لدينا كمواطنين اين تقف متطلبات الأطراف الإقليمية والدولية؟ ، وما الذي تمتلك الحكومات في وضع خطة عملية لها ؟،
للأسف حتى القوى السياسية التي تشارك الحكومة القرار في عدن ، تتجمل بتحميل الحكومة المسئولية ، وهي جزء منها ، تتجاهل انها جزء من المشكلة لا الحل ، ولان الشفافية ليست سيدة الموقف فالحكاية تَجمّل بالكذب ، …
بالنسبة للطاقة ،
تم محورت مشكلة الطاقة في (الوقود) بالتأكيد مطلوب ، الا انه وفي حالة أخرى، تم تجاهل بشكل متعمد من الحكومة بشقيها استكمال مشروع تشغيل المصافي ، والعمل على تحييدها والسبب متمركز حول الكنز الذي وجدوه من عملية استيراد الوقود ، ومشكلة الوقود ذاتها لا تتوقف في موضوع الكلفة ، لكن أيضا في المحطات التي انخفضت كفاءتها فبدلا من قدرتها على توليد 60 ميج تولد 30 ميج ، الا انه في المقابل لا زال يضخ لها احتياجها وكأنها تشغل 60 ميج ،ـ بالتالي الفائض يتم بيعه او تصريفه لمصالح معينة ومنها تزويد المحطات المؤجرة والتي يفترض ان الحكومة تشتري منها الكهرباء الإضافية ، فهل تكلفة الوقود المسلم لها يدفع كلفته؟ ،
الجهات الحكومية لا تسلم مديونيتها لا لمؤسسة الكهرباء ولا الكهرباء تسلم مديونيتها للمصافي وشركة النفط ولا شركة النفط تسدد مديونيتها للمصافي …. بالتالي لا عتب ان المواطنين سدادهم لا يتجاوز 15% من الفاتورة المطلوبة مع العلم ان الكهرباء مدعومة من الحكومة يعني الحكومة تدفع حتى وان دفع المواطنون كل الفاتورة فهو يسدد اقل من 7% من قيمة الكلفة ،
لا يتوقف العجز هنا ، بل متطلبات الكهرباء الفعلية اليوم في عدن فقط للمساكن قد تتجاوز 800 ميج والمتوفر لن يغطي حتى النصف ، لم نحسب المصانع وبقية المحافظات المرتبطة بعدن ، يعني عدن قد تحتاج الى ما يقارب 2000 ميج او اكثر ، وهذا يعني متطلب دخول استثمارات بالمليارات للتوليد وهذا عدا البنية التحتية لخطوط الامداد والتوزيع ، وفي نموذج توفير الطاقة لدينا 3 مستويات:
في ظل الازمة في نطاق حكومة صنعاء ، تجاوزت الحكومة عن القطاع الخاص الذي قدم خدمة في التوليد للطاقة ، واستفاد من خطوط التوزيع الداخلية الا انه لم ينضوي تحت شبكة الامداد ، وسعت حكومة صنعاء للتخلص منها في محاولة لتشغيل شركات تابعة لها بتسليمها لمحطات حكومية الا ان حجم الطلب على الطاقة اكبر من قدرة التوليد الحكومي في صنعاء منفردة ، فعدد الشركات الخاصة وصل الى 220 شركة، وهذا جعل الحكومة تتراجع فهي لا تمتلك البديل لتوليد القطاع الخاص والا غرقت صنعاء في الظلام ، تبيع الشركات الكهرباء بسعر اعلى بنسبة 30-40% من الكلفة ، هذه الإضافة ليست ارباحاً عالية ، لكنها تغطية للرسوم والجبايات التي فرضتها الحكومة عليها وهي بدورها تعكسها على المواطن ، وسيقال ان هذا يدل ان الناس قادرة على السداد ، لكن فعليا النطاق الذي تغطيه الكهرباء الخاصة لا تتجاوز 20-25% نتيجة عدم القدرة الكثير من المديريات الأكثر فقرا على دفع الفاتورة، ورغم هذا نشير ان السداد 100% في النطاق الذي يتم تغطيته من المواطن للشركات وهذا يدل ان المشكلة في عدن ليس لان الناس لا ترغب في السداد وانما لا تمتلك القدرة على السداد، وامور أخرى…
سيقال لدينا الان محطة شمسية ستكون مساندة وهي بقدرة 120 ميج،
في موضوع الطاقة الشمسية ليست بديلة ولن تكون وخاصة لمتطلبات المدن الكبرى وللاقتصاد الوطني ولا الصناعي ، فهي مناسبة للمجتمعات الصغيرة وتحديدا المنازل وغرضها دعم التوليد الرئيسي، التفكير في ان الطاقة الشمسية بديلة “تفكير غير استراتيجي” ، اضف الى ذلك ان الطاقة لن تكون فاعلة الا في وقت النهار وستفقد قدرتها مساء والاستثمار في البطاريات سيخلق مشكلة في حدا ذاته ،
و الجزء الأخطر ان توسيع نطاق الكهرباء في المساحات المفتوحة لمتطلبات الطاقة سيؤدي لمضار بيئية خطيرة، من ابرز ذلك واذا اخذنا النطاق المستهدف الان:
1. التصحر: تساهم الألواح الشمسية في زيادة حرارة سطح الأرض و يؤدي ذلك إلى تسريع عملية التصحر في المناطق الجافة.
2. تؤدي تركيبات الألواح الشمسية الكبيرة إلى تدمير موائل الحياة البرية وتقسيمها، ومن ذلك تغيير مسار الرياح.
3. عند تهالك الالواح عملية التدوير مكلفة جدا ، والالواح تحوي مواد سامة مثل الرصاص والكادميوم، وعدم إدارة النفاية لها سيكون له تأثير خطير على البيئة والبشر.
ولا انكر بهذا أهمية الطاقة الشمسية كبديل فانا استخدمه ، وهي مناسب لحجم الاستهلاك للمنازل والمكاتب كما اشرت وخاصة انها لا تؤخذ مساحات كبيرة ، ولكنها لن تكون البديلة في الاطار الاستراتيجي.
اذن ما الحل؟
الحل في ان يتم إعادة النظر في استراتيجية وطنية للاستثمار في الطاقة بمشاركة القطاع الخاص المحلي والإقليمي بل ودول التحالف الا ان هذا يتطلب إعادة النظر في السياسات والقوانين المنظمة للقطاع من ذلك تحديد ما الذي يجب ان يكون سيادي وفي ظني الامداد والشبكة المركزية ، الا ان التوليد والتوزيع يمكن اشراكه مع القطاع الخاص والتنموي المحلي والدولي.
تأتي المشكلة التالية في انهيار المنظومة البنكية ، وضعف الرقابة المالية والشفافية ، وانهيار الميزان التجاري ، بين الواردات من النقد الأجنبي والصادر منها ، ونحن نفقد قدرتنا على زيادة فعالية الامداد من النقد وصار المسار الوحيد لنا المنح المالية الدولية او التحويلات من المغتربين ، وبعض الفتات من تصدير النفط الخام ، اضف الى ذلك الموجة غير الصحية في تحول الصرافين لبنوك تهرباً من إدخالها في المنظومة البنكية ،وهذا تحول الى توليد بنوك التمويل و أسلمة المنظومة البنكية في نمط غير مدروس ، يجعل اليمن بوابة مثالية لغسيل الأموال المحلية والإقليمية لماذا هذا:
1. انقسام إدارة البنك وتجميد الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، هذا كله يمثل ضعف الرقابة المالية مع انهيار النظام المالي والنقدي،.
2. مستويات عالية من الفساد تتزعمه قيادات سياسة عبر مؤسسات الدولة (يمكنني القول اننا تجاوزنا مفهوم الفساد الى تأطير مفهوم (العصابة).
3. ازدادت الجرائم المنظمة وتمر مرور الكرام ولا يمكن الا ان تكون هناك يد حامية لاستمرارها من تهريب المخدرات الى تهريب البشر والأموال فغياب قدرة الدولة على السيطرة على منافذها البحرية، والبرية وهي اساساً في موقع حيوي بين مفترق القارات الثلاث جعلها منفذاً كبيرا للتهريب المحلي والإقليمي .
4. الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية أصبحت الأكبر ، ربما تجاوزت 80% من حجم الاقتصاد اليمني.
لم اكن فعليا اود الحديث في هذا الموضوع، لكن الوضع لا يجعلنا نتجاهل ذلك، لا يعني ما اشرت اليه انني افقد الامل، لان الامل بالله لا سواه ، استمرار الوضع يعني ان تتحول اليمن الى نموذج اكثر خطورة بكثير مما كانت عليه الصومال وأفغانستان ، وقد تجاوزنا خط العودة لما قبل 2015، ولما قبل 2011، علينا التفكير الان في الوصول الى ان نضع حجر أساسٍ للاستقرار القادم،
و هناك قضايا أتوقع ان أراد مجلس القيادة و الحكومة التركيز عليها في توجيه دفة العمل وتطبيع الحياة، بحاجة للتركيز و البدء فيها لا للاستعراض او النقاش المفتوح، ولا يعني ذلك تجاهل بقية القضايا ، فاستمرار الحرب او وضع (لا حرب لا سلم) لا تبدو له نهاية واضحة لذا لنعمل فيما يمكننا ان نعمل:
1. الكهرباء (التركيز على الاستثمار للمستقبل يعني وضع آلية للشراكة المحلية والإقليمية في هذا القطاع الحيوي) والترقيع لن يكون الا “مهدئ غير مجدي”.
2. و الاتصالات ” لاخذ العلم كان هناك مشروعا لمؤسسة الاتصالات في اطلاق قمر صناعي يمني “يمن سات” ليكون قمر الاتصالات وشبكة المعلومات الذي يمكنه بث الانترنت والاتصالات في اليمن وهذا سيوفر علينا تأهيل بنية تحتية معقدة وكبيرة وتتطلب استثمارات كبيرة هل يمكن دراسة هذا المقترح” ،
3. وضع آلية للتخفيف من الفقر والحاجة قد يشمل ذلك معالجة هيكل الأجور،
4. تفعيل البنك المركزي اليمني، لا يمكن ابداً التفكير في توحيد الادارتين ، لكن التفكير في توحيد السياسة المالية والنقدية وتوحيد العملة الوطنية ، والمقترح بأن يتم :
– تشكيل لجنة مكونة من الطرفين (إدارة البنك في عدن وفي صنعاء) بينها (ممثل عن جمعية البنوك وممثل عن الاتحاد العام للغرف وغرفة عدن) وطرف مراقب من المجتمع المدني وطرف من المجتمع الدولي (صندوق النقد او البنك الدولي)
– تفوض اللجنة بكل صلاحيات مجلس الإدارة للبنك، وكل قراراتها نافذة على إدارة البنك في عدن او صنعاء ، تدرس الحلول وتضع ما يلزم حلها للطرفين باستخدام الأدوات القانونية والسياسات المتاحة للبنك المركزي، يهدف عملها لتوحيد السياسة المالية والنقدية.
– إعادة تفعيل عضوية القطاع الخاص وفقا للقانون في مجلس إدارة البنك المركزي اليمني.
– إعادة فتح قنوات التنسيق فيما بين الأطراف المسئولة عن السياسات النقدية من خلال تشكيل لجنة تنسيق فنية مكونة من شخصيات متخصصة يختارها الاطراف، وتمكينها حيث تكون مخولة بالصلاحيات الكاملة لإنفاذ المقررات التي يتم الاتفاق عليها في اللجنة وبإشراك ممثلين دوليين في اللجنة لضمان استمرارية التنسيق وفاعليته، وبحيث تشمل مهام لجنة التنسيق توحيد السياسات النقدية، بما في ذلك ما يتعلق بالعملة الوطنية، وتثبيت وتعزيز معايير الرقابة على البنوك، وضمان توحيد سعر الصرف وسائر الإجراءات ذات الصلة بالقطاع المالي والمصرفي.
– و قد يشمل ذلك الغاء العملات القديمة والجديدة ، وفق اطار يجنب التراجع ويسهم في توحيد العملة.
– للتأكيد توحيد العملة لن يؤدي الى عودة أسعار الصرف ، بل الى تثبيت الأسعار ، وهذا يعني انه لابد من النظر في هيكل الأجور ومعالجته ،
5. إعادة هيكلة الوزارات، وتقليصها و تشكيل فريق ازمة عالي المستوى كحكومة ظل مصاحبة ومصغرة، ” ينبغي الفصل بين منصب الوزير السياسي، والذي يمثل طرفاً سياسيا ، ويتطلب في الوزير الإمكانات السياسية والإدارية المناسبة ، لكن فريق الوزير وكيل او نائب يجب ان يكون شخص مختص في الوزارة لديه القدرة على مساعدة الوزير في اتخاذ القرار المناسب، باختصار نفصل بين متخذ القرار وصناع القرار بشكل كفؤ، وانا من الناس الذي لا يؤمنون بقدرة الحكومة التكنوقراط المتخصص لا يجيد اتخاذ القرار لكن يجيد تحليل وفهم الموقف في تخصصه.”
6. والاهم من ذلك كله : تنسيق عالي المستوى مع التحالف للوصول الى خريطة المصالح والتوقعات، والانتقال الى توحيد القوات المسلحة والامن وتوحيد مسار القرار.
7. ومن اجل الوظيفة العامة ينبغي العمل على مسارين بناء قدرات الموظفين في القطاع الحكومي والعام , والثاني والاهم البدء في الغاء نظام الخدمة المدنية بالنظام التقليدي وهذا يعني أيضا فصل وزارة العمل وقد تتحول لوزارة الموارد البشرية او بذات الاسم ، ويتحول هيكل اختيار الوظيفة في القطاع العام لنموذج مشابهة او هو ذاته قانون العمل بحيث يتيح النظام رفد القطاع العام بالكفاءات من القطاع التنموي وبصورة عامة من سوق العمل ، في اطار التنافسية على الوظيفة العامة ، وهذا يعطي أيضا فرصة لموظفي القطاع العام للخروج والتحرك في القطاع الخاص دون خسارة التأمين الوظيفي ، وهذا يعني إعادة هيكلة قانون التأمينات بما يناسب الوضع الجديد بما يشمل حتى الاعمال المستقلة للحصول على فرصة للتأمين وان لم يرتبط بوظيفة معينة ،
8. إعادة هيكلة وتطوير منظومة التعلم، وهذا له حديث آخر.
ولكم مني كل الود والتقدير
احمد مبارك بشبر
25/05/2024