يوم القيامة القسم الرابع – ح 5: الجنس وبقية المتع في الجنة:
يوم القيامة القسم الرابع – ح 5: الجنس وبقية المتع في الجنة:
المرحلة السادسة
ليس لأهل النار في حياتهم الأبدية إلا العذاب والحصار والأكل الرديء والشرب التعس وكل ما يزعج وينفر النفس اللطيفة. فالحديث عنهم غير موسع في القرآن الذي يهتم ببيان نعم رب العالمين ويكتفي بالتهديد بالعذاب وما يجره المذنبون من ويلات على أنفسهم. ولكن الكتاب الكريم يصف أحوال أهل الجنة ويوضح نعيمهم كثيرا. ونحن هنا نبدأ ببيان أهل الجنة الذين ينفردون بشتى أنواع النعم من ربهم في النشأة الثانية التي تبقى إلى الأبد بإذن الله تعالى.
الجنس وبقية المتع في الجنة:
مما لا شك فيه أن المرأة الدنيوية والرجل الدنيوي يُحشران في بدن آخر في الأرض الجديدة. إنهما يفقدان كل مظاهر الأنوثة أو الذكورة حين الممات. وبالنظر إلى منطق القسط الذي وعد الله تعالى به يومَ القيامة فإن ذلك لا يتناغم مع حشرِ من كنّ في الأرض نساء بمثل ما كنَّ عليه من قبل. فلا يوجد إناث هناك كما لا يوجد ذكور، والكل إخوان في الواقع أو أعداء إن كانوا من أهل النار. وأما زواج النفوس التي يذكرها الله تعالى في سورة التكوير فهي في مقابل الفردية التي يذكرها في مكان آخر عند لقائنا معه سبحانه. حينما نخرج من الأرض الجديدة سنكون قد ارتبطنا بأبدان جديدة ارتباطا تُخرجنا من فردية النفس وتُدخلنا في زوجية البدن مع النفس. والحديث في سورة التكوير عن زواج كل النفوس وليس زواج المؤمنين فقط، فأرجو أن يتفطن القارئ الكريم لموضوع الزواج النفسي.
وأما الحور العين فهي مخلوقات فردوسية معدة لأهل الجنة. إنهن يمثلن الإناث التي يستمتع بها أهل الجنة على السوية. يمكن أن نعتبر أهلَ الجنة كلَّهم ذكورا والحورَ العين كلهم إناثا وذلك لما في لغتنا من نقص لا تتجاوب مع مفاهيم الآخرة تجاوبا كاملا. ولذلك فأهل الجنة الذين انتقلوا من الدنيا برمتهم إخوان على سرر متقابلون. والسرر هو جمع سرير بمعنى التخت أو المتكأ المرتفع الذي يسر الجالسين عليه وليس بمعنى المضطجع. ليس هناك أي ذكر للنوم إطلاقا، ولكن هناك ذكر للفتيات الأبكار. فلو كان البكر بمعنى البكر الدنيوي فسيكون الارتباط الجنسي مشابها لما هو عليه في هذه الدنيا ولو أني أستبعد ذلك بل لا أحتمله أصلا كما سيأتي. إنما نعرف تماما بألا مجال للتكاثر في الجنة لمخالفتها مع العقل وقد اعتبر اللهُ تعالى المالَ والبنين زينةً للحياة الدنيا.
وإذا نسبر في أغوار الكتاب الكريم لنجمع مفهوما متكاملا للتمتع في الجنة فسوف نجد بأن سهم التمتع الجنسي المتعارف في الدنيا قليل جدا وهناك أنواع أخرى من التمتع التي يهتم بها القرآن العظيم. تلك المتع حاصلة من اجتماع أهل الجنة مع أهل الجنة الذين استحقوا ذلك النعيم الخالد الذي يفوق تصورنا في الدنيا. ولو ننظر إلى التمتع المشترك بين الذكور والإناث في الدنيا ونقيّمها لنرى بأن القسط الأكبر هو التمتع بالتفاهم والتوافق النفسي والتحادث أو ما هو معروف عندنا بالمغازلة. كل ذلك مرتبط بالمتع النفسية ولا دخل لها بالتمتع الحيواني المعروف. فذلك تمتع ناتج عن الشعور بالحاجة لدى الجنسين. وقد أودعت الطبيعة بأمر ربها هذا الشعور في أعماق الكيان البشري بغية تشجيعهم على التكاثر في الواقع. بالطبع أن الله تعالى يستفيد منها للاختبار أيضا. وكلا الأمرين منفيان في الدار الآخرة، حيث لا تكاثر ولا اختبار.
أما التمتع البشع الموجود لدى بعض المترفين والذي لا يتعدى اللقاءات الجنسية فإنه يتسم بمظهر الكبرياء التي يتفاخر بها أحد الجنسين والغالب تواجدها في الرجال. هناك بعض الرجال في الدنيا يظنون بأن الرجولة تعني القدرة على إخضاع الإناث تحت سيطرة القوة البدنية أو المالية أو السياسية أو بالإغراء والخداع. وكل ذلك ليست من نزعات المؤمنين من أهل الجنة. تلك نزعة شيطانية تتفاعل مع إغواء الشيطان الذي يرى في الحركات الجنسية مناخا ملائما لإبعاد أعدائه البشر عن ربهم وزرع الفتنة والشعور بالعظمة الزائفة في قلوبهم لتميل إلى الفساد والخراب. وما يذكره كتب الحديث عن اهتمام النبي العربي بالإكثار من التمتع بالإناث مثل طوافه على كل نسائه كل ليلة والتحايل على حكم الله تعالى في اللقاء مع الحائضات منهن بالإزار وما شابه ذلك فمجرد كذب وافتراء على الرسول. هذا من صنع الملوك والخلفاء المولعين بالنساء ليبرروا الاحتفاظ بآلاف الجواري في قصورهم القيصرية الفاسدة. إنهم أرادوا إخفاء فساد نفوسهم بتحويل هذا الفساد الخلقي الزنخ إلى رسول الله ليخلقوا منه صورة قبيحة لإنسان مغرم بالجنس ومهتم بالعبث بالجنس الآخر لأجل المتعة والدعة. لو كان محمد هكذا فإن القرآن والعياذ بالله غير صادق حينما يصف قيامه بالليل ومناجاته مع ربه.
هذه الليلة المحدودة لا تكفي للطواف على ثمانية نساء والقيام بالصلاة وصرف وقت كبير في تلاوة القرآن وفي التفكر بالآيات العظيمة وأخذ قسط من النوم. هؤلاء خدعوا المسلمين بافتراءاتهم وقالوا بأن الرسول مُلهم ولا يحتاج إلى أن يتعلم فلا يصرف وقتا لكسب العلم وهو كذب ومخالف للقرآن. وقال بعضهم بأن الرسول كان مهتما بالإناث من أسرى الحروب فكان يرمي عباءته على الفاتنات منهن فيعرف المسلمون بأنه اختارها فلا يقتربون منها وهذا أيضا يخالف حكاية الرسول في القرآن. وقال بعضهم من الصوفية بأنه لم يكن محتاجا للمزيد من الصلاة باعتبار وصوله إلى عين اليقين فلم تكن الصلوات والذكر ضرورية لاستكمال النظافة والطهارة في قلبه. وذلك أيضا لا ينسجم مع اهتمامه بالصلاة والتهجد بشهادة القرآن الكريم.
فالتمتع الجنسي لا يمكن تجاهله في الآخرة لأن الله تعالى ذكره في القرآن بصورة من الصور، ولا يمكن حصر الحور العين في المتع الجنسية لأن الحياة المشتركة بين رجال المؤمنين وإناثهم لا يشابه تلك التي لدى المترفين الجاهلين الذين يموتون على الجنس. المؤمنون يستمتعون كثيرا بكشف الكنوز العلمية والتباحث الفكري مع بعضهم البعض حتى في خلواتهم مع حلائلهم ولا يتجاهلون المتع البدنية أيضا. وسيكونون هكذا في الجنة أو هم يمثلون أصحاب الدرجات العليا في جنات النعيم. ستكون حياتهم مليئة بالعلم والكمال والعبادة الخالصة الممتعة لربهم الكريم وسوف يهتمون بالجلسات والندوات العلمية ويمتعون أبدانهم بالكثير من الفواكه والقليل من اللحوم كما يمتعون أسماعهم وأبصارهم بالمناظر الجميلة الخلابة والأصوات الناعمة المغردة. في هذا الخضم المليء بأنواع المتع، سوف لا يبقى الكثير من المجال للتمتع الجنسي بالشكل الدنيوي وخاصة بعد أن يفقدوا الشعور بأية حاجة لذلك. الطبيعة المنسوبة إلى الملك الحكيم سبحانه وتعالى لن تشعر بالحاجة للتكاثر فلا يحرك الناس للجن
س والشياطينُ سيكونون مبتلين بنيران جهنم فلا إغراء ولا خداع في الجنة. ولا أعضاء تناسلية في الجنة.
وأخيرا لا نوم في الجنة ولا حاجة إلى النوم. إن النوم حالة من الموت فلا يمكن تصوُّرُ الموت في جنات النعيم كما أن الحاجة إلى النوم تابع للشعور بالضعف والهوان وهما يختفيان في الجنة أيضا. ولم يذكر الله تعالى أَسِرَّة النوم ولا غرف النوم بل اكتفى بذكر غرف الاستقبال الجميلة والحدائق المطلة على الأنهار ونوافير المياه النضاخة وكذلك الخمور والكؤوس وما شابه ذلك. وأجمل شيء في العلاقات البشرية أنهم إخوان على سرر متقابلون وقد أخرج الله تعالى من قلوبهم كل الأغلال فلا يشعرون بغير السلام والحب والطمأنينة بينهم. هناك بالتأكيد حركات رياضية ممتعة مثل السباحة والسونا وحمامات الشمس وحمامات السباحة المتعرجة وركوب الخيل والجيمناستيك والكرة بأنواعها والرحلات في البر والجو وكذلك القوارب النهرية. وبما أن الجنة خالية من البحار والمحيطات والجبال والثلوج فلا يمكن أن نتصور الرياضات التي تتعلق بها مثل الغوص على كنوز البحار والتزلج على الجليد وركوب البحر عامة وتسلق الجبال والصعود بالتلفريك وما شابهها. إن كل الرياضات التي تتسم بالمغامرة مفقودة في الجنة لعدم توافقها مع السلام. ولكننا يمكن أن نتصور بكل قوّةٍ السفرَ في الفضاء والانتقالَ إلى الكواكب الأخرى التي تحتوي على البحار والجبال ويمكن ممارسة المتع التي تناسبها هناك وليس في جنات النعيم حيث مساكن ومآوي أصحاب الجنة التي تتسم بالهدوء والنعومة. تلك مغامرات يمكن أن يطلبها بعض أهل الجنة وقد يسمح الله تعالى بها بصورة مؤقتة والعلم عنده وحده.
يتبع…
أحمد المُهري
#تطوير_الفقه_الاسلامي
احسنت النشر بارك الله فيك وجزاك الله خيراً
[…] يوم القيامة القسم الرابع – ح 5: الجنس وبقية المتع في الج… […]