يوم القيامة القسم الرابع – ح 4 : رفض الشفاعة المفيدة للظالمين يوم الحساب
يوم القيامة القسم الرابع – ح 4 : رفض الشفاعة المفيدة للظالمين يوم الحساب
قال تعالى في سورة طه: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا (112).
رفض الشفاعة المفيدة للظالمين يوم الحساب:
والآية 109 أعلاه تدل دلالة واضحة على وجود الشفاعة كما تدل دلالة واضحة بأن تلك الشفاعة لا تفيد أحدا سبق له الإتيان بمطلق الظلم في الدنيا، أو الذي يحمل معه ظلما يوم الحساب. والثاني باعتبار الذين يستغفرون في الدنيا فيغفر الله تعالى لهم ذنبهم قبل موتهم فلا يحملون يوم القيامة ظلما. وقد شرحت مفاد الآيات في بحث الشفاعة لأثبت أن هذه الشفاعة هي ليست ما ينتظره الناس فعلا بتوجيه من علمائهم الذين أخطأوا في الحقيقة، وأنا لا أشك أبدا في خطإهم. سوف يخيب كل الذين اتبعوهم كما يخيبون هم بأنفسهم أيضا. وأنا أفضل أن أشرح الآية في التفسير وقد فعلت ذلك شفهيا لتلاميذ القرآن في كنجزبري وأقول باختصار. إن المحكمة الكبرى مشابهة لمحاكمنا من بعض الحيثيات. إن قضاة محاكمنا يستندون على عنصرين أصليين للتأكد من سلاسة المحكمة، هما المدعي العام والمحامي أو المحامي العام. فالمدعي هو الذي ينوب عن الشاكي المظلوم لينسق المطالبة والشكوى فيجعلها في صف الشكاوى المشابهة التي سبقت والتي ستأتي فيما بعد لئلا يصدر من المحكمة حكمان مختلفان في قضيتين متشابهتين تماما.
وأما المحامي فهو ضروري لأنه يعرف القانون الذي سوف يُصدر القاضي حكمَه على أساسه فيتناول القضية بجوانبه التي تتأثر بالقانون ليسهل تداولها في المحكمة. والإخوة المفسرون يقبلون ذلك ويسمونهما المنكر والنكير. وهما ملكان يقوم أحدهما بالدفاع عن المتهم والآخر بتوجيه التهمة إليه. لكنهم ظنوا بأنهما يدخلان على الميت في قبره. إنهم يجهلون كما يبدو بأن الذي في القبر الدنيوي ليس هو الميت فعلا بل هو جسده. لكن الميت بنفسه سوف ينتقل إلى مكان آخر وإلى عالم آخر هو عالم المجردات. ولا معنى للمنكر والنكير دون وجود المحكمة. هؤلاء المحدثون سمعوا شيئا عن رسول الله عليه السلام وهو يوضح القرآن في الواقع وقد حرفوا الكلم عن مواضعه كما فعله اليهود والنصارى. ولكن الله تعالى لم يَعِد بحفظ التوراة والإنجيل من اللعب فيهما فقام أولئك بتغيير أصل الكتابين القدسيين. وبما أنه سبحانه وعد بصيانة القرآن فلم يقوَ أمثالهم من المسلمين على تحريف القرآن فلعبوا في تفسير هذا الكتاب المبين. وسوف يجازي الله تعالى الذين لعبوا في كتابه من قبل، وإني كمفسر أستغفر لزملائي الذين سبقوني لأنهم ذكروا هذه التأويلات غير الصحيحة عن جهل على ما أظن.
والخلاصة أن الشفيع هو مَلَكٌ يقوم بالدفاع عن المتهم بموجب قوانين رب العالمين جل جلاله وهو دور مشابه لدور المحامي في محاكم الدنيا. ولذلك يقول تعالى بأن شفاعة هذا الشافع لا يُجدي نفعا لمن ظلم. فأعقبها بأن الله تعالى يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم. هذا هو تعبير يخص ارتباط الملائكة بالرحمن سبحانه. قال تعالى في آية الكرسي: مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء. وقال في سورة الأنبياء: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28). وكل هؤلاء هم من الملائكة المكرمين. و قال أيضا في سورة الحج: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (76). وأما هذه الآية التي تتحدث عن الرسل الإنسيين والملائكيين فإنهم أيضا تحت رصد رب العالمين الذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم. والله بالطبع يعلم ما بين أيدي كل الموجودات وما خلفهم ولكن القرآن الكريم يؤكد هذا العلم بالنسبة للملائكة باعتبارهم رسلا وبالنسبة للرسل الإنسيين في رسالتهم طبعا. والمقصود من ذكر هذه الجزئية هو أن يثق المؤمنون بأن الله تعالى لا يعطي الاختيار لرسله ليقولوا على الله ما يحبون ويشاؤون، بل إنهم يبلغون رسالة ربهم ويقولون للناس ما يشاؤه الله تعالى. فدورهم جميعا في رسالتهم دور أدوات التنفيذ لا غير.
يتبع…
أحمد المُهري
#يوم_القيامة
#تطوير_الفقه_الاسلامي