تصحيح أخطائنا التراثية-رفع الله تعالى المسيح يوم موته

Marsilis O Saraqib الاستاذ احمد المهري ممكن ان تتفضلوا علينا بأبداء رأيكم العلمي حول صلب المسيح ؟ ماذا تعني الآية تحديدا هل رفعه الله قبل ان يصلب اي يرفع على الصليب او رفعه قبل ذلك؟ شكرا

الجواب:

يفكر المحقق الباحث أحيانا في السبب وراء هذا الكم الكبير من الحكايات الغيبية في تراثنا الذي تولى كتابته مجموعة غير متواطئة من المسلمين. لم يكونوا في مكان واحد ولم يعاصروا بعضهم البعض. هم مسلمون على كل حال ويهمهم مصلحة المسلمين على الأقل. بالنسبة لي لو اعتبرتموني من الباحثين فإن السلف وقع في خطأ واحد كبير مع الأسف وهو ادعاء فهم القرآن بكل بساطة. وقد لاحظت ذلك حينما راجعت بعض التفاسير وقرأت المقدمات وانتبهت إلى سرد القضايا واحدة تلو الأخرى وإذا بي أرى المفسر ترك ما ادعاه في البداية ورأى بأن من واجبه أن يتحدث عن كل قضية بالكامل. من هذا المنطلق الخاطئ ذهب المفسرون إلى الإسرائيليات التي كتبها أناس بعيدون عن التقوى وهمهم كسب المزيد من الدعم من شعوبهم وملوكهم.

حكاية صلب المسيح غير واضح بالكامل في القرآن الذي اهتم فقط بالدفاع عن موضوع يهم الخالق عز اسمه برأيي المتواضع. هو مسألة السلام الذي منحه الله تعالى للمرسلين جميعا بلا استثناء بقوله في سورة الصافات: وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181). تلك حقيقة بل واقع لا يمكن الشك فيه فكل ذي قوة يدافع عن سفرائه ورسله بصورة أساسية وإلا لم يقبل أحد بأن يكون سفيرا له. فكيف بالقوي القهار لا يدافع عن رسله؟ في هذه المقالة نسعى لبيان هذه الحقيقة بإذن الرحمن عز اسمه.

هناك مسألة جانبية أخرى وهي أن الله تعالى يرسل الرسل ليُطاعوا. قال تعالى في سورة النساء: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64). حقيقة معنى الآية هي أن الرسول يبقى بين قومه حتى يتم التبليغ بالكامل فيؤمن من كان ممكنا أن يؤمن ويتوب من أخطأ في فهم الرسالة فآمن في النهاية وتقبَّل دينَ الله تعالى. قال تعالى في سورة النساء: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165). فالله تعالى يتم الحجة على الناس في نهاية فترة التبليغ الرسالي. ولذلك لا يمكن أن نتصور بأن رسولا يموت أو يُقتل قبل أن يكمل رسالته إطلاقا. على هذا الأساس كما أحتمل يدافع الله تعالى عن المسيح بأنه ما قُتل وما صُلب. إذن ما الذي حصل ولما ذا اختفى الرسول العظيم عيسى بعد أن ادعوا صلبه؟

لقد مات المسيح موتا طبيعيا ولكن في نفس يوم الصلب الذي ادعاه بنو إسرائيل والدولة الرومانية التي حكمت ونفذت الحكم الظالم كما يظنون. قال تعالى في سورة النساء موضحا كامل الحكاية: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159).

لا يمكننا تفسير الآيات طبعا في الفيس بوك. لكننا سوف نمر على الآيات الكريمة لنتعرف على حقيقة صلب المسيح.

1. رفض القرآن لقتل المسيح.

قالت اليهود بأنهم قتلوا المسيح عليه السلام والله تعالى رفض قولهم واعتبرهم متوهمين. لم يُقتل المسيح ولم يُصلب. وقال سبحانه بأن الذين ادعوا ذلك فهم أنفسهم كانوا في شك. يمكن للمتتبع أن يقرأ الحكاية من مختلف الأناجيل ليشاهد التذبذب الواضح في الحكاية وما بعد الصلب ومشاهدات مريم المجدلانية التي ادعت بأنها رأت المسيح الميت يقوم بعد موته ويصعد إلى السماء وما شاهده الحواريون بعد صعوده وعودته إليهم والتحدث معهم؛ فسوف يشعر بأنهم كانوا فعلا في شك مما حصل ولذلك ركبَّوا مجموعة حكايات تنبئ عن الصلب والموت كما تنبئ عن عدم الموت. ولعلكم لاحظتم بأنهم ادعوا صلب شخصين مع المسيح عليه السلام وقد صُلبا قبله. ولا أدري ما هو دور ذين المصلوبين ولماذا ذكرهما كتاب الكتاب المقدس؟

فقوله سبحانه في بداية الآيات: وقتلهم الأنبياء بغير حق؛ لا تعني بأنهم قتلوا فعلا والحق هنا يعني التحقق. فتعني الجملة الكريمة بأنهم قتلوا الأنبياء بغير أن يتحقق القتل. هنالك سوف يعذبهم الله تعالى عذا ب قتل الأنبياء بأنهم رضوا بتلك الجريمة النكراء. وهكذا كل من رضي بذلك. قال تعالى في سورة آل عمران: الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (183). فالذين جاؤوا بعد وفاة المسيح بحوالي ستة قرون وكانوا أمام رسولنا لا يمكن أن يكونوا قتلة الرسل. لا رسول في الفترة المتوسطة حتى يكون الحاضرون قتلة لبعضهم. فالمقصود إذن أنهم رضوا بالجريمة التي لم تتحقق فاعتبرهم الله تعالى قتلة رسله وسوف يعاقبهم عقاب قاتلي الرسل ولو أنهم لم يقتلوا رسولا فعلا.

2. رفض القرآن إمكانية قتل الرسل.

والآية الكريمة تفند قتل أي رسول في جملته الكريمة: وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسولَ الله. فالجملة تنطوي على رفض لقتل أي رسول من رسل الله تعالى. كيف يمكن ومن يقدر على قتل المسيح وهو رسول الله؟ إضافة إلى ما ورد في سورة الصافات: وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181).

3. الرفع إلى الله تعالى.

يقر الله تعالى بأنه سبحانه رفع المسيح عيسى عليه السلام إليه. لنرى حكاية الرفع في القرآن الكريم في سورة آل عمران: إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55). فإذن توفاه الله تعالى ثم رفعه إليه. لنرى معنى الوفاة في سورة الزمر: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42). بالطبع أن عملية الوفاة غير عملية الموت ونحتاج إلى التفكر لنميز بينهما.

الموت يتم عن طريق الطبيعة حيث ينتهي عمر الإنسان طبيعيا أو يموت المرء بسبب بشري أو طبيعي. لكن الوفاة تتم عن طريق الملائكة بأمر الله تعالى وهي تعني استلام النفس بعد أن فقدت الإرادة بالكامل لتعود إلى الحالة الطبيعية كبقية الكائنات تحت هيمنة الرحمن وحده فاقدة كل ما تشتهيه. وتتم الوفاة حين الموت. فالمسيح مات ثم توفاه ربه. مات ببدنه بأمر الله تعالى ثم توفى ربُّه نفسه وليس بدنه. والتوفي هو باعتبار أن الإرادة في الحياة الدنيا أمانة سماوية لغرض الاختيار فقط فحين استلام النفس تنقطع الإرادة بالكامل ونقع تحت سيطرة الملائكة بأمر الله تعالى. قال تعالى في سورة الأحزاب: إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً (72). هي الإرادة التي بها اختبرنا الله تعالى ولذلك قال سبحانه بعدها: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (73).

إذن ما معنى الرفع إلى الله تعالى؟ هناك نبيان منحهما ربنا السلام حين الموت وهما يحيى والمسيح عليهما السلام. والحكاية مذكورة في سورة مريم: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15).

وقال سبحانه في نفس سورة مريم: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34). تلك خصوصية نراها تميز إنسانين فقط في الأرض. نعرف بأنهما لم يأتيا إلى الحياة بحسب العادة بل كانت لهما خصوصيات لا تعم غيرهما. فيحي سماه ربه بالاسم الدال على الحياة دون الموت والمسيح هو قول الحق فكيف يموت يحيى وكيف يموت القول الحق؟ المسألة تحتاج إلى بحث مطول طبعا ولكنني أختصر.

ومن جانب آخر فإن بني إسرائيل ادعوا قتل المسيح وقتل يحي بن زكريا وهو كما نظن يوحنا المعمدان. والله تعالى منح السلام للمرسلين فبنو إسرائيل غير صادقين. هما في الواقع لم يموتا موتا طبيعيا كبقية الناس. بمعنى أنهما لم يُقتلا ولم يموتا بالمرض ولم ينته العمر الطبيعي لهما. وانتهاء العمر الطبيعي موضوع كبير نحتاج معه إلى دراسة متعمقة نتجاوزها هنا.

الرفع إلى الله تعالى يعني العودة إلى الله عن طريق الترفيع المباشر من الله تعالى وليس عن طريق الابتعاد الطبيعي للنفس بعد موت البدن وقيام الملائكة بإنقاذ النفس من الموت مع البدن. قال تعالى في سورة الأنبياء: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35). فالناس جميعا يُرجعون إلى الله تعالى ولكن الله تعالى بنفسه رفع يحيى والمسيح إليه. إنهما لم يذوقا مرارة الموت احتمالا يوم توفاهما الله تعالى. البحث مطول وليس لي ولا لأمثالي استدلالات دقيقة في كل هذه القضايا التي ترتبط كثيرا بالغيب.

كل ما يمكن لنا قوله هو أن المسيح كان يحمل نفسا خلقها الله تعالى عن طريق الروح المباشر منه وهو استمر في احترام نفسه بعكس أبيه آدم فتعذر موته بصورة طبيعية. وأما يحيى فكان يحمل بدنا مغايرا لأبدان البشر لأن والدته لم تكن قادرة على منح الكيان البدني لابنها لفقدانها كودات جينية قادرة على صناعة بدن طفل. وهكذا والده زكريا. فما قام به الروح القدس هو تغيير بدني ليحيى ولعلمكم فإنني فكرت كثيرا فيما فعله الروح لإحياء بدن زكريا وزوجه المقبلين على الموت فلم أتمكن من إيجاد تفسير علمي لذلك. باعتقادي أن مسألة إنجاب مريم لعيسى أسهل بكثير من إنجاب زكريا وزوجه ليحيى. فتعذر موت يحيى أيضا باعتبار تعذر موت بدنه في الأعمار العادية. كلما يمكن لنا قوله هو أن النفس خلقة طاقوية قدر الله تعالى لها البقاء الأبدي بصورة فعلية طبعا فهي لن تموت إلا إذا شاء الله تعالى. وبما أن بدن يحيى كان مغايراً لأبداننا وقادرا على البقاء فترة طويلة جدا فإن الله تعالى هو الذي قدر بصورة غير عادية أن تترك نفسُه بدنَه. بمعنى أن البدن مات باعتبار ترك النفس بعكسنا نحن الذين نموت طبيعيا بالأمراض وغيرها ثم نترك أبداننا بنفوسنا.

ولذلك توفاه الله تعالى أيضا بأن رفعه إليه مباشرة. وبعد الرفع أصبح النبيان المميزان مثل بقية الناس عند ربهم فاقدين لكل مظاهر الإرادة والعلم عند المولى. 

4. الرسل جميعا أكملوا رسالاتهم.

وفي الآية الأخيرة من المجموعة يؤكد الله تعالى بأن المسيح أكمل رسالته بحيث أن كل من كان ممكنا أن يؤمن به فقد آمن. أكرر ذكرها تسهيلا للقارئ وهي من نفس المجموعة من سورة النساء: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159).

بالطبع هناك مشكلة لدى المفسرين الكرام في فهم هذه الآية. ذلك لأنهم جميعا تقريبا ظنوا بأن حديث الآية عن إيمان من لم يؤمن بالمسيح قبل أن يموت: والذين اقتربوا من المعنى فظنوا بأن المقصود قبل موت المسيح فإنهم اضطروا لاعتبار المسيح حيا لم يمت وسوف يظهر في آخر الزمان. والواقع غير ذلك. الآيات كلها بصدد بيان أن الله تعالى لن يقدر الموت لرسول قبل أن يكمل رسالته فيؤمن به من كان ممكنا أن يؤمن. وبما أن المسيح أرسل إلى بني إسرائيل وهم أهل الكتاب أيام المسيح عليه السلام فالله تعالى يريد بيان أن المسيح ولو أنه مات يوم أرادوا قتله ولكنه قد أكمل رسالته وانتهت اختبار صحابته بأن كل من كان ممكنا أن يؤمن به فقد آمن فعلا قبل أن يموت المسيح عليه السلام. لا أدري لماذا لم ينتبهوا لهذا المعنى البسيط والمنطبق مع الآيات ومع سنة الله تعالى في الرسل.

قال تعالى في سورة الحج: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78). فالرسل شهداء على قومهم وهكذا المسيح شهيد على قومه. هذا بحث نشرته قبل ربع قرن تقريبا. إن الله تعالى يتخذ من الرسل نماذج لأقوامهم بأنهم عاصروه وشاهدوا كلما أظهره الله تعالى من آيات تثبت الرسالة وبأن هناك عناية سماوية خاصة للزمان والمكان. كما أن أولئك الصحابة يكونون نماذج لمن جاء بعدهم. فسوف يطبقونا نحن على من نشبهه من صحابة رسولنا وهكذا بقية الناس.

5. مات المسيح يوم ظنوا بأنه صلب.

وأخيرا فإن المسيح لم يُقتل ولم يُصلب. ولكن الله تعالى رفعه إليه. هذا الرفع يعني الموت طبعا ولكن الرفع لا يمكن ان يتم في البدن بل في النفس فقط. قال تعالى في سورة المائدة: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31). هذا هو قانون الله تعالى من يوم موت أول إنسان في هذا الكوكب وقد سار عليه كل الأديان السماوية. فكيف يأمر الله تعالى بدفن جسد الميت باعتباره سوأة ثم ينقل جسد المسيح إلى السماء؟! ليس للبدن قيمة عند الله سبحانه إذا ما تركته النفس تركا نهائيا. إنها آنذاك سوأة باعتبار خطورة إبقائه فوق الأرض.

6. المحاسبة يوم القيامة مبنية أساس الشهداء.

قال تعالى في سورة الزمر: وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70). النبيون هم شهداء على قومهم فقط ولكن صحابتهم شهداء على غيرهم. والشهيد يعني النموذج الذي ينطبق غيره عليه من الحيثيات التي ترتبط بالموضوع. هناك بعد أن يأتي الله بالشهداء وهم صحابة الرسل سوف يقضي سبحانه بين الناس بالحق وتوفى كل نفس ما كسبت. فمحاسبة أصحاب الرسل بمن فيهم الفاسقون على أساس رسلهم ومحاسبة الناس على أساس صحابة الرسل.

لا يمكنني شرح كل شيء طبعا فأرجو أن تضيفوا على هذه المقالة بعض التفكير ليتجلى لكم المعنى والسلام عليكم.

أحمد المُهري

5/4/2020

#تطوير_الفقه_الاسلامي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.