فلوسك فين يا مواطن .. وعملة المركزي بصنعاء
فلوسك فين يا مواطن … وعملة المركزي في صنعاء
مرحبا
يتم النقاش هذه الأيام حول قرار حكومة صنعاء منع تداول العملة الجديدة الصادرة عن البنك المركزي ، واضعة إجراءات حازمة لتنفيذ ذلك ، واصدر القرار فور اشهار تطبيق (ريال موبايل) من شركة يمن موبايل ، وانتشرت الحكايات ان الحوثي اصدر عملة رقمية ، وحديث الشارع لا ينتهي .
في البدء دعونا نوضح بعض الأمور:
قبل احداث 2014 ، كان البنك المركزي والحكومة تدرس الكثير من الحلول للسيطرة على السيولة النقدية التي تدور فيما اسميه (فجوة ابتلاع النقد) التي تحدثت عنه في 2013 في فيديو تدكس بعنوان الاقتصاد الخفي …
الحكومة في نهاية كل شهر ميلادي عليها توفير مرتبات الموظفين (مدني وعسكري) والتي وصلت للمدنيين في القطاع الحكومي فقط لما يقرب 75 مليار ريال شهريا ،استجلاب هذه الكمية من السيولة يديرها المركزي ويجب توفيرها لتغطية مرتبات الموظفين ، هذه الإشكالية التي سعى المركزي مع البريد اليمني لمعالجتها عبر آلية الكترونية كمشروع عرف باسم ( ريال بوست) الذي مات! رحمه الله !… ساهم في ذلك التطور التقني المتتالي في تكنلوجيا المعلومات. ومع تزايد استخدام الجوالات ، سعت عدد من شركات الاتصال ومنها يمن موبايل لتوفير خدمة (دفع الكترونية) يتم فيها تبادل النقد الكترونيا مما يدفع لتوفير الأموال في شكل ارصدة أموال الكترونية في مؤسسات نقدية بنكية ، سبقت شركات بنكية هذه الخطوة مع تأخر اصدار الموافقة لطرف شركات الاتصالات ، فبدأت البنوك في اصدار هذه الوسيلة كل البنوك تقريبا اصدروا تطبيقا لهذا الغرض… متطلبات فتح الحساب البنكي واجراءاته ومشاكل أخرى متعلقة بشبكة الاتصالات ، لم تحقق الهدف في دفع الناس الى استعمال آلية الكترونية للتبادل النقدي في البيع والشراء ، مما اجل الخطوة لفترات طويلة ، الا ان اغراء هذه الميزة سيدفع بالبحث عن تنفيذها ، والتي يبدو ان حكومة صنعاء تحركت في هذا الاتجاه وبسرعة. لماذا؟
قبل الإجابة على لماذا؟ دعونا نؤكد ان تطبيقات السداد ومنها يمن موبايل هي وسيلة الكترونية للدفع وليست عملة الكترونية، صحيح سيكون الرصيد المالي للمستخدم الكترونيا، الا ان هذا الرصيد سيظل رصيدا يعبر عن العملة الورقية الرسمية والصادرة عن المركزي للدولة. العملة الالكترونية مثلها مثل العملة الورقية والعملة المعدنية، بذات الإجراءات التي تنفذ لإصدارها، وبكميات محكمة محددة وان صدرت ستكون محددة ومشفرة.
اذن دعونا نفرق بين الأداة والطريقة. يمكن تحويل الأموال من صراف او من تطبيق، ويمكن استلامه كاش عند تحوليه او ابقائه في الحساب كرصيد رقمي.
وكما هي قناعتي انحاز الى التحول الرقمي لأهميته لمزيد من السيطرة على النقود والتي كما هي وسيلة تبادل وتقييم هي أساس التنمية الاقتصادية، التحول الرقمي سيكون له نتائج مزعجة على المدى القريب الا ان نتائجه استراتيجية على المدى الطويل، في اتجاه آخر لا اتفق مع القرار، لعدة نقاط ستبرز مع المقال.
هناك مركزي واحد هو المركزي اليمني في عدن ، الا انه في المقابل هناك ادارتان للمركزي الأولى في صنعاء والثانية في عدن ، وهي ادارتان لا تنسجمان في الهدف ولا القرار.
الآن لماذا هذا القرار الآن:
الأساس في هذا هي (عض الأصابع) في حرب اقتصادية بين أطراف النزاع حكومة صنعاء وحكومة الرياض، وسيكون التأثير السلبي الوحيد على المواطنين، وكما هو معتاد من أطراف الحرب يتم (صفع هذا المواطن، وربما لن يتوقف هذا الصفع حتى يصرخ المواطن بأغنية “توبة”) …
عموما لا يوجد سيناريو واحد، بل أكثر من سيناريو قد تجتمع كلها، او ان احدها يتفوق على الآخر، وعلي التأكيد أيضا انه عند طباعة العملة الالف ري في سنة 2017 طبعت نسختين نسخة بنفس الشكل القديم ونسخة الشكل الجديد، الشكل القديم رغم انه صادر من مركزي عدن الا انه متاح للتداول لحكومة صنعاء، والشكل الجديد غير متاح. (ربما الشكل مش عاجب!)
دعونا ننظر لنتائج محتملة ستفسر السيناريوهات المحتملة أيضا ، قد تكون أهدافا مركزية للقرار وقد لا تكون وهي وجهة نظر مختصرة في النقاط التالية:
- تعلم إدارة صنعاء ان المركزي فعليا بيد الشرعية، وهي على علم انها لا يمكنها اصدار أي عملة رقمية ولا تمتلك لا هي ولا المركزي اليمني القدرة على اصدار العملة في الوقت الحالي على الأقل ، ولا يمكن أيضا فرض تطبيق شركة الاتصالات على كل المحافظات حتى التي تحت ادارتها ، فمتطلبات البنية التحتية غير متوفرة بصورة كاملة ، الا انها تعلم ان اغلب الموظفين الذين يحصلون على مرتباتهم يوفرونها بالعملة الجديدة ، وان اكبر سوق لتبادلها هي المناطق التي تحت ادارتهم بحكم عدد السكان ، بالتالي فهي أداة ضغط على المواطنين والتجار بطريقة مباشرة وسريعة ، يمكن بها قلب موازين التعامل لديهم وارباك حكومة الرياض . في القابل ربما فاته انه سيربك المشهد لديه أيضا ، حيث لا يمكن ان تكون سيد القرار الوحيد ، اذن سيتحرك السوق الأسود ، ليبرز تعاملا ظاهرا مع العملة الجديدة بالرفض ، وفي الباطن سيتم قبولها بسعر اقل ، نعم ستعامل باقل من قيمتها الورقية ، وسيقبل المضطر ذلك وسينمو سوق غسيل في ظل تنامي السوق السابق الذي لا يمكن السيطرة عليه في غياب الحل السياسي ومركزية القرار والسيطرة .
- حجم المطبوع الجديد تقريبا اكثر من ضعف كمية المطبوع السابق، عملية تجفيف المطبوع من المحافظات تحت إدارة صنعاء، سيسبب تكديس هذا المطبوع في محافظات تحت إدارة عدن ، مما سيدفع تلقائيا الى قلق المواطنين والتجار والذين يعتمدون في الأساس على التجارة الخارجية، وتحديدا التجار في عملياتهم ، وبما ان اعمالهم مرتبطة مع بقية الأطراف في اليمن والخاضعة لإدارة صنعاء ، فليس لديهم وسيلة لحفظ النقد وحفظ التبادل الا شراء المزيد من العملات التجارية الدولار والسعودي ، مما سيربك عمليات إدارة المركزي في عدن والمعتمدة في توفير العملة الأجنبية للاستيراد ، وبما الكمية لن تكفي طلب السوق من العملة والتي ستوفرها اطراف أخرى ضمن المشهد المعقد ، والتي سترفع العملة الأجنبية في تصاعد بدلا من الحفاظ على خفضها ، ربما هذا التصاعد سيكون بطيئا الا ان لا احد يمكنه التحكم في ذلك في ظل غياب سياسات واضحة مع غياب الحل السياسي الشامل او الجزئي وكما نرى ماذا يحدث مع اتفاقية الرياض و استكهولم .
- سترتفع عمولات التحويل النقدية مما سيرفع أرباح الصيارفة وهي الطبقة الأكثر استفادة من كل هذه الخطوات وسيزداد الضغط على البنوك التجارية بشكل أوسع وهذا يعقد عملياتها وعملها وضرر مستمر (مقصود او غير مقصود عليها ) … قد تكون هذه مبررة حيث قررت إدارة صنعاء (تحريم الفائدة البنكية) في المركزي بصنعاء ، وهذا يعني ان كل الشركات والهيئات والصناديق ومنها أصول مالية لشركة يمن موبايل التي كانت تدر الفوائد البنكية أرباحا من الودائع ومن اذون الخزانة التي انتهت ! واذن وبما ان الصيرفة والتحويلات صارت وسيلة لمزيد من الريع فلماذا لا تكون احدى طرق الاستثمار البديل عن الفوائد البنكية ، بالعمل مع الصرافين وهم يسيطرون اليوم على حركة النقود في اليمن بدلا عن المركزي والبنوك التجارية. او فتح صيرفة على الواقع او في فضاء الانترنت.
في النتيجة، وجود آلية للسيطرة على (فجوة ابتلاع النقد) وإدارة حقيقة للتدفق النقدي في الدولة، مهم جدا الا انه يبنى في استراتيجية تخدم أصحاب المصلحة والأطراف المعنية والتي على رأسها المجتمع والمواطن.
اما تجاهل هم الناس، ومعاناتهم، دون مشاركة او شفافية، هي نمط سياسي اعتدنا عليه من متخذ القرار اليمني والعربي خاصة والمسلم عامة … الذي همه الوحيد ان يحقق انتصاراته الشخصية التي ليس منها مصلحة المواطن المطحون ولا الوطن. على رأس القائمة الرئيس هادي (بغض النظر على الضغط الممارس عليه ) فهو القابع في قصره بالرياض وحكومته المتبرجة ، وشلة الانس في تحالفات الجنوب والشمال المختلفة، الذين يشربون ،و يتنعمون، وينامون والكهرباء مضاءة حولهم واولادهم يمرحون بلا قلق ، فأرصدتهم المالية تنمو بعملات اجنبية . هم ابدا لن يشعروا ان هناك طفل مات جوعا، او امرأة انهارت لما عجزت عن ارضاعه، واب مشلول تتدفق دمعاته حسرة انه لم يمت قبل ان يرى ذلك اليوم الأسيف في حياته ، وفقير يتلوى بردا يقول هل قامت القيامة ؟
#اصلح_الله_بالكم
محبتي الدائمة
احمد مبارك بشير
27/12/2019