التشريعات السماوية أبدية
لا طاعة واجبة إلا لله ولرسوله الذي يحكم بما أنزل الله تعالى فقط.
المسلمون منذ أن تخاذلوا في إدارة شؤونهم بأنفسهم بعد وفاة الإمام علي عليه السلام أصبحوا ضحايا أفكار إسلامية خليطة بالخرافات الموروثة من السلف والتي تولى ترسيخها بين المسلمين عدة إمبراطوريات يديرها مسلمون وهي باختصار مملكة بني أمية ومملكة بني العباس ومن عاصرهم وسار على دربهم حتى جاء دور المملكة العثمانية. لقد ظهر في نهاياتها حركات معروفة بالإسلامية مثل الإخوان المسلمين وفروعها الكثيرة مثل حزب التحرير وكذلك الذين ساروا على درب الإخوان ولو بصورة جزئية مثل حزب العدالة والتنمية وغيرهم من الأحزاب الدينية. وحتى حزب الدعوة والدعاة العراقي ليس بعيدا عن التوجهات الإخوانية.
ناهيك عن أن الأحزاب والتيارات الوهابية ومن يسير في خطهم كلهم يظنون بأنهم هم المسلمون الحقيقيون. وكان لكل من الأحزاب التي ذكرتها أعلاه صولات وجولات باسم الإسلام في مختلف العصور والأقطار. فهلا جاء وقت التعرف على الإسلام القرآني الذي صانه الله تعالى؟ لقد صانه سبحانه في كتاب صانه أيضا ليبقى الدين الذي نادى به إبراهيم عليه السلام وأعلنه موسى وعيسى باسم الذين هادوا وأنصار الله وأعلنه باسم الإسلام حفيد إبراهيم محمد عليهم السلام حيا باقيا بين الأمم. هذا الكتاب حجة على كل الناس وحجة وثيقة مؤكدة على كل المسلمين وحجة أكثر واقعية على كل من يجيد اللغة العربية. لا أروم أن أكتب كتابا بهذا الموجز ولكن يهمني فهم بعض المسائل البسيطة من القرآن الكريم ليعلم الجميع بأن الذين ظنوا بأنهم دعاة الإسلام فهم ليسوا صادقين في ادعاءاتهم. ولا ننس بأن الأحكام والتشريعات القرآنية بسيطة وقليلة ولكن لا يجوز تجاهلها بأي حال من الأحوال.
1.
حكم رجم الزاني وقتل المرتد وقتل من يسب الله تعالى أو أحد المرسلين وقتل من يتجاهر بالفسق ويتحدث ضد الصلاة ويفطر في رمضان عمدا بصورة دائمة ووو، كلها أحكام بشرية لا علاقة لها بكتاب الله تعالى. وكلما لا نراه في القرآن فهو بالطبع ليس مشروعا عند رسول الله محمد عليه السلام. ليس رسولنا مشرعا ولا نرى أي إذن له بالتشريع في القرآن الكريم. عليه أن يوضح كتاب الله تعالى لقومه وليس له كحاكم منتخب ولا لغيره أن يخالف تشريعات القرآن الكريم إذا ما عينه الناس حاكما عليهم.
2.
لا يجوز القتل إطلاقا إلا للقاتل دون إسراف. بمعنى أن قاتلا واحدا يُقتل مقابل مقتول واحد. قال تعالى في سورة الإسراء: وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33). فالله تعالى حرَّم قتل النفس الإنسانية إلا بالحق. والحق موضح في نفس الآية وهو قتل القاتل دون إسراف أي دون أن يُقتل أكثر من شخص مقابل مقتول واحد.
3.
لا يوجد حد لشارب الخمر ولا للمتجاهر بالفسق ولا للفاطر في رمضان علنا أمام الجماهير ولا للذي يخالف فتوى المفتين أو فتوى مراجع التقليد عند الشيعة أو يكذب على الله تعالى ورسوله أو يهين القرآن أو يكتب ضد الرسول عليه السلام أو يقوم بأي عمل غير القتل والفاحشة.
4.
حد الزاني واحد وهو 100 جلدة ولو كانت أمة 50 جلدة ولا فرق بين المحصنة والمحصن وبين غير المحصنة وغير المتزوج. وهذا الحد غير قابل للتنفيذ إلا إذا قام الزاني والزانية بالفاحشة أمام الناس حيث رآه القاصي والداني الذين لم يذهبوا إلى الأندية الليلية بل رأوا الفاحشة في الشارع ثم ذهبوا وشهدوا عند القاضي. ذلك لأن الذي يذهب إلى أماكن الفسق فهو فاسق لا يجوز للقاضي أن يقبل شهادته.
5.
من الصعب أن يجرؤ أحد على الشهادة ضد الزاني والزانية لأن أي خطأ في الشهادة أو عدم اتفاق مع بقية الشهود فإنه سوف يُجلد ثمانين جلدة ولو كان في الحقيقة صادقا. فحد الزاني والزانية قد لا يتحقق أبدا ولكن حد المفتري بالبهتان يثبت فورا بمجرد أن يتحدث أمام القاضي مثلا.
6.
الذين يقومون بالفاحشة من الرجال أو النساء مع جنسهم الموافق فلا حد عليهم. قال تعالى في سورة النساء: وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (16). فحد السحاق وبعد أن يشهد أربعة شهود بمشاهدة السحاق هو أن تُسجن في البيت حتى تموت أو يأتي أحد يتزوجها كما أظن. السبيل في القرآن عادة ما تطلق على سبيل التكاثر. وبما أن العملية نسائية محضة فلعل شهادة النساء غير كافية لقوله تعالى: أربعة منكم وحتى نكون غير ظالمين فإن الذي نبهني على هذه الجزئية المحتملة هو أخي قصي الموسوي.
وأما اللواط بالتوافق فيجب إيذاؤهما حتى يتركا تلك الفاحشة المهينة. ولعل السبب هو أن تلك الفاحشة المنكرة لا تؤثر في صناعة الإنسان ولكن الزنا قد يؤثر. أو أن الزنا ولو قام الزانيان بالحذر والحيطة فإن عملية الزنا يُعتبر تقبيحا لعمل مسموح به في الإسلام لغرض التكاثر. لكن اللواط ليس كذلك. كلاهما قبيحان وكلاهما من الفاحشة ولكن هناك فرق بينهما. والعلم عند المشرع عز اسمه.
7.
الذين يقاومون الحكام أو يتظاهرون ضدهم فلا يذكر القرآن الكريم عقابا لهم. لكنهم لو قاموا بتدمير المنشآت أو إيذاء الناس أو إيقاف السير أو منع الناس من ممارسة أعمالهم فإن من واجب الدولة أن تمنعهم وتسنُّ المجالس التشريعية عقابا لهم.
العقاب الذي عينه الله تعالى للمفسدين في الأرض خاص بالرسول ولكن يمكن لنا مجاراته مع الحذر. بمعنى أن المشرع يقلل من العقاب. قال تعالى في سورة المائدة: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (34). واضح بأن الآيات خاصة بأيام الرسول عليه السلام. إذ أن الذي يفسد في الأرض اليوم فهو ليس محاربا مع الرسول الذي انتقل إلى جوار ربه عليه سلام الله تعالى. والله تعالى عفا عنهم لو تابوا من قبل أن يقدر الصحابة عليهم. الخطاب لهم حين يقول سبحانه مخاطبا الموجودين: من قبل أن تقدروا عليهم.
نحن مضطرون للتشريع ضد المفسدين في الأرض الذين يعرضون أمان الناس إلى الخطر فيبدلون أمن البلاد إلى خوف وفزع. ولكن علينا بألا نعتبر الذي يخالف النظام العام محاربا لله ورسوله. فالرسول ليس بيننا ولن يتحقق محاربته عليه السلام في زماننا هذا. ولكن يجب العلم بأن القصاص يجب أن يُعلن بعد دراسة وافية في برلماناتنا.
8.
الحجاب تشريع وقائي جيد والله تعالى أوصى به كما يبدو. ولكن لا عقاب لمن لا تهتم بحجابها. ولم يذكر الله تعالى بأن التي لا تتحجب سوف تُعاقب يوم القيامة. وحد الحجاب في القرآن هو تغطية الصدر فقط ولم يذكر ربنا تغطية الرأس. لكن غطاء الرأس اليوم أصبح علامة وعادة للمسلمات فمن الخير ألا يتركنه. الخمار ليس غطاء للرأس كما ظن المتعصبون. إنه ملابس الزينة وله ذيول تدل على الرفاهية وهو عادة ما لا تغطي البدن بصورة كافية. إنهن كن يلبس الخمار فوق الملابس فأمر سبحانه بأن يضربن بعض ذيول الخمر على جيوب الملابس؛ والجيب هو الفتحة التي تلي العنق. لم يكن الملابس القديمة مشفوعة بالمطاطيات الحديثة ولا بالأزرة وكانت النساء يصففن شعورهن وهي عملية مكلفة. كن يوسعن فتحة الجيب حتى يدخلن فيها رؤوسهن دون أن تتأثر الضفائر في شعورهن. ولذلك نصح الله تعالى رسوله بأن يدنين بعض ذيول الخمر على الصدور حتى لا تظهر المفاتن الصدرية المثيرة. والآية واضحة بأنها لا تتجاوز الآداب الإسلامية. قال تعالى في سورة النور الآية 31: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ….
وقال سبحانه في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل ِلأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59). كلتا الآيتين تأمران الرسول بأن ينصح النساء ولا نرى فيهما أمرا مباشرا من الرحمن عز اسمه كما لا نرى فيهما بيانا لأي عقاب دنيوي أو أخروي لمن لم يفعل أو لم تفعل ذلك.
9.
الأحكام التي يكررها القائمون بالسلطة لصالح ولي الأمر كلها بلا استثناء صناعات بشرية لا علاقة لها بالإسلام والذين يفرضونها على الناس فليتبوؤوا مقاعدهم من النار. إنهم يكذبون على الله تعالى ورسوله. ولي الأمر الفاسق فاقد لأية قيمة عند الله تعالى وهو من أهل النار ويجب محاربته إن كان ممكنا وتغييره وتعيين مؤمن بدلا عنه بحكم العقل.
قال تعالى في سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59). وقال سبحانه في نفس سورة النساء: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83) فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً (84). فمن هم أولو الأمر وما هو مصداق الطاعة؟
أولو الأمر هم قواد العسكر وبعضهم علماء يستنبطون الأحكام الصحيحة من آيات القتال في القرآن وبعضهم ليس كذلك. يجب على الجندي أن يطيع قائده حتى لا تنفلت الأمور ولو أخطأ القائد يبلغ رسول الله عليه السلام ليتفادى المسألة. فقوله سبحانه: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول لبيان أصل الطاعة الواجبة ثم لا يقول سبحانه: وأطيعوا أولي الأمر بل يقول وأولي الأمر. هذا يعني بأنه تعالى يقيد طاعة أولي الأمر بأن يكون هناك أمر من الرسول قبل ذلك. إنها آيات القتال وليست آيات الحكم ولا آيات التشريعات السماوية العامة. لكن الفقهاء لم يدركوا أو لا يريدون أن يدركوا مغزى الآيات الكريمة. فأولو الأمر ليسوا الحكام ولا الأئمة ولا مراجع التقليد ولا هم يحزنون. كفانا كذبا على الله تعالى وعلينا بأن نتقيه سبحانه فهناك حساب عظيم أمامنا. وما قام به حكام المسلمين أيام بني العباس من اختراع الأحاديث التي نسبوها إلى الرسول عليه السلام ليقولوا بأن الرسول يعني كتب الحديث فهو أمر منكر فاسد. ولم يقدر الله تعالى لهم أن يكتبوا أحاديثهم أيام الرسول عليه السلام ولا أيام الخلفاء الراشدين ولا أيام بني أمية. لكنهم بدأوا بتحرير هذه الكتب الضالة المضلة أيام أبي جعفر المنصور العباسي لعنه الله تعالى.
والطاعة أصولا تعني القبول ولا تشمل التنفيذ. بمعنى أن من واجب المؤمن أن يتقبل أمر الله تعالى ورسوله ولكنه لو لم ينفذ الأمر فهو عاص وليس كافرا.
10.
أحكام معصية الرسول خاصة به عليه السلام. ولا تشمل حتى الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم الذين كانوا أقرب الناس إلى رسول الله عليه السلام. قال تعالى في سورة المجادلة: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9). التناجي والتحادث السري أو ما يسمى بالتآمر بالإثم والعدوان محرم بصورة عامة ولكنها ليست ممنوعة إذا تناجوا ضد غير رسول الله عليه السلام.
فلم يذكر القرآن الكريم منعا من أن يتآمر الناس ضد حكامهم ليصوتوا ضدهم أو يقوموا بحركات سلمية لدحضهم وإنهاء حكمهم شريطة ألا يقوموا بالإثم المحرم وأن لا يعتدوا على النفوس والممتلكات. هناك أحكام وتشريعات بشرية في بعض البلاد الإسلامية تعتبر القيام السلمي ضد الحكم جرما يُعاقب عليه الشخص بمختلف أنواع العذاب بما فيها الإعدام. ليس بيد أولئك الحاكمين آية قرآنية تسندهم والتشبث بآية أولي الأمر تحريف لكتاب الله تعالى وإثم في حد ذاته.
11.
تعدد الزوجات غير ضروري بصورة طبيعية. ذلك باعتبار أن الأمة البشرية بصورة طبيعية وعلى أساس حساب الاحتمالات متناصف جنسيا ولا سيما في سني المراهقة. بمعنى أن مجموع الإناث في الكرة الأرضية متساو تقريبا مع مجموع الذكور ولا سيما في سني الطغيان الجنسي لديهم. كل الذين لهم خبرات ولو بسيطة في علم الجينات الوراثية يعلمون ذلك. لكن هناك حالات شاذة نحتاج معها إلى تعدد الزوجات مثل ما حصل في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية حيث تواجدت الكثير من النساء بلا أزواج بل بلا معيل وبلا أهل يواسيهن ويساعدهن. الحروب الجديدة بين المسلمين مثل الحروب الصدامية ضد جيران العراق التي خلفت الكثير من فاقدات الأزواج. وكذلك الحرب السعودية ضد اليمن والحرب الإجرامية العربية ضد سوريا والحرب الهندية الباكستانية وغيرها من قبل. كل هذه الحروب التي لا نرى فيها نساء يحاربن مع الرجال فإنها تخلف إناثا فريدات قد تتعرضن للكثير من المشاكل. ولذلك فإن الآية الكريمة من سورة النساء أنزلت لحل تلك المشكلة ولم تُنزل لتزيد من عبث الرجال الأثرياء بالنساء.
الذين يريدون الشهوات بما يسمونه بالحلال يتلون نصف الآية ويتركون الشرط الموجود في مقدمتها. أولئك الذين يصدق عليهم قوله تعالى في سورة الحجر: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93). وأما آية إباحة الزواج من أكثر من واحدة فهي في سورة النساء أذكرها لمن يريد أن يتبع كتاب ربه ولا يريد اللعب في أحكام الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3). افتروا على الله تعالى بأن المقصود من عدم العدالة هو العدالة بين النساء. لم يقل ربنا ذلك بل قال عكس ذلك في نفس السورة الكريمة: وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (129).
فكيف يقول سبحانه جزما بأن الذين لديهم زوجات من المؤمنين لن يستطيعوا أن يعدلوا ثم يقول بأنهم لو لم يعدلوا فواحدة؟ وحديث الآية 129 عن بعض المسلمين الذين تزوجوا بأكثر من واحدة من قبل الإسلام أو تزوجوا من يتامى الحروب. ويمكن لنا أن نقول اليوم بأن الذين ظنوا بأن الزواج من أكثر من واحدة مسموح شرعا بلا شروط استنادا إلى فتاوى شيوخهم فالآية 129 أعلاه قد تساعدهم. وعلينا الانتباه إلى أن الشرط الأساسي لإباحة تعدد الزوجات هو وجود اليتامى اللائي يعشن منفردات في المجتمع. ولعل السر في قوله تعالى: مثنى وثلاث ورباع؛ هو أن المتبرعين والمتبرعات بإحضار زوجة ثانية في البيت لو قضوا على مشكلة اليتامى فبها ونعمت. ولكن لو بقيت نساء يتامى بعد ذلك جاز الثالثة لمن تسمح له زوجتاه ولو لم تنته المشكلة جاز الرابعة.
12.
وأخيرا أرجو من الإخوة الطيبين والأخوات الطيبات الذين يحركون أقلامهم ضد كتاب الله تعالى قائلين بأن تشريعات القرآن ليست لنا أن يكفوا عن ذلك ويتقوا الله تعالى. قال تعالى في سورة الزمر: إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (41). فهذا الكتاب ليس للرسول وصحابته بل للناس جميعا ونحن من الناس.
وقد منع سبحانه من مخالفة كتب السماء واعتبر من لم يحكم بما أنزل الله كافرا. قال سبحانه في سورة المائدة: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44). أليست الآية توجب علينا أن نحكم بالتنزيل؟
ويعتبر القرآن كل من لا يحكم بما أنزل الله تعالى كافرا. قال سبحانه في سورة المائدة أيضا: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68). فيجب على من يريد رضوان الله تعالى أن يعمل بالتوراة والإنجيل والقرآن. هناك مسائل غير مذكورة في القرآن ونجدها في هذه التوراة التي لعب بها بنو إسرائيل ويجب علينا اتباعه. نحن نعتبر تلك الأحكام باقية دون مساس. كل ما فعله بنو إسرائيل هو أنهم حرموا الجمل وأضافوا فكرتهم البشرية الخاطئة إلى التوراة التي بين يدينا. ولكن الله تعالى استدرك الأمر في القرآن فوضح لنا اللحوم المحللة الأربعة بالكامل. لكن أحكام الطيور والأسماك في التوراة فهي باقية على حالها ويجب علينا اتباعها جميعا. كما لا يجوز لنا اتباع الذين أضافوا أحاديثهم إلى الكتب السماوية ظلما وعتوا.
أتمنى أن يتبع إخواني الذين أحبهم باعتبارهم مؤمنين بالله تعالى أن يتقوا الله سبحانه في القرآن الكريم. إنه تعالى يهدد رسله بنار جهنم فمن نحن حتى نسمح لأقلامنا أن تكتب ما نشاء؟ قال تعالى في سورة يونس مخاطبا رسوله الأمين: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15).
وختاما تحياتي ودعواتي القلبية الخالصة لكل الطيبين وتمنياتي لهم ولي أن يوفقنا ربنا لاتباع أوامره وكسب رضوانه.
أحمد المُهري
6/12/2019
#تطوير_الفقه_الاسلامي