ثقافة القرآن للمبتدئين

6 – المقدس والقداسة

القداسة تعني النظافة الفائقة من كل إضافة بل من كل تركيب في الواقع ولذلك فهي خاصة بالله تعالى وحده لا شريك له. هو القدوس الذي لا يشوبه شيء، بمعنى أنه سبحانه في ذاته شيء بسيط لا تركيب فيه إطلاقا. إنه البسيط الحقيقي وكل ما دونه مركب بمن فيهم الملائكة والأرواح القدسية وكلها محتاجة للقدوس جل جلاله. فلا يجوز عقلا أن نقول لأحد قداسة فلان كما يقول إخواننا المسيحيون لزعيمهم الديني قداسة البابا. لكنهم كما يبدو لا يقصدون المعنى الواقعي للقداسة بل يقصدون بأنه نظيف طيب لم يسع للمعصية. وعلى كل حال فمن الاحتياط أن لا ننسب أي كائن إلى القداسة فقد يكون تعديا وتجاوزا عن حدودنا المسموحة لنا في خطاباتنا.وأما كلمة المقدس فتطلق على الأماكن التي قدسها الله تعالى بتجلي نوره فيها في كوكبنا ولا نعرف شيئا عن قدسية ما في الكواكب الأخرى. وقد أطلق الله تعالى صفة المقدس على الوادي الذي تجلى فيه نوره عز اسمه على شكل نار لموسى عليه السلام في التكليم الأول. ولذلك أمر الله تعالى موسى أن يخلع نعليه احتراما للمكان الذي تقدس بتجلي النور العظيم فيه. وذلك إشارة إلى أن تلك الأرض تعرضت لنوع خاص من الطهارة والنظافة التي يصعب علينا معرفة خواصها. ولم يصف الله تعالى إنسانا بالمقدس فهو وصف غير دقيق.كما أنه سبحانه سمى القدس المعروفة بالأرض المقدسة. ولعل السبب في ذلك أن الله تعالى بعد أن دمر الجبل بتجلي نور الربوبية بصورة محدودة فيه فصار الجبل رذاذا متأثرا بقوة الإشعاعات النورية ثم حمله الله تعالى كما هو ليأخذ به العهد من بني إسرائيل ليتقبلوا التوراة تحت تهديد الموت. رأى بنو إسرائيل الجبل المندك فوقهم كأنه ظلة عليهم فهو قد يسقط في أية لحظة فالتزموا بالوفاء بعهد الله تعالى في التوراة. فكيف حمله الله تعالى فوقهم إلا بإحاطته بإشعاعاته القدسية. فالمظنون أن الرذاذ المتراكم كان على القدس الفعلية وليس على مكان تجمع بني إسرائيل خارج القدس. هكذا تطهرت تلك الأرض وأصبحت أرضا مقدسة مثل الوادي المقدس. ولا توجد في كوكبنا أرض مقدسة أخرى.والله تعالى قد حرم مكة ولم يقدسها. وسر التحريم أن مكة ورشة عمل له سبحانه لخلق الإنسان الأول والأنعام الثلاثة الصغيرة، البقر والمعز والغنم. إن آثار ذلك الخلق الخاص موجودة تحت أرض مكة الفعلية ولذلك فهي متحف الله تعالى في الأرض وهي مسجلة ولا يجوز نقل أي شيء من أرضها خارج مكة. مثالها مثال كل المباني الأثرية القديمة فهي أقدم المباني وهي بيت أبينا آدم. قال تعالى في سورة آل عمران: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96). فأول بيت وضع للناس هو بيت أول الناس وهو أبونا آدم وزوجه أمنا رحمهما الله تعالى وإيانا. وبكة هي اسم مكة قبل تطهيرها من الحجارة بعد عدة عشرات من آلاف السنين على يد إبراهيم وإسماعيل. فالأرض كانت آنذاك عبارة عن حجارة مبكوكة مدقوقة إثر اصطدام الدرع النوبي بالدرع العربي. والعلم عند الله تعالى.

أحمد المُهري

#تطوير_الفقه_الاسلامي

#ثقافة_القرآن_للمبتدئين

https://business.facebook.com/Islamijurisprudence/