نظرية ظهور العلم 6- خليج المعجزات من دبي الى البصرة
نظرية ظهور العلم 6 –
خليج المعجزات
من دبي إلى البصرة
انتهى بنا البحث إلى أنه إذا اتفقنا على أن الإسهام العربي في صنع المعرفة البشرية في قطاع العلوم قد “انفجر” في النصف الأول من القرن الثاني الهجري فإنه لم ينفجر في عموم البلدان التي يسكنها العرب الآن والتي يصل عددها إلى اثنتين وعشرين دوله, وإنما انفجر في مدينة واحدة فقط, في بلد واحد فقط. كانت تلك المدينة هي البصرة, وكان ذلك البلد هو العراق. والسؤال الذي يتوجب علينا إثارته الآن – والإجابة عليه أيضا – هو لماذا العراق؟ ولماذا البصرة؟
تمثل البصرة في القرنين الأول والثاني للهجرة نموذجا للحيوية والنشاط غير المسبوقين في الثقافة العربية. لم يحدث أن كان هناك كل هذا الجدل والحوار في بريدة, ولا عنيزة العواصم الثقافية للقصيم. حقيقة الأمر, ولا حتى في شقراء. لم يحدث أن اجتمع كل هذا العدد من النحويين, واللغويين, والفقهاء, والمحدثين, والقراء, والمفسرين في مدينة واحدة من مدن العرب من قبل. لا في مكة, ولا في المدينة, ولا في الطائف, ولا في الهفوف, ولا في خميس مشيط, ولا في تعز, ولا في صنعاء, ولا في الحديدة, ولا في مسقط, ولا في عمان, ولا في المنامة, ولا في دبي ذاتها. حقيقة الأمر, لم تكن دبي “نفسها” موجودة في القرن الأول الهجري, ولا حتى الثاني, أو الثاني عشر. لم يحدث أن اجتمع كل هؤلاء العلماء في مدينة واحدة من مدن الجزيرة العربية منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها إلى يوم الله هذا, أي إلى العشرين من فبراير 2013. ويبقى السؤال, لماذا؟
تنظر الثقافة العربية إلى ما حدث في البصرة بنفس الطريقة التي تنظر بها إلى ما حدث في دبي. وضع عتبة بن غزوان أسس مدينة البصرة عام 14 هجرية, وبعد انتهاء عملية البناء بساعات بدأ العمل في وضع أسس النحو, والصرف, والبلاغة, والحديث, والفقه, وعلم الكلام, والتفسير, والشعر, والنقد الأدبي, وانفجر بركان من العلم العربي سمعت أصواته في أقاصي الأرض. قام على إنتاج هذا العلم علماء وفقهاء يعرف أسماءهم كل من يتحدث العربية إلى يومنا هذا. الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله جل وعلا عنه وأرضاه, وإمام النحو والصرف الأعظم عمرو بن عثمان بن قنبر, والإمام الأعظم الحسن البصري, وأبو الأسود الدؤلي, وقائمة طويلة لا نهاية لها يعرفها كل من يعرف العربية تقريبا.
يشبه ما حدث في البصرة في القرن الأول الهجري ما حدث في دبي في القرن العشرين الميلادي. قام حوالي 800 شخص تقريبا من قبيلة بني ياس بقيادة آل مكتوم بتأسيس مدينة دبي عام 1833, وفي أقل من مائتي عام نجح هذا البطن من قبيلة بني ياس في إنشاء واحدة من أجمل مدن العالم. استطاع هذا البطن من قبيلة بني ياس أن ينشئ مدينة الأحلام. مدينة تفيض بأجمل بنايات في العالم, وأغلى فنادق في العالم, وأروع موسيقى في العالم, وأجمل ثياب في العالم, وأكبر بنوك في العالم. جاءهم أكبر مهندسين معماريين في العالم ليتعلموا على أيديهم كيف يبنون هذه البنايات البديعة. وأعظم طهاة في العالم ليتعلموا من طهاة بني ياس كيف يطهون طعامهم. وتنافس الآباء والأمهات في أنحاء المبسوطة على إرسال أبنائهم وبناتهم للدراسة في الجامعات التي أنشأها بنو ياس والتي أبدعت علما لم يسبق للبشرية جمعاء أن علمت عنه شيئا. وتدفق العلم من دبي, وتدافع العلماء إلى دبي. جاء مصممو الأزياء من لندن, وباريس, وروما, وميلانو, وطوكيو, ونيو يورك ليروا كيف تعمل بيوت الأزياء في دبي. كيف يخلق بنو ياس هذه القطع الفنية. أرسلت زيوريخ ولندن خبراءها المصرفيين ليدرسوا كيف تعمل مصارف دبي. كان هناك شعور بأنك إذا لم تتعلم في دبي فإنك فعلا لم تتعلم. ووقف العالم مشدوها أمام دبي – “المدينة المعجزة”. إلا أن المعجزة الحقيقية كانت في أولئك الرجال العظام – ثمانمئة رجل لا أكثر – الذين استطاعوا في أقل من مئتي عام أن ينشأوا أعظم مدينة شهدها العالم وأن يقدموا أعظم إسهام في حقل العلم شهدته البشرية. إذا كانت جنديسابور, وأثينا, وروما, وبيزنطة قد سقطت, فإن دبي قد صعدت.
لم يكن رجال بني ياس حين وصلوا إلى الخور منذ أقل من مئتي عام يحملون سوى عصي يهشون بها على حلالهم, وبعض تمرات في رحالهم, إلا أنهم كانوا يحملون في رؤوسهم حلم إنشاء أعظم مدينة شهدها العالم و”الإسهام في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم”. وهذا هو ما فعلوه, تماما مثلما فعل أجدادهم في البصرة منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنا.
هل نحن في الإسكندرية أم نحن في دبي؟
الفرضية الأساسية التي يقوم عليها هذا البحث هي فرضية “العلاقة الآثمة”. أي تلك الفرضية التي تذهب إلى وجود علاقة قوية بين الثقافة العربية القديمة وبين نظام الإدراك البدائي المستخدم في المرحلة الثانية من نمو الإدراك حسب مقياس جان بياجيه. لم يكن الفقه الاسلامي القديم, حسب هذه الفرضية, سوى ثمرة هذه العلاقة الآثمة بين الثقافة العربية القديمة وبين نظام الإدراك البدائي الذي استخدمته.
مثل الفقه الاسلامي القديم عائقا حال بيننا وبين فهم دين الله. يظهر ذلك, بوضوح تام, في الفهم السيء لكتاب الله وفي الأحكام المشينة التي صدرت عن هذا الفهم السيء. يحتاج “الفهم الطيب” لدين الله, أولا, إلى بيان أن الفقه الاسلامي القديم لا يمثل أكثر من “الفهم السيء” لدين الله. أي إلى بيان أن الفقه الاسلامي القديم ما هو إلا “الثمرة الطبيعية” لنظام الإدراك البدائي المستخدم في الثقافة العربية القديمة. المشكلة, وهي في حقيقة الأمر مشكلة, هي أن من المستحيل الكشف عن الأصول البدائية لنظام الإدراك المستخدم في إنتاج الفقه الاسلامي القديم إلا إذا كشفنا أولا عن العلاقة الآثمة بين الثقافة العربية القديمة وبين نظام الإدراك البدائي الذي استخدمته. تواجه محاولة الكشف عن بدائية النظام الإدراكي المستخدم في إنتاج الثقافة العربية القديمة صعوبات ضخمة لعديد من الأسباب من ضمنها, وإن لم يكن من أهمها, سيطرة فكرة الثقافة العربية “المذهلة” التي أسهمت بصورة “مذهلة” في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلوم. المشكلة, بهذا الشكل, هي في عقيدة الإسهام العربي “المذهل” في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم. يعمل هذا البحث على بيان أن الثقافة العربية القديمة لم يكن لها أي إسهام في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم حيث إن الثقافات الرعوية لا تنتج علما. يأمل البحث, بهذا الشكل, في الكشف عن أن الفقه الاسلامي القديم “ليس علما” وبذا يفتح الطريق أمام “علم الفقه الاسلامي الجديد”.
يحتاج الكشف عن فساد الأسس التي تقوم عليها “عقيدة الإسهام العربي المذهل في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم” إلى (1) تقديم تعريف واضح لما نقصده من عبارة “الإسهام الحضاري في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم”, و (2) تحديد ما نقصده من عبارة “الإسهام العربي”. يمكننا بعد ذلك النظر في (3) المكان الذي حدث فيه ذلك الإسهام, و(4) الزمان الذي وقع فيه. وعليه,
1. تعريف فكرة “الإسهام الحضاري في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم”
سبقت الإشارة إلى أن المقصود بالإسهام في صنع المعرفة البشرية لا بد وأن يكون صنع معرفة لم يسبق أن كانت متاحة للجنس البشري من قبل. أثبت كوبرنيكوس عام 1543 أن الأرض تدور حول نفسها مرة كل أربع وعشرين ساعة, كما تدور حول الشمس مرة كل عام. يعتبر هذا الكشف إضافة إلى المعرفة البشرية حيث لم يكن قد سبق “إثبات” هذه النظرية. قام شخص ما بـ “نقل” هذه النظرية إلى مصر فيما بعد. لا يعتبر هذا “النقل” إسهاما في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم. لا يوجد أدنى شك في أن “نقل” هذه النظرية العلمية إلى مصر هو “إسهام لا شك فيه” في تقدم المعرفة العلمية في مصر, إلا أن مصر ليست “البشرية”, فضلا عن أن “الناقل” لم “يكتشف” شيئا.
2. تعريف فكرة “الإسهام الحضاري العربي في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم”
إذا كان “من السهل علينا” تقديم تعريف لفكرة “الإسهام الحضاري في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم”, فسوف نكتشف أن “من الصعب علينا” تقديم تعريف لفكرة “الإسهام العربي الحضاري في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم”. يعود ذلك إلى وجود ارتباطات عاطفية بيننا وبين مصطلح “العربي”. نحن, في نهاية الأمر, نتحدث عن أنفسنا, وهذا أمر صعب. وعليه دعنا نسأل سؤالا لا توجد بيننا وبينه ارتباطات عاطفية. دعنا نسأل السؤال التالي: ما المقصود بعبارة “الإسهام الإنجليزي في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم”؟ وهو سؤال, في حقيقة الأمر, أسهل بكثير إذ يتعلق بـ “الإنجليز” وليس بنا. ما المقصود, فعلا, بعبارة “الإسهام الإنجليزي في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم؟ هناك تعريفان اثنان ممكنان. هما كالتالي:
أ. الإسهام الذي تم على أيدي مجموعة من الرجال, أو النساء, الإنجليز أبا عن جدا. أي الإنتاج الذي قام به رجال ونساء يكشف فحص الحمض النووي الخاص بهم عن انتمائهم إلى مجموعة الرجال والنساء التي انحدرت من القبائل الأنجلو ساكسونية التي استقرت في إنجلترا في القرن السادس الميلادي.
ب. الإسهام الذي تم باللغة الإنجليزية بغض النظر عن الحمض النووي.
لا يوجد لدي شك في أن صياغة المشكلة بهذا الشكل سوف يسهل علينا أمر تناولها. المسألة, في نهاية الأمر, لا تخصنا وإنما تخص الإنجليز. لا يوجد لدي أدنى شك أننا سنتبين على الفور أن المسألة ليست بالبساطة التي كنا نتخيلها, حيث إن الأمر لا يمكن أن يكون أمر حمض نووي هكذا على الإطلاق, ولا أمر لغة إنجليزية هكذا على الإطلاق. دعنا نرى:
يواجه التعريف الأول مشكلة مئات العلماء اليهود الذين عملوا في إنجلترا وأسهموا فعلا في تقدم المعرفة البشرية. لا تنتمي هذه المجموعة بأي شكل من الأشكال إلى مجموعة القبائل الأنجلوساكسونية التي هاجرت من شمال ألمانيا إلى إنجلترا في القرن السادس الميلادي. اليهود ليسوا من أصول ألمانية. يواجه هذا التعريف أيضا مشكلة آلاف العلماء الهنود, والعرب, والبولنديين, والألمان, والصينيين, والأيرلنديين, وباقي الأمم, الذين هاجروا إلى إنجلترا وعملوا فيها وأسهموا في تقدمها, وتقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم.
يواجه هذا التعريف مشكلة النظر إلى “نوع” الإسهام الحضاري الذي قام به محمد عبد السلام أستاذ الفيزياء بالكلية الإمبراطورية بلندن الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء. محمد عبد السلام من مواليد البنجاب, ويحمل الجنسية الباكستانية “فقط”. إذا لم يكن العمل الذي قام به محمد عبد السلام يمثل الإسهام الحضاري الإنجليزي في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلوم فأي “حضارة” أو “ثقافة” يمثل؟ الثقافة الباكستانية؟ هل لو كان قد عمل بجامعة لاهور كان قد أنتج ما أنتج؟ هل سبق للثقافة الباكستانية أن أنتجت علما كالذي أنتجه؟ هل حدث بعد ذلك أن أنتجت علما كالذي أنتجه؟ ما العمل في الإنتاج العلمي الذي قام به العلماء من أصول بانجلاديشية خلال عملهم في إنجلترا؟ هل هو من إنتاج الثقافة البانجلاديشية؟ هل كانت اكتشافات مدام كوري البولندية الأصل والتي تمت في باريس إسهاما علميا بولنديا في تقدم المعرفة البشرية في مجال العلم؟ ما الوضع في إنتاج أحمد زويل؟ ما موقف مجدي يعقوب؟ هل هو إسهام حضاري مصري؟ موضوع الحمض النووي لا يصلح. وعليه دعنا ننظر في موضوع اللغة الإنجليزية.
لا يحتاج النظر إلى تعريف الإسهام الحضاري الإنجليزي في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم على أنه الإسهام المكتوب باللغة الإنجليزية إلى أكثر من الزمن الذي استغرقته قراءته للتعرف على خطئه. هذا تعريف لا يستقيم. تصدر يوميا مئات الأبحاث الأمريكية في مختلف قطاعات العلم (ليست مبالغة, الثقافة الأمريكية الآن هي “مصنع إنتاج العلم” – راجع جوائز نوبل) وهي أبحاث مكتوبة باللغة الإنجليزية إلا أن من المستحيل النظر إليها على أنها تمثل الإسهام الحضاري الإنجليزي في تقدم المعرفة البشرية في قطاع العلم. الأبحاث الأمريكية الصادرة باللغة الإنجليزية هي أبحاث أمريكية باللغة الإنجليزية. وعليه, فهي تمثل إسهاما حضاريا أمريكيا في تقدم المعرفة البشرية. إسهاما حضاريا أمريكيا, وليس إنجليزيا. لا يستطيع المجتمع الإنجليزي تحمل نفقات الإنتاج العلمي في القطاعات التي يعمل فيها العلماء الأمريكان. إنجلترا لا تنتج طائرات ركاب. أوروبا تنتج طائرات ركاب. ألمانيا لا تنتج طائرات ركاب. تستطيع أمريكا (قارة أمريكا الشمالية بولاياتها التسع وأربعين) أن تتحمل تكاليف إنتاج طائرة ركاب. لا تستطيع ولاية كنتاكي – ولا حتى كاليفورنيا – إنتاج طائرة ركاب. تستطيع أوربا (قارة أوربا) إنتاج طائرة ركاب. لا تستطيع إنجلترا – ولا حتى ألمانيا – بمفردها إنتاج طائرة ركاب. المسألة ليست مسألة لغة وإنما مسألة “نوع الأعمال” التي يقوم بها المجتمع, وما إذا كان “اقتصاده” يسمح بتكلفة هذه الأعمال.
لا تقتصر مسألة اللغة الإنجليزية على الإنتاج العلمي الأمريكي وحسب بل تشمل أيضا الإنتاج الكندي, والأوسترالي, والنيوزيلندي, والجنوب أفريقي, والأيرلندي, والويلزي, والاسكوتلندي (إذ نحن نتحدث عن شعوب متأثرة إلى حد كبير للغاية بالثقافة الأنجلو ساكسونية, إلا أنها ليست شعوبا أنجلو ساكسونية). لا يقتصر الأمر كذلك على هذه الشعوب أنجلو ساكسونية الثقافة, بل يضم كافة شعوب الكرة الأرضية. باختصار, “كافة شعوب الكرة الأرضية”. يعود ذلك إلى أن اللغة الإنجليزية هي في الوقت الحالي لغة العلم. حقيقة الأمر, يقوم البشر في الوقت الحالي بنشر إنتاجهم العلمي في المجلات العالمية, وهذه المجلات العالمية هي مجلات تصدر باللغة الإنجليزية. وعليه,
هل يمكن النظر إلى الإنتاج العلمي الصادر عن ألمانيا والمنشور باللغة الإنجليزية على أنه إسهام حضاري إنجليزي؟ ما العمل في أبحاث الأستاذ الدكتور عبد الفتاح السيد المنشورة في المجلات العلمية العالمية (باللغة الإنجليزية طبعا)؟ هل يمكن النظر إليها هي الأخرى على أنها إسهام حضاري إنجليزي؟ كلي ثقة من أن الشعب الإنجليزي المحترم لم تخطر هذه الفكرة على ذهنه أصلا. تحتاج إلى تكون كائنا “مهياصا” لكي تفكر بهذا الشكل.
إذا لم يكن “معيار الحمض النووي” يصلح للحكم بإنجليزية الإسهام الحضاري الإنجليزي في تقدم المعرفة البشرية في مجال العلم, وإذا لم يكن “معيار اللغة الإنجليزية” يصلح هو الآخر في هذا الصدد, فما هو المعيار الذي يصلح؟ دعنا نجرب معيارًا آخر. دعنا نجرب معيار المكان.
ت. معيار المكان
يتم النظر هنا إلى أن الإسهام الحضاري الإنجليزي على أنه ذلك العمل الذي تم القيام به على يد مجموعة من الرجل والنساء يقيمون في إنجلترا – في بلاد الإنجليز.
يساعدنا هذا المعيار على حل المشاكل التي يخلقها معيار الحمض النووي, وتلك التي يخلقها معيار اللغة. يتم النظر, بهذا الشكل, إلى العمل الذي تم إنتاجه في إنجلترا على أنه عمل علمي إنجليزي بغض النظر عن الحمض النووي للعاملين, يتم النظر كذلك إلى الأبحاث الصادرة عن مراكز الأبحاث في ألمانيا على أنها تمثل أعمالا علمية ألمانية بغض النظر عن لغتها. يصبح إسهام ماري كوري بهذا الشكل إسهاما فرنسيا وليس بولنديا – حيث إنه تم في باريس – كما يصبح إسهام محمد عبد السلام إسهاما إنجليزيا وليس باكستانيا على الرغم من حمضه النووي – حيث إنه تم في لندن. كذلك يصبح إنتاج الأستاذ الدكتور عبد الفتاح السيد إسهاما علميا مصريا على الرغم من لغته, ويصبح إنتاج أحمد زويل إسهاما أمريكيا على الرغم من حمضه. يكتسب العمل العلمي “جنسيته”, بهذا الشكل, من المكان الذي تم إنتاجه فيه. مصريا في مصر, واسكوتلانديا في اسكوتلاندا.
يمكننا الآن الانتقال إلى البصرة والعمل على ضوء هذا المعيار الجديد. والسؤال الذي سيواجهنا على الفور هو السؤال التالي: أين نحن؟ هل نحن في أرض العرب؟ هل نحن في دبي التي قرر أهلها بناء “المدينة الحلم” فيها؟ هل شيد عتبة بن غزوان ورجاله مدينة مثل تلك التي شيدها بنو ياس بعد ذلك بإثنى عشر قرنا؟ أم أننا في أرض فتحتها الجيوش الإمبراطورية العربية وشيدت عليها عاصمة إمبراطورية تدفق عليها علماء العرب من كل أنحاء الإمبراطورية العربية وشيدوا عليها الإسكندرية؟ هل نحن في الإسكندرية أم نحن في دبي؟
كمال شاهين
#نظرية_ظهور_العلم
#تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence