ثقافة القرآن للمبتدئين 2- الإله
ثقافة القرآن للمبتدئين 2- الإله
حتى نعرف معنى الإله سنسعى لفهم آية قرآنية من سورة المؤمنون حيث يمكننا استخلاص المعنى الدقيق منها: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91).
هناك ادعاءان لإفساد الاعتقاد بالألوهية: هما ادعاء البنوة لله تعالى والآخر المشاركة الفعلية معه في الخلق. أما البنوة فلماذا نصف المسيح بأنه ابن الله وهو من أولاد آدم وحواء بل يلزم أن نعتبر الله تعالى قد اتخذ فعلا ولدا قبل أن يخلق البشر. هناك تداخل مُشين في بنوة خالق السماوات بأن نعتبر أحد مخلوقيه أبا أو جدّاً لابنه. حتى أن نقول بأنه سبحانه لم يلد ولكنه اتخذ ولدا فما هو امتياز شخص ضعيف احتاج إلى أم تلده ليكون ولدا لله تعالى؟ فالعناية في لفظ الماضي “ما اتخذ” وما دام أنه لم يتخذ من قبل فلا يمكن أن يتخذ من أولاد الناس ولدا لنفسه. إن الإنسان بطبيعته محتاج لغير الله تعالى فلا يمكن أن نفرض له سِنخية مع ربه. علينا أن نعرف بأن اتخاذ الولد يكون إما ليصير وريثا له أو شريكا وكلاهما محالان كما نعرف. فالوريث محال لأن المفروض عدم إمكانية أن يموت الله تعالى لأنه لم يبدأ حتى ينتهي وأن لا يتخلى عن خلقه لعدم قدرة كائن آخر من إدارة الكائنات التي خلقها الله تعالى فلا معنى للإيراث. وأما الشريك فهو محال لأن ذلك يعني بأن يذهب كل إله بما خلق ونحن لا يمكن أن نتصور مصدرين للخلق ولا للطاقة الممدة للوجود والحياة فلا معنى للشريك أيضا. وعلى كل حال فإن حاجة الوجود إلى إله واحد ثابت ولا يمكن إثبات إله آخر لزوال الحاجة إليه إذ أن الحاجة هي التي توصلنا إلى لزوم تصور الخالق وليس أمرا آخر.
والإدعاء الثاني هو أن نعتبر وجود شريك فعلي له من البداية. ونفس الجواب المذكور في هذه الآية وهو في غاية البساطة وخال من كل تعقيد قد سهل على الذين مضوا فهمه. وهو أن الألوهية عملية فوقية لن تتحقق إلا بإخضاع الخلق لنفسه ليسود السلام وإلا فإن قسوة الطبيعة سوف لن تخضع للمدير المدبر وسوف لن تبقى الكائنات باعتبار تصادم الكيفيات والمصالح. وبما أن الارتباط بالخلق يحتاج إلى مد السلطان ولا سبيل إليهم بدون الطاقة الرقيقة النفاذة فلا سبيل لأن نتصور أكثر من طاقة نفاذة واحدة تسود كل الكائنات لأنها مترابطة ومتداخلة فيلزم تصادم الآلهة أنفسهم ليفرض كل منهم سلطانه على خلقه الذي هو جزء من خلق الآخر.
فنعرف بأن معنى الإله هو ربط كل الكائنات بمصدر واحد للوجود والبقاء. قال تعالى في سورة الزخرف: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86). فالذي يدير ويمد الكائنات السماوية بما تحتاج إليها للبقاء هو نفسه الذي يمد الكائنات الأرضية بما فيها نفس السماوات ونفس الكواكب الأرضية برمتها وكل ما بينهما من هواء وحرارة وإشعاعات وملائكة وكل شيء. فعلى العاقل ألا يؤمن بوجود واسطة بين الخالق وخلقه إلا الوسائط غير المريدة التي أوجدها الله تعالى بنفسه وجعلها عديمة الإرادة. وعلى العاقل المؤمن أن يشهد بالحق بقدر علمه بالحق وإلا فهو كافر جاحد للحق.
وأما علم الساعة فهو ضروري بأن يكون بإمرة إله واحد لأن الساعة تستتبع تغييرات كبيرة لا يمكن أن نتصورها صادرة من إلهين إذ أن التغيير لا يمكن أن يبدأ إلا في ساعة محددة هي ساعة الصفر فيعرف وقته إله واحد لا أكثر من إله. فلو كان الإله إلهين اثنين لما كان علمهما واحدا فلكل منهما علمه ولا يمكن أن يعلم الثاني ما يعلمه الأول فلو بدأ الأول فما هو دور الثاني؟ هناك سيقوم إله واحد بالتصرف بممتلكات إلهين وهو أمر لا يمكن تصوره اطلاقاً.أحمد المُهري #تطوير_الفقه_الاسلامي