شبابنا بين الإلحاد والإيمان
شبابنا بين الإلحاد والإيمان……………………………..
تابعت نقاشا ظريفا قبل فترة حول الإلحاد بين الشباب العربي.الفكرة الرئيسية للنقاش كانت أن الإلحاد المنتشر بين الشباب اليوم “إلحاد سطحي”، لأن الملحدين لم يتعمقوا في الفلسفة والعلم حتى يبنوا إلحادهم على اساس متين!ربط الإلحاد بالقراءات العلمية والفلسفية يحتاج الى تصحيح.للإلحاد اسباب كثيرة من بينها “القراءة”، لكنها ليست السبب الوحيد. لكن على العكس من الفكرة الشائعة يرتبط الإلحاد بالقراءات الدينية (والتجربة الدينية) لا بالقراءات الفلسفية.
الإلحاد كان تيارا فرعيا جدا بين الفلاسفة، وأغلب كبار الفلاسفة لم يكونوا ملحدين. كما كان الإلحاد اتجاها فرعيا بين العلماء، فأغلب العلماء ليسوا ملحدين.الذي يدفع شباب اليوم الإلحاد ليس أفكار ماركس،وفريد وداروين، ولكنها أفكار بن تيمية والخميني وبن عثيمين وسيد قطب والسيستاني وغيرهم.
اما طريق الإلحاد فلا يبدأ بقراءة “اصل الأنواع” أو “رأس المال” ولكنه يبدأ بالصدمات الفكرية والأخلاقية التي يتلقاها الشباب،وهم يقرؤون البخاري والكليني والصارم المسلول ومعالم في الطريق وتوحيد الخالق…وغيرها.إن نظرية التطور لا تدفع الشباب للإلحاد لأن الكثيرين تبنوها واحتفظوا بايمانهم. اقتنعوا بحقيقة التطور، لكن آمنوا أن الله أيضا وراء هذا التطور، وصار لدينا رجال دين مسلمون ومسيحيون ويهود يدافعون عنها وهم في قمة ايمانهم.
ما يدفع الشباب الإلحاد هو الجانب الخرافي واللاانساني الذي يقذفه الخطاب الديني السائد كل يوم من حكايات إبادة بني قريظة، إلى حكايات الفتح والغزو والنهب وسبي النساء، إلى المبالغات اللامنطقية في حكايات الإسراء والمعراج والجن والسحر والحمار المتكلم والصخور الناطقة.ما يدفع شباب اليوم الإلحاد هو الخطاب الديني المتطرف الذي يحرم أو يتشكك في كل شيءإيجابي في الحياة من العلم إلى الحرية إلى الفن والديمقراطية والعلمانية والمساواة، بحيث يجد الشاب نفسه بين خيارين مرين: إما التدين والكراهية والعزلة، أو الإلحاد والانفتاح على الحياة
.الفكرة الثانية
في نقد الإلحاد هي أن الشباب الملحدين لم يعرفوا “الدين الحقيقي” وانهم لو عرفوه لما ألحدوا . لكن الشباب يرفضون “الدين الحقيقي” لانهم يرونه غير انساني وغير مقنع، وحين يبحثون عن هذا الدين الحقيقي لا يرون اختلافا بينه وبين “الدين المزور” الذي دفعهم للإلحاد. والملحدون الشباب كانت لهم (تجارب دينية) فاشلة انتهت بهم إلى الإلحاد. فكل من أعرفهم من الملحدين كانوا متدينين سابقين!المشكلة الكبيرة في العالم الاسلامي اليوم انك لا تستطيع التفريق بين “الخطاب المعتدل” و “الخطاب المتطرف”. هذه حقيقة مرة. فحين قامت داعش بسبي واغتصاب اليزيديات دافعت الازهرية (سعاد صالح) عن مبدأ السبي والاغتصاب ، كما دافع عنه عضو هيئة كبار العلماء السعودية صالح الفوزان.وهذا يقودنا إلى اهم سبب لانتشار ظاهرة الإلحاد، وهو بالتأكيد ليس قراءة الكتب، وانما مرارة الواقع.واقع توحش الممارسات الدينية وعجزها عن مواكبة التطورالإنساني هو السبب الاهم للالحاد العربي.
ليست مصادفة مثلا أن الإلحاد تحول إلى ظاهرة بعد صعود جماعات مثل (القاعدة، داعش، الحشد الشعبي، الحوثيين). وليست مصادفة أن عجز الخطاب الديني الرسمي عن مواجهة هذا التوحش دفع بظاهرة الإلحاد بين الشباب إلى مستويات غير مسبوقة.
…………………..نعم … صارت ظاهرة الإلحاد بين الشباب مقلقة للبعض، لكني لا أراها كذلك.
فالإلحاد موقف شخصي قد يكون دائما أو مؤقتا. ولأنه موقف شخصي فليس له تبعات عامه ولا يؤثر على الآخرين ولا يدعو للقلق او للدعوات المحمومة “للعلاج”.على العكس من ذلك ارى ان للالحاد وظيفة إيجابية في ظروف معينة.لقد توحش الخطاب الديني وصار معاديا للعقل والسلام والحرية والمساواة والتقدم. في هذا الوضع الخاص يصبح للالحاد وظيفة ايجابية هي مساعدة الشباب على رفض التوحش والتمسك بالقيم الانسانية الكبرى، ويشكل الإلحاد ضغطا قويا نحو إصلاح الخطاب الديني وتحديثه.وصار التدين الإسلامي المعاصر عاجزا عن إشباع الحاجات الروحية والفكرية للمسلم.من خلال تجربتي الشخصية صرت في موقع يرى للإيمان وللإلحاد قيمة ايجابية متكاملة وليست متناقضة.لكن المؤمن يجب ان يكون نزيها وصادقا. فعندما يصر ان الإسلام دين سلام، يجب ان يتوقف عن مديح الفتوحات والسبي والغزو والجهاد والقتل من أجل العقيدة ويرفضها. وعندما يقول إن الإسلام دين عدل وحريه يجب ان يدافع عن حرية الراي والتعبير والعقيدة بلا استثناءات، وان يتخلى عن الخطاب التحقيري التمييزي ضد المرأة والذمي وغير المتدين.وكذلك مطلوب من الملحد ان يكون اكثر تناغما وتواضعا. فحين تدافع عن الإلحاد حاذر أن تتحول الى “الإلحاد الجهادي” الذي يطالب بابادة المؤمنين وحرق الكتب المقدسة وهدم المساجد والكنائس. فالإلحاد فكرة عقلانية ضد الواحدية والتسلط ومع الحرية، ويجب ان تخلص لفكرة الحرية والتعدد الى النهاية.يجب ان نفهم الايمان والإلحاد كخيارات شخصية لا كمعارك اجتماعية. فالبعض يستقر ضميره وعقله بالإيمان، والبعض يستقر عقله وضميره بالإلحاد حسب الفروق الذهنية والنفسية والاجتماعية. وأنا ادافع عنهما معاً ما داما لا يتعديان على حقوق الآخرين في اعتناق ما يريدون.
حسين الوادعي
#تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence