أبونا الأول واحد اسمه آدم
أبونا الأول واحد اسمه آدم
لاحظت بأن أحد الإخوة المكرمين في جلساتنا القرآنية مصر على أن آدم ونوحا ليسا شخصين معلومين بل آدم اسم جنس ونوح اسم جنس أيضا. بالطبع أنه يقصد به المهنة وليس الجنس. أنا لا أعرف الشخص الذي أوهم هذا الوهم لبعض الإخوة الكرام. كما أنني أشعر بأن الموضوع لا يستحق أي بحث فآدم ونوح شخصان معلومان في القرآن وليس في التاريخ البشري أية معلومة عنهما. إن كل من تحدث عن الشخصين الكريمين من المؤرخين فهو كذاب ومفتر إلا الله تعالى الذي حضر كل مشاهد الكون برمته. ونحن كمسلمين لا نؤمن بأي كتاب كامل غير منقوص ولا مدسوس من السماء عدا القرآن الكريم. نؤمن بالتوراة والإنجيل ولكننا لا نملك نسخة سماوية منهما. كل ما بيدنا تمثل كتابات بشرية سعى أصحابها ليجاروا الكتابين السماويين المقدسين.
وعلى أي حال فإنهما بمختلف نسخهما إضافة إلى القرآن الكريم لا تتحدث عن مهنة اسمها نوح ومهنة أخرى اسمها آدم؛ بل تتحدث عن شخصين معلومين. ولكن في البداية اسمحوا لأوضح معنى اسم الجنس الذي يتكرر كثيرا على الأفواه ويبدو بأن هناك ضرورة لمعرفة هذه الجزئية من القواعد العربية. اسم الجنس في اللغة يعني الاسم الذي يصدق على مجوعة متشابهة مثل أفراد البشر وأفراد العقارب وأفراد النعام وأفراد الكلاب وأفراد الأراضي وأفراد المزارع. لكننا لو تحدثنا عن المهندسين والأطباء والكلاب الحارسة والقطط الأليفة فإن الطبيب والمهندس والحارس والأليف لسن أسماء أجناس. إنها مهن وصفات وليست أجناس.
ولا يوجد فرق كبير بين معنى الجنس في علم اللغة ومعنى الجنس في علم المنطق من حيث التعريف ولكن هناك فرق بينهما من حيث التطبيق. فالإنسان ليس جنسا في المنطق بل هو نوع ولكن الإنسان من جنس الحيوان منطقيا. وهكذا الكلاب والقطط فهن لسن أجناس بل أنواع أو فصول عند المناطقة. ولذلك قلت بأن مقصود القائل من اسم الجنس كما أحتمل هو اسم المهنة. نحن نعرف بأن مهنة نوح المعروفة بيننا هي صناعة السفن فهل كل صانعي السفن أنواح. بمعنى أن نوح اسم لكل من صنع السفينة مثل أم عريط التي تعتبر اسما للعقرب أو أسامة التي تعتبر اسما للأسد. فكل عقرب أم عريط وكل أسد أسامة وهذان المثالان هما من أمثلة المرحوم ابن مالك رحمه الله تعالى عند بيان الأعلام الجنسية. فكما قلت بأن كل نوع من أنواع الحيوان يُعتبر جنسا في اللغة العربية ولذلك فالعقرب والغنم والإبل أجناس.
وإذا قلنا بأن نوحا وآدم مهنتان بشريتان فما هي المهنة الآدمية وما هي المهنة النوحية؟ على من يدعي ذلك أن يعين مهنة آدمية ومهنة نوحية ثم نبحث على أساسه على من امتهنوا المهنتين. إنه لم يفعل ذلك حتى الآن بقدر سماعي ولذلك فقول القائل ناقص من عدة حيثيات. ولا نحتاج لرفض ذلك الادعاء الناقص إلى أي تعليق أو رد إذ لا تعريف لديه لنعلق عليه. لكننا من منطلق حبنا لإخواننا نسعى لبيان أن آدم ونوح شخصان معلومان في القرآن ولا ثاني لأي منهما.
ولنبدأ بآدم.
آدم في القرآن الكريم اسم على مسمى للإنسان في الواقع باعتبار أن بدنه مصنوع من أديم الأرض. لكن الله تعالى عين ذلك الاسم علما لأبينا آدم. ومن هو أبونا آدم؟
1.
قال تعالى في بداية سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1). الناس هم نحن مع آدم وزوجها التي نسميها نحن البشر حواء. فحينما يقول ربنا الناس فهو يقصد كل أفراد البشر. لكنه تعالى حينما يخاطب فهو عادة ما يخاطب الذين لم يموتوا أو لم يأتوا بعد. فقوله الكريم يا أيها الناس، يعني به الرسول محمدا عليه السلام وكل صحابته وكل من حضر من البشر حتى يوم القيامة. وخطاب ربنا في سورة النساء كما يبدو أوسع مما قلت فهو يتحدث في خطابه الكريم عن آدم وزوجه وكل البشر احتمالا في تلك الآية. ونترك بيان الآية فهو لا يخص بحثنا هذا.
يوضح سبحانه تلك النفس الواحدة التي هي نفس شخص معلوم وقد خلق ربنا نفس زوجته من نفسه وبث منهما رجالا كثيرا ونساء. يقصد به نفوس رجال كثيرين ونساء كثيرات وليس أبدانهم طبعا. يمكن للقائل أن يقول لما ذا لم يقل ربنا: وبث منهما كلَّ الرجال وكل النساء؟
قال تعالى في سورة الجن: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6). فرجال الجن ليسوا من أبناء آدم ولكن رجال الإنس من أبنائه وكلهم رجال. وأغلب الظن بأن الرجال في بعض الآيات لا تعني الذكور من البشر أو الجن بل الرجال البشريون هم كل البشر والرجال الجنيون هم كل الجن والعلم عند المولى عز اسمه.
وبالمناسبة فإني رأيت قبل أيام أخا كتب في الفيس بوك بأن الناس تعني الجن والإنس واستشهد بقوله تعالى في سورة الناس: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاس (6). ظن الأخ العزيز بأن الجنة والناس وصفان للمفعول السابق “الناس”. هذا خطأ طبعا لأنه تعالى صرح بأن الوسواس الخناس يوسوس في صدور الناس فكيف يكون الناس جنة وناسا؟ والواقع أن الآية الأخيرة بيان للوسواس الخناس (الفاعل وليس المفعول) فالذين يوسوسون بعضهم من الجنة وبعضهم من الناس. قال تعالى في سورة السجدة: وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي َلأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13). فالجنة غير الناس لأنها معطوفة على الناس.
2.
قال تعالى في سورة البقرة: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ(40).
تعلَّمَ الشخص المعروف آدم كيفية التسمية، بمعنى أنه بتعليم طبيعي من الله تعالى وضع أسماء لكل ما ومن يحيط به بمن فيهم هو وزوجته التي نسميها نحن حواء. هذه خصوصية بشرية غير مشتركة مع الجن والملائكة. ولذلك عجزت الملائكة عن منح أسماء لآدم وزوجه وبقية الأشياء. ذلك لأن الملائكة والجن لا يملكون السمع ولا اللسان الناطق. نحن بالطبع نجهل الاسم الذي وضعه آدم ليشير به إلى نفسه كما نجهل الاسم الذي وضعه لزوجه. ولعل من الصحيح القول بأن الاسمين ما كانا آدم وحواء.
وكان للقائل الكريم إشكال آخر هو قوله تعالى في الآية أعلاه: فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37). قال لما ذا فتاب عليه وليس فتاب عليهما؟ إنهما آدم وزوجه معا. والواقع أن الذنب كان ذنب آدم بداية ولكن حواء اتبعته وكان عليها ألا تتبعه. ولذلك نراه سبحانه في سورة البقرة تحدث عن شخصين إلا حين الحديث عن التوبة فإنه انتقل من الإشارة إلى الاثنين إلى الإشارة إلى واحد. ولكنه سبحانه في سورة الأعراف ذكر استغفارهما معا هكذا: قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23).
ولنتعرف على تبعات مخالفتهما للرحمن عز اسمه. قال لهما ربهما معا ألا يأكلا من تلك الشجرة التي أظن بأنها شجرة الزيتون وسمح لهما بأن يأكلا من شجرة التين مع بقية الفواكه كما أحتمل. كان هدف الرحمن كما يبدو ألا يتحرك لديهما القوة الجنسية وهما لا زالا صغيرين يحتاجان إلى مزيد من العناية كما أن الجنس يؤدي إلى الإنجاب ومن الأفضل للزوجة أن تصل حدا يمكنها من تحمل أعباء الحمل والرضاعة وما يتبعهما. ولم يكذب عليهما الشيطان بل خدعهما بدون أن يكذب حيث قال لهما بأن عدم الأكل من تلك الشجرة سوف يؤدي إلى أن تكونا ملكين من حيث العفة أو تعيشا إلى الأبد على الحالة التي أنتما عليها الآن من دون أن تتغيرا كما تتغير الكائنات.
وقد أشار سبحانه إلى تبعات ذلك التحرك الجنسي قبل أوانه في سورة النساء كما أحتمل: يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفًا (28). فخُلق النتاج الأول ضعيفا باعتبار الإسراع في الإنجاب كما أحتمل والعلم عند مولانا جل وعلا.
وأما موقف الشيطان فقد وضحه سبحانه هكذا في سورة الأعراف: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20). كانا يظنان بأن وظيفة جهازي التبول المختلفين لديهما هو إخراج السوائل القذرة فقط ولم يعلما بأن هناك عملية أخرى مناطة بهما. تلك هي ما ووري عنهما من سوءاتهما. وهناك احتمال آخر بأن الله تعالى ما كان يريد لهما أصلا أن يتعلما الجنس ولا مجال لبحث ذلك الاحتمال هنا.
التحرك الجنسي بصورة فاعلية هو عمل أبينا آدم وبصورة قابلية هو رضا أمنا حواء. ولا دليل بأن حواء هي التي شجعت آدم على الارتباط الجنسي بل كل الظن بأن آدم هو الذي قام بالعملية ولعله أقنع زوجته على تقبل العملية التي نواها. ذلك لأننا نرى الجنس النسائي أكثر حياء من الجنس الذكوري إلا ما ندر. فآدم هو العاصي وحواء هي الراضي بالمعصية فذنب آدم أكبر بكثير من ذنب حواء. ويمكننا ملاحظة الفرق بين آية البقرة التي تخص ندم آدم وآية الأعراف التي تدل على ندمهما معا؛ بأن آية البقرة تفهمنا بأن آدم كان بحاجة إلى عناية خاصة من ربه ليتوب توبة مناسبة. أخبرنا تعالى بأن أبانا تلقى من ربه كلمات فتاب عليه ربه ولم يقل ذلك بشأن حواء.
3.
قال تعالى في سورة طه: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى (120) فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123).
بداية نريد أن نحلل الآيات الكريمة من حيثية واحدة فقط. تلك هي وجه الخطاب الربوبي لآدم دون زوجه. هناك نوعان من الخطاب الربوبي في الآيات الكريمة ما قبل الأخيرة. خطاب فردي وخطاب جمعي ولا يوجد خطاب ثنائي. الخطاب الفردي هو موجه مباشرة لآدم هكذا:
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى (120). واضح بأن الله تعالى يخاطب شخصا مفردا في الآيات الكريمة وبأن الشيطان أيضا وسوس في صدره وأقنعه بأن يخالف ربه. لكنه سبحانه حين خطابه لآدم فإنه تعالى يستنتج بأن اتباعه للشيطان سوف يُنتج إخراجهما من الجنة فيشقى آدم. فإذا كان آدم اسم جنس لمجموعة من الناس فلماذا لم يقل سبحانه: فلا يُخرجنك من الجنة فتشقى؟ إذن المذنب بالدرجة الأولى هو آدم ولكن زوجه اتبعته في ذنبه فلم تكن هي البادئة. فآدم أخطأ وحواء اتبعته فخطأها أقل من خطئه ولكن المشقة خاصة بآدم ولم يقل سبحانه فتشقيا ليشمل كليهما. ولعل المشقة الدنيوية هي أن على آدم أن يسعى لإحضار ما تحتاج إليه زوجته وأولاده في حين أنهما في الجنة لم يكونا محتاجين لشيء ولم يكن لهما أولاد. كان يأكلان من الثمار ولم يشعرا بالحاجة إلى الملابس فكانا عاريين بالطبع.
وكل الأفعال الخطابية بعدها مفردة لإقناع آدم بأن لا يأكل من الشجرة وبأن الأكل من الشجرة سوف يكون بإرادة أولية منه دون حواء. فهل هي حكاية نوع من الناس أم حكاية شخص معين معلوم تشترك معه إنسانة أخرى في بعض الأمور بدون إرادة جازمة وتنفصل عنه في أمور أخرى؟ فمن الجهل الواضح القول بأن آدم اسم جنس حسب تعبيرهم غير العلمي لنوع من البشر. اللوم موجه لآدم والحديث عن النتائج مشترك بين آدم وزوجه.
وأما الآية الأولى وهي: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115). لو قلنا بأن آدم في الآية اسم جنس حسب تعبيرهم فهو يعني بأن كل البشر فاقدوا العزيمة فلا يمكن اختيار رسول من بينهم. وإذا قلنا بأن آدم اسم جنس حسب تعبيرهم لمجموعة بدائية من شكل واحد، بمعنى آدم صيني وآدم أوروبي وآدم آري وآدم أفريقي وو؛ فإن جملة “فنسي ولم نجد له” خاصة بفرد واحد عربيا ولا يمكن تعميمها لأنها بصيغة الغائب للفعل الماضي الدالة على أمر جازم حاصل. والواقع أن كل الجملة هكذا من بدايتها ولا سيما أنها تبدأ بـ “قد” التحقيقية. لو كان جنس آدم هكذا لشمَلَنا ولوكان جنس الأوادم الأولين المفترضين هكذا لقاله الله تعالى بلفظ المضارع. المضارع يعني المشابه للاسم وهو الفعل الذي نستعمله لبيان الحقائق العلمية. بمعنى أن كل خلق آدمي من بدايته سوف ينقض العهد وهو غير صحيح بالضرورة. لو كان كل جنس آدمي هكذا من بدايته فهو إما طبيعي فلا معنى لإلقاء اللوم عليهم ولو كانوا بحاجة إلى التطور فهم ليسوا مقصرين ولكن هناك لوم من الله تعالى وتثبيت للعصيان. هذا يعني بأن المسألة مسألة خاصة بفردٍ عصى وليس بجنسٍ عصى.
وأما الآيات التي تلتها: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى (120) فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123).
اهتم الشيطان بأن يوسوس في صدر شخص معلوم ومشار إليه بالهاء: إليه. مقولة القول: يا آدم. حرف نداء قبل اسم آدم. فهو يعني نداء لشخص اسمه آدم. سؤال مقدم من الشيطان لنفس الشخص: هل أدلك؟
تمت عملية الوسواس في صدر آدم واستعد آدم ليعمل بأمر الشيطان. أكل هو وزوجته من الشجرة: فأكلا منها. صيغة مثنى غائب تشير إلى شخصين معينين يسبقها حرف الفاء لنعلم بأن العملية كانت نتيجة للوسواس السابق الذكر.
فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة. حكاية شخصين قاما بعمل فعرفا بسببه بأن السوأتين ليستا خاصتين بالتبول بل هناك أعمال أخرى مناطة بهما؛ بمعنى أنهما ليسا عضوين عاديين بل هما سوأتان يقومان بعمل معيب لا يجوز إبداؤه لعامة الناظرين. ولعل من يقول لماذا لم يقل ربنا: سوأتاهما بل قال سوآتهما. والجواب بأنهما بعد تحرك الجنس لديهما شعرا بكل الأعضاء المثيرة جنسيا مما تسبق القيام بالعملية وتثير الشهوة لديهما.
ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى. اجتبى الله تعالى آدم وليس حواء. لأن الخطيئة أساسا في ذمة آدم فتاب عليه الله تعالى وهداه. ليس هناك شخص مع آدم وليس هناك جنس آدمي بل هناك شخص معين عاص. ونعرف جميعا بأن العصيان عند الله تعالى فردي من كل شخص على حدة. فلو فرضنا مجموعة قاموا مع بعض بفسق محرم عند الله تعالى كأن ينظروا جميعا إلى فتاة عارية نظرة شهوانية. فإن الله تعالى سوف يعاملهم معاملة فردية. بمعنى أن كل واحد منهم بقدر ما أوتي من علم وإمكانات سيكسب قسطا من الإثم وليسوا مثل بعض. هناك فإن ربنا لو أراد أن يحكي لنا قصتهم فسوف يتحدث عن كل شخص بعينه ويجعل له صفة تناسبه ولا يمكن أن يتحدث عنهم بجملة واحدة لأن المعاصي فردية. ولا سيما عند الله تعالى. ألا نرى بأنه سبحانه عذب كل قوم صالح على أساس شخص واحد منهم قام بعقر الناقة ورضي بذلك أفرادهم. هكذا يكون الأمر عند الله تعالى ولكن لو أنه سبحانه أمر صالح بأن يقوم بالعقاب فكان يقوم النبي بعقاب عاقر الناقة فقد على العمل الذي ظهر منه دون ما جال في خواطر الآخرين. هكذا يتعامل ربنا مع القضايا.
وأما الآية الأخيرة: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123). هما يهبطان من القيادة الربانية الكاملة إلى الحرية واختيار الهدى كما يشاءان. لكنهما الآن أصبحا ثلاثة أو أكثر. فهناك نفس واحدة أخرى على الأقل داخل رحم الزوجة. وذلك الشخص الجديد هو السبب في أن يعادي بعضهم البعض بصورة طبيعية. ذلك باعتبار أنه مقدمة للتكاثر ومن نتائج التكاثر أن يموت الأكبر فيخلفه الأصغر. على هذا الأساس يكون الأبناء أعداء الآباء عمليا وليس فكريا وإراديا.
4.
قال تعالى في سورة آل عمران: إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35). من هو آدم؟ هل هو جنس الإنسان فهل نوح جنس آخر؟ والواقع أن الله تعالى اصطفى آدم ليكون أول إنسان ثم اصطفى نوحا ليكون أول نبي ثم اصطفى آل إبراهيم ليكونوا في معرض اختبارات سماوية خاصة كما اصطفى آل عمران لنفس الغرض كما أحتمل. نحن نريد أن نعرف الآن آدم ونوحاً وإبراهيم وعمران. هل هم أفراد من البشر أم هم سلالات؟ والكل يعلم بأن نوحاً من أبناء آدم وبأن إبراهيم من أبناء نوح؛ وعمران كما نحتمل من أبناء إبراهيم.
قال تعالى في سورة مريم: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58). أليس آدم شخصا له ذرية ومثله إبراهيم وإسرائيل أيضا شخصان لهما ذرية؟
5.
قال تعالى في سورة الأعراف: يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27). يعترف القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة بأننا جميعا أبناء آدم وبأن لنا أبوان. ويحكي لنا قصة أبوينا الذين أخرجهما الشيطان من الجنة. وسورة الأعراف تتحدث عن صحابة الرسل طبعا ولكن الخطاب لكل البشر في بداية السورة: اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3).
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22) قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26).
إنها حكاية شخص معلوم اسمه آدم وليس حكاية مجموعة من البشر. الحديث عن فرد مع ضمير مفرد وأحيانا شخصين مع ضمير المثنى.
6.
قال تعالى في سورة الكهف: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا ِلآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (50). تعلمون بأن اللام على رأس آدم هي حرف جر تجر الاسم الذي يليها. لكنها في الآية أعلاه لم تجر آدم. بمعنى أنه تعالى لم يقل لآدمٍ بل قال لآدمَ. يقول النحويون بأن الفتحة هي علامة جر لغير المنصرف وآدم غير منصرف لأنه اسم علم يُطلق على فرد معين. قال ابن مالك رحمه الله تعالى في ألفيته:
وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ مَا لاَ يَنْصَرِفْ مَا لَمْ يُضَفْ أَوْ يَكُ بَعْدَ أَلْ رَدِفْ
وآدم غير منصرف لأنه عَلَم مضافا إلى أنه اسم أعجمي؛ وكل اسم اجتمع فيه اثنان من علامات عدم الصرف فهو غير منصرف بالضرورة.
نعرف من الآية الكريمة بأن عدم سجود إبليس لأبينا آدم دليل على عداوته لنا جميعا. هذا يعني بأن السجود لم يكن سجود عبادة وخضوع كما ظن البعض. فسجود العبادة والخضوع محرمة لغير الله تعالى بل هو سجود رحمة ومساعدة. بمعنى أن مرور الشيطان على أبينا في حال من أحواله على الأقل كان يشكل خطرا عليه ولذلك أمر الله تعالى كل الكائنات الطاقوية بأن تكمش نفسها عند المرور على آدم حتى لا يتأثر آدم بإشعاعات الملائكة والشياطين. ولننظر الآن إلى زمان سريان الأمر الرباني. قال تعالى في سورة الأعراف:
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11). هناك خلق لآدم وهو ارتباط الحيمن بالبويضة ثم هناك تصوير له بعد الخلق وهو تنشيط الجينات داخل الخلية التي خلق فيها آدم. هناك وبعد التنشيط حينما كان آدم في الخلية الأولى أمر ربنا تلك الكائنات لتسجد لآدم. والسجود كما قلت فيزيائي وليس خضوعا. لكن المهم بأنه تعالى اعتبر خلق آدم وتصويره خلقا لنا جميعا فقال خلقناكم، ثم صورناكم. ألا يعني ذلك بأننا جميعا من آدم أبينا الطبيعي رحمه الله تعالى؟ فنعرف بأنه تعالى اعتبر عدم سجود إبليس لأبينا آدم دليلا على عداوته لنا جميعا لأننا أبناؤه؟
وأما نوح:
1.
قال تعالى في سورة نوح: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (15). الحديث خبري جاء بالفعل الماضي الذي يدل على أن أمرا ما تحقق وحصل فعلا وهو بصيغة المفرد الغائب. كما أن مدة بقاء نوح عليه السلام بين قومه موضح أيضا وقد أنجاه الله تعالى ومن كانوا في سفينته. فأين الحديث عن أكثر من نوح واحد؟
وبما أنني أرى بأن الحديث بدأ من أشخاص لا يجيدون القواعد النحوية الدقيقة كما أظن فدعني أوضح مسألة انصراف الكلمة. نوح اسم علم لشخص معين ولكنه ليس أعجميا مثل آدم وإبراهيم بل هو اسم عربي مثل هود ولذلك فهو منصرف فنقول عند الجر: مررت بنوحٍ ولا نقول مررت بنوحَ كما فعلنا في آدم. وإليكم هذا المثال من القرآن الكريم من سورة النساء: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163). كل الأنبياء في الآية مجرورون بحرف الجر ولكننا نرى بوضوح أنه تعالى أظهر الكسرة تحت نوح والأسباط واعتبر الباقين الظاهرة علاماتهم كلها أسماء غير عربية وهن: إبراهيم، إسماعيل، إسحق، يعقوب، أيوب، يونس، هارون. وأما سليمان فباعتبار العلمية والألف والنون في آخر الاسم. وهناك شعران يوضحان موانع صرف الاسم حيث لو وجد اثنان منها في كلمة فهي ممنوعة من الصرف والشعران هما:
موانع صرف الاسم تسع فعجمة
و جمع و تأنيث و عدل و معرفة
و زائدتا فعلان ثمّ تركّب
كذلك وزن الفعل و التاسع الصفة
ولا يخفى بأن العلمية علة باعتبار أنها معرفة. ومعذرة من الحديث عن النحو في مقالة غير نحوية.
2.
قال تعالى في سورة التحريم: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10). فهل يمكن القول بأن كل نساء كل الأنواح التي يدعونها خائنة؟!! فهناك نوح واحد وليس أكثر من نوح كما أن هناك لوط واحد وليس أكثر من لوط.
3.
قال تعالى في سورة هود: وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46). فهل كل نوح في الأرض يجب أن يكون لديه ابن كافر وأن تكون امرأته غير نظيفة لتأتي له بولد من عمل غير صالح؟
وأخيرا فإننا لا نرى في القرآن الكريم إشارة إلى أكثر من آدم واحد ونوح واحد فعلى الذين يدعون بأن هناك عدد من الأوادم والأنواح أن يأتوا بآية تدل على ادعائهم وإلا فهم يتحدثون بلا علم ولا منطق مع الأسف.
تحياتي للجميع
أحمد المُهري
12/7/2019
#تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/