مناقشات حول الشورى والإمامة واخرى
مناقشات حول الشورى والإمامة
دارت بيني وبين بعض الإخوة الكرام في الشهر الماضي مناقشات لا بأس بها حول الشورى والإمامة ومسائل أخرى جانبية. تركت الاستمرار وقته لأنني كنت مشغولا جدا وعاجزا عن أن أقرأ بعض الردود المطولة ولا سيما ما بعثه أخي أحمد الكاتب حفظه الله تعالى.
يبدو بأن هناك كمٌّ كبير من المسائل ونحتاج إلى أن نناقشها جميعا. لكن أوقاتكم الشريفة ووقتي القليل لا تسمح بمناقشة كل صغيرة وكبيرة. ولذلك فسوف أختار واعذروني في اختياري. وسوف أرقم المواضيع. واسمحوا لي بأن أقول بصورة عامة بأننا نريد مناقشة المسائل حسب فهمنا ولا يهمنا فهم سلفنا. فلا عبرة عندي وعند كل محقق فيما قاله فلان وفلان مهما كبروا في قلوبنا.
1.
موضوع رأيي في كنتم خير أمة أخرجت للناس. قال تعالى في سورة الجاثية: وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16). بنو إسرائيل من بداية تواجدهم كانوا مجموعة مؤمنة وفاسقة مع بعض وقد لاحظنا بأن عشرة من أولاد يعقوب الثلاثة عشر الذكور أرادوا أن يقتلوا أخاهم يوسف. وهكذا بنو إسرائيل الذين كانوا مع موسى وبعد أن أنجاهم الله تعالى من ظلم فرعون أرادوا أن يعبدوا غير الله ثم عبدوا العجل. فكيف فضلهم الله على العالمين؟ وفضلهم في أي أمر؟ والتفضيل كان قبل أن تأتيهم التوراة. قال تعالى في سورة الأعراف: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ (137) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140). فضلهم على العالمين وهم يطلبون إلها غير الله ولم تنزل التوراة بعد؟
هناك صفة طيبة لديهم وهو الصبر وعلى أساسه ميزهم الله تعالى على قوم فرعون ونقلهم إلى أماكن أخرى هي قراهم القديمة احتمالا وأنزل عليهم التوراة. فهم مختارون لاستلام التوراة ولهم مزايا. وحين تشريف موسى باستلام التوراة كاملة من ربنا العظيم أخبره ربه بأن قومه عبدوا العجل. لاحظوا بأن سبحانه اختار قوما لينزل عليهم التوراة وهم يعبدون العجل! قال تعالى في سورة الدخان: وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32).
والآن نأتي لنعرف السبب في اختيار ربنا أهل مكة لينزل عليهم القرآن. هناك فضيلة لديهم خاصة بهم مشابه لفضيلة بني إسرائيل. ليس بنو إسرائيل أفضل من في الأرض فلو كان كذلك فهو يعني بأن المجرم نتنياهو أفضل من خاتم النبيين لأن الأول من بني إسرائيل والثاني ليس منهم. هذا ما تقوله الآية الكريمة من سورة آل عمران بالنسبة لأهل مكة الخير: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110). كنتم تعني كنتم فيما مضى واستدلالاتكم بأن كان لا تعني ذلك مردودة ولو تريدوني أن أرد عليها واحدة واحدة فأنا قادر على ذلك والحمد لله ولكننا نريد الاختصار لنصل إلى نتيجة.
دعنا نفكر في كيفية اختيار ربنا لأهل مكة لينزل عليهم القرآن من واقع الآية الكريمة:
ألف:
كان أهل مكة يتعاملون مع الناس جميعا بغض النظر عن دينهم بأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر. كان مكة مزارا عاما للناس وكان أهل مكة يستقبلون الناس جميعا ويسقونهم ويعمرون المسجد الحرام ويساعدون الزائرين. كانوا يقرون الضيوف ويحترمون الحقوق وكان يزعجهم أن يروا أحدا منهم يظلم شخصا ولو كان غريبا. ولكم في حلف الفضول خير شاهد على ذلك. فهم يتعاملون مع الناس بما هو معروف بينهم بالحسنى ويمنعون أهلهم عما يُكره الناس وهو المنكر.
ب:
كانوا يؤمنون بالله وهو الشرط الأول في الواقع لبعث الرسل. والله تعالى لم يرسل رسلا إلى الفرس لأن إيمانهم بالله بعيد عن الحقيقة ولا إلى الصينيين لأنهم أبعد من الفرس ولا إلى الهند لأنهم جميعا فاقدون للشرط الأساسي.
فاختار سبحانه أهل مكة من بين كل البشر وهم “الناس في خير أمة أخرجت للناس” لاستلام القرآن الكريم. واسمحوا لي لأضيف إلى ذلك ما كان معروفا آنذاك ولذلك لم يذكره القرآن. إنه اهتمام أهل مكة باللغة العربية وإقامتهم لأسواق الشعر على أن أصل الشعراء من اليمن لكن أهل مكة يضيِّفون الجميع ويقيمون لهم أسواقهم حرصا منهم على توحيد لغة التفاهم بين الناس. وهو مهم أيضا لنشر القرآن الكريم. هناك صفات أخرى لدى أهل مكة تميزهم على غيرهم من البشر بغض النظر عن دينهم وشركهم في العبادة وغيرها من صفاتهم السيئة التي جاء الرسول ليصلحها وقد وفقه الله تعالى أكثر من بقية الرسل برأيي كما قرأتم عن أصحاب بقية الرسل. قارنوهم بأصحاب رسولنا لتجدوا بأن رسولنا كان أقل الرسل تعبا وإيذاء من أصحابه وأكثرهم حظا في تجميع المؤمنين برسالته. وما سمعناه من سلفنا بأنه عليه السلام قال ما أوذي نبي مثل ما أوذيت محض الكذب. ليس من حقه أن يقول ذلك فهو لا يعلم ما حل بالرسل بل هو من حق الله تعالى؛ وهو عليه السلام لم يقل ذلك قطعا ويقينا. وهذا مثل قولنا الأحمق بأنه سيد الرسل أو بأنه خير خلق الله. معاذ الله من الكذب ومن التحدث باسم الله تعالى. كلها من حقوق الله سبحانه ونحن نفتري على الله الكذب في ذلك.
2.
السابقون الأولون. استند الأخ ماجد المولى على الآية التالية من سورة التوبة لإثبات وجوب اتباع السابقين الأولين: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100). هذه الآية معطوفة على سابقتها وهي: وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (99). لا يوجد أي أمر باتباعهم أنفسهم في الآيتين. إنهما تتحدثان عن أنهم من المشمولين برحمة الله تعالى فقط ولا يذكر ربنا بأنهم من أهل الجنة لأن ذلك سابق لأوانه وحكم يحكم به الله تعالى يوم القيامة فلا يوجد مبشر بالجنة من الأحياء حين نزول القرآن وما يقولونه كذب أيضا مع الأسف.
الذين اتبعوهم بإحسان وليس بصورة عامة تتحدث عن أمر حصل وليس عن أمر يحصل. إذا تريدون إنكار المفاهيم النحوية فأظن بأنكم تحتاجون إلى أن تكتبوا نحوا جديدا لنطبقه على تفسير جديد للقرآن. فافعلوا ذلك ثم ناقشوا غيركم. الجملة خبرية وليست أمرية إخواني الكرماء حفظكم الله تعالى.
هناك حديث غير صحيح آخر معروف بيننا بأن الرسول عليه السلام قال: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. وهناك حديث الثقلين عند الشيعة بأن الرسول ترك الثقلين كتاب الله وعترته. أقوله لهم جميعا: هاتوا آية قرآنية تجيز للرسول أن يعين لنا مراجع بشريين ثم اكذبوا بعده وعينوا من تشاؤون مراجع لنا.
إنه من السخافة الواضحة أن يأمرنا رسول الله بأن نتبع بشرا ونكون من الفائزين بثواب الله تعالى. وهل الله لا يعلم كيف يعلمنا حتى يعين لنا العترةُ أو الصحابة أو السابقون ما يرونه صحيحا والله يكافؤنا الجنة؟ فكأنه سبحانه ينفذ ما يريده البشر!!
القرآن وحده وليس غيره هو أمر الله وهو الذي يدخلنا الجنة أو النار. قال تعالى في سورة الزخرف: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44). ليس بيد الرسول أي أمر وأي حق عدا القرآن. هناك آيتان في سورة النساء تمنعه من حق الفتوى الملزمة أيضا فإذا استفتاه قومه فإنه ينتظر فتوى ربه. ثم يوضح الله تعالى له بأن هذا هو نظامه مع الذين سبق أن يتبعوا آيات ربهم فقط فيكمل تعالى الموضوع: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ (47). ويذكر ربنا السبب في ذلك وهو أن الذي تتبعونه وتطيعونه فأنتم تعبدونه لأن الطاعة من مظاهر العبادة. إنه سبحانه الرحمن ولا رحمة تضاهي رحمته ولا هدى مثل هداه.
3.
موضوع ما صح من أحاديث النبي. نحن نتبع القرآن الكريم باعتبار إيماننا بأنه كتاب الله تعالى ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فهل لأحد أن يصحح القرآن؟ لو مس أحد القرآن فسيدخل النار طبعا. والذين أرادوا اللعب بالقرآن اخترعوا لأنفسهم استحداثات مثل التفريق بين المكي والمدني في الحكم ومثل الناسخ والمنسوخ. بالطبع أنهم كذبوا دون ريب وارتكبوا أعظم إثم في كتاب الله تعالى. أين قال ربنا بأن هناك آيات قرآنية منسوخة. لو كان القرآن عاجزا عن أن يتماسك 23 سنة واحتاج إلى تبديل ونسخ فأنى لنا بعد 15 قرنا أن نتبعه؟ يستندون إلى الآية التالية من سورة البقرة للاستدلال على لعبهم: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106). وقد وضح ربنا قبلها بأنه في صدد الرد على أهل الكتاب وليس في صدد تصحيح القرآن حيث قال عز من قائل: مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105). وحينما نبحث في القرآن لنجد الآية المنسوخة من التوراة لا نجد إلا حكما توراتيا واحدا وهو حكم تحريم شحوم الأنعام. وقد وضح سبحانه لنا بأن ذلك لم يكن تشريعا بل كان حكما عقابيا مؤقتا ضد بني إسرائيل ثم أمر سبحانه المسيح بأن يحلل ذلك.
قال تعالى في سورة الأنعام: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ (146). فالله تعالى أبقى تحريم ذوي الأظفار ووضح بأن تحريم الشحوم كانت جزاء بغيهم ولم يكن حكما تشريعيا. وقال سبحانه في سورة آل عمران على لسان المسيح عليه السلام: وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ (50). وكما يبدو بأن اليهود لم يتقبلوا ذلك بل اعترضوا على لحم الجمل الذي أحله الله تعالى تصريحا في القرآن. فرد عليهم ربنا في سورة آل عمران: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93). ما يعني بأن يعقوب كان يكره الجمل فحرمه على نفسه واتبعه أبناؤه. ونحن نعرف بأن بني إسرائيل كانوا مهتمين جدا بأبيهم يعقوب ولذلك اهتموا بأسرتهم وكونوا أسرة بني إسرائيل.
ثم حرم بعد ذلك أي اعتراض على القرآن كما أظن بقوله الكريم بعدها: فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94). يعني بذلك أنهم كان من حقهم أن يستفسروا عن تلك المسائل التي كانت غامضة عليهم ولا توجد مسألة غامضة أخرى والعلم عند المولى عز اسمه.
إن سلفنا مع الأسف تشبثوا بما استحدثوه من قوانين إجرامية ليلعبوا في القرآن الكريم إرضاء لحكامهم المجرمين من بني أمية فما بعد مثل الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني وأسباب النزول. أنا أظن بأن أكثر اللعب وقع أيام بني العباس الفاسقين الذين أرادوا تثبيت سلطانهم بأنهم يتبعون أوامر الرسول التي وضعوها بأنفسهم ونسبوها إلى الرسول. إنهم هم الذين أوجدوا مدرسة الحديث الفاسدة التي انتهت إلى بعض الشباب الفرس في نيسابور ليكتبوا لنا الصحاح.
حينما يقولون الصحاح يعني بأننا نتبعهم ولا نتبع الرسول. لا يجوز لأحد أن يصحح كلام الرسول وليس لأحد أن يمس الوحي لأن الرسول لا يتحدث من تلقاء نفسه بل ينقل رسالة ربه فقط وهذا معنى الرسول. نحن لا نعرف محمد بن إسماعيل ولا نعرف مسلم بن الحجاج ولا الكليني ولا الطوسي ولم نرهم ولم نر غيرهم. لكننا نعرف رسول الله عليه السلام باعتبار إيماننا بالقرآن الذي صرح باسمه ومكانه كما نعرف بأن السابقين الأولين من المهاجرين بلا استثناء أناس محترمون نحبهم لأن الله تعالى مدحهم ولم يستثن أحدا منهم. أمر الله تعالى المهاجرين والأنصار وإيانا بأن نتبع رسول الله ولم يأمرنا بأن نتبع السابقين. رسول الله يتحدث عن الله تعالى ولذلك يجب طاعته وليس للسابقين ولا للخلفاء الراشدين منهم ولا للأئمة الإثني عشر أي ارتباط بوحي السماء. نحن أكثر علما وأكثر تطورا منهم فكيف نطيعهم؟ بل نطيع عقولنا بعد أن نطيع القرآن الكريم وكفى.
4.
موضوع اللغة العربية. لا شك فيه بأن القرآن نزل بلغة عربية واضحة لا يحتاج الذين حضروا تنزيله إلى أية قواعد وأصول بلاغية لفهم القرآن. لكن الذي حصل بأنهم يوم نزول القرآن كانوا يمثلون أساس العربية وكان كل من يزور بلادهم يسعى ليتحدث مثلهم. لكنهم أيام الفتوحات اختلطوا بالقوميات الأخرى التي كانت أكثر منهم حضارة وأكبر عددا فتأثروا بلغاتهم ولهجاتهم فتغيرت المفاهيم اللغوية لديهم. كما أنهم تركوا بعض الكلمات وأدخلوا كلمات جديدة على لغتهم الأم. هناك كلمات قليلة طبعا ما وجدت لها مثيلا في ما ورثناه من لغة العرب ولاحظت بأن بعض المفسرين انتبهوا أيضا وقد فسرتها يومها على السياق فقط.
وهناك قصة أو قصص كتبوها حول بداية صناعة النحو. وأبرزها أن مجموعة من المؤمنين أيام الخليفة علي بن أبي طالب كانوا يشيعون جنازة ميت وهناك مر بهم شخص فسأل أبا الأسود الدؤلي: من المتوفِّي؟ فقال أبو الأسود: الله جل جلاله. ذهل السائل ثم بينوا له بأن سؤاله كان عن فاعل الوفاة والميت مفعول الوفاة. كان عليه بأن يقول: من المتوفَّى؟
نقلوا الحكاية للإمام فخاف عليه السلام على فهم المسلمين للقرآن مستقبلا بعد اختلاطهم بغير العرب وأمر أبا الأسود بأن يكتب أصول النحو. ويقال بأنه قال لأبي الأسود: كل فاعل مرفوع، كل مفعول منصوب ووو. ثم قال له أنح هذا النحو. وضع هذا العلم المهم لنا نحن المختلطون بالأعاجم. وجاء بعد أبي الأسود علماء كبار مؤمنون نحتمل فيهم الصلاح والاهتمام بكتاب ربنا الذي هو أساس كل مفاهيمنا؛ فطوروا هذا العلم وأضافوا إليه الصرف والمعاني والبيان والبديع وعلم اللغة وغيرها ليساعدونا على فهم القرآن.
وبالطبع لو رأينا جملة سماوية تخالف النحو فنحن نخطئ النحو. لكنني لعلمكم ما رأيت حتى يومنا هذا مع اهتمامي الكبير بالقرآن أية جملة تخالف القواعد التي وضعها سلفنا العالم بالعربية. لكن علينا بأن نعرف المعاني قبل أن ننتقد القرآن أو نرفض النحو. قولوا لي أي اختلاف فلعلي أفيدكم أو تفيدونني ولا تتحدثوا بصورة عامة في موضوع أساسي للمفسرين. فقول أخي الكريم بأن العرب عرفوا القرآن بدون قواعد النحو صحيح ولكن أين تفسير أولئك العرب؟ إنهم لم يخلفوا كتبا لنتعرف على فهمهم. لقد وضعوا علم النحو قبل أن يبدأوا بالتدوين فبدأ الكُتاب يكتبون وأمامهم النحو علما موجودا في صدورهم. فهل لي أو للأخ حمادة اليوم أن نخطئ النحو؟ أظن بأن ذلك غير منصف. ولعلم الأخ حمادة فإن كبار أئمة النحو هم من السنة وهناك القليل ممن نحتمل بأنهم كانوا شيعة من بينهم. أولئك فعلا علماء أخي العزيز فكيف ترفض سعي عشرات الأئمة وتتقبل فهم أخينا الفارسي محمد بن إسماعيل الذي لم يكن نحويا ولا إمام لغة ولا هم يحزنون. ونحن نشك بأن صحيح البخاري الذي بين يدينا هو نفس الكتاب الذي كتبه البخاري أو كتبوه باسم البخاري. يكفينا أن نعرف بأن المغول دخلوا بغداد وأحرقوا المكتبات بما فيها مكتبة دار الحكمة التي احتوت على أربعة ملايين كتاب مخطوط! أغلب الظن بأن المسلمين أعادوا كتابة بعض الكتب من الذاكرة.
فما بين يدينا نقل من الصدور عن كاتب نقل من الصدور عن الصدور عن الصدور!! مصيبة يا إخواني.
5.
الفعل كان: كان في العربية فعل لازم لا يحتاج إلى التعدية في أساسه. كان يعني تكون من الكينونة وهي تعني الوجود أو الصيرورة كقول الشاعر:
إذا كانَ الشِّتاءُ فأَدْفئُوني فإنَّ الشَّيْخَ يُهْرِمُه الشِّتاءُ
فلا نجد في قوله خبرا بل الشتاء فاعلُ كان الكامل اللازم. وكقولنا: كان الله تعالى ولم يكن شيء معه. فكان الله جملة كاملة بفعل وفاعل لأن الفعل كامل وليس ناقصا فلا يحتاج إلى خبر ولا نحتاج إلى تقدير خبر كما فعل البعض. وأما كان المعروفة بالناقصة وهي الأشهر طبعا فهي لا تعني الكينونة بل تعني الإخبار بحال خاص مذكور في خبر كان فتقول كان زيد متكئا على سرير. هذا إخبار وليس إنشاء.
وأما الفعل الماضي فهو في واقعه ليس بمعنى الأمر الذي مضى كما هو شائع بل بمعنى الأمر المحتوم ومنه جاءت كلمة الإمضاء بمعنى التأكيد والحتمية فهو يمضي يعني يؤكد حصول أمر أو حصول تعهد أو عقد. وهكذا نرى بأن كتاب العدل لا يرضون بأن يستعملوا غير الماضي للعقود لتثبيت الإبرام وهكذا التعهدات فالفعل حينذاك إنشائي وليس إخباريا. وهو كذلك في اللغات الأخرى ولعل في جميع اللغات. وإن من حق الله تعالى وحده أن يستعمل هذا الفعل للزمن الماضي أو المستقبل كما يشاء لأن ما يخبر به الله تعالى سواء في أمر مضى أو أمر سيقع فهو محتوم لأن المتغيرات كلها بيده سبحانه. فقوله مثلا في سورة الأنبياء: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104). فهو سبحانه بدأ بالفعل المضارع بداية حتى لا يضيع المستمع ثم أكد بأنه كان فاعلا بنفس المعنى ولكن مع قيد التثبيت والتأكيد في الحصول مستقبلا. لكننا نحن البشر لا يجوز لنا ذلك لأننا لا نملك المتغيرات. ولذلك لا نستعمل الفعل الماضي إلا للأمر الذي وقع كشهادة منا على ذلك. ولا ننس بأن المضارع تعني المشابه للاسم. فأصل كنا فاعلين هو كنا نفعل ولكنه تعالى أتى بالاسم وهو أصل المضارع للمزيد من التأكيد لأن الاسم أكثر حتمية من الفعل.
وهو سبحانه عادة ما يستعمل الماضي بمعناه الأصلي مع سبق فعل المضارع حتى لا نضيع. فقوله تعالى حكاية عن فرعون يوم القيامة كما في سورة هود: إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)؛ فهو لا يعني بأن فرعونا قد قام بعمله فعلا فالقيامة لم تقم بعد. ولكنه سبحانه للتأكيد على وقوعه استعمل الفعل الماضي مع تقديم المضارع: يقدم قومه؛ حتى لا نضيع. والعلم عند مولانا عز وجل.
وما تشبث به المفسرون الكرام لتغيير معنى كنتم خير أمة إلى الفعلية فكل سعيهم مرفوض برأيي المتواضع. ولقد حذا أرباب اللغة حذوهم لأن هناك نوعا من الجزمية بأن العرب وكذلك صحابة خاتم النبيين هم خير الناس وهو خطأ جسيم. لا توجد في القرآن قومية خير من بقية القوميات ولا توجد فضيلة مطلقة للصحابة. قال تعالى في سورة النحل: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93). الأيمان هو العهود والمواثيق الموجودة بين الأمم والدخل تعني الفساد والدعوة بالنَّسب. هناك الكثير من اللوم وبعض اللعن لبعض الصحابة. كل المنافقين كانوا من صحابته عليه السلام وكلهم ملعونون. والشهادة بأي نوع من الإحسان لا يمكن أن تكون شهادة مستقبلية لأن الناس مختارون في الدنيا فكم من مؤمن ترك إيمانه وكفر وكم من كافر جعل الكفر وراء ظهره واستقبل الإيمان خير استقبال.
6.
والعترة كلمة تشمل كل الأولاد والأحفاد على الأقل. وكم من العترة النبوية فاسقون وكم منهم فجار وكم منهم كفروا وكم منهم ظلموا وقتلوا فصاروا من أصحاب النار؟ وأما السنة التي أوجبوها على لسان الرسول زورا فكان لزاما أن نرى الله تعالى يصون تلك السنة الواجبة والله لم يفعل مع أنه قادر على ذلك. فلماذا لم يفعل ربنا ليخرجنا من التيه فلا نحتاج إلى إخواننا شباب نيسابور بالنسبة للسنة وغيرهم من أبناء فارس مثل الكليني والطوسي وابن بابويه القمي بالنسبة للشيعة؟ هل نحن فاسقون حتى يتركنا ربنا في التيه أم نحن مؤمنون متمسكون باتباع الله تعالى ورسوله الأمين؟ وكيف عاش سلفنا قبل أن يظهر شيوخ نيسابور أو شيوخ قم وطوس والري؟
7.
والواقع أن ليس للرسول سنة قولية إطلاقا وله سنة عملية صانها الله تعالى. إنها في واقعها سنن أبينا إبراهيم إلا أن رسولنا أضاف آيات وسور القرآن الكريم بدل الأذكار الإبراهيمية القديمة باعتبار ظهور الوحي القرآني العظيم على يده الشريفة سلام الله عليه وعلى أبيه إبراهيم وعلى رسلنا الكرام جميعا فنحن نؤمن بهم ولا نفرق بين أحد من رسل ربنا المتعالي.
قال تعالى في سورة الحاقة: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40). وهذا هو رسولنا البشري وليس الروح القدس لأنه هو الذي اتهمه المشركون بالشاعر والتعلم من الكهنة لقوله تعالى بعدها: وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (43). فهذا القرآن هو قوله الذي أنزله عليه ربه ولا شيء غيره. وقال سبحانه في سورة الأعراف: كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3). فالقرآن هو قول الرسول وحرام علينا اتباع غير القرآن لأنه سبحانه منع من ذلك. هكذا نكون مسلمين وبغير هذا نكون سنة وشيعة بمعنى أننا نكون مسلمين بالاسم فقط ولسنا مسلمين في الحقيقة.
8.
المذهبية: لقد حرم الله تعالى علينا التمذهب في سورة الروم: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32). وواقع هذه الأحزاب أنها مفرقة بين المسلمين إلا إذا اعتبرناها أحزابا اجتماعية بعيدة عن الدين فأنت سني باعتبار أسرتك وأنا شيعي باعتبار أسرتي ولكنني أنا وأنت ندين بالإسلام دين محمد والمؤمنين من صحابته الكرام. الإسلام هو دين الله تعالى وهو الدين الذين أمر بالعدل والإحسان. لاحظوا بأن القرآن الكريم يخلو من أي أمر بالقتل إلا قتل القاتل بناء على طلب ولي المقتول فقط. كل أوامر القتال وكذلك القتل وقتية للرسول لأنه تعالى لم يسمح للرسول أبدا بأن يعلن أي حرب بدون إذنه. اقرأوا القرآن واحكموا بأنفسكم. ولذلك فكل الغزوات المنسوبة إلى الرسول مفتريات وأكاذيب. لم يغز الرسول أحدا بل حارب حروبا دفاعية بأمر من الله في القرآن ولم يجهز جيشا لفتح الروم حسب ادعاء السنة والشيعة.
قال تعالى في سورة محمد: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20). فالقتال وقتي ينزل في سور وليس في آيات مثل سورة التوبة وسورة الأنفال وغيرهما.
كما أن كل أنواع الارتباط الجنسي محرم عدا الزواج وهو حكم كامل في القرآن ويتبعه الألفة والمحبة والميراث. وبقية أحكام الزواج التي يذكرها فقهاء الشيعة والسنة هي كلها زنا ومحرمة. يخلو القرآن من المتعة ومن زواج المسيار وبقية المحرمات لكن الفقهاء هم وعاظ السلاطين والأثرياء مع الأسف وأكثرهم أتباع الشهوات. قال تعالى في سورة المؤمنون: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7). وقال مثلها في سورة المعارج.
أتحدى أي ملحد أو غير ملحد أن يأتيني بآية قرآنية مخالفة للعقل والمنطق. لكن البخاري يتحدث عن زنا القردة ورجمهم ويتحدث عن الرجم وهو حكم يهودي إجرامي لا أثر له في القرآن وهكذا كتب الشيعة. يتحدثون عن التفخيذ مع الطفلة وعن مضاجعة الوداع وعن أن المرأة المريضة لا تستحق العلاج على حساب زوجها وغيرها من أحكام غير إنسانية وأحكام إباحية وأحكام فاسدة. هكذا يصححون أقوالا كاذبة نسبها الوضاعون لرسولنا الصادق الأمين عليه السلام. البخاري بنفسه يقول بأن أكثر من 98% من الأحاديث التي حفظها كاذبة وأقل من 2% منها صادقة. فنحن نتبع البخاري إذن ولا نتبع رسول الله كما ندعي!
أرسلوا إلي أي إشكال على القرآن وسوف أوضح لكم بإذن الله تعالى. وأنا أرسل لكم طيه 20 إشكالا على القرآن حاولوا أن تجدوا حلا لها من كتب الحديث السنية والشيعية ومن كتب التفسير السنية والشيعية. ذلك لتعلموا بأن هذه الكتب لا علاقة لها بالقرآن وبالنتيجة لا علاقة لها بدين محمد والسابقين وبقية مؤمني الصحابة والتابعين. إنهم يدعون إلى دين جديد دنيوي لم ينزل الله تعالى به من سلطان. ولو تسألوا كل زملائي في جلساتنا التفسيرية فسيردون على الإشكالات العشرين بإذن الله تعالى.
9.
ديننا دين المحبة والصدق والمنطق وليس دين السيف. السيف دين المجرمين والعتاة وكل من شهر السيف على الناس فهو مجرم وهو من أهل النار وكل الفتوحات بربرية غير إسلامية. ذلك دين المجرمين من بني أمية وبني العباس والفاطميين ودين ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وبقية السفاكين ودين الأحزاب التي صنعتها إسرائيل وأمريكا في أيامنا هذا ليشوهوا سمعة الإسلام ويقنعوا الطيبين من البشر بأن الإسلام دين السيف والقتل. فمحمدنا يا إخوان غير محمدهم وكتابنا السماوي غير كتابهم وإسلامنا غير إسلامهم.
لو كان الله تعالى يريد لنا أن نتبع الأحاديث لأمر رسولنا بأن يشجع قومه لتدوين أحاديثه. والحال أن المؤرخين يقولون بأنه عليه السلام منع من كتابة أحاديثه. وقرأت في أحد الكتب حكاية الخليفة أبي بكر رضي الله عنه حينما حضرته الوفاة وكان قد احتفظ ب 500 حديث لنفسه. يُقال بأنه استشار بعض الصحابة واستشار ابنته السيدة عائشة رضي الله عنهم جميعا فأشاروا عليه بأن يحفظها لمن بعده. لكنه قال بأنه استخار الله تعالى فتراءى له بأن يحرقها حتى لا تزاحم القرآن. فأحرقها ولم يبق لنا نموذجا حيا نثق به من كلمات حبيبنا وحبيبهم محمد عليه السلام.
كان رسولنا يحب المشركين والمسيحيين واليهود ويتألم لهم ويسعى من كل قلبه أن يهديهم حتى يتوقوا عذاب جهنم. قال تعالى في سورة القصص: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56). أليس هم المشركون؟ وقال تعالى في سورة الكهف: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6). أليس هم النصارى الذين قالوا اتخذ الله ولدا ورسولنا يؤذي نفسه أسفا عليهم؟ وهكذا كان المؤمنون من الصحابة. قال تعالى في سورة آل عمران: هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119). وقال تعالى في الآية 31 من سورة الرعد: …أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا… مما تدل على أن المؤمنين كانوا مهتمين بأن ينجوا المشركين من تبعات الشرك. هذا هو الإسلام وأولئك هم المسلمون حقا، رضي الله عنهم ورضوا عنه.
10.
الآية التي يستشهد بها بعض الإخوة لتثبيت الأحاديث وهي في سورة الحشر: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا. هي مقطع من آية وهي ليست للأحاديث بل هي لتوزيع المال. هاكم الجملة الكريمة كاملة ضمن آيتها مع آيات قبلها وبعدها. وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8). لو نقطع الآيات تقطيعا فسنكسب الإثم أولا ثم نخسر المعنى دون ريب. اقرأوا الآيات وفكروا منصفين فهل هي للأحاديث أم لغنيمة خاصة من الغنائم؟
لن تجدوا في القرآن الكريم آية واحدة تدعونا لاتباع غير القرآن بل لن تجدوا في القرآن آية واحدة تتحدث عن إنسان يؤتي العلم إيتاء. نحن البشر يمكننا أن نؤتي المال والحب وما على غرار ذلك لكن إيتاء العلم خاص بالله تعالى. ذلك لأن إيتاء العلم يعني طبع المعلومة العلمية في الصدر النفسي لتبقى مع الإنسان ولا سلطة لأحد بمن فيهم الشخص نفسه على ما في الصدور بل على كافة مكونات النفس من قلب وفؤاد وصدر. كل العلم في القرآن منسوب إلى الله تعالى بما فيها بعض المعلومات البسيطة. فمثلا تعليم كلاب الصيد وهو مسألة جد بسيطة ولكن الله تعالى ينسبها إلى نفسه. قال تعالى في سورة المائدة: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4). كلما يفعله المعلمون أنبياء وغير أنبياء هو أنهم ينقلون معلوماتهم إلى من يستمع إليهم والذي يقوم بالإيتاء ويعني إيصال العلم إلى النفس هو الله تعالى وليس الرسول. والآية تتحدث عن الإيتاء والأحاديث مسائل علمية فأنى للرسول أن يؤتيها أحدا؟
11.
غلبت الروم. قال تعالى في سورة الروم: الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6). تلك هي الحكاية المختلف عليها من القرآن الكريم. يقول المفسرون بأن المسلمين تألموا من انتصار الفرس المشركين على الروم المؤمنين بالمسيحية. بالطبع أن الروم كانوا مجرمين عتاة دخلوا نينوى ليستولوا على بلاد الفرس. بالنسبة للمسلمين فإن كلتا الدولتين ظالمتان مجرمتان ولا علاقة لأي منهما بتعليمات السماء. ويقولون بأن الله تعالى وعدهم بأن الروم المسيحيين سيغلبون الفرس في بضع سنين ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. فهل يفرح المؤمنون بأن ينتصر الروم الغزاة على الفرس؟ وهل هناك وعد من الله تعالى لينصر غزاة الروم؟ إنهم غزاة ولو انتصروا فسوف يغزون العرب أيضا. إنهم فاسقون لا يمكن أن ينصرهم الله تعالى. على المسلمين أن يفرحوا بأن الفرس طردوا الرومان من نينوى ليتخلصوا من شر عتاة غربيين لن يرحموا أحدا لو دخلوا المنطقة. لو دخل الروم بلاد فارس واحتلوها لأصبحت فارس أقوى بكثير من يوم دخلها المسلمون وأصبحت عصية على جيش خالد.
وأما التاريخ فيقول التاريخ الفارسي وكذلك التاريخ غير الإسلامي احتمالا بأن الروم هجموا على الفرس عام 622 ميلادية أي قبل وفاة الرسول عليه السلام بعشر سنوات ثم هُزموا على يد الفرس وفروا. ثم أعادوا الكرة بعد أن توفى قائد جيش الفرس عام 627 ميلادية وتغلبوا على الفرس. وفي عام 628 أدركت الحكومتان الرومية والفارسية بأنهما منهكتان وتقبل الفرس شروط الصلح مع الروم وانتهت حروب الروم مع الفرس. ولو نريد تطبيق التفسير المعروف على القصة الحقيقية فإنه بصورة كلية تنطبق فعلا ولكن الآيات تقول شيئا آخر.
برأيي أنهم لم يعرفوا ما يقوله القرآن فتشبثوا بأقاويل غير صحيحة ليقولوا فسرنا الآيات. فلننظر إلى الآيات الكريمة ولكن بعد أن نقرأ نهاية السورة السابقة العنكبوت: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69). الآية 67 تتحدث عن حرب الروم مع الفرس عام 622 ومكان الحرب كان في مصر وتركيا كما يبدو. في تلك الحرب هُزمت الروم على يد الفرس.
وفي سورة الروم أشار سبحانه إلى نفس الحرب كما يبدو وبأن الروم قد غُلبت. ثم أعاد الروميون الكرة على الفرس عام 627 وتمكنوا من إلحاق الهزيمة بالفرس في حرب نينوى. لعل الآيات الكريمة في السورتين تشير إلى هزيمة الروم عام 622 ثم هزيمة الفرس عام 627.
ولعل من يسأل عن السبب في أنه سبحانه فصل بين المسألتين في سورتين متتاليتين. ليعلم بأن كل سورة قرآنية تتحدث عن موضوع خاص وهناك سور متتالية تتحدث عن موضوع واحد بحالات مختلفة. السور التي تبدأ بـ ألم فهي تتحدث عن فوائد التمسك بالله وباللقاء معه سبحانه. السورتان الأوليان تتحدثان بصورة عامة عن تزكية النفس لغرض كسب الرضوان والجنان في الآخرة والفرق بين البقرة وآل عمران هو أن الأولى تتناول المسائل والتشريعات والثانية تعطينا النماذج من أنبياء السلف ومن الصحابة الذين ساعدوا في إقامة الكيان الإسلامي بمكة لتكون مدينة خاصة بالدعوة إلى الإسلام. وأما السور المتوسطة التي تبدأ بنفس الفواتح فهي تتناول الفوائد الدنيوية أكثر من الفوائد الأخروية للتمسك بالله تعالى وباللقاء معه. والفرق بين سورتي العنكبوت والروم هو أن الأولى جاءت لبيان المكاسب الدنيوية السريعة مع بيان مقتضب للمكاسب الأخروية ولكن الروم تتحدث عن المكاسب الدنيوية المستقبلية. نعرف ذلك بملاحظة الآية الثالثة والآية الرابعة والسابعة و39 و47 والآية الأخيرة من سورة الروم الكريمة.
لكن مقولة المفسرين بأن الله تعالى نصر الروم على الفرس لا تنسجم مع واقع القرآن الكريم الذي يدعو إلى الإسلام ويرفض المجوسية والمسيحية معا. لا يمكن أن ينصر الله تعالى المسيحيين الغزاة على الفرس الغزاة. يفرح المؤمنون بنصر أنفسهم ولن يفرحوا بنصر أي من الفرس والروم على بعضهم البعض ولا سيما أن هزيمة الروم كانت مفيدة لهم وهزيمة الفرس كانت ضارة لهم. لكن الضعف الذي انتاب الدولتين كان مفيدا للمسلمين فيما بعد طبعا.
فالجملة الكريمة “وهم من بعد غلبهم سيغلبون” لا يمكن أن تشير إلى الروم بل تشير إلى المسلمين الذين كانوا ضعفاء في بداية الهجرة إلى المدينة المنورة وقبل أن يأذن الله تعالى لهم بالدفاع المسلح. قال تعالى في سورة الحج: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (41). الانتصار في آيات الحج هو نفس الانتصار في آيات الروم كما يبدو لي. هناك كان الانتصار وعدا وهنا اقترب الوعد الحق ليصير الانتصار حقيقة.
يريد الله تعالى بنصره للمؤمنين أن يُبقي كل أماكن العبادة قائمة لكل من يريد أن يعبد الخالق الرؤوف بطريقته دون أن يمسها أحد بسوء. هكذا أراد ربنا تشريعا وبمساعدات أولية أن يؤكد عدم الإكراه في الدين. كما أن المتتبع يمكنه أن يلاحظ بأنه سبحانه في بداية سورة الحج يتحدث عن أن الذي يمكنه أن يفصل بين مختلف أتباع الديانات هو الله تعالى وحده وليس غيره. كان رسولنا عليه السلام يستقبل أتباع كل الديانات السماوية وغير السماوية في المسجد الحرام وفي مسجده بالمدينة ويدعوهم إلى تصحيح عقائدهم بربهم ساعيا إلى إقناعهم بصحة سماوية الدين الجديد. لولا ذلك لما تمكن من أن ينقل معلوماته السماوية إلى مختلف متبعي الأديان والعقائد السماوية وغيرها ليجعلهم يفكروا ويختاروا الدين الذي يرونه صحيحا من تلقاء أنفسهم مستهدفا الرضوان والجنان له ولهم عليه السلام.
أما ما نراه اليوم من منع غير المسلمين من الدخول في مكة فهو عمل غير صحيح وغير مشروع لأن أفضل مكان لنا لجذب غير المسلمين هو مكة المكرمة. أصحاب القرار في الحكومات وبهذا العمل غير الصحيح يقفون أمام انتشار الإسلام كما يريده الله تعالى وعليهم بأن يتركوا هذه السياسة المتوارثة من الظالمين. كم هو جميل بأن يعيش الكل آمنين في بلد الأمان مكة ونرى في كل عام أفرادا منحرفين دينيا وهم بأنفسهم يشعرون بتفوق ديننا على عقائدهم فيدخلون دين الله أفواجا. إلى الله المشتكى.
والخلاصة بأن الذين وعد الله تعالى بأن ينصرهم بقوة ليسوا هم الغزاة الروم بل هم المسلمون. لاحظوا الفرق بين الموضوعين: غلبت الروم؛ وهم من بعد غلبهم سيغلبون. الروم مع قوتهم وإمكاناتهم أصابهم الفشل والمسلمون مع ضعفهم سوف ينصرهم الله تعالى على أعدائهم في بضع سنين. وقد نصر الله تعالى المسلمين وفتحوا مكة كما وعدهم ربهم. وليبس صحيحا أن نهتم بما توصل إليه سلفنا الذين نرى الكثير من الأخطاء لديهم بل الصحيح أن نفكر ونستمد العون من الله تعالى لنأتي ببيان أصح من فهم السلف.
12.
تفسير الأخ الكريم ماجد المولى للجملة الكريمة “وأمرهم شورى بينهم” ليس باطلا برأيي وليس مخالفا كثيرا مع رأيي المتواضع. إنه حمل الآية ما لم تحمله ولكنه أتى بنتيجة طيبة في نهايتها ولا أحب أن أدخل في سجال علمي معه في هذا الموضوع الذي أقبل نتيجته. لكنني وحتى لا أكون مجحفا بحق الجملة السماوية الكريمة من آية من سورة الشورى، أكتفي بأن أنقل الآيات ليقرأها من يريد بإمعان ويتعرف على المعنى الحقيقي للجملة الكريمة. سأضع خطا تحت الجملة الكريمة وبعض ما قبلها وبعض ما بعدها وأذكر القارئ الكريم بأن يفكر في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة التي تكثر الإشارة إليها في القرآن الكريم ثم يتعرف على معنى “وأمرهم شورى بينهم” المتوسطة بين الصلاة والإنفاق. قال تعالى في سورة الشورى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ (39) وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (43).
13.
قول أخي ماجد المولى التالي:
والله بعلمه الأزلي يعلم بما سيختاره العباد بحرية إرادتهم الممنوحة لهم.. ويعلم مصيرهم الذي سيؤولون إليه نتيجة اختيارهم هذه. فهل لديكم شك في علم الله هذا؟!!! انتهى النقل.
ليس لدي شك بل أنا على يقين من خطأ ما تفضلتم به. هناك بحث ونقاش طويل لعل أخي الأستاذ الدكتور أحمد مبارك بشير ينشره مستقبلا. لكنني باختصار أطلب من سيادته ألاّ ينسب شيئا لم يقل به الله تعالى إليه سبحانه. هات آية قرآنية يقول الله تعالى ذلك وسوف أقوم بتخطئة نفسي. وللعلم فهناك آية قرآنية في سورة الحديد لنقرأها معا: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22). هل تاريخ الإذن في الآية الكريمة يعود إلى العلم الأزلي أم إلى لحظات قبل أن يبرأها الله تعالى. لو علم الله تعالى أمرا بعلمه الأزلي فإن العبد ليس حرا ولا معنى للاختيار ولا معنى للحياة الدنيا برمتها أخي الكريم. هذا من أخطاء السلف سنة وشيعة مع الأسف. سلفنا قالوا بأن التناقض مستحيل ولكنهم أتوا بالمتناقضات دون أن يشعروا.
قالوا بأن علم الله تعالى عين ذاته فإذا علم أمرا لا يمكن تصور عدم حصوله وأنا العبد مختار بأن أعمل أو لا أعمل. أليست الجملتان متناقضتين أخي العزيز؟ هل قال الله تعالى بأنه كان يعلم ما سنأتي به أم قال ليعلم؟ وكمثال ننظر إلى سورة سبإ: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إلاّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إلاّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21). أنا كأخ صغير لكم فخور بكم إخواني أنكم تحبون الله تعالى وتكرهون أن تنسبوا إليه الجهل. لكن الله تعالى لم يقل بأن العلم بما سيفعله المختارون هو علم في حقيقته بل هو محال إخواني. الله تعالى يعلم الممكن وقادر على أن يعمل الممكن لكن المستحيل فهو بحد ذاته مستحيل ولا علاقة له بالقدرة والضعف ولا بالعلم والجهل. مثاله مثال الخالق الثاني فهو في حد ذاته مستحيل ولا نقول بأن الله تعالى غير قادر على أن يخلق خالقا آخر؛ بل نقول بأن خلق خالق آخر مستحيل لأنه حينذاك يكون مخلوقا لا خالقا.
ومن الطريف أن أخي الكريم ماجد المولى ذكر آية من سورة النجم كشاهد على علم الله تعالى المسبق بأفعال العباد وهي: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32). أين قال الله تعالى في الآية بأنه كان يعلم بنا من الأزل؟ هو يعلم حقيقتنا حينما نكون أجنة في بطون أمهاتنا. وهو أعلم بنا حينما أنشأنا من الأرض. متى أنشأني من الأرض؟ أنشأني حين ارتباط الحيوان المنوي لوالدي مع البويضة في رحم أمي والحيمن والبويضة هما من الأرض. حقيقتنا التكوينية إخواني مغاير لأعمالنا التي نقوم بها فيما بعد باختيارنا. حقيقتنا التكوينية تشير إلى قدراتنا الخَلقية. هذا العلم ضروري للخالق. إنه به يقدر التقسيم الجغرافي لعبيده في الأرض. على أساس هذا العلم يقدر للناس أن ينتقلوا من بلد إلى بلد ليوزع الأطباء والمهندسين وبقية العلماء والعمال وهكذا الذكور والإناث في الأرض لتوزيع المهن والإمكانات في كل أرجاء المعمورة.
ويترك باقي الأمر للأنظمة البشرية. فمثلا إذا رأى ربنا بأن القادرين على دراسة الطب تكاثروا في بلد وتناقصوا في بلد آخر فهو سبحانه يقدر لبعضهم أن ينتقل إلى البلد الآخر حتى لا يُحرم البلد الثاني من الأطباء ثم يترك توزيع المهن العلمية للأنظمة. وهو سبحانه لو لم يفعل ذلك فلعلنا نرى بلدا كبيرا لا ينطوي على من يمكن أن يصير طبيا وعلماء الطب من ضرورات المجتمعات الكبيرة.
وهذا هو معنى قوله تعالى في سورة الرعد: اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9). لم يقل سبحان ما ستحمل كل أنثى بل ما تحمل فعلا. وقال سبحانه في سورة الذاريات: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4). الذاريات كما أظن تشير إلى ما يعرف بالسدم وعلى إثرها تُصنع المجرات وهي الحاملات وقرا. ومن بعدها تُخلق النجوم أو الشموس والشمس هي الجارية حتى في اللغة. ومنها تُخلق الكواكب الصلبة وهي الأراضي. وقد سماها سبحانه بالمقسمات بأمره سبحانه. هذه ضرورة صناعة الكواكب الأرضية المسكونة في مختلف أرجاء الكون. وهو سبحانه الذي يعلم كل ما يمكن علمه ليقوم بالتوزيع الدقيق للإمكانات الطبيعية والبشرية في كواكبه البليونية.
وهناك مناقشات طويلة في مركز تطوير الفقه الإسلامي وفي تجمع المودة وفي جلساتنا القرآنية حول علم الله المسبق بأفعال العباد. لقد اختصرتها في مقال نشر في المركز وسوف أرفقه بهذه الرقيمة المتواضعة لعله يفيدكم.
14.
مسألة التاريخ. ليس لدينا أي تاريخ مدون من أيام الرسول ولا أيام الخلفاء الراشدين. أعطوني عنوان ذلك الكتاب فلعلي أرى شيئا كان خافيا علي. التاريخ الذي كتبه الطبري وابن خلكان والمسعودي وابن الأثير وغيرهم وأهمها في الواقع هو تاريخ الطبري. الطبري يبدأ تاريخه من خلق آدم ويتحدث عن قصص آدم وأولاده وقصص الملوك ومن كان في عهدهم. من أين أتى الطبري بتاريخ آدم؟ هل كان هناك مؤرخون آنذاك أم أنه مع احترامي له ينقل لنا مفتريات اليهود. فهل يمكن أن نثق بشخص يتحدث عما لا يد له فيه؟ يقول البعض بأن رسولنا نقل قصص أنبياء السلف. هاتوا آية واحدة تقول بأن هناك وحيا خاصا له عليه السلام ينبؤه عن أخبار إخوانه الأنبياء.
قال تعالى في سورة يوسف: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3). وقال سبحانه في سورة هود: قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49). وقصة نوح عليه السلام موجودة في التوراة ولكن الله تعالى يؤكد عدم علم الرسول وعلم قومه ومنهم اليهود بقصة نوح. ذلك لأن التفاصيل المذكورة في سورة هود زائدة على التفاصيل الموجودة في التوراة الأصلية كما يبدو والله يفند كلها. وقال تعالى في سورة آل عمران: ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44). حكاية مريم ليست قديمة جدا بل حدثت قبل ستة قرون فقط والرسول لا يعلمها لأنه لم يكن موجودا. فمن أين أتى الرسول عليه السلام بحكايات السابقين أم أن مؤرخينا نقلوا لنا المفتريات فقط.
وأما حكاية التاريخ الإسلامي. فلدينا مرجع واحد فقط وهو غير موجود بين أيدينا. يدعي مؤرخونا ومنهم الطبري بأنهم اطلعوا على ذلك المرجع المفقود من المكتبة العربية. كاتب ذلك المرجع هو محمد بن إسحاق. ومن هو محمد بن إسحاق؟ إسحاق أبوه من سبي العراق ويحتملون بأنه كان من اليهود الذين أسلموا أيام الخليفة عمر رضي الله عنه. خلف إسحاق ولدا معروفا بالذكاء واسمه محمد. يقول بن إسحاق بأنه أدرك نهايات حكم الإمام علي عليه السلام لكنه كان صغيرا. هذا الشخص كان معروفا بين الناس أيام الخليفة المجرم أبي جعفر المنصور وكان له مجالس يحضره الناس ليقص عليهم قصص الماضين بمن فيها حكايات نبينا. علم به المنصور وطلب منه أن يكتب تاريخ الرسول وسيرته لتثبيت ما سمعه في مكتبة بني العباس وتعهد بأن يعطيه كل مصاريفه. فهو موظف السلطة العباسية المأمور بكتابة التاريخ. سوف يكتب تاريخا يفيد بني العباس طبعا كما سيكتب سيرة تفيدهم ولذلك أنفقوا عليه. مات ابن إسحاق ومات المنصور ومن بعدهم وفُقد تاريخ ابن إسحاق وسيرته النبوية.
في القرن الرابع الهجري ادعى شخص لا أذكر اسمه وهو من نجد بأنه عثر على السيرة النبوية لابن إسحاق ويمكن أن تكون السيرة التي تطبع في زماننا هي نفس السيرة التي ادعاها ذلك النجدي. أما التاريخ فهو مفقود تماما. الطبري مؤرخ تاريخ آدم يدعي بأنه ينقل من ابن إسحاق. وهكذا بقية المؤرخين. ومن هو ابن إسحاق هذا؟ هل يمكن الاعتماد على تاريخ كتبه شخص بعيد عن الصحابة وليس من أهلهم ولا من أهل التابعين وكتابه مفقود والذي أنفق عليه المنصور الدوانيقي؟ هذا هو تاريخنا وهذه هي سيرتنا المكتوبة ناهيك عن بقية الأحاديث المعنعنة. عن أي تاريخ تتحدثون؟ افتحوا عيونكم واتركوا هذه الكتب المضللة وعودوا إلى كتاب ربكم.
15.
موضوع المسكين واليتيم والأسير في سورة الإنسان الذي وضحته كشاهد. تشبث الأخ ماجد المولى بتفسير السلف وبأنه المعقول. قلت حينما استشهدت بالآية بأنهم نقلوا حكاية خاصة تعرفونها وفي النهاية وضعوا الإمام عليا وفضة الخادمة في مقام واحد عند ربهم وهذا لا يمكن أن يكون صحيحا. لكن هذا الإشكال كما يبدو لم يقنع الأخ المولى بخطإ سلفنا. فإليكم إشكالات أخرى على تفسيرهم:
ألف:
من الواضح بأن الآيات تتحدث بصورة عامة ولا تحكي قصة خاصة لنا. هل أتى على الإنسان؛ إنا خلقنا الإنسان؛ إنا هديناه السبيل؛ إنا أعتدنا للكافرين؛ إن الأبرار. فالحديث عن الإنسان وبأنه بعد أن يهديه ربه إلى طريقين يختار إحداهما وليس عن أشخاص معينين.
ب:
لكن الذي حصل هو أن المفسرين لم يتمكنوا من تعميم آية: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. لو كانت آية عامة فعليه حسب قواعدهم النحوية أن يقول سبحانه: ويطعمون الطعام على حبه المساكين والأيتام والأسرى؛ أو يقول: المسكين واليتيم والأسير. لكنه سبحانه قال يطعمون مسكينا. هذا يعني بأن الحكاية ليست عامة بل هو حكاية أشخاص قاموا بعمل محبوب عند الله تعالى فأنزل بشأنهم آيات أو سورة ليصيروا مثلا لغيرهم.
ج:
وعلى الفرض الذي افترضوه فإن عليا وفاطمة والحسنان وفضة الخادمة في درجة واحدة في الجنة وهي ليست من الدرجات العليا. فهناك الذهب مقدم على الفضة والذهب غير مذكور في الآيات الكريمة.
د:
لم يعد الله تعالى أحدا بعينه بالجنة قبل موته. ذلك يعني بأن هذا الشخص انتهى اختباره وصار بقاؤه في الدنيا بغير سبب عقلاني. إن الدنيا دار مصائب فلا يناسب الرحمن أن يصيب أهل الجنة في الدنيا لكنه سبحانه يقوم بالابتلاء ليمحص القلوب وليميز المحسن من المسيء وليتعين درجات المتقين وكذلك درجات الفاسقين. ولقد سمعنا الكثير عن المصائب التي أصابت سبطي الرسول عليهم السلام بعد وفاة جدهم.
هاء:
الأسير يعني المسجون في سجون الدولة باعتباره أسير حرب فكيف جاز للدولة التي يرأسها رسول الله عليه السلام أن يترك الأسرى يشحذون في الشوارع طالبين الطعام من أهل الخير؟ لو كانت الدولة عاجزة عن إطعام الأسرى فعليه أن تطلق سراحهم فورا. على أن سير أسير الحرب في الشوارع يخرجه أصولا من الأسر.
و:
كيف سمح الإمام علي عليه السلام لنفسه بأن يعطي طعام طفلين صغيرين صائمين للمسكين واليتيم والأسير؟ هذا عمل محرم قطعيا. كان بإمكانه أن يعطي رغيفا للمسكين مثلا ويوزع الأرغفة الأربعة بينه وبين فاطمة والحسنين وفضة رضي الله عنهم جميعا.
ز:
تزوج الإمام علي عليه السلام في المدينة حينما كان المسلمون في حالة جيدة والحكاية التي اختلقوها يجب أن نفترض حصولها في نهايات حياة الرسول حيث كانوا في حالة مالية جيدة بعد أن استرجعوا أموالهم من المكيين وبعد أن كسبوا أموالا كثيرة في حروبهم الدفاعية ضد أعدائهم. فكيف نتصور صهر الرسول الأمين وبعد أن أنعم الله على المسلمين بالمغانم الكثيرة وهو يحتاج إلى أن يقترض من شمعون اليهودي ما يشبعه وأهله ثلاث إفطارات دون سحور؟
ح:
كان عمر الحسين عليه السلام حين وفاة جده الرسول عليه السلام أربع سنوات فلو فرضنا بأن الحكاية وقعت في آخر حياة الرسول فكيف جاز لأبيه أن يسمح لابنه الطفل بالصيام أصلا وبلا سحور؟
ط:
هل يعرف الطفل الصغير أن يقوم بنذر الصوم وهل يجوز له الصيام وهل يجوز لأبويه أن ينذرا الصوم للأطفال.
والخلاصة أن الحكاية التي نقلوها لا يمكن أن ننسبها إلا إلى المفتريات ونرمي بها بعيدا عن تاريخ رسولنا الأمين وأهل بيته عليهم السلام. وأما ما قلته في تفسير الآية فهي السبيل الوحيد للخروج من مأزق الحكاية غير الصحيحة. فكرت كثيرا في الموضوع وحاولت بأن أستعمل النصب بنزع الخافض فلم أجد حلا. ليس لي إلا القول بأن المسكين واليتيم والأسير حال للمتبرع بالطعام ولو خالفت بعض قواعد النحويين. أكون شاكرا لمن يحل لي المشكلة ويهديني إلى تفسير أصح مما ظننته؛ إلا أن تفسير المفسرين خطأ دون ريب. بالطبع أنني اختصرت الموضوع الذي أخذ مني قسما كبيراً من محاضرة علمية غير قصيرة. وأما ظنون أخي المولى حفظه الله تعالى وإيانا فهي غير دقيقة مع الأسف.
17.
وأما ما كتبه أخونا محسن الفهد فهو كلام صحيح وإشكاله في محله. أنا لا أؤمن إطلاقا بأن الله تعالى عين لنا 12 إماما. وأعتبر حديث الثقلين إخبارا بالغيب لو فسرناه بالأئمة؛ والرسولُ عليه السلام لا يعلم الغيب. ولو اعتبرنا الثقلين هما الكتاب والسنة فهو ضلال أيضا كما انتبه الأخ الكريم. ذلك لأن كتاب الله تعالى موجود ومصان ولكن أين السنة المكتوبة فهي مثل العترة المزعومة؟ مشكلتنا أخي الكريم بأننا لا نجد أي مؤرخ أو محدث يدعي بأن هناك كتابا خلفه الرسول عليه السلام أو الخلفاء الراشدون الأربعة رضي الله عنهم. حتى النسل الأول من التابعين من بعد الصحابة لم يخلفوا كتبا.
أنا أعتبر الشيعة والسنة حزبين اجتماعيين لا بأس بهما لو أبعدناهما عن شريعة الرحمن عز اسمه. على الشيعة والسنة أن يتركوا كل كتبهم التي كتبها سلفهم ويعودوا جميعا إلى كتاب الله تعالى الصحيح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لعلهم يفوزوا برضوان ربهم. لقد حرم الله تعالى علينا التحزب في الدين في سورة الروم: بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32).
فأنا شيعي جغرافي ولست شيعيا مؤمنا بالإمامة الإلهية التي ما أنزل الله بها من سلطان. الأئمة الأحد عشر أناس عاديون عاشوا حياة لا بأس بها وليس لهم أي دور في تثقيفي عدا قليلا مما ورثناه من بعضهم من حكم طيبة. أما الإمام الثاني عشر فهو مجرد وهم لا وجود له وقد تفرغ أخي الكريم الشيخ أحمد الكاتب حفظه الله تعالى بدراسة الموضوع تاريخيا وهو مستعد ليرد على كل من يستشكل عليه. والقرآن الكريم لم يذكر أي شيء عن الأئمة أو عن الإمام المهدي أو عن أن الله تعالى يسبق يوم القيامة في الدنيا بأن يفرض الهدى على الناس عن طريق المهدي.
قال تعالى في سورة الأنبياء: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47). وجدير بأن نقرأ مجموعة الآيات كاملة لنعلم منها مسائل أخرى وهي: قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ (45) وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (50). نعلم منها بأن وحي السماء لنا هو هذا القرآن وهو ذكر مبارك، وبأن رسولنا أنذر قومه بهذا القرآن فلا نشعر بفقدان الرسول إلا عاطفيا. الرسول بقوله موجود بيننا وهو الكتاب الذي أنذر به عليه السلام. ولعل سر البركة أو الزيادة هو ما نراه في القرآن من دلائل واضحة على تشريعاته وهي التي قلما نجد مثلها في التوراة التي بين يدينا بغض النظر عن أن اليهود ولعل بعض النصارى حرفوا الكلم عن مواضعه. وأظن بأن القرآن هو الرسول الحي الموجود بيننا باعتبار الدلائل الموجودة بين صفحاته لأننا أكثر تطورا من سلفنا الذين سبقوا رسولنا البشري، وكذلك الذين عاشوا في زمن الرسالة المجيدة.
18.
علم النحو العربي: ولا تنسوا إخواني بأن النحو منسوب في أساسه إلى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي قال كما نقلوا لنا والعهدة عليهم: الكلام كله ثلاثة أشياء اسم وفعل وحرف؛ كل فاعل وما شابهه مرفوع وكل مفعول وما شابهه منصوب وما دونهما مجرور. ويقول البعض بأنه عليه السلام تحدث عن المعرفة والنكرة وعن وجوه الإعراب بأنها الرفع والنصب والجر والجزم. وكما يقولون بأنه قالها لأبي الأسود وأمره بأن يضع قواعد النحو حماية للغة القرآن من الضياع. وتلاهما مجموعة كبيرة من كبار علماء المسلمين الذين أكملوا النحو في مدرسة البصرة الكبرى وقسما منها في الكوفة. ويقول البعض بأن علم النحو بدأ من عهد الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه وهو الذي أوصى أبا الأسود ولكن عليا عليه السلام ساعده بوضع الأسس. وغير ذلك من الأخبار التي تدل على أن النحو هو أول علم عربي في مدارس المسلمين. فليس من السهل تجاهل النحو لمن يريد أن يعرف القرآن الكريم.
19.
وأخيرا نأتي إلى ما كتبه أخي الفاضل أحمد الكاتب. وبغض النظر عن أنني أعتبره من أصدق إخواني فإني بدون ملاحظة الصداقة والصدق استمتعت بما كتبه فضيلته. لعل لدي ملاحظات بسيطة أكره أن أذكرها هنا. لقد كتب الموضوع بدقة فاحصة فله الشكر على ما كتب.
وجدير بالذكر أنني لا أعرف شخصيات الذين شاركوني في الكتابة عدا الشيخ الكاتب فأنا أعتذر من كل من ظن بأنني ما اتفقت معه. أنا لا أتحدث عن الأشخاص فكلهم محترمون عندي ولكنني أناقش المواضيع فقط.
وهكذا نأتي إلى ختام هذه الرسالة الطويلة. ولا أدري كيف نجمعها في كتيب بسيط وننشرها لتفيد الباحثين. والمجال طبعا مفتوح للإخوة المشاركين الذين ذكرتهم بالاسم أو نسيت أن أذكرهم ليستمروا في المناقشة ولا سيما الرد علي كما يشاؤون لعلنا نصل في النهاية إلى بعض التوافق. لكنني أوصي الإخوة بألا يكرروا ما قالوه لو كنت قد علقت عليها بالرد؛ إلا إن كان لديهم دليل واضح على خطأي حتى لا يذهب وقتنا سدى.
هدانا الله جميعا إلى طريق الصواب ورحم الله تعالى سلفنا وغفر لهم ولنا. رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير.
أحمد المُهري
12/5/2019
#تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/