من هو الكافر
من هو الكافر
قرأت بالأمس حوارا بين بعض الإخوة والأخوات في موقع مركز تطوير الفقه الاسلامي صانه الله تعالى، حول ماهية الكافر فنطلق الصفة على مَن مِن الناس؟
بحثت عنه اليوم فلم أجده في محفوظاتي (في حافظة الكمبيوتر طبعا) لكنني أحب أن أقدم تعليقا بسيطا على ما أذكره من ذلك الحوار وهو:
ما الذي ننويه من إطلاق هذا الوصف على أحد من خلق الله تعالى؛ هل نريد أن نصف حقيقته؛ أم نريد تقديم وصف يمدحه أو يذمه؛ أم نتبع أسلوبا تعلمناه من قيادتنا العظمى المتمثلة في شخص الرسول وحده؛ أم ماذا؟
فلو أردنا الذم فنحن لسنا حينئذ دعاة إلى الله تعالى ولو أردنا المديح فلا تعليق لي ولا أظن أنه مدح ولو أردنا وصف الحقيقة فسنعني بأن الله تعالى لم يخلق أحدا مفطورا على الإيمان وهو خطأ، وإن أردنا اتباع تعامل مبلغ الرسالة عليه الصلاة والسلام فلننظر إلى كتابه الوحيد كيف يصف حاله.
قال تعالى في سورة الكافرون: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6). ونحن جميعا نقبل بأنه عليه السلام كان يتبع أوامر ربه خطوة خطوة.
بالله عليكم؛ أليست السورة تمثل دعوة إلى السلام فلكل شخص دينه وعبادته وليس لأحد سلطان على أحد؟ فيقصد الرسول بالكافر هنا الذي يجحد رسالته وليس الكافر بمعنى الذي ينكر الله تعالى ولكن قد يشمله إن وجد. لكننا نحن نقصد بالكافر الذي يكفر بالله تعالى ونحكم بقتله دون إذن من ربنا!!!
فالذي يسمع الرسالة من فم رسول الله وليس من فم الذين وضعوا أنفسهم موضع رسول الله مع الأسف بالطريقة التي سار بها أمين الرسالة ثم يرفض فهو كافر وليس عليه أي حكم ولا يقطع الإسلامُ شيئا من حقوقه الشخصية أبدا بل له دينه وللنبي دينه وهذا يعني أن الحكم لله يوم الحساب وليس في الدنيا. إنه يجحد أمرا استيقنته نفسه بل يسعى للتغطية على ما دخل ثوابته النفسية واختزن في ثنايا صدره النفسي.
والنبي الذي هو نموذج الأخلاق الحسنة لا يقصد بالكافر ما نقصده بل يقصد ظاهر جحودهم وإنكارهم له فحسب. بمعنى أنه عليه السلام لا يمكن أن يقفل باب العودة إلى الله تعالى على أحد أبدا إرضاء لربهم الذي خلقهم بيده كما خلق رسوله فيحبهم جميعا دون أدنى شك. إنه سبحانه يأمر رسوله بأن يصبر عليهم فكيف لا يحبهم؟ وهل هناك أحد في الوجود لا يحب صنيع يده؟
لنقرأ الآيات التالية من سورة الزخرف ممعنين لنتعرف على رحمة ربنا ونقف على بعض معاني كرمه الفياض:
وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35). إنهم بجهلهم يدمرون آخرتهم فالله يحب أن يجعلهم سعداء في الدنيا لأنهم في النهاية عبيده ويحب أن يدخل الجميع جنات النعيم فيكرمهم بما يتناسب مع شأنه كريما ما أكرمه ورحيما أرحم الراحمين عز اسمه.
أليس الله تعالى هو الذي يقول في سورة يس: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (30). أليست هي حسرة من يحب الناس أم ماذا؟
إخواني وأخواتي الأعزاء:
لو كان الكفر صفة طبيعية فما ذنب الذي اتصف به؟ ولو كان دينا وراثيا فما هي جنحة الوارث؟ بل هو عمل يقوم به الإنسان وعلى أساس عمله فقط يُثاب أو يُعاقب.
ثم إن هناك فرقا كبيرا بين الذين يحضرون الرسالات السماوية وغيرهم. إنهم شهداء على الناس جميعا وخاصة أصحاب رسولنا خاتم النبيين. والرسول شهيد عليهم والشهيد يعني النموذج الذي يمكن تطبيق الآخرين عليه باعتبار أن الذي لم يحضر الرسالة سيكون مثل شبيهه منهم يوم القيامة. قال تعالى في سورة البقرة: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا... والوسط هو الوسط الجغرافي من حيث اتفاق عدة حركات كوكبية في ذلك الزمان مما أثر في المناخ الجغرافي المؤثر في التطور العقلي الذي وصل إلى قمته منذ ذلك الحين. نحن اليوم أكثر منهم علما باعتبار المزيد من التقدم والخبرة وأكثر منهم تطورا باعتبار بقاء الحالة المناخية في أوج تطورها حتى اليوم فازداد معه اطراد التطور لدى الناس.
وأظن بأن هذا هو السبب في ختام النبوة فالبشر لم يعد بحاجة إلى الأنبياء باعتبار تمكنه من فهم دقائق الأمور بنفسه بدون الاستعانة بالوحي.
وقال سبحانه في سورة الزمر: وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69). فهم نماذج لتثبيت عدالة السماء يوم الوقوف العظيم أمام وجهه الكريم جل جلاله.
فالذين كفروا بالرسالة بحضور المنذرين الكرام عليهم سلام الله تعالى؛ فهم أهل النار قطعا لأن اليقين قد حصل لهم وليس لهم مفر ولا معذرة أمام الله تعالى. وعلى هذا الأساس حكم الله تعالى ضد أبي لهب وزوجته بالكفر وبالنار وهما حيان في حياتهم الاختبارية في الدنيا لكنهما أكملا اختبارهما. و لم يحكم سبحانه بقتل أي منهما كما يفعله المتأسلمون اليوم.
والصحابي يعني كل من حضر صحبة رسولنا مشركا، كتابيا أو مؤمنا. قال تعالى في سورة التكوير مخاطبا الذين كفروا برسولنا الحبيب: وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ (22). فهم أصحاب بعضهم البعض. وليس الصحابي أفضل منا ولكننا نحب المؤمنين من الصحابة الكرام باعتبارهم السابقين علينا في الدنيا وليس للصحابي أي فضل حقيقي على غير الصحابي لأن الله تعالى عادل لا يمكن أن يقر بفضل لأحد باعتبار الصحبة أو القرابة مع رسله وهي كلها صدف لأننا نُصنع ضمن نظام الطبيعة بأمر الحي القيوم جل جلاله.
وأما الذين هم غير مسلمين اليوم فلا يجوز قطعا توصيفهم بالكفار أو الكافرين بل نصفهم بأديانهم ولا نعرف حقيقة حال أحد أمام الله تعالى. أنا لا أعرف شيئا عن حقيقة جاري المسيحي كما لا أعرف حقيقة جاري المسلم لأن المعايير عند الله تعالى عادلة على أساس مطالبة كل فرد بما أوتي وليس بما يجب أن يكون عليه الإنسان بصورة عامة.
قال تعالى في سورة المائدة: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48). والحكم لا يعني القضاء بل هو الحكم في المعارف والمسائل العلمية والعلم عند الله تعالى.
ولم أجد في القرآن أي إذن بإهانة أو إيذاء أي شخص باعتبار عقيدته ولا يوجد أي إكراه في الدين والله تعالى صادق فيما قال ونبيه أمين على رسالته ولا يمكن أن يتفوه بما ينقله عنه المحدثون.
وأما الأمر بقتال أو قتل بعض المشركين في القرآن فهو أمر خاص ضد جماعة معلومة لدى الصحابة بالاسم وليس أمرا عاما ولا مجال لمناقشته هنا. هذا حكم بالإعدام أو بالحرب فكيف يمكن أن يحكم به الله تعالى بصورة عامة؟ هل نحن حافظون على الناس أو وكلاء عليهم؟ ليس للرسول أي سلطان على الناس فكيف بنا نحن؟
ليتنا نترك هذا اليقين الأحمق بأننا خير خلق الله تعالى. المؤمن يعيش بين الخوف والرجاء ولا يعيش واثقا من دخوله الجنة. ليس هنا أية بشارة لأي حي في الدنيا بالجنة بمن فيهم رسولنا نفسه. هناك وعد مشروط لهم فقط. ليتنا لا نخادع أنفسنا ونخشى الله تعالى في عبيده.
أرجو أن يوفقنا الله تعالى لتحسين لساننا وخطابنا مع غير المسلمين لنكون دعاة حقيقيين إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ولا أظن بأن من حقنا الجدال إذ أن الخطاب القرآني فردي باسم الرسول نفسه فهو النذير ونحن لسنا نذرا فلنعرف حدودنا.
أحمد المُهري
1/1/ 2013
#تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence