المؤمنة كاترين 15- بعد العشاء 3- الربا
المؤمنة كاترين
المقطع الخامس عشر
بعد العشاء (3)
ماري:
شكرا يا كاترين على ملاحظاتك الجميلة وشكرا على دعوتك لاستمرار هذه الجلسات. بالطبع أن التي سوف تدعونا هي كاترين لأن علوي يكفيه انشغاله بتربية ولديه بعد وفاة زوجته والعم محمود يكفيه شيخوخته وما نتوقع منه من أفكار وأنا مسافرة غير مستقرة.
محمود:
لو تقتنعون بالتمر واللبن فأنا مستعد لاستضافة الجلسة القادمة، أما ما زاد عن ذلك فإني أضعف من أن أتعهد بها. ولدي حل آخر لمسألة البنوك قد يكون مقبولا لدى الجميع بمن فيهم غير المسلمين. علينا أن نقترح تشريعات مقبولة لدى الجميع ولا ننظر إلى طبقة واحدة من الملتزمين بالتشريعات الدينية.
علوي:
أنا مستعد أن أدعوكم في أحد المطاعم ولي الشرف في ذلك. ولكم الخيار في اختياره بالطبع في حدود إمكاناتي المالية. ومن الأفضل أن نبحث عن مطعم معقول يمكننا من التحدث فيه. أنا مهتم جدا بأن أستمع إلى مقترح العم محمود لحل مشكلة الربا بحيث نُرضي كل الناس بمن فيهم غير الملتزمين بالتشريع وكذلك غير المسلمين.
ماري:
لأسألكم سؤالا: ما الذي دعاكم للإعداد لمثل هذه الجلسات؟ هل هو تلذذكم بالطبخة الشهية التي برعت بها كاترين، أو ما لمستم من جمال وزينة في هذه الشقة الرائعة، أم المناقشات التي دارت بيننا بعد الأكل؟
كاترين:
بالطبع أن المناقشات وتبادل المعلومات هي التي دفعتني أنا لأن أطلب منكم الاستمرار في الجلسات.
ماري:
يعني أنكم مستعدون للاستمرار في عقد هذه الجلسات ولو غابت الضيافة والجلسة المريحة والشقة الناعمة؟
علوي:
بالطبع أننا مستعدون للتزود من العلم ولو وقوفا على أرجلنا ولكننا بشر نفضل أن نتحدث ونفكر دون أن يزعجنا الجوع والعطش أو يرهقنا التعب والوقوف والجو غير المكيف.
ماري:
هل لي أن أقترح عليكم الاكتفاء بنوع واحد من الطعام الخفيف مثل البسكويت أو التمر أو ساندويتش الجبن وبنوع واحد من الشراب مثل الماء أو الشاي أو اللبن؟ أما التكييف فإن كل البيوت في الكويت مجهزة به ويكفيكم اختيار أي بيت من بيوتكم.
محمود:
كلام جميل وأنا قد دعوتكم إلى بعض ما اقترحته ماري وهو التمر واللبن فهلا تتقبلون دعوتي المتواضعة؟
علوي:
يشرفنا ذلك ولكن كاترين بدأت بدعوة مزينة وقدمت أكلات منوعة زكية، فوجب على من ليس له عذر منا أن يكافئها بعمل دعوة مماثلة إكراما لها ولضيوفها الحاضرين والحاضرات في هذه العشية الممتعة. وبما أنني عاجز عن الإتيان بمثلها في بيتي، رأيت دعوتكم في المطعم.
ماري:
شكرا يا علوي، ولكن دعوة كاترين كانت فلتة ومن الأفضل عدم تكرارها حتى نتجنب إحراج أنفسنا كما أننا نطلب من كاترين أن تعيد نفس الجلسة بالبسكويت والشاي حتى تتلافى هذه الفلتة غير المقصودة.
كاترين:
تمت الاستعدادات للطفلين الحبيبين ولك أنت فتاة نورماندي الزائرة ثم دعي علوي بالتبع والعم محمود للتزود من علمه. ولذلك فلا داعي لانتقادي. أما مسألة دعوتكم مرة أخرى بالشاي والحليب فأنا مستعدة لحرصي الشديد على تكرار ما قيل ونوقش، ولكن هل يصح حرمان الطفلين هذين من أكلة تتناسب مع شهيتهما؟
ماري:
لم أكن لأقصد انتقادك يا كاترين، فلقد دخلت في قلبي منذ أن حادثتك على البلاج وأنت مثال للذوق والكرم والعلم وكل بيتك ينبئ عن اهتمامك بكل شيء حسن. إنني قصدت استمرار هذه الجلسات لما فيها من فوائد لنا ولغيرنا وذلك أهنأ لنا إذا امتنعنا عن تسبيب التعب والخسارة لمن سيضيفنا. ليس فينا من لا يتمتع بضيافتك البديعة المبدعة بدليل إكثارنا من الأكل على مائدتك ولكن استمرار ذلك غير محبب لنا. أما زيد ولبيد فيمكنك عمل سندوتشات خاصة بهما دون إشراكنا في ذلك.
تغلبت كاترين على بقية الدعاة واتفق الحاضرون على تكرار الجلسة بعد ثلاثة أيام في بيت كاترين على البسكويت والشاي وبعض السندوتشات للطفلين فقط.
علوي:
يا عم محمود أنا متلهف لأستمع إلى رأيك الآخر حول مسألة الربا فهل لك إلى أن تبين لنا ذلك؟
محمود:
البنوك ليست أماكن للتجارة في الواقع لأنها أُسست لحماية الأموال وليست للمخاطرة بالتجارة. فعلينا بأن نتعامل معها على أسس غير تجارية. ومن حق البنوك أن تتقاضى مبالغ مقابل الخدمات التي تقدمها للناس وما المانع أن تكون أتعاب البنوك على شكل نسب مئوية ولا سيما حينما تكبر مبالغ المعاملات. هذه النسب ليست فوائد بل هي عمولات مقابل الخدمة ومن واجب الدولة أن تعين النسب للبنوك حماية لها وتشجيعا لمن يودع فيها أمواله. وهكذا فمن حق الذين يودعون النقدية في البنوك أن يكسبوا ولا ننس بأنهم ليسوا مأمونين من الأخطار. هناك بنوك تخسر فيخسر معها أصحاب الأسهم كما يخسر المودعون.
وأما أصل المال النقدي فلنقرأ آية من آيات الربا من سورة البقرة بكل إمعان. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279). بالطبع أننا لسنا في قاعة المحاضرات لنناقش كل ما نعرفه في تفسير الآيتين الكريمتين. إنما نناقش معنى الربا في القرآن الكريم فقط. فحينما يقول سبحانه: وذروا ما بقي من الربا؛ فهو يعني بأنه سمح لهم بأن يتملكوا بعض الربا ويتركوا البعض الآخر. فما هو المسموح وما هو الممنوع؟ الآية الثانية توضح لنا بأن لكل صاحب مال أن يحتفظ بالقيمة الشرائية للنقدية وهي المعبر عنها برأس المال.
لنتحدث مستعينين بمثال تاركين البحث العلمي غير الضروري. أقرض محمد عليا في بداية العام مبلغ 1000 جنيه إسترليني. كانت قيمة الرز البسمتي في يوم الإقراض 10 جنيهات للكيلو غرام فكان المبلغ مساويا لقيمة 100 كيلو من الرز البسمتي الطيب. وفي نهاية العام حيث موعد سداد الدين ارتفع قيمة كيلو الأرز جنيها ليصبح 11 جنيها للكيلو. ذلك يعني بأن محمداً سوف يخسر 10% من القيمة الشرائية لماله. فعلى علي أن يعوضه تلك الخسارة ويرد عليه 1100 جنيه. هكذا احتفظ محمد بقيمة رأسماله ولم يخسر. وهكذا لا يظلم ولا ينظلم.
وفي يومنا هذا فإن البنوك المركزية في كل دولة تقوم بتعيين القيمة الحقيقية للنقدية بإيجاد نسبة الخسارة الطبيعية للنقد تحت مسمى سعر التضخم. إن من حق كل شخص أن يضيف سعر التضخم على المبلغ الذي يقرضه لصاحبه. هذا ربا مباح لأنه إضافة تمثل تعويض الدائن للخسارة في القيمة الشرائية للنقد.
ماري:
هل يمكن لعلوي أو كاترين أن يشرحا لنا كيفية احتساب البنوك المركزية لسعر التضخم؟
كاترين:
تفضل علوي فأنت أدرى بها مني.
علوي:
قبل بيان ذلك عندي إشكال على قول العم محمود بأن من حق البنوك أن تأخذ نسبا مئوية مقابل الخدمة التي تقدمها للناس وعلى رأسها تخزين وحماية المال من السرقة ومن التلف بأي شكل. فليس من العدل ذلك لأن البنك ينفق مبلغا معينا لحماية المال في صناديقها الخاصة بذلك وفي تحمل نفقات العمال والحرس واستهلاك المباني وبقية المصروفات. فالذي يدفعه البنك لحماية ألف جنيه إسترليني مماثل لما ينفقه في حماية مليون جنيه. فلماذا يأخذ نسبة مئوية؟
وأما عملية اكتشاف سعر التضخم فهي معقدة قليلا. إن من واجبات كل بنك مركزي أو ما في حكمه لأي بلد متحضر إيجاد سعر التضخم ليعرف الناس والدولة حقيقة قيمة النقدية المتداولة بينهم. القسم الخاص بذلك يضم مجموعة من الموظفين الذين يزورون مختلف مناطق الدولة ويسجلون قيمة السلع الأساسية التي تعينها إدارة البنك خلال شهر كامل. وفي آخر الشهر يقدمون الأسعار للبنك. وفي الشهر التالي فإن البنك يغير أماكن عمل الموظفين في مختلف مناطق الدولة؛ بمعنى أن أماكن عملهم تتغير شهريا. يجمع البنك كل الأسعار لشهر ويقارن بينها وبين الشهر التالي. ستكون هناك عادة زيادة بسيطة شهرية في حدود ربع بالمائة تقريبا. وفي نهاية السنة يجمعون المعدلات الشهرية ثم يقرر البنك بأن سعر التضخم للسنة المنتهية 3% مثلا.
العم محمود:
بالنسبة لإشكال علوي على النسبة المئوية لخدمات البنك فإنه على حق في الظاهر. لكن الحقيقة هي أن البنك يتحمل الكثير من الخسائر الاحتمالية للمال ومنها نزول قيمة الصرف بالنسبة للعملات العالمية التي يحتفظ بها البنك، وكذلك احتمالات تنزيل الدولة لقيمة النقدية أو ترفيعها أحيانا. أضف إلى ذلك أن حماية المال تتضاعف بصورة هندسية في المجموع. مثاله مثال بناء بيت من طابق واحد في مقابل بيت على نفس المكان من 20 طابقا. فقيمة البناء هناك ليست 20 مرة أكثر من الطابق الواحد بل هي أكبر بكثير من ذلك. فكلما ترتفع المباني فإن حمايتها ضد الهواء وضد الأشعة الشمسية وبقية الكوارث مثل الزلازل تتضاعف بصورة كبيرة. ولذلك فمن العدل أن نقرر نسبة مئوية لمصاريف البنك وليس مبلغا لكل ائتمان. سوف يخسر البنك إذ ذاك ويجب على القانون حماية الجميع.
وأما بالنسبة لسعر التضخم فأظن بالنتيجة أن السعر الذي يعينه البنك المركزي معقول جدا وهو غاية ما يمكن عمله لاكتشاف القيمة الشرائية الحقيقية للنقدية. وعليه فالاقتراض بين الناس لو كان مشروطا بإضافة سعر التضخم فهو ليس محرما قطعا لأن من حق صاحب المال أن يحتفظ بقيمة رأسماله كما تقول الآية الكريمة. وللبنوك أو الصيارفة عموما إضافة نسبة تعينها الدولة مقابل الخدمة التي يقدمونها. على الأجهزة المختصة أن تراعي مصاريف البنك مضافا إليها نسبة معقولة من الربح تشجيعا للمستثمرين أن يقيموا البنوك والمؤسسات المصرفية الضرورية وجودها في القطر الذي يعيشون فيه.
ماري:
حقا، إن القرآن الكريم وضح للمسلمين حقائق دقيقة وصحيحة في حياتهم العملية وهذا ما يمتاز به الدين الإسلامي. يدل ذلك أن هذا الدين سماوي غير مدسوس فيه لو اكتفى المسلمون بكتاب الله تعالى.
كان زيد ولبيد قد اختارا مكانا في غرفة نوم كاترين وناما بعد أن ملاّ من اللعب وتغلب عليهما النعاس. كاترين انتبهت أنهما غير موجودين فبحثت عنهما لتراهما في غرفة نومها فرفعتهما بيديها ووضعتهما على سريرها وغطتهما بالملحفة. قال زيد بين النوم واليقظة: شكرا يا ماما كاترين.
ازدادت كاترين حبا وإشفاقا لزيد وأخيه وتلهفت كثيرا في نفسها لأن تعيش بسرعة مع علوي. عادت كاترين إلى ضيوفها لترى العم محمود التمار متأهبا للخروج.
كاترين:
لعلك سهرت أكثر من عادتك يا عم فاستعجلت إلى الراحة والنوم؟
محمود:
هو كذلك يا ابنتي، وأشكرك كثيرا على حسن الضيافة وكرم الأخلاق وأشكر الجميع على اهتمامهم وأدبهم فقد أكلت من الخير وتزودت من العلم الذي انتشر في جلستكم الممتعة والغنية بكل شيء. وأرجو لزيد ولبيد مستقبلا باهرا منيرا كما أرجو لكم جميعا حسن العاقبة ولي ولكم الرحمة والغفران والسلام عليكم، إلى أن نلتقي يوم الاثنين في هذا المكان إن شاء الله.
الجميع شكروا العم محمود وودعوه بإصرار حتى باب العمارة.
كاترين:
وأنت يا ماري أليس من الخير أن تبقى معي هذه الأمسية ثم تعودي غدا إلى الفندق، كما إني أدعوك أن تتعشي معي كل يوم ما دمت مقيمة في الكويت.
ماري:
أما البقاء هذه الليلة فهي مقبولة وأنا شاكرة، وأما العشاء كل ليلة فلا. ستكونين طول النهار في العمل وتحتاجين إلى الراحة في الليل لا إلى الضيافة. لكنني سأزورك أحيانا أو أدعوك إلى فندقي لأن تتعشي معي.
كاترين:
فكري قليلا فلعلك توافقين على اقتراحي في الصباح الباكر، وعلى أي حال فأنا شاكرة لك على كل ما أراه منك من حسن الخصال ومن لطف المقال ومن الأدب والسيرة الكريمة.
تأهب علوي للخروج فتوجهت إليه كاترين قائلة:
كاترين:
أرجوك أن تجلس قليلا وتعطي الفرصة لنوم أكثر لزيد ولبيد. هما نائمان على سريري وأنا أكره أن أفيقهما، على أني أقترح عليك أن تبقيهما لدينا هذا المساء وتأتي في الصباح الباكر لحملهما وإرسالهما إلى الروضة.
علوي:
شكرا كاترين سوف أجلس قليلا ولكني أفضل أن آخذ زيد ولبيد معي لأني قد تعودت أن أنام بجوارهما وإيقاظهما صباحا وتهيئتهما للخروج من البيت.
ماري:
وماذا تقول كاترين التي تعيش وحيدة عدة عقود وتتمنى أن تعيش ليلة واحدة مع أبناء زميلها في العمل؟
انتبه علوي أنه لم يكن مراعيا شعور كاترين الأنثوي في التودد للأطفال فاعتذر وقبل اقتراح كاترين لإبقاء الطفلين لديها طول الليل.
جلس علوي ساعة أخرى لدى الفتاتين ثم ودعهما وتقدم إلى الباب.
لم تكن كاترين لترغب بخروج علوي كما أن علوي لم يرغب بذلك، لكن الآداب العامة والخصال الطيبة فرضت عليهما قبول المواجهة مع دعوة قلبيهما.
كاترين:
شكرا على قبولك إبقاء زيد ولبيد لدينا، وأنا أنتظرك للفطور معنا بحضور ماري.
علوي:
اعذريني من الفطور فقد أكلت الليلة أكثر من اللازم وعلي أن أصوم غدا لألا يزداد وزني. لكنني سوف أحضر في الساعة السابعة وسأجلس معكم ربع ساعة قبل أن أغادر.
يتبع: (يوم غير ما مضى من الأيام)
أحمد المُهري
13/4/2019
تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/