6 اشكالات القبنجي – اشكالات القبنجي الاخلاقية
6 اشكالات القبنجي –
ثالثا: إشكالات القبنجي الأخلاقية
القرآن كما ادعى الأخ القبنجي يدعو للإرهاب فيستحيل أن يأمر الله تعالى العادل بالإرهاب وقتل الأبرياء. معاذ الله. ثم أتى بالنماذج كالآتي:
الف:
كيف يأمر الله تعالى إبراهيم بأن يقتل ابنه؟
الجواب:
متى أمر الله تعالى إبراهيم بأن يقتل ابنه يا أخ قبنجي؟ لقد رأى إبراهيم حلما ظن معه بأن الله تعالى يأمره بأن يقتل ابنه. لو رأيت أنا نفس الحلم اليوم بعد أكثر من 45 قرنا من عصر إبراهيم فسوف لا أهتم بذلك الحلم لأني اليوم متطور وأعرف بأن الله تعالى لا يمكن أن يأمر بالأمور السلبية، وقتل الابن أمر سلبي دون شك. ولو كان النبي محمد قد رأى الحلم بعد 30 قرنا من عصر إبراهيم عليهما السلام فما أظنه سيكون مكترثا بالحلم وسيعتبره من عمل الشيطان لأنه آنذاك كان يعرف أيضا بأن الله سبحانه لا يأمر بالأمور السلبية. كلما في الأمر أن الله تعالى نظر إلى كيفية تعامل إبراهيم وإسماعيل مع منامه واستعدادهما لطاعة ربهما فأكرمهما ورفع ذكرهما بعد أن أبديا استعدادهما الكامل للقيام بكل ما يلزم في نظرهما لتحقيق الطاعة والانصياع لله تعالى. فالله تعالى في الحقيقة منع إبراهيم من القتل ولم يأمر، وذكر سبحانه منعه في القرآن ولم يقل أبدا بأنه أرى إبراهيم في المنام مثلا.
باء:
قال بعد ذلك: كيف قتل الخضر الغلام البريء؟ هذا قصاص قبل الجناية وهو غير مناسب لشأن الله تعالى. ثم أضاف من عنده: هذا الإله الذي يأمر بالقتل فهو يمكن أن يأمر بالزنا واللواط لأنهما أقل إجراما من القتل. معاذ الله.
أقول:
بالطبع أن العبد الذي آتاه الله علما والذي يسمونه خضراً أو النبي خضر – وهو ادعاء لا دليل عليه إذ لا ذكر له في القرآن- شخصية وهمية من صنع الأفاكين الذين كذبوا على رسولنا الأمين. ليس لأحد بمن فيهم الرسول نفسه أن يعلم عنه شيئا في عصر صدر الإسلام والقصة كما هو واضح قد وقعت قبلهم بحوالي ألفي عام.
عموما لا يمكن أن يكون القاتل إنسانا أبدا. ذلك لأن الأعمال التي عملها كانت فوق قدرة البشر. فأنى لإنسان أن يقيم جدارا يريد أن ينقض؟ وأنى لإنسان أن يخرق سفينة دون صوت ويحسب بكل دقة مقدار الفتحة والمسافة التي سيطوونها حتى يصلوا إلى الملك الظالم دون أن تمتلئ السفينة بالماء ودون أن تغرق؟ أغلب الظن بأنه كان ملكا تمثل لموسى وفتاه بصورة إنسان ليأنسا به بأمر الله تعالى. وحينما وصلا للمكان الثالث استطعما أهلها كما قال القرآن ولم يقل استطعموا وهم ثلاثة في الواقع. لكن الدور لموسى والفتى ساكت طيلة الطريق. لكن للفتى دور حين الأكل باعتباره إنسانا يجوع. ولعلك تعلم بأن الله تعالى يقتل متى ما شاء وأراد. ذلك لأن القتل عنده لا يعني إزالة الحياة كما هو عند البشر بل يعني نقل المرء من حياة إلى حياة أخرى. فليس القتل سلبيا بالنسبة لله تعالى وليس عذابا أو جزاء. إنه جزء من حركة الطبيعة والطبيعة كلها من أمر الله تعالى. ولا نعرف كيف قتل ذلك العبد الغلام؟ فلعله أمر الملك الذي مع الغلام نفسه بأن ينقل نفسه من البدن إلى البرزخ فما فتح الغلام عينيه إلا وهو خارج الحياة الدنيا. وهذا لا يعني بأن الغلام سيدخل النار بل يعني ما قاله الله تعالى فقط وهو أن يزول خشية إرهاق أبويه بالكفر والطغيان.
ومن الطبيعي أن يقدر الله تعالى الموت والدمار لمن شاء دون أن يكون الموت عقابا لأحد. لو كان ذلك عيبا على الله تعالى فإن كل موت عيب عليه وهناك أعداد كبيرة من الناس يموتون يوميا بتقدير رب العالمين وبأمره.
جيم:
اعترض القبنجي على العذاب النازل على قوم ثمود. تصور هو القضية بأن عصابة من اللصوص وجدوا ناقة فقتلوها وأكلوا لحمها ليقضوا على الجوع فغضب ربُّ العالمين على المدينة كلها وجعل عاليها سافلها عقابا لهم على عمل لم يأتوا به بل أتى به رهط قليل. حتى ولو كان الجزاء صحيحا فكان على الله تعالى أن يقتل العصابة فقط التي استمتعت بأكل لحم الناقة وليس كل الأمة بأسرها!.
أقول:
هذا هو إشكال القبنجي. وهو تصور غير صحيح عن المعنى فقد أضاف هو من عنده قصة الرهط باعتبار ذكر الله تعالى لكلمة الرهط في القصة القرآنية.
وملخص القصة كما نعرفه من القرآن أن قوم صالح لم يؤمنوا برسالة رسولهم وبعد فترة طويلة من النصح والاستدلال نشط الله تعالى ناقة لتحمل الطاقة الإلهية القوية التي تساعدها على تبخير كل ما زاد على حاجتها من ماء من بدنها، فقد كانت الناقة تشرب كل مياه المدينة يوما والأمة تشرب في اليوم الثاني وهكذا. وقال لهم صالح بأنها ناقة الله بمعنى أنها الناقة التي تحمل طاقة ربها. وأوصاهم بها ولكنهم اتفقوا على عقرها ولم يكرموا ربهم الذي حمَل الناقة طاقة منه تعالى. بالطبع أن الذي عقرها هو شخص واحد ولكنهم جميعا رضوا بفعله.
وأما قصة الرهط التسعة فهم الذين نووا قتل صالح ولم يقل الله تعالى بأنهم هم الذين عقروا الناقة. قال تعالى قصتهم في سورة النمل:
وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49).
فمكر الله تعالى بهم وأرسل الناقة وعقروها فدمرهم جميعا. أما المؤمنون فقد أنجاهم الله تعالى. قال سبحانه في سورة هود:
فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66).
وأما الأطفال فلعلهم ماتوا جميعا وليس ذلك عيبا على الله تعالى كما أوضحت سابقا. لعل ذلك من الخير لهم لأنهم لو كانوا بقوا على قيد الحياة لصاروا مثل آبائهم ولكنهم ماتوا تحت السانحة الطبيعية قبل أن يكملوا مدة اختبارهم فسيدخلون الجنة دون شك. والكثير من شبابهم سيدخل الجنة احتمالا فسيبتهجون بها ولكن ما هو عقاب الذين يستهزؤون بكتاب الله تعالى؟ فاتق الله أخي ولا تفرط بآخرتك.
دال:
قال القبنجي: أنت تقول: لكم دينكم ولي دين، فلماذا الأمر بالقتل والغزو؟ اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم…. هذا إخضاع بالقوة.
أظن بأنك لم تقرأ الآيات الكريمة بدقة واكتفيت بمقولة المجرمين الإرهابيين الذين استشهدوا بمقطع من آية ضمن سورة خاصة تحذيرية لأناس معلومين بالاسم. هؤلاء أرادوا تبرير إجرامهم وظلمهم فاستندوا إلى مقطع من آية لا تخصهم أصلا. فهل نلوم القرآن أم نلومهم هم؟ دعنا نقرأ بداية سورة التوبة لغاية الآية 12. لعلنا لا نحتاج بعد ذلك إلى من يفسر لنا، فالآيات واضحة بأنها تدعو لدفع إجرام قوم لم يتخلوا عن القسوة حتى بعد سيطرة الرسول على السلطة. قال سبحانه:
بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (9) لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12).
تتحدث الآية الأولى عن أناس معلومين من المشركين ممن وقَّعوا عهودا مع المسلمين. فكلمة المشركين الواردة في الآيات تشير إليهم دون غيرهم ممن لم ينقصوهم شيئا والذين أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بأن يتموا عهدهم إلى مدتهم.
عليه فالحديث عن أناس من المشركين نكثوا العهد المبرم مع المسلمين. ورغم ذلك فإن الآيات تشير الى أخذهم إن قاموا بعمليات ضد المسلمين لأن الله سبحانه لم يقل: ادخلوا بيوتهم وأمسكوا بهم بل سمح لهم بأن يؤدوا الحج على طريقتهم وسماه الحج الأكبر. والمؤرخون يقولون بأنهم كانوا يحجون عراة فيحج رجالهم بالنهار ونساؤهم بالليل. لكن الله تعالى أمر المسلمين ألا يفرقوا بين الرجال والنساء؛ فتصور كم كان المسلمون في حرج حينما يطوفون ونساءهم مع رجال عراة من المشركين في وضح النهار؟! والله سبحانه وتعالى لم يأمر بقتلهم فورا بل بأخذهم وحصرهم لعلهم يتوبوا ويقيموا الصلاة فيخلون سبيلهم. إن جملة “واقعدوا لهم كل مرصد” تعني بأن يترصدوا لهم ليأخذوهم بالجرم المشهود. والترصد كما قال علماء اللغة تعني الاستعداد والترقب.
والحكم النهائي بالنسبة لعامة المشركين موضح في الآية الأخيرة بأن يلاحظوا نكثهم لعهدهم وطعنهم في دين الناس. وأمَرَ بقتالهم لعلهم يردعون وينتهون. والقتال لا يعني القتل بل يعني إيذاءهم حتى يتركوا إيذاء المسلمين. كل ذلك بعد أن قتل المشركون من قتلوا من المسلمين طيلة عقد كامل وآذوهم وصادروا أموالهم ومنعوهم من الحج إلى آخر ما فعلوا .
وبعد أن ذكر الله تعالى ما فعله المشركون بالمؤمنين عاد إليهم مرة أخرى بقوله الكريم:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28).
وهذا يعني أنه سبحانه منع المشركين الذين لم يقوموا بأعمال إرهابية من دخول المسجد فقط باعتبار أنهم نجس ولكن سمح لهم بأن يحجوا العام كله. والحديث كله عن المشركين المعلومين الذين حاربوهم وعاهدوهم ونكثوا عهودهم وليس عن كل المشركين. ولعل النجاسة إشارة إلى قبيح حالتهم حين الطواف. وليست النجاسة كما قاله بعض الفقهاء بأن كل المشركين نجسون يجب تطهير اليد إذا مستهم. هذا خطأ لأنه سبحانه وضح حكم هذه النجاسة بألا يقربوا المسجد الحرام بعد انتهاء السنة وليس بتطهير اليد كما قالوا سامحهم الله تعالى.
وأما الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب فإنه سبحانه سمح لهم بالإقامة الدائمة في مكة وأمر بأخذ الضريبة منهم بالقوة الجبرية إن لم يدفعوها طوعا. قال سبحانه بعد الآية السابقة:
قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29).
بالطبع أن رأيي التفسيري للجملة الكريمة: إنما المشركون نجس هو غير ما قلته أعلاه ردا على الأخ القبنجي. فالنجس والرجس عندي بمعنى توقف الحركة التطورية وليس بمعنى القذارة كما قال المفسرون ولكن لا مجال لذكر الموضوع هنا وأردت أن أجاري الفهم البدائي للمفسرين الكرام ولأخينا القبنجي فقط.
أخي الفاضل: إن حكاية الآيات كلها حكاية مجموعة خاصة من المشركين ومشار إليهم في بداية السورة بالذين عاهدوا. أنت تعرف معنى “الذين” بأنها كلمة تشير إلى أشخاص موجودين أو معلومين ولو كان المقصود كل من أشرك لاستعمل “مَن” بدل “الذين”. فالخطاب ليس عاما والمأمورون ليسوا كل المسلمين بل هم صحابة رسول الله وحدهم وفي حضور الرسول. ذلك لأن العهود كلها كانت موقعة مع الرسول نفسه وباعتباره الشخصي وليس باعتباره رسول الله. أنت تعلم بأن المشركين ما كانوا يرضون بغير ذلك. إن الله تعالى أراد أن يعين مكانا جغرافيا للديانتين العالميتين ليختبر البشر بهما، وهما اليهودية والإسلام. وليس هناك نبي قبل موسى كان مأمورا بالقتال. أما الذين قاتلوا بعد موسى فلأن قوم موسى رفضوا دخول الأرض المقدسة التي كتب الله لهم فسمح لهم بالقتال على يد طالوت وداود ونبي بينهم. حتى سليمان كان يهدد لغرض آخر ولم يذكر القرآن له قتالا أبدا. لا إكراه في الدين عند الله تعالى. وأما عذاب أقوام الأنبياء فلسبب آخر وليس هناك أي حرب أو قتال. حتى موسى كان مأمورا فقط بفتح القدس. وقد درست من خلال القرآن كل الحروب المذكورة في القرآن فرأيتها جميعا تعد المسلمين لفتح مكة وليس لغرض آخر. لكن من كتبوا التاريخ جعلوا التاريخ يبدو كذابا أشرا.
ثم إنك تعرضت لغزوات النبي. وهي أمور ليس عليها دليل ومن المرجح أنها افتراءات لا أصل لها. فالله سبحانه وتعالى لم يأذن للنبي محمد بإعلان القتال أبدا من تلقاء نفسه. كل الحروب كانت بأمر مباشر من الله تعالى. اقرأ هذه الآية من نفس سورة التوبة:
وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ (86).
فهناك سور تأتي من الله تعالى وتأمره بالقتال. وكل القتال في الواقع دفاعي ولم يكن هناك أية غزوات. إنما الخلفاء العباسيون وبعض الأمويين اختلقوا هذه الغزوات لتبرير حروبهم ضد الآمنين باسم الفتوحات الإسلامية وهي كلها حروب بربرية محرمة دون شك. ليس هناك أي نبي مأذون بالحرب عامة وليس هناك مَلِك معين مأذون بذلك.
اقرأ هذه الآية من سورة البقرة عن بني إسرائيل:
وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246).
فترى بأن ليس هناك فرقا بين بني إسرائيل وقوم محمد بوجوب الرجوع إلى نبي يطلب من ربه الإذن بالقتال في قضية خاصة وليست بصورة عامة. قال تعالى في سورة محمد:
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20). واقرأ قوله سبحانه في سورة الحج: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40).
لكن الملوك المجرمين يكذبون على الله والرسول. تصور بأن المجازر التي يذكرونها لرسول الله مثل قتل مئات من بني قريضة، لو كانت حقيقية لما بقي حول رسول الله أحد. إنه عليه السلام كان يحب المشركين والمسيحيين واليهود ويتألم لمستقبل أمرهم مع ربهم، فكيف يقوم بقتلهم؟
وأما قول الأخ القبنجي: بأن الغزوات تورث الأحقاد واستشهاده بقتل الحسين بن علي جراء أحقاد الذين قتل آباؤهم فهو قول غير مستدل برأيي.
إن أية مواجهة دموية أو غير دموية تورث الأحقاد بالطبع ولكن هناك حروب لا يمكن تلافيها ويجب تحمل تبعاتها. فالذي ينقل عن يزيد بن معاوية – وأنا في شك منه طبعا – بأن يزيداً قال عند تقديم رأس الحسين عليه السلام إليه: ليت أشياخي ببدر شهدوا… أشار يزيد إلى بدر فقط وليس غير بدر. وهل كانت هناك إمكانية لدفع بدر وتفاديها؟
لو تقرأ القرآن سترى بأن حرب بدر كانت ضرورية جدا ولولاها لما استيقن المسلمون بصحة الرسالة. أما تعلم بأن نبينا لم يحمل إمكانيات المعاجز كموسى وعيسى والناس يلومونه من بعيد وينظرون إليه نظرات خاصة من قريب. علاوة على الأسباب الأخرى، فلولا بدر فلعل الإسلام التطبيقي كان يبقى على ضعفه الأول. ألا ترى بأن كل الذين اتبعوا نوحا وإبراهيم وهوداً وصالحا قد انقرضوا. أما المسيح فإنه كان يحمل القوة الإعجازية وقد حشر بين اليهود الذين هم على دين موسى ولم يغير شيئا إلا بعض الأحكام القاسية التي سهلها بأمر الله تعالى. فهو في الواقع لم يبن دينا جديدا ودينه امتداد لليهودية. ولكن اليهودية تقوت بقسوة فرعون وبخروجهم من مصر ثم بحروب داوود وضغوط سليمان. هذه طبيعة الحياة الدنيا والله يريد أن يجعل للمسلمين مكانا جغرافيا ويعطيهم القوة فلم يكن هناك بد إلا التعرض لمن ظلمهم ليثبتوا وجودهم. كانت الحروب بما نعرفه من القرآن الكريم مؤقتة ومحدودة وليس في الكتاب الكريم أي أمر بمواصلة الحروب أو الفتوحات ولكن الملوك الذين أتوا فيما بعد كذبوا وأتوا بقرآن آخر باسم السنة التي كتبوها بأيديهم وبوحي من شهواتهم ليجاروا بها القرآن العظيم مع الأسف بل ليجعلوا كفتها هي الراجحة.
قال تعالى في سورة الأنفال: وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62). فالحروب دفاعية محدودة بأن يطلب العدو الصلح وبه تنتهي الحرب ولا يجوز للرسول أن يستمر في الحرب.
هاء: قال الأخ القبنجي بأن الله تعالى مطلق وليس له مكان ولا يحدد بالزمان. لكن الله في القرآن كائن فيزيائي له عرش، وقد زاره محمد ليلة المعراج ورأى عرشه؛ والعياذ بالله. ثم أردف، أليس الله جالسا في قلبك فلماذا تعرج إلى السماوات يا محمد. وأضاف بأن قضية المعراج تجسيد واضح لله تعالى.
وأتساءل أنا أو أسأل: أين قال الله تعالى بأنه جالس على العرش أو أنه اتخذ لنفسه عرشا فيزيائيا في مكان ما في الكون؟ أنا أعيش مع القرآن منذ سنوات ولم أجد شيئا من هذا النوع في الكتاب الكريم.
ثم متى قال الله تعالى بأن هناك معراج أصلا فضلا عن أن يكون قد استقبل محمدا أم لم يستقبله في عرشه؟ هذه كذبة أموية لا أصل لها في القرآن الكريم. لقد نسبت أخي أمرين غير صحيحين إلى القرآن ولكني سأرد عليهما إكراما لك ولعلي أزيل بذلك بعض الشكوك عن قلبك وقلب مريديك بإذن الله تعالى.
فأما العرش فباختصار دعنا نستعرض كل الآيات التي وردت فيها كلمة العرش منسوباً إلى الله تعالى وهي 21 آية وأضفت إليها في النهاية آية الكرسي وهي بمعنى العرش أيضا.
1. سورة الأعراف: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54).
2. سورة التوبة: فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129).
3. سورة يونس. إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (3).
4. سورة هود: وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (7).
5. سورة الرعد: اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2).
6. سورة الإسراء: قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43).
7. سورة طه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6).
8. سورة الأنبياء: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23).
9. سورة المؤمنون: قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88).
10. سورة المؤمنون: فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116).
11. سورة الفرقان: الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59).
12. سورة النمل: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26).
13. سورة السجدة: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4).
14. سورة الزمر: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75).
15. سورة غافر: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7).
16. سورة غافر: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15).
17. سورة الزخرف: سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82).
18. سورة الحديد: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (5).
19. سورة الحاقة: وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17).
20. سورة التكوير: ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20).
21. سورة البروج: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (16).
22. سورة البقرة: اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255).
وبتحليل بسيط نصل إلى النتائج التالية:
1. ليس هناك أي خطاب ألوهي للعرش بل يقول سبحانه دائما رب العرش. ولا يوجد في القرآن أي حديث عن خلق العرش بل كل الحديث عن الاستواء على العرش وليس الجلوس عليه. والاستواء تعني السيطرة ولا تعني الجلوس حتى لو استعملنا الكلمة للإنسان. فحينما نجلس على ظهر الدابة نسيطر عليها سيطرة كاملة ولذلك نسميها استواء عليها. والربوبية معناها ملاحظة كل الكائنات لمساعدتها عند الحاجة والضرورة ولتدبير أمورها. والاستواء على العرش أو السيطرة الإدارية على الكائنات شأن ربوبي وليس شأنا ألوهيا.
2. يقول سبحانه في الآية الأولى من المجموعة أعلاه: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54). فخلق السماوات والأرض في ستة أيام وهو الزمن الطويل الطويل الذي تم فيه تحقيق الكرات الصلبة. فالأيام الستة كما نعرفها من القرآن نفسه هو يوم توجيه الدخان المتصاعد من الانفجار الثاني وهو انفجار البحر العظيم من المواد الكيماوية بعد الانفجار الكوني الأول. فتمكن ربنا العظيم من بلورة الغازات وتجميعها في مجموعات غازية نسمي كلا منها السديم ويسميها الله تعالى في القرآن بالذاريات. وفي اليوم الثاني وهو يوم طويل أيضا بمعنى بلايين السنين كما نعدها نحن، نشط الله تعالى هذه المجموعات أو السُدُم واحدة تلو الأخرى لتشكل المجرات ويسميها في القرآن بالحاملات. وفي اليوم الثالث تم تنشيط مجموعات غازية صغيرة أو سُدُم صغيرة داخل المجرات لتشكيل النجوم. وفي اليوم الرابع تشكلت النجوم داخل كل مجرة نجمة بعد نجمة وسماها الجاريات إثر تفاعل تلك السُدُم الصغيرة مع بعضها. وفي اليوم الخامس تم فصل مجموعات غازية اصغر مما سبق من كل شمس أو نجم تمهيدا لتشكيل القطع الصلبة. وبعد التفاعلات الكبيرة في هذه المجموعات الصغيرة تم توجيه بعضها لتكون أراض يسكنها الأحياء في كل شمس أو كل نجمة قابلة لأن تكون شمسا ويسمي الزمان الذي تم فيه هذه التفاعلات طيلة بلايين من سنينا نحن يوما هو اليوم السادس الذي تكون فيه الأراضي السكنية واحدة تلو الأخرى وسماها المقسمات أو المدبرات. والتسمية باعتبار أن الأراضي متضمنة لأرزاق الناس بشكل يحتاج معه الناس إلى بعضهم البعض فالشرقي يحتاج إلى الغربي ويتبادل كل منهما الحاجة مع الذين يعيشون حول خط الاستواء. كل ذلك ليتم اختبارهم في جو معقول. فبعد ذلك صارت الأماكن المنتهية إعدادها قابلة لأن يتحكم الله تعالى فيها فاستوى سبحانه على عرش الحكم. ويقول سبحانه في نهاية الآية: له الخلق والأمر. فالخلق كما قلنا والأمر هو تمكنه من فرض سيطرته على هذه الكائنات المعدة لاستقبال البشر بعد إعدادها. فسبحان الله تعالى والعلم عنده.
3. هناك حديث في تلك الآيات عن حمل الملائكة للعرش. هذا العرش هو مجموع السماوات والأرض كما قال سبحانه في الآية الأخيرة: وسع كرسيه السماوات والأرض. والكرسي معناه العرش الفيزيائي أي مكان الحكم. فمكان حكمه هو كل الكون الذي يعبر عنه بالكرسي وأحيانا بالعرش أيضا. إن الجاذبية تنظم دوران النجوم حول محاورها وحول بقية النجوم وحول مراكز المجرات وتنظم دوران المجرات في الفضاء المهيب (كل في فلك يسبحون). لكن حواف الكون لا تساعد الكواكب أو النجوم الجانبية على الاستقرار لأن جانبا كبيرا منها لا تتبادل الجاذبية مع كوكب آخر. ولذلك فقد قدر الله تعالى قبل خلق السماوات قبة كبيرة تتوسع شيئا فشيئا لتحيط الكون المهيب وتبادل الجاذبية في جوانب الكواكب الواقعة على اطراف الكون. هذه القبة بنفسها تستقر بالتجاذب مع المجرات التي تحتضنها ولكنها لا تستقر في أطرافها فتحتاج إلى تبادل جاذبي من الخارج. هناك ينتهي دور الفيزياء ويبدأ دور المتافيزيق. فالملائكة تبادل القبة الكونية الجاذبية من الخارج. هذه القبة ليست مضيئة مثل النجوم والمجرات وإلا كنا رأينا قبة مضيئة حول الكون (وهذا هو استدلال ستيفين هوكنز لرفض الكون غير المتناهي) وليست من القطع الصلبة التي تعكس الضوء والإشعاع ولكنها مصنوعة من الماء. والماء يُصنع في أطراف النجوم بكميات هائلة فيصعد كل ما لا تحتاج إليها الأماكن السكنية إلى السماء المحيط لتساعدها على التوسع الضروري للحركة الإبتعادية السريعة للكواكب بالاتجاه المعاكس لمركز الكون، والعلم عند ربي.
4. لو تقرأ الآية 18 من المجموعة: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (5). سترى بأن الله تعالى يوضح فيها كيفية سيطرته على عرش الحكم وتفاعلاته الطاقوية مع الكرات الأرضية الصلبة المعدة للحياة فيتم له الملك وتعود الأمور بالضرورة إليه إشعارا بأن كل الكائنات سوف تستمر بالشعور بالحاجة إلى الرب العظيم أو تعود في دورانها إلى الطاقة الربوبية التي تحتاج إليها دائما وأبدا. والعلم عند العليم الخبير.
لكن الأخ القبنجي كغيره قد خلط بين مقولات الكتاب المقدس وبين القرآن. فالعرش هناك كرسي يجلس عليه الله تعالى، سبحانه وتعالى عن ذلك. وأما كتبنا البشرية فقد نقلت هذه الخزعبلات من العهدين القديمين المحرفين واستفادت منها لسد الثغرات التي عجزوا عن سدها.
من الأفضل أن نعلم بأن رسول الله عليه السلام كان يجهل الكثير من مفاهيم القرآن وهو واحد من الراسخين في العلم الذين يقولون: آمنا به كل من عند ربنا. وأنا أقول ذلك وأحمد ربي على ما فتح علي وعلى زملائي في جلسات التفسير اللندنية ما يزيدنا علما بكتاب ربنا فيزيدنا إيمانا بربنا الكريم الرحيم. لا زال هناك الكثير الكثير من المجهولات القرآنية أمامنا ونتمنى أن نتعلمها شيئا فشيئا حسب تقدير ومشيئة الرب الحكيم.
وأما اعتراض الأخ القبنجي على قضية المعراج، وهو اعتراض صحيح في محله. ولكن الله تعالى في القرآن الكريم لم يتحدث أبدا عن المعراج بل تحدث عن الإسراء فقط. والإسراء عبارة عن نقل إنسان من مكة إلى القدس في ليلة ليرى بعض آيات ربه ثم إعادته إلى مكة. هذا الأمر ليس صعبا أبدا ونحن اليوم يمكن أن نقوم به لو شئنا دون صعوبة. هذه القصة مذكورة في بداية سورة الإسراء وضمن آية واحدة فقط. والله تعالى في نفس السورة ينفي إمكانية عروج النبي إلى السماوات العلا. قال سبحانه في سورة الإسراء: وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً (93). وينفي إمكانية العروج إلى السماوات في عدد آخر من الآيات الكريمة. ولقد كتبت عن فرية المعراج مقالا مفصلا تجدونه في موقعي الفكري. وعنوان الموضوع هو:
يتبع
احمد المُهري
#تطوير_الفقه_الاسلامي