الفتوحات البربرية المشينة
الفتوحات البربرية المشينة
إن أخي عبد السلام في تعليقه على مقالتين للأخ حسين الوادعي أبدى اهتماما واضحا بمحتوى التعاليم القرآنية. لم يهتم سيادته بالأشخاص بقدر اهتمامه بالمواضيع. إنه على حق فمن الخير للمسلمين بل لكل أتباع الأديان السماوية أن يتخلوا عن البشر ويتمسكوا بخالق البشر. لا قيمة لما فعله إنسان طيب قبل أربعة عشر قرنا باجتهاده أو باتباعه لحديث منسوب إلى الرسل الكرام أو إلى رسولنا الكريم. نحن لا يمكننا اليوم بصورة مطلقة أن نتعرف على ما فعله رسولنا أو ما قاله عدا ما ورثناه أبا عن جد من عبادات معروفة متفق عليها تقريبا. فلا ضير أبدا بأن يقرأ أحد سورة كاملة بعد الحمد أو يكتفي بآية قرآنية فهي لا تغير مفاهيم الحياة كما لا تؤثر في الإيمان بالله تعالى ولا في الإيمان باللقاء مع الله تعالى.
لكن دخول بيوت الآمنين من خلق الله تعالى بحجة الفتوحات الإسلامية هو عمل بربري مشين تجلب العار في الدنيا والخزي يوم الحساب كما تسلب من الناس رضوان ربهم لأنه سبحانه أمر بالعدل والإحسان ولم يأمر بدخول بيوت الناس كما أمر سبحانه بحرية التدين ولم يأمر أبدا بفرض الدين. مشكلتنا يوم القيامة بأن الله تعالى يحاسبنا بما في ضمائرنا سواء قمنا بتنفيذ ما نريد أو عجزنا عن تنفيذه. قال تعالى في سورة آل عمران مشيرا إلى بني إسرائيل: الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (183). هناك فترة ستة قرون بين آخر رسول بشري قبل رسولنا وهو المسيح عليه السلام وبين رسولنا عليه السلام فكيف يوجه الرسول تهمة قتل الرسل إلى الحاضرين أمامه من بني إسرائيل؟ إنهم لم يقتلوا نبيا إطلاقا.
وللعلم فليس هناك نبي مقتول لأن الله تعالى قال في سورة الصافات: وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181). فكل الرسل مشمولون بالسلام ممن أرسلهم جل جلاله. كل ما قيل عن القتل الفعلي للرسل مجرد أكاذيب. هناك رسول واحد حاول بعض اليهود من بني إسرائيل أن يعرضوه للموت على يد الحاكمين وهو المسيح عليه السلام وظنوا فعلا بأنه قتل والله تعالى رفض ذلك وكذبهم في سورة النساء: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157). فهم لم يقتلوا المسيح لأنه رسول الله طبعا ولكنهم رضوا بقتله أبا عن جد. فالحا ضرون أمام رسولنا كانوا راضين بقتل المسيح الذي لم يُقتل ولذلك اعتبرهم الله تعالى قتلة الرسل ليعاقبهم يوم القيامة بأنهم قتلة رسل السماء.
فلو ابتغينا جازمين أن نتوقى العقاب يوم الحساب؛ عقاب لا ينحصر على ما فعلناه فعلا بل يعم كل ما أردنا أن نفعله سواء فعلنا أم لم نفعل لأننا لم نكن قادرين أن نفعل أم رضينا على من فعل فعلينا ألا نريد إلا الخير والسلام لغيرنا ونرفض كل من جاء بالسيئة أو بدل أمن عبيد الله خوفا. محاسبة يوم القيامة نفسية وليست عملية بالكامل ولكن الأعمال دلائل على النوايا الجازمة فقط. والله تعالى قادر على أن يبلي السرائر فلا حاجة له سبحانه على إظهار دليل ملموس على فعلية العمل بالنوايا. قال تعالى في سورة القصص: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83). فلم يقل سبحانه للذين لا يعلون في الأرض؛ بل للذين لا يريدون ذلك. كما لم يقل لا يفسدون بل قال لا يريدون فسادا في الأرض. فالتقوى يجب أن تشمل الإرادة والعمل ولا يكفي بأن نتقي من العمل. هناك من يحب السيئات ولكنه يخشى منها فهو مع الذين يعملون السيئات يوم القيامة. الحساب هناك عسير وليس سهلا.
دعنا نتصور وقوفنا جميعا أمام الله تعالى يوم الحساب. تعلمون بأننا سنقف مع كل الذين سبقونا وكل الذين يأتون بعدنا بمختلف أديانهم وألسنتهم وأعمالهم. قال تعالى في سورة المرسلات: هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ (38). وقال سبحانه في سورة الحج: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17). وقال تعالى في سورة الأنعام: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (165). نحن خلائف الله تعالى في الأرض باعتبار أن الإرادة التي منحناها الله تعالى فهي خاصته ولذلك فنحن نخلفه في أن نريد ما نشاء بصورة مؤقتة وجزئية طبعا. هناك درجات طبيعية متباينة بيننا بسبب تقديراته سبحانه وليس بسبب سعينا. كل ذلك لهدف سماوي محدد هو أن يختبرنا فيما آتانا. فنحن نريد ونحن نملك بعض القدرات وهو سبحانه يريد أن يرانا كيف نعمل.
قال موسى لقومه ردا على اعتراضهم كما في سورة الأعراف: قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129). هذه هي سنة الله تعالى في الحياة الدنيا بالنسبة للمكلفين وفي أرضنا فالمكلفون هم الجن والإنس كما يبدو لا غير. إنه جل شأنه يختبرنا فيما آتانا ولا يختبرنا فيما لم يؤتنا. فمن الطبيعي أن ينظر إلى الذين ولدوا في الصين وكذلك أوروبا نظرة أقل دقة وأكثر تعاطفا من نظرته العادلة إلى الذين ولدوا عربا ولا سيما الذين ولدوا مسلمين. القرآن بالنسبة لنا جزء من كياننا الدنيوي ولغته لغتنا فنحن أكثر مسؤولية من الذين لا يفقهون العربية ولم يلدوا في بلاد العرب والمسلمين.
من هذا البحث المختصر والمقتضب يمكننا أن نقبل بأن الله تعالى لن يساعد أحدا لأنه ابن رسول من رسله أو لأنه من أهل مكة والمدينة أو لأنه من سلالة الرسول أو لأنه عربي أو لأنه شيعي أو سني أو درزي أو زيدي أو كيساني إلى ما إلى ذلك من طوائف مختلفة صنعتها أيادي غير نظيفة مع الأسف ونسبوها إلى الطيبين ليتقووا بها. كل الناس ومعهم كل أفراد الجن من كل أنواعهم بلا استثناء سواسية أمام الديان العظيم يوم الدين. ومسؤولية الذين وهبهم ما يساعدهم أكبر بكثير من الذين ولدوا محرومين. فالعبرة في النهاية هي في سعي كل فرد وليس فيما ورثه. قال تعالى في سورة النجم: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40).
وكم هو صعب يوم الحساب على الذين لم يأتوا بالسيئات ولكن الله تعالى يدخلهم النار لأنهم رضوا بما فعله غيرهم؟ أليس خزيا أمام ربنا بأن يحكم علينا الديان ضمن موازين القسط الدقيقة بالنار لمجرد أننا رضينا بما أسميناها الفتوحات الإسلامية ظلما وعدوانا. ولذلك اشهدوا لي بأنني ألعن كل الذين دخلوا بيوت الآمنين من عبيد الرحمن بأي حجة وبأي عذر فقتلوا وسلبوا ونهبوا واعتدوا على الأعراض. اللهم العنهم لعنا وبيلا وعذبهم عذابا أليما ولا تحشرنا معهم يوم الدين. إنني باعتبار احترامي وحبي للخلفاء الراشدين فإنني أكذب التاريخ إكراما لهم ولكنني لا أكذب تاريخ بني أمية ولا بني العباس ولا الفاطميين ولا بني عثمان وكل الظالمين المجرمين لعنهم الله جميعا.
تحياتي لمن اطلع على هذا.
أحمد المُهري
4/12/2018
تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/
ان كان لديكم الرغبة في الانضمام لمجموعة النقاش في المركز برجاء ارسال بريد الى :
او الاشتراك في المجموعة
https://groups.google.com/forum/?hl=ar#!forum/islamjurisdev