النبي المعلوم وتعليق السيد عبدالسلام المياحي
الحمد لله رب العالمين ان رجع إلينا اخونا العزيز الشيخ المهري مشافى معافى بعد وعكة صحية شديدة ألمت به وكانت قد اجلسته عن نشاطه المعهود في خدمة كتاب الله. جزاه الله خير الجزاء عنا وعن كل من ينتفع بعلمه الى يوم الدين.
الحمد لله على عودة نشاط المخلصين الى المركز بعد رحيل فقدينا وأستاذنا الغالي مدير المركز رحمة الله الدائمة عليه وعلينا جميعا.
اولا انا اشعر بسعادة كلما قرأت للأخ الكريم حسين الوادعي خصوصا وهو يتعرض لهموم أمتنا من زوايا مهمة وحساسة وجريئة . فما تفضل به سيادته مقبول تماما ومرحب به في ساحة النقد العلمي بعد كل هذا التدهور والانحطاط لدى العرب خصوصا والمسلمين عموما خلال الأربعة عشر القرن التي مضت على التزيل العظيم للقران الكريم على من هو على خلق عظيم. هنا أحب ان اركز على نقطة مهمة ليست خافية عليكم وهي اننا في المركز لربما نهتم بأمرين أساسيين الاول أمر يتعلق باحسن فهم ممكن للقران بعد تم هجره ولا يزال مهجورا لدى المسلمين العرب والامر الاخر هو نقد التراث الديني الذي شكل ولا يزال يشكل جملة المفاهيم المغلوطة لدى المسلمين ، كما لا أشك مطلقا باننا جميعا نلتقي على هدف مركزي وهو الاصلاح الذي لا يختلف عليه انسان. كأن لسان حال هؤلاء المنتقدين كما أظن – كتاب “الشخصية المحمدية” لمعروف الرصافي
– كتاب ” تاريخية الدعوة المحمدية” لهشام جعيط- وكتاب ” فترة التكوين في حياة الصادق الأمين ” لخليل عبد الكريماو غيرهم ممن يؤمنون بالله وكتابه يخبرنا :
ما استفدتم من هذه الرسالة العظيمة ايها الحمقاء “المسلمين” ، فدينكم الذي تدعون الناس اليه مليء بالاكاذيب والأباطيل وهذا ليس بدين الله وان محمدا الذي تحبونه هو ليس بمحمد الذي امتدحه الله بانه على خلق عظيم؟ ان شخصية محمد العظيمة التي اختصها الله بحمل الرسالة الخاتمة لكل الناس ليست كما ترونها ايها الجهلاء. من جاءنا بالقران من ربه يستحيل ان يتناقض معه وانتم تقدمون لنا محمدا على انه شخصية عربية متناقضة.هذا ظلم كبير بحق محمد. من يفهم القران سيفهم حقيقة شخصية محمد لا محالة. انتم لم تهتموا بالقران والسبب واضح لأنكم لا تريدون الهداية ولا تستحقونها كما يبدو.
اذن فما نقله لنا المسلمون عن محمد لا يليق قطعا بشخصية محمد العظمية حتى لو لم نعرف كل جوانبها ،ليس مهما ان نعرفها، يستحيل لنا التحقق من ذلك. يكفي لنا انه هو على خلق عظيم وبتصريح السماء.
انهم نقلوا كل ذلك التلفيق بعد ما اختلقوا صورة لمحمد تنسجم مع طريقة تفكيرهم واتباعهم الهوى والضلال وبتبنيهم الكفر منهجا بعد هجرهم لكتاب الله الحجة الدائمة عليهم وعلينا وعلى غيرنا من الناس الذين اتيحت لهم فرصة التعرف عليه. الكفر هنا هو تغطية حقيقة السماء المنزلة من الله بما خطته أيدي المفترين وبما ينسجم مع أهواءهم ومصالحهم الدنيئة.
الذي يجهله اعداء الله هو ان كتاب الله يكون عليهم عمى وخيبة اذا ما حاولوا العبث به والكفر به. وخير مثال على ذلك عندما حاولوا تحريف كل ما يتعلق بالجهاد والقتال وبطريقة تخدم اهدافهم الشريرة للاعتداء على غيرهم وهم يعرفون تماما ان الدعوة الى الله ودينه الحق لا يمكن ان تكون بالاكراه مطلقا وان تلك الافعال لا يقبلها اي ضمير انساني مهما كان. اليس هذا القبول بالتناقض نوع من الكفر المُهلك؟
نرجع الى بعض الأساسيات العلمية التي تعلمناها خلال مسيرتنا في المركز فنقول ان سبب ذلك المشكك وما تبعه من كوراث يعود كله الى طبيعة الثقافة البدائية للعرب او غيرهم من الشعوب التي فهمت دين الله حتى جعلت منه دينا اخر متناقض مع جوهر دين الله الحق الذي نجده في محكم الكتاب الكريم والذي يتفق عليه كل اجماع الناس مهما تغيرت الظروف ، للاسف جعلت منه دعوة شريرة تثير الاشمئزاز اينما ومتى ما تكلم المسلمون عن دينهم وفق موروثهم الذي يفتخرون به وفي ما لم يأمر الله به ابدا ، مما جعل من ذلك واقعا و ساحة خصبة للنقد والتشكيك لم تسلم منها حتى الذات الإلهية نفسها والقران الكريم وشخص محمد العظيم. هنا استنتاج رائع وهو ان اهتمامنا باصل المشكلة والوقوف عليها بعد معرفتها بدقة ، فيه دعوة مقبولة وصادقة للدفاع عن الدين الحق وعن محمد وعن القران أمام كل من شكك ويشكك في دين الله ورسالته الخالدة-القران العظيم- لكل الناس وفيه غني عن اهدار المزيد من الوقت والجهد في أمور يمكن تجاوزها بسرعة كبيرة على طريق الاصلاح.
اذن فان المصادر التي اوردها لنا الزميل الوادعي تتضمن دعوات صادقة لنقد الدين وهي ليست ضد محمد وضد القران كما أطن، لكنها قد لا تعالج اصل مشكلتنا، وفي بعض جوانبها تبني حاجزا بين الانسان ودين الله الحق الذي يمكن التعرف عليه اليوم وفي كل يوم من خلال تدبر القران لمن اراد الهدى والنور. اقول النقد والتحليل شيء والتعرف على اصل المشكلة وتقديم الحلول شيء اخر لم تتعرف عليه ثقافتنا العربية الموروثة بعد.
لا نختلف عما تفضل به الشيخ المهري بان القران الذي بين أيدنا يكفي لنا لتلقي المزيد من النور والهدي لاصلاح حالنا وحال امتنا اذا ما اولينا اليه ما يكفي من الاهتمام والمثابرة والاخلاص والتفكر وبتركيز شديد على مراعاة الانسجام مع كل ما هو صالح لكل الناس وباجماع الناس انفسهم وفي كل ظرف.
الذي اريد إضافته هنا ، هو ان اهتماما بالعلم من جانب واهتماما بالقران من جانب اخر سيجعلنا في قمة هرم اي تطور محتمل وهو السبيل الوحيد ينقذنا من براثن التخلف والقهر والتضليل.
باختصار شديد فان اصل مشكلتنا الثقافية المورثة هي من شكلت طريقة تفكيرنا على مدى كل هذه القرون وبالتالي توراثنا العوق الفكري اجيالا بعد اجيال.
فعندما تم نقل التراث الديني تم تقديمه بنفس طريقة تفكير الناقل وبما يخدم المصالح والأهواء لمن كتب ولمن حكم وأفسد وأجرم فهنا نجد ان هذه الدعوة كانت ولا زالت دعوة باطلة قائمة في ما يراه المسلمون ويفرضونه على غيرهم.
المثير في الامر ايضا ان المتشبثين بقيم الثقافة االشريرة من العرب او غيرهم يستخدمون تراث الاسلام والنص القراني فيه على اثبات صحة تلك القيم الشريرة باعتبارها هي جوهر دين الله من اجل تحيقق مصالحهم وتثبيتها ووفقا لأهوائهم التي لم تتغير عما كانت عليه قبل اربعة عشر قرن مضت .اذن فالقضية الاخرى التي نعاني منها اليوم هو ان القائمين على قيم التخلف والبداوة والشر والاعتداء يحكمون قبضتهم علينا باستخدام النص الديني من خلال مؤسساتهم ومرجعياتهم الدينية المنتشرة حول العالم وبدعم خارجي من اجل التصدي لاي مشروع اصلاحي محتمل.
ولكي اختم قولي فانا لست ضد اي كتابة نقدية مهما كانت قاسية في نقد الموروث الثقافي الشرير الذي ينسب زورا على انه من دين الله. انا مع كل من يلتمس النور من كتاب الله الذي فيه الخير والصلاح لكل انسان حتى يرث الله الارض ومن عليها.
لكن في نفس الوقت ادعو الجميع للوقوف للتعرف على اصل المشكلة – اصل مشكلتنا ومشكلة غيرنا- والتي كانت ولا تزال هي العائق الأكبر في طريقزالاصلاح والحديث هنا عن المشكلة الثقافية – مشكلة الثقافة العربية- التي أطرت طريقة تفكير الناس أجيال بعد أجيال وبطريقة جعلت منهم ان يكونوا هكذا بعد ان تغيرت الكثير من الثقافات نحو الاحسن شرقا وغربا. الحل هو في مشروع ثقافي كبير مبني على اسس علمية تتغير فيه ومن خلاله طريقة تفكير الانسان من اجل بناء حياة افضل يسعد فيها ويسعد غيره ويكون فيه اختباره معه الله بطريقة اخرى تتعلق في التنافس على إعمار الارض ومقدار حب لأخيه الانسان وعلى شكر الله في كل شيء.
كلما ارتقت مقومات الحضارة الانسانية أصبحت مهمة اختبار الانسان مع ربه الكريم بطريقة اسهل على الانسان نفسه في ظل تقليل المعاناة وتحسن ظروفه بعد التمكن من تطويع البيئة وتسخيرها لخدمته وكل ذلك لا يتأتى الا بالعلم.
تحياتي عبدالسلام المياحي
Abdulsalam Al-Mayahi
تابع #تطويرالفقهالاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/