الحياة اليومية في المملكة العربية السعودية
الحياة اليومية في المملكة العربية السعودية
إن المتغيرات اليومية في حياتنا، والتي أحدثت شرخا في منظومات القيم، ليست وليدة الرفاهية المعاصرة، والأجهزة المختلفة، انما بتعرض (المنظومة) الاخلاقية والقيمية، للأفكار والمعتقدات المضادة، من وسائل (الاعلام)، وهو ما أحدث ضياع هذه القيم والمعتقدات، ونشأة (سلوك) ونظم اخلاقية مغايرة.
إن الإنسان قد يحتاج أحيانا العيش بعيدا عن الصخب وكثرة المنغصات ليصفو تفكيره، فالعزلة عن المجتمع ليست زهدا أو خوفا بل استعدادا وتأهيلا لذاته مصغيا لها يحاورها ويعالجها بعيدا عن الاحتكاك بالآخرين إلا من قصده لطلب عون أو مشورة حتى يصبح لديه الوقت الكافي ليبلغ مرحلة الاختيار والعطاء الفكري الواعي الحقيقية، أما العزلة التي سببها زهد أو خوف فهي إما حالة يأس وإحباط وإما حالة ذعر اجتماعي وكلاهما وهم مسقط.
إن نعم الله تعالى علينا تتري، نعمة الأمن بعد الخوف، ونعمة الشبع بعد الجوع، وأعظم من هذا كله وقبله، نعمة التوحيد بعد أن كانت مظاهر الشرك والوثنية تضرب في أرجاء البلاد مِن قبور تعبد وأشجار تقدس وأحجار يتبرك بها، ونعمة الاستقرار بعد الفتن، ونعمة لم الشمل بعد الفرقة، أذهب الله عنا عُبِّيَة الجاهلية، وقتال الجاهلية، وعصبية الجاهلية، نعم تتري لا توجد في بلاد الأرض الأخرى {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}. وما ذاك إلا بفضل الله ورحمته ثم بما وفق إليه وأعان إليه الملك المؤسس الذي قام بتوحيد بلاد الحرمين على تحكيم شرع الله، ونشر التوحيد ونصرة السنة، وهذا أمر ينبغي أن نتذكره دوماً ونذكر الأجيال به ونربيهم على شكر النعمة العظيمة والمنة الربانية يوم أن جَعل الله بلادنا منطلقًا للرّسالة الخالدة، ومتنازلا لوحيه، ومهدًا لدعوة نبيّه عليه الصلاة والسلام، وقِبلةً لعبادِه، ومهوًى لأفئِدَتهم، ومحلاًّ لأداء مناسِكهم، حماها الله فلم تطَأها قدمُ مستَعمِر، وسلَّمها الله فلا تعبَثَ بأمنِها يد دَعيٍّ مستهتِر. فأصبح الناس يؤدون عباداتهم في يسر وسهولة وحرية لا يجدون مضايقة في ذلك.
فنعمة الأمن، نعمة كبرى لا يعرفها إلا من فقدها عياذاً بالله، بعد أن كانت أرض الجزيرة أرض خوف واضطراب، وبعد أن كانت قبائل متناحرة يسطوا بعضها على بعض وينهب بعضها بعضاً، وبعد أن كان الرجل لا يأمن على نفسه الخروج إلى أطراف المدينة، وبعد أن كان دم الرجل المسلم لا يساوي ثمن رصاصة لدى قاطع الطريق حيث يقتل الرجل فإن لم يجد معه شيء تحسر على الرصاصة التي ذهبت هدرا، وإذا شك أحدٌ في ذلك فلينظر إلى بعض الدول من حولنا.
فالمثقف هو سلطة قائمة بذاتها لأنه يتحكم في الوعي الاجتماعي ويؤثر فيه ويوجهه إلى غايات معينة وبذلك يصطدم مع السلط السياسية القائمة فتحاربه بشتى الطرق كمنع كتاباته عن الظهور للناس وتلفيق التهم له والتضييق عليه ويمكن في أحيان كثيرة نفيه للخارج أو رميه في غياهب السجون.
فالمثقف خاصة في البلدان المتخلفة ومنها البلدان العربية لا تعطي قيمة تذكر للمثقف المستقل عن السلطة وتحاربه إلى حد الشيطنة ونعته بالتطاول والجنون والسفسطة وتزاحمه بالدفع بأشباه المثقفين الموالين لها والمسبحين بحمدها والمتمعشين من موائدها للواجهة. إن الانسان من خلال مراقبته لنفسه سيصل إلى أن مشاعره معظمها وليدة أفكاره وأن سلوكه وليد أفكاره ومشاعره ولذلك فإن عملية التطوير الذاتي تبدأ من مراقبته الأفكار وأثرها على النفس ليرتقي باستبدال كل فكرة سلبية بفكرة إيجابية مناسبة حتى يملأ الإنسان عقله الواعي واللاوعي بأفكار بناءة تزيح ما علق بذهنه من الماضي من أفكار كانت تعيق تطوره حتى يساعده ذلك في نفس الوقت على التطور والارتقاء. الأسرة لها الدور الأكبر في تشكيل وعي وشخصية الإنسان ويلي ذلك المدرسة والمؤسسة التربوية ثم المؤسسات المدنية في المجتمع
إن الانسان كلما أنار طريقه بالتصحيح والرقي تقلصت مساحة الظلام في جوفه والمحيطة به حتى ينعم هو ومن حوله من الناس بذلك النور أكثر فأكثر، وتجد الذين وصلوا لمرحلة مناسبة من التطور الذاتي يصبحون قادرين على العطاء، فهم بدورهم يدخلون هذا الوعي لمحيطهم الاجتماعي أو المهني بطريقة مناسبة ترفع مستوى الوعي وتفتح له آفاقا جديدة.
إن الوعي الذاتي إذاً كلما عم توسع تأثيره في أكبر شريحة من المجتمع، وأقوى وسائل ترقيته وتوسيعه هي التربية أولا ثم التعليم ثانيا ثم الإعلام ثالثا بمختلف أنواعه وآلياته كشبكة الإنترنت في عصرنا الحاضر. فلها دور كبير في تشكيل وعي المجتمع لذا يجب توجيه الاهتمام لها وجعلها وسيلة من الوسائل المهمة في نشر الوعي الذاتي.
إن الثقافة وحدها ليست معيار التطور الاجتماعي، إنما هو الوعي الشامل لجميع مجالات الحياة الذي يضم الفلسفة والدين والعلم والفن، فعندما يزداد وعي المجتمع تزداد ثقافته أما ازدياد الثقافة فلا يعني بالضرورة ازدياد الوعي فالثقافة لها دور بناء إذا بنيت على أسس المحبة والتسامح والتواضع والعطاء أما إن افتقدت لهذه الأسس فهي ثقافة تتسم بالأنانية والتعالي على الآخر ورفض رأيه والحوار معه.
إن التخلف الاجتماعي حالة من حالات الجهل، وأسبابه كثيرة وقديمة، بعضها سياسي وبعضها الآخر اقتصادي وبعضها اجتماعي والمستفيدون من حالة الجهل هذه يسعون إلى تكريسها منذ القدم، والوعي الذاتي لم يلق من الاهتمام ما يعزز فاعليته في مجتمعاتنا وإن كان الملاحظ أن علوم الوعي الذاتي آخذة في النمو والمتوقع أن يكون لها دور أكبر في المستقبل وأن تكون رائدة في رفع مستوى الوعي الاجتماعي وبالتالي تطوير المجتمع.
إن عملية التطوير لا يمكن فيها الفصل في المجتمعات بين المرأة والرجل والشباب والأطفال والفقير والغني والعامل والعاطل وإنما بين كل إنسان وآخر حسب حاجته لشمول التطوير، فعملية التطور الذاتي تتسم بالفردية إذ يمكن للفرد أن يتطور بمعزل عن كل المحيطين به إن هو امتلك الإرادة الكافية وسلك الطريق الصحيح. صحيح أن العلم تجابهه بعض التحديات، وصحيح أن هناك ظواهر لم تعرف كل أسرارها بعد، وصحيح أننا لم نصل إلى نهاية المعرفة، وأن ما لا ندرك سره اليوم قد ندركه غداً، فكل شيء يتطور ويصقل، والتطور يحتاج إلى زمن، وفي كل يوم نرى إنجازات علمية جديدة، ونضيف إلى معارفنا ما لم تعرفه كل الأجيال السابقة، لكن ذلك لا يعني أن ما نعجز عن إدراكه وتفسيره الآن، نعيده إلى «المعجزة»، بل يعني أن الوقت لم يحن بعد لإدراكه، لقصور نسبي في مفاهيمنا الحالية.
لذلك، فبدل أن يساهم الإعلام في رفع سوية الوعي الاجتماعي الذي يليق بمجتمع ودولة حديثة، أصبح عاملا معيقا لتقدم هذا الوعي. إن التعقيد الذي يعيشه المجتمع يتطلب خطابا إعلاميا حداثيا، يعالج القضايا الاجتماعية والفكرية بجرأة وانفتاح، ويولي الاهتمام بأثر التحولات الكبيرة على المنظومة القيمية في المجتمع. ومن اللافت أيضا، فقر الإعلام الرسمي، وبخاصة المتلفز، في طرح معالجة التحولات والمشكلات الاجتماعية بجرأة وصراحة، وكأن عدم الحديث عن هذه القضايا يلغي وجودها. الإحجام عن معالجة هذه المواضيع أو المعالجة الضعيفة لها، ليس ناتجا بالضرورة عن سياسة عليا للدولة بقدر كونه ناتجا عن العقلية التقليدية التي تدير هذه المؤسسات وتعمل فيها.
الدكتور عادل عامر
#تطوير_الفقه_الاسلامي
لذلك، فبدل أن يساهم الإعلام في رفع سوية الوعي الاجتماعي الذي يليق بمجتمع ودولة حديثة، أصبح عاملا معيقا لتقدم هذا الوعي.
الإعلام أصل الداء و تحريره عين الدواء ..