مقتل جمال خاشقجي والحكم إذا أدب السلطان رعيته

مقتل جمال خاشقجي والحكم إذا أدب السلطان رعيته  

 

يلفت مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي النظر إلى موقف الفقه السني القديم من موت أحد رعايا السلطان أثناء عملية تأديب السلطان له.  يظهر ذلك فيما جاء في “كتاب الديات” من كتاب “الروض المربع بشرح زاد المستقنع مختصر المقنع” في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل الشيباني رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه, المتن للعلامة شرف الدين أبي النجا موسى بن أحمد  الحجاوي, والشرح للعلامة منصور بن يونس البهوتي, من تحقيق وتعليق فضيلة الشيخ فرج بيومي عامر, وفضيلة الشيخ محمّد السيد الشيخ.  وهو الكتاب العمدة المعتمد في تدريس الفقه الحنبلي لطلبة المدارس الثانوية التابعة للأزهر الشريف.  جاء التالي:

“الحكم إذا أدب الرجل ولده, أو السلطان رعيته, فمات المؤدّب.  إذا أدب الرجل ولده ولم يسرف, لم يضمنه.  وكذا لو أدب زوجته في نشوز, أو أدب سلطان رعيته, أو أدب معلم صبيه ولم يسرف, لم يضمن ما تلف به.  أي بتأديبه.  لأنه فعل ما له فعله شرعًا ولم يتعدّ فيه.  ومن أسرف أو زاد على ما يحصل به المقصود أو ضرب من لا عقل له من صبي أو غيره ضمن لتعديه.”

 

يحتاج الكلام أعلاه إلى بعض الشرح.

  1. يذهب الفقه السني القديم إلى أنه إذا “أدَّب” السلطان أحد رعاياه – أي قام بضربه – بشكل أدى إلى “تلفه” – أي وفاته –  فإنه “لا يضمنه”.  أي لا يدفع ديته.

  2. يشترط الفقه السني القديم هنا ألا يكون هناك إسراف في “التأديب”.  أي يشترط أن يتم التأديب عن طريق الضرب بالأيدي, مثلاً, أو الضرب بعصاة, مثلاً, أو بالسوط, أيضًا مثلا.  أما إذا تم “التأديب” عن طريق استخدام “سيف”, مثلاً, أو “مثقال” – أي كتلة من الحديد مربوطة بسلسلة من الحديد كذلك – أيضًا مثلا, أو غيرهما من الأدوات المعدة للقتل, فيلزم في هذه الحالة دفع ديته. 

  3. يرى الفقه السني القديم, بهذا الشكل, أن الله قد أعطى السلطان حق تأديب رعاياه حتى الموت على ألا يستخدموا في هذا التأديب أداة معدة للقتل.  أما في حالة استخدام أداة معدة للقتل فإن السلطان ملزم بدفع الدية.

  4. يعني هذا الكلام أنه حتى في حالة ما إذا اكتشف وليّ عهد المملكة العربية السعودية, سمو الأمير محمّد بن سلمان – حفظه الله – أن “تلف” الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول يعود إلى أوامر سموه – حفظه الله – بتأديبه, فإن سموه – حفظه الله – غير ملزم بدفع ديته حيث إن رجاله قد أتلفوه قبل أن يستخدموا “منشار العظام” الذي أحضروه معهم.  أضف إلى ذلك أن “منشار العظام” هذا ليس “أداة معدة للقتل” وإنما هو “أداة معدة للعمليات الجراحية” يستخدمها الأطباء لا إلقتلة.

وكأن المسألة, بهذا الشكل, أنه طالما لم يستخدم رجال الدولة السعودية منشار العظام إلا بعد وفاة جمال فلا قصاص هناك بل ولا دية.  يعود ذلك إلى أنهم قد “فعلوا ما لهم فعله شرعًا ولم يتعدّوا”.  ذلك ما يخبرنا به أهل الفضل, والعلم, والنظر من أهل السنة والجماعة, رضي الله جل جلاله عنهم جميعًا وأرضاهم أجمعين.

 

وإن الحمد لله, والشكر لله, على ما آتانا وما لم يؤتِنا, وما أعطانا وما لم يعطِنا.  ولقد أعطانا وأفاض العطاء.   ولا حول ولا قوة إلا بالله الذي ليس لنا سواه.   وللسلطان الحق “شرعًا” في ضربنا حتى تلفنا.

 

كمال شاهين

22 أكتوبر 2018

#تطوير_الفقه_الاسلامي
اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.