نسخة منغنا (منجانا) وصحيح البخاري
نسخة منغنا (منجانا) وصحيح البخاري
نظرا لطول مبحث” النسخة الأصلية لصحيح البخاري” المتعلق بدراسة سبعين مخطوطة من مخطوطات صحيح البخاري القديمة فالأقدم، ونظرا لاحتوائه على صور لهذه المخطوطات، بحيث أن طوله بلغ أزيد من 70 صفحة، لذلك لم أتمكن من نقله إليكم هنا، لكن لمن أراد الوقوف على ما فيه يمكنه تحميل كتاب صحيح البخاري نهاية أسطورة من الانترنيت، وسأكتفي الآن بنقل المبحث الثاني من هذا الفصل وهو بعنوان:
نسخة منجانا
كنت كتبت قبل خمس سنوات مقالا بعنوان ” هل صحيح البخاري ألفه الشيخ البخاري ؟” تحدثت فيه عن عدم وجود أي مخطوطة لصحيح البخاري بخط الشيخ البخاري أو بخط أحد تلامذته أو أحد تلامذة تلامذته ، فانبرى العديد ممن تثيرهم الحماسة للرد علي ، فبعد أن أشبعوني شتما وسبا، واتهموني في عقيدتي وإيماني، بعد هذا كله اعترفوا بأنني صادق في قولي بأنه لاتوجد نسخة لصحيح البخاري بخطه أو بخط أحد تلامذته ، لكن هذا لايمنع كون صحيح البخاري هو من تأليف البخاري !!
أتعجب حقا وصدقا من تكلس هذه العقول وتحجرها، وسأحاول أن أناقش كلامهم جاهدا ، وأنا أقلب أوجه الكلام ، عسى أن يحدث تواصل بيننا، .. “عسى” .لكن العديد من هؤلاء الشيوخ حاول التغني بوجود مخطوطة عجائبية لصحيح البخاري اكتشفها القس العراقي “منجانا”، وهي برواية المروزي حسب ما يدعي مؤيدو النسخة ، وأنها تعد أقدم نسخة مخوطة لصحيح البخاري ، حيث يؤكدون أنها كتبت سنة 370 هجرية، أي سنة قبل وفاة المروزي “توفي371هجرية”، أي أنها كتبت بعد وفاة الشيخ محمد بن اسماعيل البخاري ب 114 سنة ، وأنا أكاد أكون متأكدا من أن هؤلاء لا يعرفون شيئا عن نسخة منجانا برواية المروزي ، لأنهم لو بحثوا حقا في هذه النسخة ، لوقفوا على أمور لا تخدم حقا ما يحاولون إثباته ، بل هي تخدم عكس ما يطمحون اليه ، وما يحاولون الاحتجاج له ، والاستدلال عليه ، ونحن من خلال هذه الفقرة سنحاول أن نساعدهم على معرفة الحقيقة المتعلقة بنسخة “منجانا”.
عندما جاء القس المسيحي خبير المخطوطات منجانا بهذه المخوطة فقد كان يهدف بالأساس إلى الطعن في صحيح البخاري ، ويمكن لكل من يريد أن يتأكد من ذلك أن يرجع الى البحث المقدم من طرف الدكتور أحمد بن فارس السلوم وهو شيخ سلفي وهابي ، في الرد على الطعون التي قدمها منجانا اعتمادا على نسخته المشهورة ، والتي يعتبرها أنصار صحيح البخاري أقدم نسخة مخطوطة للجامع الصحيح ، ويفتخرون بها ، وقد عنون الدكتور احمد بن فارس السلوم بحثه بعنوان:” رسالة في الرد على شبه منجانا حول صحيح البخاري” راجع البحث المكون من 20 صفحة على هذا الرابط http://www.alukah.net/library/0/87340/
وقد صدر بحثه المنشور على المدونة الشخصية له، وأيضا على موقع الألوكة، بهذه الفقرة:” بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
حضرة الأخ المكرم: أحمد نافع، نفع الله به، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلتني رسالتك المتضمنة بعض شبه المستشرق منجانا الطاعنة في صحيح البخاري، وطلبتم الجواب عليها، وقد تلكأتُ قليلاً في الجواب لانشغالي ببعض الأعمال، إلا أني لم أجد بداً من الاستجابة لطلبكم، نصحاً لله ولرسوله ولعامة المسلمين وخاصتهم، وذباً عن الجامع الصحيح للإمام البخاري.. ولما ذكرتم من رغبتكم ترجمةَ ما نكتب إلى اللغة الإنجليزية، فلعله يطلع عليه طالب حق فيهتدي، أو مبتغي نَصَف فيسترشد” انتهى.
إذن هذا شيخ من شيوخ الوهابية يؤكد تأكيدا جازما أن مكتشف أقدم نسخة من صحيح البخاري في العالم أجمع قد جاء بها ليطعن أصلا في صحيح البخاري ، فالدراسة التي صاحبت هذه النسخة ، كانت ترمي إلى الطعن في صحيح البخاري الذي بين أيدينا ، لكن من يتلقف أي شيء ليدعم به تقديسه لكتاب الجامع الصحيح ، ويسميه دليلا ، لا يتحقق مما يقدمه من أدلة وهل تخدمه أم تخدم عكس ما يرمي اليه ويهدف؟.
ويضيف أحمد بن فارس السلوم في مستهل رسالته في الرد على شبه منجانا بقوله:” هذا وقد وقفتُ على دراسة منجانا ونُسْخَته تلك منذ زمن طويل، على يد أخينا الشيخ المفضال أبي أحمد نظام يعقوبي البحريني، وفقه الله، فإنه زودني بمصورة من نسخة منجانا من الصحيح وبدراسته عليه ، كي أفيد منها في دراساتي عن الصحيح، حيث كنت أشتغل بالمختصر النصيح آنذاك.
وقبل أن أستعرض ما أورده منجانا أنبه على أمر غفل عنه بعض الباحثين ممن تصدى للرد على المستشرقين وتفنيد شبههم، ألا وهو:
إنَّ عامة من ألَّف أو بحث في شبه المستشرقين فإنه يتناول شبههم شبهةً شُبهة بالتفنيد والإبطال، وهذا أمر حسن، إلا أنَّ الأحسن منه أن يبين منهج المستشرقين الذي يبنون عليه شبههم، ويقدحون منه أباطيلهم، فإذا أبطلنا هذا المنهج وبيَّنَا زيفه وبهرجه أبطلنا ما بُني عليه من شبه واهية، بُنيت على شفا جرف هار من منهج علمي زائف، وكشفنا حقدهم وحسدهم الذي أخبرنا به الباري سبحانه وتعالى في غير آية، كقوله تعالى (حسداً من عند أنفسهم) وأكده النبي صلى الله عليه وسلم في غير حديث.
وسأشير لك – أخي المكرم- إلى هذا المنهج الذي تبنوه، والسراب الذي اقتفوه في إيراد أباطيلهم، وترويج شبههم، ثم أورد الحق على شبه منجانا بالتفصيل شبهة شبهة لندمغها به، ونزهق باطلها فـ(إن الباطل كان زهوقا)”..انتهى من نفس المرجع السابق.
الملاحظ هنا أن احمد بن فارس السلوم غاضب جدا من منجانا ومخطوطة البخاري ، حيث قام بإضافة النسخة إلى منجانا بتعبير يبين أنه رافض رفضا باتا هذه النسخة والدراسة المرافقة لها ، فهو يعتبر أن ما جاء به منجانا مجرد أباطيل وحقد وحسد تندرج في إطار منهج المستشرقين المزيف.
في الوقت الذي يحاول من يرد على ما طرحته في مسألة أنه لاتوجد أي آثار تدل على أن الشيخ البخاري له أي ارتباط أو علاقة بكتاب صحيح البخاري المنسوب إليه كما هو بيدنا الآن ، في هذا الوقت بالذات نجد باحثا عارفا بحقائق الأمور المتعلقة بنسخة منجانا برواية المروزي لصحيح البخاري يواجهها ، ويواجه الطعون المقدمة من صاحبها ، ضد صحيح البخاري، وهذا يدل دلالة قطعية على أن هؤلاء لايعرفون شيئا عن هذه النسخة ويتبجحون بالافتخار والاستدلال بها.
الدكتور أحمد بن فارس السلوم يورد فقرات من كلام منجانا في دراسته المقدمة لنسخته المشهورة ، والتي قدم لها الدكتور واصفا إياها بالشبهة الأولى ما نصه :” نص كلام منجانا “كل حديث سواء كان طويلًا أوقصيرًا مبدوء بعبارة : “أخبرنا البخاري قال حدثنا فلان “وفي أي كتاب آخر سوف يستنتج القارئ مباشرًة من هذه الكلمات المبدوء بها كل حديث أنه لم يكن المؤلف نفسه هو الذي كتب الكتاب بل هو أحد تلاميذه، ويؤكد هذه الافتراض أنه في بداية كتاب الصوم، يذكر في صفحة 26 ب: أسماء الرواة أو المحدثين الذين أخبروا كاتب هذه المخطوطة كأبي زيد محمد بن أحمد المروزي ومحمد بن يوسف الفربري، وهذا الافتراض يتعذر الدفاع عنه لمن يهتم ببحث هذه المخطوطة بعناية ، ففى الواقع ، كاتب هذه المخطوطة لا يقول “أجازنى شيخي المروزي المجاز من الفربري، أن اكتب نص البخاري على طريقة كذا وكذا، ولكنه ببساطة يقدم لنا النص كاملاً مبدوءًا بعبارة: حدثنا المروزي الذي حدثه الفربري أن البخاري حدث فلان…. ولا تتناول المعلومات المنقولة شفهيا بهذه الطريقة سوى ذكر الحقيقة التاريخية، أن البخاري تلفظ بهذه العبارة كما هو مذكور فى المخطوطة” أهـ نفسه
منجانا هنا يحاول تقديم الدليل من الأسانيد الواردة في النسخ مما يثبت أن صحيح البخاري لاوجود لنسخة أصلية له بخط الشيخ البخاري ، وهذا ما استنتجه منجانا أيضا من خلال نسخته التي يشيد بها هؤلاء المدافعين عن فكرة أن صحيح البخاري الذي بين أيدينا الآن هو نفسه الذي ألفه البخاري كما يحاول أن يناقش إسناد نسخته ، فالقول بحدثنا فلان أن فلانا قال، لا تعني بأي حال من الأحوال أن هناك إجازة من الراوي لمن يروي عنه بنسخ النص أو الكتاب، بل هي روايات تاريخية “قد تكون صحيحة وقد تكون غير صحيحة ” وبالتالي ليست دليلا على أن البخاري قال هذا الكلام .
ثم إن منجانا أيضا يناقش بداية كل إسناد حديث بعبارة حدثنا البخاري عن غيره ، فهل يعقل أن يكون البخاري مؤلف هذا الكلام؟ البداهة تقتضي أن يكون مؤلف الكتاب هو أحد التلاميذ وليس البخاري نفسه والا بدأت العبارة بحدثنا فلان ، ولن تجد اسم البخاري ضمن سند كل حديث.
ويوضح منجانا من خلال دراسته لمخطوطته الشهيرة باسمه أن مخطوطته تلك تختلف عن باقي مخطوطات صحيح البخاري الموجودة لدينا وذلك بقوله:” ميزة تميزت بها هذه المخطوطة عن غيرها: وتنعكس أيضا الاختلافات التي تميز نص هذه المخطوطة مقارنة بما هو موجود في المخطوطات الأخرى في النصوص المطبوعة في الصياغات لصحيح البخاري التي تظهر كمًا كبيرًا من الاختلافات في الألفاظ، وسوف أستشهد بنص باب من أبواب البخاري من كتاب الحج، كما في نقل صحيح البخاري ومذكور في النسخة الموثقة والمشكّلة التي طبعت في القاهرة عام 1345 هـ جنبًا إلى جانب، مع نفس الباب كما هو مذكور في مخطوطتنا، وميزة رابعة ظهرت في هذه المخطوطة وهي أن الكتب تختلف عن الترتيب الموجود فى المخطوطات الأخرى والمطبوع …إلخ”.
إذن لهؤلاء الذين يتغنون بمخطوطة منجانا لصحيح البخاري هاهو منجانا يصدمهم بالحقيقة المرة، وهي أن أقدم مخطوطة لصحيح البخاري في العالم تختلف عن باقي مخطوطات الصحيح، فأي المخطوطات نصدق على أساس أنها هي من ألف محمد بن إسماعيل البخاري، وهنا يجد الشيوخ أنفسهم في ورطة، حيث يحاولون الاستدلال بمخطوطة لاتخدم أهدافهم وأغراضهم، بل تعاكس هذه الأهداف والأغراض.
وحتى الدكتور السلفي أحمد بن فارس السلوم ، وهو يحاول الرد على ما أسماه شبه منجانا لم يستطع تكذيب هذا الكلام بل أقره ، وحاول تبريره بكلام ركيك غريب وذلك بقوله:” أقول: نعم، هناك اختلاف بين روايات ونسخ صحيح البخاري، سببه ما ذكرته، من أن البخاري كان يحدث به في أماكن كثيرة، وليس كل الرواة سمعوه في مجلس واحد، بل يختلف التاريخ والمكان والظروف التي سمع منها رواة الصحيح من البخاري، وما يقال عن رواة الصحيح عن البخاري يقال عن رواتهم”.
وكأنه يحاول أن يقول بأن البخاري ، كان في كل مجلس يحدث بصحيحه على شاكلة وعلى طريقة تغاير الأخرى ، فالاختلاف وارد من الأصل ، يعني أن الشيخ البخاري لم يكن يقرأ من كتاب بل كان يسرد صحيحه مشافهة ، وكان يقدم ويؤخر ، بشكل مغاير في مجلس عن سابقه، وهذا الكلام فيه خبء معناه ليست لنا عقول ، فالكل يعرف أن البخاري –حسب الروايات المنقولة الينا-قد ألف كتابا وخط مخطوطة ، وسماها “الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه” وشهرتها الجامع الصحيح أو صحيح البخاري فلا معنى للحديث عن اختلاف الرواية باختلاف مجلس التحديث، وسنتكلم عن اختلاف النسخ بشكل تفصيلي في المسألة المتعلقة بذلك من هذا الفصل.
ويؤكد منجانا على أن شراح صحيح البخاري كلهم لم تتوفر لديهم نسخة أصلية وأصيلة لصحيح البخاري، بل لم تتوفر لديهم حتى نسخة من نسخ التلاميذ وذلك بقوله:”وقد اطلعتُ على النصوص المطبوعة لهذه الشروح وفوجئت بأنهم لم يكن لديهم النصوص القديمة للصحيح، سوى ما أعده السمعاني وابن عساكر والصغاني واليونيني، ومن المعلوم أنهم غالبًا ما يشيرون إلى الفربري والكشميهني ورواة قدامى آخرين، ولكنهم لم يتوفر لديهم نصاً مكتوباً بأيديهم، ويبدو أنهم تعلموا هذه النصوص فقط على الطريقة التقليدية ومن أعمال محدثين متأخرين مثل أبي ذر وأبي الوقت وغيرهم.
ومن بين ال 27 شارحًا الذين ذكرهم بروكلمان، يحدد تاريخ وفياتهم جميعًا- باستثناء واحدًا منهم- بعد عام 559 هـ ، وهى الفترة التي قد استقر خلالها نص البخاري في شكله النهائي تقريبًا على يد أفضل الرواة المحققين الأوائل للنص :وهما أبو ذر وأبو الوقت ، ولذلك يعتبر عملهم من ناحية النقل القديم لنص البخاري ليس له قيمة كبيرة.” أهـ نفسه.
فكل متمعن في هذا الكلام يرى كيف حاول منجانا من خلال دراسته أن يبين أن صحيح البخاري كان تأليفه تدريجيا وعبر العصور ، فكل شيخ من شيوخ الحديث الذي تعاملوا مع هذا الكتاب زادو فيه أو نقصوا ليستقر بشكله النهائي –حسب منجانا- خلال أواسط القرن السادس الهجري ، أي بعد مرور أزيد من 300 سنة على وفاة البخاري.
ويؤكد كلامه بتقديم مجموعة من الأدلة المتعلقة بتلامذته ونذكر منها قوله: “ولكن على حد علمي ليس هناك أي لفظ يشير إلى وجود وثيقة مكتوبة بخط يد هذا الراوي…وثمة نقطة هامة أخرى ينبغي الانتباه لها هنا وهي أنه كان هناك العديد من الأقوال الشفهية للفربري ، الذي كان قد رأى البخاري وسمع منه ، تلقاها كل من تلاميذه: المروزي والكشميهني. وانتقل عن طريقهم إما مكتوبًا أو شفهيًا إلى المحدثين ممن بعدهم وقد لفتنا الانتباه إلى ثلاثة روايات شفهية اثنان من النص المطبوع وواحدة من المخطوطة الحالية ..ثم قام رواة متأخرون بدمج هذه الأقوال الشفهية للفربري داخل نص الصحيح نفسه وبهذا يحوي كثيراً من الألفاظ التي لم تنشأ عن البخاري نفسه، بعض هذه الألفاظ يحتمل أنها كتبت بواسطة بعض الرواة القدامى على الملاحظات الهامشية في النص والتي يحتمل أنها تجسدت مؤخرا في نص الصحيح عن طريق رواة متأخرون كثر مثل أبي ذر وأبي الوقت ، وبخصوص المخطوطة التي نحن بصددها يشير الكاتب إلى أقوال شفهية للفربري على أنها أقوال مأثورة طارئة على نص البخاري ومع ذلك تُدمج كثيراً من المخطوطات الحديثة أقوال الفربري على أنها جزء من نص البخاري (الأصلي) تحت كنية الفربري ( أبو عبد الله) بدون تفسير لذلك وربما لم يكن النساخ على دراية بأيهما كان هو أبو عبد الله، ويحتمل أنه كان أحد المصادر الشفوية للبخاري نفسه وترك الأمر إلى المحققين النقاد والشراح للصحيح مثل السمعاني وبالأخص العسقلاني لإتمام عملية التمييز في نصوصهم بين الألفاظ الأصلية التي هي من البخاري وبين الإقحامات المزيفة التي أدخلت فيه على شكل تعليقات شفوية للرواة الأوائل ” أهـ.
هذه الزيادات لم ينكرها الدكتور محمد بن فارس السلوم في معرض تفنيده لشبهات منجانا بل حاول جاهدا أن يهون من أمرها معترفا بوجودها وذلك بقوله:” هذه الزيادات قليلة جداً، وعامتها في تعيين مهمل، أو رواية كلمة سمعها من البخاري خارجة عن الحديث”.
وبعد هذا نطرح السؤال المجهري هنا ، حول ما إذا كانت نسخة منجانا هي فعلا للمروزي تلميذ الفربري وصاحب الحلم الشهير الذي أوردناه في فصل أسطورة البخاري ، حينما رأى الرسول في المنام وطلب منه أن يدرس كتابه ولما سأله عن كتابه أخبره الرسول في المنام بأن كتابه هو صحيح البخاري ، إذن ما هي الأدلة المتبعة لمعرفة من هو صاحب هذه النسخة ؟ يجيبنا على هذا السؤال الشيخ الدكتور أحمد بن فارس السلوم أيضا في دراسة لنسخة منجانا نشرها على موقع أهل الحديث يقول في مقتطف منها:” لم يتضح لي من هو كاتب النسخة ، ولا يوجد في النسخة ما يدل عليه، إلا أنه “متقن” للغاية، فقد قابلها وراجعها، كما تدل على ذلك التصحيحات على هامش النسخة، والعلامات الدالة على بلوغ المقابلة.
ولم أستطع كذلك تحديد تاريخ نسخها إلا أن السماعات والأسانيد المثبتة على طرة النسخة، والتملكات في أولها قد دلت على الحقبة التي تلي كتابتها، كما ستراه قريبا، وبشكل عام فإن الخط أشبه ما يكون بخطوط القرن الرابع، والله تعالى أعلم” انتهى.
إذن فالشيخ السلفي أحمد بن فارس السلوم يؤكد تأكيدا تاما واضحا لا لبس فيه على أن نسخة منجانا ليس عليها اسم من قام بنسخها، وليس فيها ما يدل عليه ، فلماذا يشبعنا هؤلاء المفتخرون والمتحدون بكلام إنشائي حول نسخة منجانا برواية المروزي، في حين أن ناسخها غير موجود عليها، وليس هناك ما يدل عليه ، بل يتضح أنه حتى تاريخ نسخ هذه المخطوطة غير موجود عليها وغير معروف، فكيف علم وعرف هؤلاء على أنها للمروزي أو بروايته ؟ وكيف حددوا تاريخ المخطوطة ؟ هل اعتمدوا على الوسائل العلمية الكيميائية”اختبارات الكربون14″ في التعرف على تاريخ المخطوطات؟ لا أبدا فقد اعتمدوا التخمين فقط، واعتمدوا على الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا ، وفي هذا يقول الشيخ احمد بن فارس السلوم وهو يدافع عن نسخة منجانا لصحيح البخاري ، وأرجو أن ينظر الجميع طريقته الرقيقة في فضح نفسه وفضح كل من يتبجح بهذه المخطوطة :” وأما ما ورد في دراسة منجانا وتبعه سزكين وغيره من تحديد تاريخ كتابتها سنة 370 فهذا لم أجد في النسخة ما يدل عليه، وقد استنتجه منجانا استنتاجا كما يظهر من دراسته ولم يجده نصا، حيث جعله قبل تاريخ وفاة أبي زيد بسنة واحدة ، فإن أبا زيد توفي سنة 371 هجرية، فافترض أن النسخة مكتوبة في زمانه لأجل التصريح باسمه فيها فجعله قبيل وفاته بسنة.
ولكن قدم الخط أولا، وسوق الإسناد من أبي زيد ثانيا قد يدل على هذا التاريخ ، وعلى أن النسخة كتبت في حياة أبي زيد أو على الأقل في حياة راوٍ عن أبي زيد، والأول أرجح لأن النسخة لو كانت لراوٍ عنه لصرح باسمه، مع أنه لا يمكننا الجزم بشيء لأن الكتاب ناقص، فربما كان في الأوراق الساقطة ما يحدد تاريخ النسخ واسم الناسخ والراوي.
إلا أن أقدم سماع على النسخة مقروء مؤرخ في رمضان من عام 464 أي بعد وفاة ابي زيد بنحو94 سنة” انتهى.
هل يمكننا أن نضيف على هذا الكلام كلاما آخر؟ فهذا النقل من كلام الدكتور احمد بن فارس السلوم ، يوضح لنا بأن نسخة منجانا ليس هناك ما يدل على تاريخ نسخها ، ولا ما يدل على من قام بنسخها ، وانهم اعتمدوا على الظن فقط ، للقول بانها نسخت على عهد المروزي ، وأن تحديد تاريخ نسخها هو تخمين فقط ، لكن الشيوخ يوهمون العامة انها فعلا نسخت سنة قبل وفاة المروزي أي سنة 370 أي بعد وفاة البخاري ب 114 سنة ، لكن الحقيقة الماثلة أمامنا فأقدم سماع موجود على هاته النسخة هو بعد وفاة المروزي ب 94 سنة ، أي بعد وفاة البخاري بأزيد من 200 سنة، ولكم أن تعجبوا من هذه الشقلبات التي تحاول إيهام الناس بالباطل، بدل قول الحقيقة لهم.
ثم إن مخطوطة منجانا التي نتحدث عنها لاتغطي صحيح البخاري بتمامه وكماله ، بل تغطي جزءا يسيرا منه حسب ما أكده شيخنا السلفي السلوم بقوله إن هذه النسخة تضم 52 ورقة فقط وهي وريقات يسيرة وقليلة، بل لاتكاد تذكر، بالمقارنة مع صحيح البخاري الذي نتداوله اليوم .
أيضا من الأمور التي لايعرفها الكثيرون عن نسخة منجانا أنه مثبت عليها اسم غير الذي نعرفه لصحيح البخاري ، ولنترك احمد بن فارس السلوم يقدم لنا شهادة شاهد من أهلها عسى أن يصدقه السلفيون فهو أحد شيوخهم المعتمدين، يقول في نفس الدراسة لنسخة منجانا :” أما هذه النسخة – نسخة أبي زيد – فالموجود منها اثنتان وخمسون ورقة، ثبت في الورقة الأولى ما صورته:
الجزء الثاني من الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه.
تصنيف أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري.
واستفدنا اسم الكتاب كاملا، وأنه: الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم وسننه، هكذا ثبت في هذه النسخة.
بينما قال النووي في تهذيب الأسماء: أما اسمه: فسماه مؤلفه البخارى، رحمه الله: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسننه وأيامه” أهـ
إذن فهذه المخطوطة الشهيرة بنسخة منجانا هي جزء يسير من صحيح البخاري، ومكتوب عليها اسم آخر غير الاسم الذي نعرفه لصحيح البخاري، والذي يعرفه الشيخ السلوم وكل الفقهاء والمحدثين ، لنقف على حقيقة مخطوطة منجانا المضطربة والتي يعتبرها الشيوخ والفقهاء بأنها أقدم نسخة لصحيح البخاري في العالم أجمع.
أظن بأن هذا القدر يكفي في التعريف بهذه النسخة المنسوبة لأبي زيد المروزي والشهيرة بنسخة منجانا ، لنقف على حقائق تؤكد وتسير في اتجاه أن هذا الكتاب لا يتصل اتصالا قاطعا وجازما بمحمد بن إسماعيل البخاري، وسنتحدث في المسألة المتعلقة باختلاف نسخ صحيح البخاري في هذا الفصل الأخير من هذا الكتاب.
رشيد أيلال
من كتاب صحيح البخاري نهاية أسطورة