حرب الروايات
أسطورة صحيح البخاري: حرب الروايات
أرسل إلينا المفكر الإسلامي الكبير, سيادة الأستاذ رشيد أيلال, حفظه الله, هذه الرسالة التي يحدثنا فيها عن أحاديث البخاري. يقول سيادته:
تحية المحبة الراقية التي تسمو بنا جميعا إلى الذرى. في إطار سلسلتي حول الحديث وظروف وضعه وتجميعه وتدوينه أرسل لكم هذا المبحث من كتاب صحيح البخاري نهاية أسطورة بعنوان “حرب الروايات”.
بعد أن تمزقت أمة المسلمين مزعا متفرقة ، شيعة وسنة ، ومرجئة وخوارج ، وقدرية وجبرية، وغيرها من الطوائف والمذهبيات ، حاولت كل طائفة أو مذهب،أن تجد لها موقعا في المرويات ، يعضد بها كل متمذهب مذهبه وطائفته ، لما لم يجد ما يسعفه ويحقق أغراضه في كتاب الله ، فكثرت الروايات والآثار المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم ، والتي ابتدعها واختلقها كل مذهب لتعزيز موقفه الديني أو السياسي، سيما مع بزوغ التعصب للعرقيات والأفكار والتوجهات السائدة آنذاك ، لتشتعل بشكل خطير حرب المرويات المنسوبة زورا وبهتانا للرسول، لتنضاف إلى أطراف هاته الحرب ديانات أخرى كاليهودية والمسيحية والمجوسية، وكل هاته الملل والنحل والمذاهب والطوائف والعرقيات استغلت تفشي المرويات التي بلغت مئات الألوف من الأحاديث المتضاربة المتناقضة، وكلها منسوبة إلى الرسول الكريم ليتم تغييب القرآن تغييبا نهائيا ، وتحل محله آفة تدوين الحديث.
فقد ألف ابن حجر الهيتمي رسالة سماها مبلغ الأرب في فخر العرب وذكر فيها الأحاديث الواردة في فضل العرب والنهي عن بغضهم مما قد يكون قريبا مما ذكرت ، وإليك بعض هذه الأحاديث:
-
روى الحاكم والبيهقي عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وصحبه وسلم: لما خلق الله الخلق اختار العرب، ثم اختار من العرب قريشا، ثم اختار من قريش بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم، فأنا خيرة من خيرة “سكت عنه الذهبي”.
-
وأخرج الحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير والأوسط عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وخلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا خيار إلى خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم . قال الهيثمي: وفيه حماد بن واقد وهو ضعيف يعتبر به، وبقية رجاله وثقوا. وقال الهيتمي في مبلغ الأرب: حديث سنده لا بأس به، وإن تكلم الجمهور في غير واحد من رواتـه.
-
وأخرج الطبراني في المعجم الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله حين خلق الخلق بعث جبريل، فقسم الناس قسمين، فقسم العرب قسما، وقسم العجم قسما، وكانت خيرة الله في العرب، ثم قسم العرب قسمين، فقسم اليمن قسما، وقسم مضر قسما.، وقسم قريشا قسما، وكانت خيرة الله في قريش، ثم أخرجني من خير ما أنا منه . قال الهيتمي في مبلغ الأرب : سنده حسن.
-
وروى مسلم وغيره عن واثلة بن الأسقع يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم .
-
وأخرج الترمذي والحاكم وغيرهما عن سلمان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا سلمان؛ لا تبغضني فتفارق دينك. قلت: يا رسول الله كيف أبغضك وبك هدانا الله! قال: تبغض العرب فتبغضني قال: هذا حديث حسن غريب وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي في التلخيص: قابوس بن أبي ظبيان تكلم فيه
-
وأخرج الحاكم والطبراني عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حب قريش إيمان وبغضهم كفر، وحب العرب إيمان وبغضهم كفر، فمن أحب العرب فقد أحبني، ومن أبغض العرب فقد أبغضني.
هذه أحاديث تتعارض شكلا ومضمونا وبشكل واضح ومستفز مع قوله تعالى في سورة الحجرات :
*يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ* الحجرات:13
لكن مع من نتحدث؟ ومن نحاور؟ أمع اناس يعتبرون تلك الروايات التاريخية – والتي لا يمكن أن تتجاوز كونها تراثا – “يعتبرونها” قاضية على القرآن, وناسخة له, ولاغية لأحكامه, وناقضة لها؟ ألا ساء ما يحكمون.
ومن المرويات أيضا بشأن تقسيم المجتمع الى فئات ورتب وتخصصات بشكل غريب ما روته هاته الاحاديث الواضحة الوضع، وأنها تخدم مصلحة فريق ضد آخر:
-
أخرج الإمام احمد بن حنبل في المسند والطبراني في الكبير عن عتبة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « الخلافة في قريش والحكم في الأنصار والدعوة في الحبشة » (قال الهيثمي رجاله ثقاة), و
-
أخرج الترمذي عن أبي هريرة أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الملك في قريش, والقضاء في الأنصار, والآذان في الحبشة», و
-
في البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : رأيت النبي صل الله عليه وسلم يسترني بثوبه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم « دعوهم أمناً بني أرفِدة »، يعني من الأمن (أخرجه البخاري كتاب العيدين), و
-
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لما قدم رسول الله صل الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة بحرابهم فرحا بذلك (حديث صحيح أخرجه أبو داوود) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن حبشيا دفن بالمدينة فقال رسول الله صل الله عليه وسلم « دفن في الطينة التي خلق منها »
وهاأنتم هؤلاء قد لاحظتم كيف تمت صناعة احاديث، ليتم تقسيم الأدوار بين العرقيات والفئات المكونة للمجتمع المسلم باسم الرسول ، بشكل غريب ومضحك ، لا ينطلي إلا على السذج، أو على من وضع غشاوة على عينيه وعقله معا.
أما عند الشيعة فنجد مرويات تبعث على الدهشة والعجب حيث:
-
نجد في تاريخ مدينة دمشق180 روى بن عساكر بإسناده عن يحيى بن عبدالله بن الحسن عن أبيه عن جعفر بن محمّد عن أبيهما عن جدهما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إن في الفردوس لعيناً أحلى من الشهد، وألين من الزبد، وأبرد من الثلج، وأطيب من المسك، فيها طينة خلقنا الله منها، وخلق منها شيعتنا، فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا ولا من شيعتنا، وهي الميثاق الذي اخذ الله عزّوجل عليه ولاية علي بن أبي طالب» تاريخ مدينة دمشق ج1 ص131 رقم 180, و
-
روى الكنجي بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف انه قال: «ألا تسألوني قبل أن تشوب الاحاديث الأباطيل قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنا الشجرة وفاطمة فرعها وعلي لقاحها والحسن والحسين ثمرها وشيعتنا ورقها، والشجرة أصلها في جنة عدن، والأصل والفرع واللقاح والورق في الجنة، أخرجه محدث دمشق في مناقبه بطرق شتى المرجع السابق.
إن هاتين الروايتين هما نموذج بسيط فقط من فيض الخرافات لدى إخواننا الشيعة، والذي تقابله أحاديث أخرى لدى السنة تجعل الدين التمسك بسنة الرسول وسنة الخلفاء، وتقدس الصحابة وتجعلهم فوق كل انتقاص او انتقاد، ومنه ما جاء في المستدرك عن العرباض بن سارية ، قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ، قال : ” أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن أمر عليكم عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة” المستدرك على الصحيحين للحاكم :329 ” .
هذا الحديث يقول بأنه يوجد إلى جانب سنة رسول الله الواجبة الاتباع هناك أيضا للخلفاء الراشدين سنة يجب اتباعها والعض عليها بالنواجذ ، وبالتالي فمن خلال هذه الرواية، يتم رفعهم الى مقام النبوة بشكل خبيث، تنطوي عليه طيات الحديث “سنتي وسنة الخلفاء الراشدين….” ثم يستخلص منه أيضا طاعة الحاكم طاعة عمياء مطلقة، ورفض معارضته وعصيانه لأي سبب” وفيه أيضا التعريض بالحبشة وذوي البشرة السمراء أو السوداء كما في حديث آخر في صحيح البخاري” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة” “صحيح البخاري 7142”.
عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ( الله الله في أصحابي الله الله في أصحابي. لا تتخذوهم غرضا بعدي, فمن أحبهم فبحبي أحبهم, ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم, ومن آذاهم فقد آذاني, ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى, ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ) رواه أحمد 5/54 والترمذي (3862 ) والبيهقي في الشعب 2/191 وقال الترمذي : ( هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ) ا.هـ .
ويمكن أن نمضي في هذا بدون نهاية، فكل فئة من المجتمع المكون للدولة الاسلامية آنذاك حاولت أن تجد لها مكانا يبوئها ما تصبو إليه من خلال اختلاق روايات, وأحاديث, وآثار. ولم تقف عند هذا الحد بل حاولت كل فئة ان تجد للفئة المناوئة لها من الأحاديث والآثار ما تذمها به، وتكفرها به وتدخلها به إلى جهنم وبئس القرار.”
خالص الشكر, والإعزاز, والتقدير لمفكرنا الإسلامي الكبير, سيادة الأستاذ رشيد أيلال, على كريم رسالته. ندعو الله أن يهدي إخواننا الذين يدينون بالإسلام إلى أن ليس بالإسلام سوى كتاب مقدس واحد هو القرآن, وإلى أن ليس من الإسلام رفع كتب السنة إلى مستوى كتاب الله, وإلى أن من رفع كتب السنة إلى مستوى كتاب الله فقد أشرك بالله. وإن الحمد لله, والشكر لله, على ما آتانا وما لم يؤتِنا, وما أعطانا وما لم يعطِنا. ومن رفع كتابًا غير كتاب الله إلى مستوى كتاب الله فقد أشرك بالله.