الثالوث المسيحي في ميزان العقل والعلم
الثالوث المسيحي في ميزان العقل والعلم
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تزايد عدد المفارقين للإسلام، في اتجاه المسيحية أو الإلحاد ، بسبب اقتناعهم بهذا الدين أو ذلكم المعتقد ، والحقيقة أن هذا التحول في الاعتقاد الديني الذي يطرأ على هؤلاء المتحولين – ولا أريد وصفهم بالمرتدين ،- لأسباب سنتحدث عنها مستقبلا في موضوع مستقل- هذا التحول لا يتم في الغالب العام بناء على اقتناع فكري وعقلي وقلبي بالمسيحية أو الإلحاد، لكن يتم بناء على عاملين ، العامل الأول –في نظري- هم شيوخ المسلمين أنفسهم ، الذين لا يحسنون عرض دينهم ، بل يجعلون منه ومن أنفسهم عرضة للاستهزاء ، وما عليك إلا ان تكتب في إحدى محركات البحث على الانترنيت ، ” تخاريف الشيوخ” لتجد سيلا من النقول والتسجيلات لشيوخ يمثلون الجهل عينه، والخرافة في أقبح صورها ، فهذا يفتي بجواز وطء البهيمة في الحج، وذاك يسهب في ذكر “سنة” شرب بول البعير، والأخر يتكلم بدون حياء عن زنى القردة في الإسلام. هذا العامل اثر بشكل كبير في عقول الشباب ، فجعلهم لا يفرقون بين الإسلام النقي الصافي ، وبين خرافات وتفاهات اغلب الشيوخ ، وهنا انأ لا أعمم ففي الشيوخ فضلاء ، أحسنوا عرض دينهم ولا يزالون. أما العامل الثاني وهو مقابل للعامل الأول الذي يسهل مهمته، ويتمثل في حسن عرض الآخر لبضاعته وتفانيه في حسن تقديمها ، ولو كان هذا التقديم يشكل سما في دسم ، لكن يجد من يقبل على تلك البضاعة المغلفة البراقة المبشرة من شبابنا الذين ينفرهم الشيوخ من الإسلام ، ويسهلون مهمة المبشر النصراني، أو المجادل الملحد، حتى أصبحنا نمعن في تقديم أبنائنا وبناتنا لهم بسهولة، ففي الوقت الذي يتحدث فيه شيخ منا عن الولاء والبراء في الإسلام، وهجر المبتدع، و مقاطعة الكفار، والدعاء عليهم وعلى نسائهم و أولادهم وذريتهم بالويل والثبور ، والفناء والخسران ، نجد المبشر المسيحي يتحدث عن مبدأ أن الله محبة، وأن طريقه طريق السلام، ونجد المجادل الملحد يتحدث عن الامتداد الإنساني للبشرية، في بعدها الكوني، فيجد الشاب في هذا الآخر بغية يفتقدها في الشيوخ، فيظن أنها مفقودة في الإسلام أيضا، باعتبار أن الشيوخ يقدمون أنفسهم بأنهم الناطقون باسم الإسلام ، فلا فهم إلا فهمهم ، ولا نجاة إلا بتقليدهم تقليدا تاما، حتى في “بلاهتهم” أحيانا و التي تضيق بها النفس ذرعا ، ويمجها الذوق والحس الإنساني، وينفر منها العقل السليم ويقيم آلاف المعاول المنطقية على هدمها، لذلك يقوم المبشر المسيحي والمجادل الملحد ، باستغلال هذا الفراغ ، فينصب الشرك ، لكل غر من شبابنا، فيقبل مضطرا أمام الكلام المعسول على هذه العقائد والأفكار ، المبطنة بحسن العرض، والمغلفة بجميل القول ، لكنها تحمل في طياتها وجوهرها الكثير من الأمور التي لا تقل خرافة عن كثير مما ينشره شيوخنا، بل تتفوق عليها في العديد من الأحيان، لذلك عمدنا إلى وضع سلسلة لإيضاح حقيقة هذه المعتقدات المسيحية ، ومناقشتها نقاشا علميا هادئا ، بعيدا عن التعصب الديني، وتأسيسا لحوار علمي يناقش المعتقدات والأفكار حتى يهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.
الثالوث المقدس إلى جانب معتقد الصلب والفداء
الثالوث المقدس أساس الديانة المسيحية ، فعليه تدور ، ويشكل خلاصة المعتقد الديني المسيحي لذلك ارتأينا أن يكون مقالنا الأول في سلسلة مقارنة الأديان يتمحور حول عقيدة التثليث المسيحية ، والتي تشكل أيضا خلاصة اللاهوت المسيحي، لذلك أردنا أن نناقشها من حيث المبدأ، ومن حيث الفكرة ، بميزان العلم والعقل والمنطق الثابت ، فلا نريد أن نتعرض لها من حيث تاريخيتها، ولا من حيث علاقتها بالديانات الوثنية، ولا من حيث كونها بدعة ألحقت بالديانة المسيحية ، ولا من حيث خلو الكتاب المقدس من عقيدة التثليث صراحة، لكن سنناقشها من منحى آخر، له علاقة في الأساس بالطريقة التي يعرض بها المبشر المسيحي هذه البضاعة لنناقشه فيها ، ونرى هل يثبت شرحه ودفاعه أمام الحجة العقلية ، والدليل العلمي والمنطقي؟
حيرة المبشرين في شرح التثليث
لن تجد مسيحيا واحدا من كل مسيحيي العالم يستطيع أن يشرح لنا الثالوث المقدس الذي يؤمن به دون إعمال العقل طبعا ، فهو ملزم بالإيمان بعقيدة الثالوث ، بدون حتى أن يفهمها، فيضع نفسه في ورطة ، ويشجع اصغر ملاحدة العالم على تحديه، لذلك عندما تلتقي بمبشر مسيحي فانه يعمد إلى أساليب ملتوية ليوهمك أنت المستهدف من عملية التبشير ، بأن عقيدة التثليث عقيدة جد منطقية، بل ويحاول إيهامك انه يفهمها ، ويضرب لك الأمثال التي يحفظها من كتيبات التبشير، التي تحاول تأهيل المبشرين، وتحاول ان تزودهم بمجموعة من الأجوبة الجاهزة ، لبعض الأسئلة التشكيكية التي يواجهون بها من طرف المسلمين على وجه الخصوص، لكن ما إن تلمع في عقلك فكرة أو اعتراض على أمثلته وشروحاته ، حتى يجد المبشر نفسه في ورطة ليطلب منك بعدها نسيان ما شرح لك ليقول لك إن ما قدمته لك هي أمثلة تقريبية ، ولا يمكنها شرح عقيدة التثليث.
أمثلة المبشرين في شرح عقيدة التثليث
لعل السؤال التقليدي الذي تواجه به عقيدة التثليث من طرف المسلمين الذين تربوا على الاعتقاد بالتوحيد الخالص لله المنزه له سبحانه، هو قولهم أن التثليث تعدد ، والتعدد يناقض الوحدة ، فكيف يكون المسيحي معددا وموحدا فيما يخص اعتقاده في الذات الإلهية في الآن نفسه؟ كيف يمكن أن يدعي المسيحي بأنه يؤمن بالوحدة في التثليث، والتثليث في الوحدة ، وشتان بين الوحدة والتوحيد. لكن المبشر المسيحي ليس بالسهولة التي تظنون ، فكما أسلفنا فهو مسلح بالعديد من الأمثلة والشروحات التي زود بها قبل أن ينبري للتبشير بالعقيدة المسيحية ، اذ يبتسم بأدب جم في وجهك ويمارس عليك الوصاية الأبوية قائلا:” ليس هناك أي تناقض، والتعدد لا يناقض التوحيد ، او الوحدانية ، فالله لا يريد أن يضعنا في حيرة لذلك شرح لنا ثالوثه في خلقه ، فالشمس مثلا نور ونار وحرارة، وهي شمس واحدة بالمفرد رغم أنها متعددة التركيب، والبيت يتركب من طول وعرض وارتفاع ، وهو بيت واحد بالمفرد رغم تعدد مركباته، والماء يتركب أيضا من ذرتين من الهيدروجين وواحدة من الاوكسيجين ، لكنه ماء واحد بالمفرد ” ويضيف وهو يحس بالانتصار ، أرأيت كيف أن عقيدة التوحيد تلفنا جميعا ونعيشها في الكون ، بدون ان نمحص فيها ، او ننتبه لها ، فالله المركب من ثلاثة أقانيم ، وهي الآب والابن والروح القدس ، لا يناقض الوحدة، فالآب اله والابن اله والروح القدس اله ، لا ثلاثة آلهة بل إله واحد ، كما هو الشأن في الماء المكون من ثلاث ذرات ، وليست ثلاثة مياه ، بل ماء واحد بالمفرد، فيقع المسلم في حيرة لأنه للوهلة الأولى تبدو الأمثلة المقدمة منطقية ، لكنها ليست إلا شقلبة بهلوانية يراد منها اللعب بعقل المستهدف من عملية التبشير، لذلك لنخضع فهم المبشر لقليل من العلم والعقل لنرى حقيقة هذا التثليث.
(( التركيب والاتحاد))
من خلال الأمثلة التي يقدمها المبشر المسيحي لشرح عقيدة التثليث، يتضح لنا أن الله مركب في اعتقاد المسيحيين من ثلاثة أقانيم ، كالماء مثلا، فهو مركب من ذرتين من الهيدروجين والذرة الثالثة اوكسيجين ، لتشكل الماء الواحد الغير متعدد، لكن دعونا نتأمل هاته المسألة ، نحن نعلم أن كل مركب مسبوق بعدم التركيب والاتحاد، فلا يمكن أن نقول عن أي عنصر من العناصر أنه مركب ، إلا إذا كان مسبوقا بما ينافي التركيب فتركب، والماء قبل تركبه واتحاد ذراته كان في عدم ، فوجد بعد تركبه أو تركيبه، ليصبح في وجود بعد عدم ،إذن فكل مركب كان في عدم قبل تركبه ، فوجد بعد عدم ويجوز أن ينحل هذا التركيب ويتفكك فيصبح في عدم بعد وجود، أي أن الله في اعتقاد المبشر المسيحي ، كان في عدم قبل أن تتركب الأقانيم الثلاثة ، ويتحد بعضها ببعض، ليصبح في وجود بعد عدم ، وبالتالي تنتفي عن الله صفة القدم، لان كل مركب محدث زمني لأنه في ظرف زمان ومكان تركب، فلا يمكن أن يحدث تركيب إلا في زمن ومكان معينان ، فالله باعتقاد المبشر ومن خلال الأمثلة التي يقدمها ، ينفي عنه صفة القدم، وينفي عنه خلق كل شيء، لأن الله في اعتقادهم مسبوق بالزمان والمكان، باعتبار انه تركب في الزمان والمكان ، زمن التركيب ومكانه، بل إن الله مفعول لا فاعل، لان كل مركب محتاج إلى من أو ما يركبه يحتاج إلى قوة اكبر تعمل على تركيب هاته العناصر بعضها ببعض، والقول بالتركيب والاتحاد فيما يخص الله ينفي عنه أيضا الأزلية، لان كل مركب يجوز أن ينحل تركيبه ويتفكك فيصبح في عدم بعد وجود، إذن يمكن عبر هذا التحليل أن نخلص الى أن الله في عقيدة التثليث المسيحية، غير قديم بل هو محدث زمني، وانه لم يخلق كل شيء، لأنه تكون في عامل الزمان والمكان المسبوق بهما، وانه مفعول لا فاعل ،لأنه مركب من قوة أقوى منه كافية لتركيبه وإيجاده لإخراجه من العدم إلى الوجود، وهي قوة موجودة قبل وجوده ، وإلا فلا يمكنها إخراجه من العدم، وان الله أيضا غير أزلي لأنه مركب ووجوده مرتبط ببقاء ذلك التركيب غير منفصل، وإلا لانعدم الله ، وجائز هذا الانعدام ، إن لم يكن حدث فعلا حسب الاعتقاد المسيحي الذي يؤمن إيمانا جازما بأن الله صار ذبيحة من اجلنا بموته على الصليب، يقول “بيتر كتريل” وهو قس ومبشر مسيحي مشهور في كتابه الجواب الوافي: “إذا انفصل اقنوم عن الأقنومين الآخرين وهذا مستحيل ، انعدم الله” وكل المسيحيين يعتقدون أن اقنوم الابن المشكل للذات الإلهية ، مات على الصليب، ولا يمكن أن تتحقق المسيحية وعقيدتها المرتكزة على الفداء الذي به يتحقق الغفران الإلهي الأبدي، من الخطيئة الأزلية ، حسب اعتقاد المسيحيين، إلا بموت وصلب هذا الإله، والموت يعني الفناء، يعني أن اقنوم الابن انتهى وفني، بعد موته على الصليب، وانفصل اقنوم الأقنومين الآخرين، وبالتالي انفصل هذا التركيب، فانعدم الله حسب المفكر المسيحي بيتر كتريل ، وحسب نظرية التركيب والاتحاد، فقد انفصلت إحدى الذرات المكونة للماء لينعدم الماء، وانفصل اقنوم الابن عن الأب والروح القدس فانعدم الله، ومات الله. تعالى الله عما يفترون.
رشيد أيلال
للأسف الشديد السيد كاتب المقال ارتكب خطيئة كبيرة فقد ذكر عدة أمثلة يرد بها المبشر المسيحي وبدلا من ان يقوم الكاتب بالرد على الأمثلة كلها اختار مثال الماء ليستنتج منه ان الله مركب وقبل التركيب لم يكن مركب وبالتالي ليس ازلي ..واختار عدم الرد وتحليل باقي الأمثلة ….معذرة سيدي الكاتب هذا تحايل على الرد فالوحدانية الجامعة في المثال المسيحي بسيطة جدا وسهلة الفهم ….والامثلة ليس لتطبيقها على الله (الذي ليس مثله شيء) بل للإيضاح فقط ……عزيزي خانك التحليل ….ولم يقنعني ردك للأسف
اما موت الابن على الصليب وفنائه هذا هو استنتاجك انت …..فماذا ستقول عندما تعلم انه قام وصعد الى جوار الآب …هل هذا يعني الفناء أيضا …..ولماذا تحد الله (غير المحدود) بأفكارك المحدودة
كاتب المقال الاستاذ رشيد ايلال ، ربما تختلف معه ، وهي وجهة نظر له ..و لم اجد في ردكم ردا على ما قال ،
مودتي