المسئولية الجنائية والمدنية لحوادث القطارات
المسئولية الجنائية والمدنية لحوادث القطارات
الدكتور عادل عامر
أن تطوير السكك الحديدية كان سيجنبنا وقوع تلك الحوادث العديدة، لأن هذا المرفق لم يتم تطويره منذ فترة طويلة فيجب الالتفات الآن للاهتمام به وتطويره بشكل شامل، كما تجب محاسبة كل من أخطأ وأدى خطؤه لتكرار تلك الحوادث
فقد حدد قانون العقوبات عددًا من مواد لحفظ حقوق الضحايا والمدعين بالحق المدني في حوادث القطارات لان المتهمين في قضايا حوادث الطرق والقطارات يتم إحالتهم إلى محكمة الجنح بعد اكتمال أدلة الثبوت التي تُدينهم، بتهمة القتل الخطأ والإهمال أو التقصير في اداء وظيفتهم، وهى الاتهامات التي حددت عقوبتها بنصوص المواد 238 و244 من قانون العقوبات.
المادة 238 من قانون العقوبات نصت على الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر لمن تسبب في قتل شخص خطأ نتيجة إهماله، وترتفع مدة العقوبة من سنة إلى 5 سنوات في حالة خطأ الجاني خطأ جسيمًا أو كان متعاطيًا مواد مخدرة، وإذا تسبب الحادث في وفاة أكثر من 3 أشخاص ترتفع العقوبة من سنة إلى 7 سنوات، وقد تصل إلى 10 سنوات في حالة وجود ظرف مشدد للعقوبة. المادة 244 من قانون العقوبات نصت على أن من تسبب خطأ في جرح شخص أو إيذائه معينة. ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، وترتفع مدة العقوبة لسنتين في حالة أن الحادث تسبب في أحداث عاهة مستديمة بالضحية أو كان المتهم متعاطيًا لمواد مخدرة وتغلظ العقوبة إلى خمس سنوات في حالة ارتفاع عدد المصابين في الحادث إلى 3 أشخاص أو أكثر.
لقد حرصت الانظمة المتعاقبة في مصر على عدم إقرار المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية، فلا يوجد في قانون العقوبات نص يقرر تلك المسئولية الجنائية للوزراء و المسئولين، وهو ما قضت محكمة النقض بأنه ” الأصل أن الاشخاص الاعتبارية لا تسأل جنائياً عما يقع من ممثليها من جرائم أثناء قيامهم بأعمالها، بل أن الذي يسأل هو مرتكب الجريمة منهم شخصياً”. – الاستثنـاء: الاعتراف بالمسئولية الجنائية للوزراء و المسئولين في حالات معينة .
1- المسئولية الغير مباشرة للشخص المعنوي: وطبقاً لهذا النوع من المسئولية يسأل الشخص المعنوي متضامناً مع الشخص الطبيعي عن تنفيذ العقوبات المالية المحكوم بها أو تكون ادانه الشخص المعنوي تابعة لإدانة الشخص الطبيعي .
2- المسئولية الجنائية المباشرة للشخص المعنوي هنا يسأل الشخص المعنوي مسئولية جنائية تؤسس علي الخطأ الشخصي واقترافه للجريمة بركنيها، فتحرك الدعوي الجنائية عليه دون استلزام شخص طبيعي يشاركه الجريمة ودون توقف علي ادانته ويوقع عليه الجزاء المنصوص عليه في النص الذي أقر مسئوليته. ومن ذلك ما اقرته المادة 6 مكرراً من القانون رقم 48 لسنة 1941 بشأن قمع التدليس والغش والمعدل بالقانون 281 لسنة 1994 بأنه ” دون إخلال بمسئولية الشخص الطبيعي المنصوص عليها في هذا القانون، يسأل الشخص المعنوي جنائياً عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون اذا وقعت لحسابه أو باسمه بواسطة أحد أجهزته أو ممثليه أو أحد العاملين لديه. ويحكم على الشخص المعنوي بغرامة تعادل مثل الغرامة المعاقب بها عن الجريمة التي وقعت، ويجوز للمحكمة أن تقضي بوقف نشاط الشخص المعنوي لمدة لا تزيد عن خمس سنوات
والأصل أن الدولة هي القائمة علي حماية مصالح المجتمع وهي صاحبة الحق في العقاب بما يحقق الردع العام و يساهم في حماية حياة ومصالح المواطنين وعن مسئولية الشخص المعنوي جنائياً انقسم الفقه الي اتجاهين اتجاه يعارض إمكان اسناد المسئولية الجنائية للشخص المعنوي، وآخر يري جواز إسناد المسئولية الجنائية للشخص المعنوي.
أولاً: الاتجاه التقليدي: معارضة المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية يرفض جانب لا بأس به من الفقه قبول المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوه أو من يعملون لديه باسمه ولحسابه، فيقتصر العقاب وفقاً لهذا الرأي علي الشخص الطبيعي الذي ارتكاب الجرم دونما أدني مسئولية علي الشخص المعنوي، ويستند في ذلك على عدة مبررات أهمها ما يلى:
1- طبيعة الشخص المعنوي تجعل من المستحيل إسناد الجريمة إليه: فالشخص المعنوي مجرد فرض قانوني، لا تتوافر فيه الشروط اللازمة لقيام المسئولية الجنائية، إذ لا يمكن توجيه اتهام، وعقاب كيان لا يريد ولا يشعر، أي كيان يخلو من كل إرادة وإدراك.
2- تعارض المسئولية الجنائية للشخص الطبيعي مع مبدأ تخصيص الشخص المعنوي: فالقانون اذ يسمح بوجود شخص معنوي ويمنحه الشخصية القانونية، يخصص له أهدافاً اجتماعية لا يدخل بينها – بالطبع -ارتكاب الجرائم، فاذا وقعت جريمة ما بمناسبة شخص معنوي ، فإنه لا يتصور إسنادها إلى ذلك الشخص المعنوي ذاته ، وإنما تستند إلى الشخص الطبيعي الذى وقعت منه الجريمة، أو الاشخاص الطبيعيين الممثلين قانوناً لذلك الشخص المعنوي .
3- تعارض المسئولية الجنائية للشخص المعنوي مع مبدأ شخصية العقوبة: فالعقوبة شخصية يقتصر اثرها المباشر على شخص مرتكب الجريمة ، أما في حالة توقيع العقوبة على الشخص المعنوي، فان العقوبة تصيب بدون تمييز كل الاشخاص الطبيعيين اعضاء ذلك الشخص المعنوي، وبالتالي تصيب – على السواء – الذين ارادوا الفعل غير المشروع ، والذين لم يريدونه.
4- عدم تناسب العقوبات الجنائية للتطبيق على الشخص المعنوي: وخاصة العقوبات السالبة للحرية. كما أن تطبيق عقوبات اخرى كالغرامة أو المصادرة أو اغلاق المنشأة يؤدى – في النهاية – إلى الاخلال بمبدأ شخصية العقوبات عندما يمتد أثر تلك العقوبات إلى الاعضاء الابرياء في الشخص المعنوي
5- معاقبة الشخص المعنوي لا تحقق الأغراض المستهدفة من العقوبة: فلن تترك العقوبات ألم في نفس الشخص المعنوي لأنه لا يشعر، ولن تحقق العقوبة غرضها المتمثل في إصلاح المحكوم عليه بها وتأهيله وإعادة دمجه في المجتمع إذا ما طبقت على الشخص المعنوي، وإذا قيل بوجود عقوبات بديله يمكن تطبيقها عليه، فإنها ستعرض الشخص الطبيعي الذي يعمل عند الشخص المعنوي للضرر والبطالة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الاتجاه المناهض يسلم بجواز توقيع تدابير احترازية كالمصادر والحل ووقف النشاط والوضع تحت الحراسة أو الرقابة في مواجهة الشخص المعنوي متي شكّل خطورة علي المجتمع وهي مناط توقيع التدابير الاحترازية والتي لا تستلزم وجود مسئولية جنائية.
ثانياً : الاتجاه الحديث : تأييد المسئولية الجنائية للشخص المعنوي وإمكان إسناد الجريمة إليه يتجه الرأي الغالب في الفقه الحديث إلي وجوب مساءلة الشخص المعنوي جنائياً عما ارتكبه الجاني الذي يعمل لحسابه اذا ما ارتكب الجرم باسم ولحساب ولصالح الشخص المعنوي، ويستند هذا الاتجاه الي دحض حجج الاتجاه السابق وصياغة حجتين يخصانه.
1- اعتبار الشخص المعنوي فرضاً قانونيا، لا تتوافر فيه الشروط اللازمة للمسئولية الجنائية، مردود عليه بأن وجود الشخص المعنوي حقيقة لا يمكن انكارها،وهذا ما يؤكده مساءلة الشخص المعنوي مدنياً ، فلم لا يسمح بمسئوليته الجنائية ، وخاصة أن الشخص المعنوي يستطيع أن يحقق الركن المادي لبعض الجرائم ، مثل جرائم التزوير ، وان كان لا يستطيع ارتكاب جرائم ضد الاخلاق، أو تلك التي تتجافي وطبيعته.
2- تعارض قبول المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية مع مبدأ التخصيص: وبات، فمردود عليه بأن ذلك يكون نتيجة لواقعة وليس نتيجة قانونية لحكم بمعنى أنه إذا كان صحيحاً تأثر الاشخاص الأبرياء ، فذلك ليس بنص القانون ، ولكنه يتأتى من ضرورة الأشياء ، حيث أن توقيع العقوبة بصفة عامة له آثاره التي تمتد إلى آخرين ابرياء ، فتغريم رب اسرة يؤدى بالضرورة إلى معاناة زوجته وأطفاله ، وكذلك عقاب الشخص المعنوي يؤدى بالضرورة إلى الإضرار بجميع الاعضاء ، وهذا ما يجعلهم أكثر حرصاً على اختيار ورقابة من يمثلونهم ، وذلك لإجبارهم على احترام القوانين وحقوق الغير .
3- عدم قابلية الجزاءات الجنائية للتطبيق على الاشخاص المعنوية، فصحيح بالنسبة للعقوبات السالبة للحرية التي لا يمكن تطبيقها إلا على الأفراد، ولكن هذا لا يمنع من قابلية الجزاءات الجنائية الاخرى للتطبيق على الشخص المعنوي، الجزاءات الجنائية والادارية التي تتماشي معه.
4- تعارض قبول المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية مع مبدأ التخصيص : فيمكن القول بأنه لا يشترط دائماً أن يلتزم الشخص المعنوي
بالأهداف التي خصصها له القانون ، حيث يمكن أن يقع منه فعل ما يخالف القانون وبالتالي يعد مسئولاً عنه وإذا قبلنا القول بمبدأ التخصيص لتبرير عدم المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية ، فذلك سيؤدى إلى نتيجة غريبة تتمثل في السماح للأشخاص المعنوية بارتكاب الجرائم دون عقاب .
5- معاقبة الشخص المعنوي لا تحقق الأغراض المستهدفة من العقوبة، مردود عليه بأن وظائف العقوبة لا تنحصر في الإصلاح والتأهيل، وإنما تمتد لتحقيق الردع والوقاية والمنع، وهذان الغرضان يمكن أن يتحققا بالنسبة للشخص المعنوي. بل أن البعض ذهب الي أن الوضع تحت الحراسة والرقابة القضائية تفيد في إصلاحه.
6- ويستند الرأي المؤيد الي حجة مؤداها أن مساءلة الشخص المعنوي جنائياً واجبة بحسب مقتضيات الواقع الذي أصبح معه الشخص المعنوي قوة اقتصادية واجتماعية لا يستهان بها في كافة المجالات فهي بما تملكه من إمكانيات تستطيع أن تقوم بما لا يستطيع أن يقوم به الأفراد في مجال ارتكاب الجرائم وتكون مصدراً لاعتداءات جسيمة على الصحة العامة والبيئة والنظام الاقتصادي والتشريعات الاجتماعية، ولا أدل على ذلك من حادث قطار البرشين 2013 والذي راح ضحيته الكثير من القتلى واقعد الكثير من المصابين في المستشفيات، فلو مات سائق القطار بحسب أنه الشخص الطبيعي الذي يمكن مساءلته عن القتل والاصابات الغبر مقصودة فإن الدعوي الجنائية تنقضي بالوفاة وتفلت السكك الحديدية وهي شخص معنوي من العقاب.
7- بالإضافة الي ذلك فإن إسناد المسئولية الجنائية للشخص المعنوي يتفق ومقتضيات العدالة والتي تستوجب إلا يفلت الشخص المعنوي من المعاقبة ويعاقب الشخص الطبيعي الذي أتي الفعل الآثم قانوناً لحساب ولصالح الشخص المعنوي وبقرار صادر منه، فمساءلته توفر حماية أفضل للمجتمع من الإجرام
ولقد قضت محكمة النقض:
(من المقرر أن خطأ المجني عليه يقطع رابطة السببية متى استغرق خطأ الجاني وكان كافيا بذاته لأحداث النتيجة). 25/4/1966
وانتهت محكمة النقض في هذا الحكم الى براءة المتهم حتى ولو لم يكن قد راعى القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة. طالما أن هذه المخالفة لم تكن هي بذاتها سبب الحادث بحيث لا يتصور وقوعه لولاها، ويشير الديناصورى والشواربى في كتابة المسئولية الجنائية صـ148 الى أن:
(من المقرر أن رابطة السببية كركن من أركان جريمة القتل الخطأ يتطلب إسناد النتيجة الى خطأ الجاني ومساءلته عنها طالما كانت تتفق مع السير العادي للأمور وان خطأ الغير ومنهم المجني عليه يقطع رابطة السببية حتى استغرق خطأ الجاني وكان كافيا بذاته لإحداث النتيجة).
(طعن911 لسنة 39 ق جلسة 17/11/69 س 20 صـ1270).
بل أن محكمة النقض قضت باستغراق خطأ المجاني عليه لخطأ المتهم اذا كان كافيا بذاته لإحداث النتيجة قالت محكمة النقض 8/11/1970:
(رابطة السببية كركن من جريمة القتل الخطأ تطلب إسناد النتيجة الى خطأ الجاني ومساءلته عنها طالما كانت تتفق والسير العادي للأمور وكان من المقرر أن خطأ المجني عليه يقطع رابطة السببية متى استغرق خطأ الجاني وكان كافيا بذاته لإحداث النتيجة).
وفى حكم أخر أرست محكمة النقض معيار هاما حيث قالت: (يصح في القانون وقوع خطأ من شخصين أو خطأ مشترك كما أن خطأ المضرور بفرض ثبوته لا يرفع مسئولية غيره الذي يقع الخطأ من جانبه وانما قد يخفيها.
الا اذا تبين من ظروف الحادث أن خطأ المضرور كان العامل الأول في إحداث الضرر الذي أصابه وانه بلغ درجة من الجسامة بحيث يستغرق خطأ غيره). 19/5/1974 س25 صـ486
وقالت محكمة النقض في حكم صادر 29/1/68
(الأصل إن خطأ المضرور لا يرفع مسئولية المسئول وانما يخفقها ولا يعفى المسئول استثناء من هذا الأصل الا اذا نبين من ظروف الحادث أن خطأ المضرور هو العامل الأول في إحداث الضرر الذي أصابه وانه بلغ من الجسامة درجة بحيث يستغرق خطأ المسئول).
—
الدكتور عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
أهلا و سهلا
نشكر لك كثيرا ما تقدمه للتدوين العربي حرفا و فكرا
ندعوك لزيارة موقعنا للتفاعل و تبادل المتابعة :
https://sociopoliticarabsite.wordpress.com/
وافر التقدير