حكايات من كفر نفرة: حكاية شهود الزور
حكايات من كفر نفرة: حكاية شهود الزور
لم يحدث مرة أن تحدثناعن الفرق بين من شاهد وبين من سمع إلا وتذكرت حكاية “شهود الزور”. وحكاية شهود الزور هذه هي حكاية يعرفها كل من سمعها تبيّن لنا كيف اضطر قاضٍ طيب إلى جلد أربعة رجال من أطيب الرجال الذين عاشوا في كفر نفرة لم يفعلوا أكثر من أنهم ذهبوا ليخبروا القاضي الكريم بما سمعوه من أربعة رجال من أعظم الرجال الذين عاشوا في كفر نفرة. كانت تجربة أليمة إلا أنهم تعلموا منها أن الواحد منا إذا أخبره أحد منا بخبر فعليه أن يحتفظ لنفسه بهذا الخبر وألا يذهب إلى المحاكم ليخبر القضاة به. لا يقبل القضاة إلا شهادة من رأى ويجلدون من شهد بما سمع. أدعو الله أن يأتي اليوم الذي نكف فيه جميعنا عن الحديث بما سمعنا وألا نتحدث إلا عما رأينا. إلا, طبعًا, إذا كنا نتحدث عما أخبرنا الله.
حكاية شهود الزور
هناك قصة معروفة, أي يعرفها كل من سمعها, تذهب إلى أنه حدث في يوم من الأيام أن رأت زوجة زوجها وهو يمارس الجنس مع امرأة من الجيران في بيتها في غيبة زوجها. سارعت المرأة بالذهاب إلى حيث كان يوجد زوج هذه المرأة وأخبرته بما رأته. قام الرجل مسرعًا وذهب إلى بيت من بيوت الجيران المعروفين بالصلاح والتقوى وطلب منهم الذهاب معه إلى بيته ليكونوا شهداء على ما يحدث فيه. تساءل الجيران عما سيشاهدونه إلا أنه طلب منهم الانتظار حتى يروا بأعينهم لأنه لا يريد أن يتحدث عما قد يسيء إلى جيرانه في غيبة شهود على صحة ما يرميهم به. اقتنع الجيران بصواب ما يذهب إليه جارهم, وعليه توجه الجميع إلى منزل الرجل هذا. دخل الجمع بهدوء إلى منزل الرجل وهناك, بهدوء أيضًا فتح لهم باب غرفة النوم وشاهد الجميع ما كانت تفعله زوجة جارهم مع جار آخر لهم. كانت المرأة وجارها منهمكين في ممارسة ما يمارسونه غير منتبهين إطلاقًا إلى وجود رجال تشاهد ما يفعلانه. أتاح ذلك الفرصة للجمع الذي يشاهد هذا العمل أن يروا تفاصيل ما يحدث من ولوج الرشاء في البئر أو المرود في المكحلة إلى آخر ما هنالك من تفاصيل.
خرج الجمع من غرفة النوم وتوجهوا إلى غرفة المكتب حيث جلسوا يتباحثون عما يجب على الزوج أن يفعله. اتفق الجمع على أن أفضل ما يمكن أن يقوموا به هو سؤال جار آخر لهم – معروف بالصلاح والتقوى ويشهد له الجميع بأنه من يوم أن ولد إلى يوم الله هذا لم ينطق بكذبة – عما يتوجب على الجمع فعله. وعليه, ذهب الجمع إلى منزل هذا الجار وهناك شاءت إرادة الله أن يجدوا ثلاثة آخرين من أفضل أهل الحي. جلس الجميع وبدأ زوج المرأة الزانية في الكلام حيث شرح ما حدث بإيجاز. أثار كلام الزوج المكلوم انتباه الجيران فسألوا الرجال الذين شاهدوا فعل الزنا عما شهدوه وهل رأوا فعلاً الرشا وهو يلج في البئر, أو المرود وهو يلج في المكحلة. وتحدث كل واحد من الشهود عما رآه واتفقت أقوالهم جميعًا على أنهم رأوا الرشا وهو يلج البئر, أو المرود وهو يلج المكحلة. وهنا اتفق الجميع على وجوب الذهاب إلى قاضي الحي للإبلاغ عن زنا المرأة المحصنة. خرج الجميع من المنزل يتقدمهم الشهود الذين رأوا فعل الزنا يليهم الباقي. إلا أن إرادة الله شاءت أن تأتي سيارة مسرعة فتصطدم بالشهود الأربعة وتقتلهم جميعًا.
علا الذهول وجه زوج المرأة وبانت عليه الحيرة إلا أنه سرعان ما خرج من حيرته وطلب من جيرانه أن يذهبوا معه إلى القاضي والإدلاء بشهادتهم. احتار الجيران وتساءلوا كيف يشهدون على شيء لم يروه. أخبرهم الزوج أن بإمكانهم الشهادة بما سمعوه, فقد استمعوا إلى رجال من أعظم الرجال, اتفق القاصي والداني, والمسلم والكافر, على عدلهم, وصدقهم, وحسن دينهم, وصفاء نيتهم, وذكائهم, وذاكرتهم, فضلاً عن أن الجيران أنفسهم لا يقلون عنهم عدلا, وهم قد استمعوا إلى الشهود العدول ورأوا كيف أن كل واحد منهم قال نفس الكلام, أضف إلى ذلك أن القاضي لو سأل كل رجل من الجيران عما سمعه فسوف يخبره بنفس الكلام الذي قاله كل واحد منهم. أي أن كل واحد من الجيران الأربعة سيشهد بصحة ما قاله كل واحد منهم. اقتنع الجيران بما قاله الزوج المكلوم, وعليه توجه الجمع إلى قاضي الحي.
استمع قاضي الحي إلى ما قاله الزوج المكلوم كما استمع إلى ما قاله كل واحد من الجيران. كان, للحق, قاضيًا صابرًا ودودا. عندما انتهى الجيران من الإدلاء بشهادتهم نظر القاضي بحزن إليهم وأخبرهم بتقديره لهم, وإدراكه لحسن نيتهم, وعلمه بصدقهم, إلا أن عليه أن يأمر بجلدهم حيث إنهم شهود زور. بيّن القاضي الكريم لهم أن دين الله الذي يدينون به لا يقبل شهادة من سمع وإنما شهادة من رأى. وحيث إنهم جاءوا للشهادة على امرأة بإتيان عمل لم يشاهدوه فهم شهود زور ويتوجب عليه أن يحكم بجلد كل واحد منهم ثمانون جلدة. وكأن المسالة, بهذا الشكل, هي أن ليس من سمع كمن رأى.
يأتي هذا ردًا على ما يخبرنا به فضيلة الشيخ الطحاينة من أن “طريق التثبت من النقليات هو التواتر وخبر الثقة”. اتفاق المئات على صحة خبر ما لا يجعل من هذا الخبر خبرًا صحيحًا. ونقل الثقة لخبر ما لا يجعل من هذا الخبر خبرًا صحيحا. الخبر لا يكون صحيحا إلا عندما يستطيع الإنسان أن يقف أمام القاضي ليشهد به ويأخذ القاضي بشهادته به. يستطيع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن يقف أمام الله ليشهد أن رسول الله قد قال “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله, ويقيموا الصلاة, ويؤتوا الزكاة, فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام, وحسابهم على الله تعالى.” يستطيع عبد الله بن عمر أن يقف أمام الله “ليشهد” بأنه سمع رسول الله يقول ذلك. يعود ذلك إلى أن عبد الله بن عمر قد شهد فعلاً رسول الله وهو يقول ذلك. لا أستطيع أنا أن أفعل ذلك. يعود ذلك إلى أني لم أشهد رسول الله وهو يقول ذلك. والسؤال عندئذ هو التالي: كيف لي أن أجرؤ على أن أشهد أمام الله أني شهدت – أو حتى سمعت – رسول الله وهو يقول ذلك؟ أنا لم أرَ شيئا ولم أسمع شيئا. من أين لي أن “أشهد” أن رسول الله قد قال ذلك. ما أدراني إن كان قال ذلك أم لم يقله؟ والخبر لا يكون صحيحًا إلا عندما يستطيع الإنسان أن يقف أمام القاضي ليشهد به ويأخذ القاضي به.
#تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/pg/Islamijurisprudence