حكايات من مركز تطوير الفقه الإسلامي حكاية جبال الياقوت
حكايات من مركز تطوير الفقه الإسلامي
حكاية جبال الياقوت
تفيض كتب الأحاديث بالقصص التي تبين الجهد الكبير الذي بذله الأئمة العظام, المحققون الأعلام, في جمع أحاديث الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام. تبين هذه القصص كيف قضى هؤلاء الأئمة العظام حياتهم متنقلين من بلد إلى بلد لجمع حديث من هنا أو حديثين من هناك. تبين هذه القصص كذلك كيف كان هؤلاء الأئمة حريصين أشد الحرص على ألا يأخذوا عن محدث إلا بعد التثبت التام من حسن خلقه وقوة ذاكرته. لم يكن أئمتنا العظام, بهذا الشكل, ليجمعوا الحديث عمن صادفهم في الطريق من بلخ إلى مرو, أو من مرو إلى البصرة, وإنما عمن ثبت لهم بدون أدنى شك حسن خلقهم وقوة ذاكرتهم. ليس من الصعب, على أية حال, بيان أن هذه القصص قصص “خيالية” يتناقض أولها مع آخرها ووسطها مع أولها. يظهر ذلك, بوضوح تام في قصة الإمام الأعظم محمّد بن إسماعيل البخاري رضي الله جل ثناؤه عنه وأرضاه.
تخبرنا كتب الحديث أن الإمام الأعظم محمّد بن إسماعيل البخاري كان “يحفظ” ما يصل إلى ستمئة ألف حديث. المشكلة, وهي مشكلة, أن الكتاب الذي تركه لنا الإمام الأعظم لا يحتوي إلا على ما يصل إلى سبعة آلاف وخمسمئة حديث. أي لا يحتوي إلا على ما يصل إلى واحد في المائة فقط – تقريبًا – من الأحاديث التي قيل عنه إنه كان يحفظها. والسؤال هنا هو كالتالي: لماذا لم يسجل الإمام الأعظم في كتابه العظيم تسعة وتسعين في المائة من الأحاديث التي كان يحفظها؟ والإجابة هنا لن تخرج عن واحد من اثنين. الأول, أن الإمام الأعظم وجد أن هذه الأحاديث لا تتفق مع المعايير المتشددة لقبول الحديث التي وضعها لنفسه وعليه “ردَّها” و”لم يوردها”. الثاني, أنه لم “يردَّها” وإنما توفاه الله قبل أن “يوردها”. وفي الحل الأول مشكلة, كما في الحل الثاني مشكلة.
مشكلة جبال الياقوت
نعلم ممن يعملون في البحث عن الياقوت أن الواحد منهم يذهب إلى جبال الياقوت في كامبوديا ويبدأ في التنقيب عن الياقوت, وعندما يجمع ما يستطيع جمعه يضعه في حقيبة يضمها إلى صدره ويسافر بها إلى لندن, أو نيو يورك, أو دبي, لكي يبيعها هناك. لا أحد يذهب إلى جبال الياقوت في كامبوديا ويرسل أطنانا من الحجارة إلى لندن أو دبي يحتوي الطن الواحد منها على كيلوجرام واحد من الياقوت. هذا عمل لا يقوم به إنسان “عادي”. ابحث عن الياقوت. افصل الياقوت عن الحجارة. ارسل الياقوت إلى دبي. دع الحجارة مكانها في كامبوديا. ما الداعي, بالله تعالى, إلى إرسال الحجارة مع الياقوت من كامبوديا إلى لندن؟ ما الداعي لهذه التكلفة؟ ما الداعي إلى “حفظ” أحاديث لا تتفق مع معايير قبول الحديث التي وضعها الإمام الأعظم لنفسه؟ لمَ, مرة أخرى, يكلف الإمام الأعظم نفسه بحفظ أحاديث هو نفسه غير مقتنع بصحتها؟ فكرة أن الإمام الأعظم كان “يحفظ” ستمئة ألف حديث – تقريبًا – لا تتفق مع شروط قبول الحديث التي وضعها هو نفسه لنفسه هي فكرة “غريبة”. لاحظ أن فكرة حفظ الياقوت مع الحجارة هذه تعني أن الإمام الأعظم كان يحفظ “بلا تمييز”. أي أنه كان يحفظ “أولا” ثم يميز “ثانيا”. لو كان الإمام الأعظم “يميز” أولا و”يحفظ” ثانيا لما اجتمع لديه هذا العدد الهائل من الأحاديث التي لا تتفق مع معايير الصحة التي وضعها هو نفسه لنفسه. لاحظ أيضًا أن فكرة جمع ستمئة ألف حديث لا تتفق مع معايير صحة الحديث إنما تعني أن موضوع أن الإمام الأعظم كان متشددًا أشد ما يكون التشدد في قبول الحديث هي فكرة وهمية. واضح تمامًا أن طريقة العمل هذه معناها أن الإمام الأعظم لم يكن متشددًا على الإطلاق. كيف يمكن اتهامه بالتشدد ونحن نعلم أن تسعة وتسعين في المئة من الأحاديث التي جمعها هي أحاديث لا تتفق مع المعايير التي وضعها هو نفسه لنفسه؟ تخيل موقف شركة الياقوت في لندن عندما تستلم مائة صندوق يحتوي تسعة وتسعون صندوقًا منها على “حجارة” على حين لا يوجد ياقوت إلا في صندوق واحد فقط. لا يوجد لدي أدنى شك في أن الشركة سوف تتصل بسكوتلاند يارد وأن سكوتلاند يارد سوف تتصل بأحد أطباء الاضطرابات العقلية للكشف عن سلامة إدراك الموظف المسؤول عن هذا العمل. هذه حالة اضطراب عقلي واضح.
تخيل, على خلاف ذلك, لوأن شركة الياقوت في لندن استلمت صندوقًا واحدًا من الياقوت ثم علمت بعد ذلك أن الموظف المسؤول عن جمع الياقوت قد مات واختفى بموته تسعة وتسعون صندوقًا من الياقوت. تخيل ماذا سيكون موقف الشركة حيال ضياع تسعة وتسعين صندوقًا من أصل مائة صندوق من الياقوت. ثم تخيل ماذا يكون موقف الشركة إذا اكتشفت أن المسؤولين عن ضياع هذه الصناديق يهنئون أنفسهم على حسن محافظتهم على أموال الشركة ويتباهون بإرسالهم “صندوقًا” مليئًا بالياقوت إلى مقر الشركة في لندن حتى بعد وفاة الموظف المسؤول. لا يوجد لدي أدنى شك في أن الشركة سوف تتصل بسكوتلاند يارد (أين ذهب تسعة وتسعون صندوقًا من الياقوت؟) وأن سكوتلاند يارد سوف تتصل بأحد أطباء الاضطرابات العقلية للكشف عن سلامة إدراك الموظفين المسؤولين عن هذا العمل. كيف يتباهي إنسان “طبيعي” بقدرته على “الحفاظ” على واحد في المائة مما هو في عهدته؟ هذه حالة اضطراب عقلي واضح.
هذا, “بالضبط”, هو ما يحدث الآن إذا كان لنا أن نصدق أن الإمام الأعظم “لم يرد” الأحاديث التي لم يوردها في كتابه. يخبرنا العاملون في حقل الحديث بأن الإمام الأعظم كان يحفظ ستمئة ألف حديث. نتعجب نحن من السبب في عدم كتابته لها في كتابه العظيم. يأتينا الرد بأنه لم يكتبها لأن الله قد توفاه قبل أن يكتبها. نتعجب نحن من أن أحدًا غيره لم يكتبها. كيف لم يهتم الأئمة العظام بتدوين أحاديث الرسول الكريم؟ كيف قبلوا “اختفاء” تسع وتسعين في المائة من الأحاديث التي كان يحفظها الإمام الأعظم محمّد بن إسماعيل البخاري؟ ثم كيف يتباهون بأنهم قاموا خير قيام على حفظ أحاديث الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام؟ كيف يمكن “التباهي” بالحفاظ على واحد في المائة من أحاديث الرسول الكريم؟ هذه حالة اضطراب عقلي واضح. المسألة مسألة اضطراب عقلي واضح.
9 مارس 2014
#تطويرالفقهالاسلامي
https://www.facebook.com/pg/Islamijurisprudence