عندما تُعشق الشوكولاتة: قصة صنع الشوكولاتة الداكنة بورنفيل!

 

CHOCOLATA

 

ندما تُعشق الشوكولاتة: قصة صنع الشوكولاتة الداكنة بورنفيل
أرسل إلينا الأستاذ الدكتور تشارلز كيلوج, رئيس قسم الفقه المورموني بجامعة يوتا, رسالة من “ألطف” الرسائل التي تلقيناها هنا في مركز تطوير الفقه الإسلامي. تتناول الرسالة تاريخ صنع الشوكولاتة الداكنة المعروفة باسم “بورنفيل” والتي تنتجها شركة كادبوري لصنع الشوكولاتة في مصانعها في قرية بورنفيل جنوب برمنجام في إنجلترا.تقدم قصة شركة كادبوري نموذجًا رائعًا لإتقان العمل, والحب, واحترام الناس, والنجاح في الحياة.

تبدأ القصة, كما يخبرنا فقيهنا المورموني الكبير, في منتصف القرن التاسع عشر عندما قرر جورج وريتشارد كادبوري الانتقال بشركة صنع الشوكولاتة التي يملكها والدهما من وسط مدينة برمنجام إلى منطقة ريفية تسمى بورن جنوب برمنجام. كان الإخوة كادبوري موفقين غاية التوفيق في قرار الانتقال هذا, إذ كانت المنطقة التي انتقلا إليها على مقربة من خطوط السكك الحديدية والقنوات المائية. وهكذا كان الكاكاو يأتي بالسكك الحديدية من موانيء لندن على حين كان اللبن يأتي بالمراكب من المزارع المحيطة. أضف إلى ذلك أن الله وفق الأخوان إلى منطقة يعشق أهلها العمل الذي يمارسونه. وهكذا تكاتفت كل الظروف لخلق مصنع شوكولاتة لم يشهد له العالم مثيلاً من قبل ولا من بعد. وفي وسط قصة النجاح هذه فكر جورج وريتشارد في فكرة لم يفكر فيها أحد من قبل. كانت هذه الفكرة هي صنع نوع من الشوكولاتة تصل نسبة الكاكاو فيه إلى 70 في المائة. وهي فكرة لم تخطر على بال أحد من قبل حيث لم تزد نسبة الكاكاو يومًا عن 20 أو 30 بالمئة. أطلق الإخوة كادبوري على هذا النوع من الشوكولاتة اسم “بورنفيل” اعترافًا بفضل هذه القرية عليهما وعلى الشوكولاتة التي أنتجوها. وهكذا ظهرت الشوكولاتة الداكنة. وهكذا انتشرت عبر العالم وأصبحت عنوانا للشوكولاتة الفاخرة في كل مكان من أرض الله. وهكذا انهالت الأموال على الإخوة كادبوري.

لم يختلف سلوك الإخوة كادبوري بعد ظهور الشوكولاتة الداكنة عما كان عليه قبل ظهورها. كانت معاملة الإخوة كادبوري لعمال المصنع دائمًا من أفضل ما يكون. إذ كانت مرتباتهم من أعلى المرتبات في إنجلترا, كما كانت هناك مستشفيات لعلاجهم هم وأسرهم, وكذلك مدارس لأولادهم, إضافة إلى إجازات عند المرض, بل ورحلات إلى الشاطيء في الصيف. وعلى الرغم من ذلك كان الإخوة يشعرون أنهم مازالوا مقصرين في حق عمالهم. هنا قام جورج بعمل غير مسبوق إذ قام بشراء قطعة من الأرض بجوار المصنع تصل مساحتها إلى نصف كيلومتر وأنشأ عليها بيتًا لكل عامل من عماله. لم تكن القصة قصة بيوت للعمال والسلام, وإنما كانت قصة بناء واحدة من أجمل قرى العالم. قام على تصميمها واحد من أشهر المهندسين في العالم. تمتليء حدائقها بالملاعب والزهور, وتسعد شوارعها الصدور. وهكذا كانت تصنع – وما زالت تصنع – أجمل شوكولاتة في العالم في أجمل قرية في العالم. وهكذا, أخيرًا, شعر الإخوة كادبوري بأنهم قاموا بواجبهم تجاه القرية التي ساعدتهم على صنع أجمل شوكولاتة في العالم. إلا أنه كان هناك لا زال شعور بالتقصير. وإن كان هذه المرة تجاه محبي الشوكولاتة بورنفيل.
كان الإخوة كادبوري يشعرون أنهم لم يكونوا ليصلوا إلى النجاح الذي وصلوا إليه بدون الذوق الرفيع والتضحية التي أظهرها محبو الشوكولاتة بورنفيل. يمكنك أن تصنع أجمل شوكولاتة في العالم إلا أنك لا يمكنك أن “تصنع” بشرًا يمكنها أن تدرك قيمة هذه الشوكولاتة وتقبل دفع ثمنها وبدون هؤلاء البشر فلا قيمة لهذه الشوكولاتة. فكر الإخوة كادبوري طويلا في حل يمكنهم عن طريقه إظهار تقديرهم لمحبي الشوكولاتة بورنفيل. وذات يوم طرأت على ذهن جورج فكرة. كانت هذه الفكرة هي إقامة مسابقة يحصل فيها الشخص الذي يثبت أنه يؤمن بأن الشوكولاتة بورنفيل هي أحلى, وأجمل, وأطعم, شوكولاتة في العالم على رحلة حول العالم يزور فيها مناطق إنتاج الكاكاو, والسكر, واللبن, وكل ما يدخل في صنع الشوكولاتة بورنفيل. بل ومصانع الشوكولاتة في كل مكان في العالم. وهي رحلة ستستغرق ثمانين يومًا حول العالم. نشر الإخوة كادبوري إعلانا بهذا الشأن في صحيفة التايمز اللندنية.

كانت المفاجأة هي تقدم ملايين من بعد ملايين بل ومن بعد بعد ملايين للمشاركة في هذه المسابقة. كان العجيب في الأمر أن عدد المتقدمين يزيد عن عدد قطع الشوكولاتة بورنفيل التي أنتجها مصنع الشوكولاتة كادبوري من يوم بدء العمل فيه إلى يوم نشر الإعلان في صحيفة التايمز. كان الأمر, حقيقة الأمر, صادمًا للإخوة كادبوري. كيف يمكن لبشر أن تدعي أنها تعشق الشوكولاتة بورنفيل وهي لم تذق طعمها يوما. وهكذا ولدت القضية التي مازالت تشغل علماء النفس إلى يومنا هذا. كيف يمكنك أن تتحقق مما إذا كان الشخص الذي يحادثك يعشق الشوكولاتة بورنفيل؟

يخبرنا سيادة الأستاذ الدكتور تشارلز كيلوج أن هذه القضية لا تشغل بال علماء النفس وحسب وإنما تشغل أيضًا أساتذة الفقه المورموني كذلك. يذهب بعض الفقهاء المورمونيون إلى أن باستطاتنا أن نعرف ما إذا كان من يحادثنا يؤمن بالله, وبأن جوزيف سميث رسول الله, وبأن كتاب المورمون كلام الله أم لا. يذهب البعض الآخر إلى استحالة معرفة ذلك. يستحيل التعرف على ما إذا كان يحادثنا يؤمن بالله أم لا يؤمن, يؤمن بنبوة جوزيف سميث أم لا يؤمن, ويؤمن بكتاب المورمون أم لا يؤمن. يذهب هؤلاء الفقهاء إلى أن هذا من الغيب الذي لا يعلم أمره سوى الله. يذهب الفريق المعارض إلى أن هذا الموقف إنما “يحرم” البشر مما إذا كان البشر يؤمنون بالله أم لا يؤمنون, وبنبوة جوزيف سميث أم لا. يأتي الرد على هؤلاء المعترضين بأن البشر “لا يلزمهم” معرفة ما إذا كان البشر يؤمنون أم لا يؤمنون. هذا أمر لا يلزم أحدًا سوى الله. ثم من أين للبشر أن تعلم ما إذا كان الواحد منهم يؤمن أم لا يؤمن إذا كان أهل علم النفس عاجزين إلى يوم الله هذا عن معرفة ما إذا كان الواحد منا يعشق الشوكولاتة بورنفيل أم لا. كيف يمكنك أن تحكم بإيمان الناس بالله إذا كان لا يمكنك أن تحكم بحبهم للشوكولاتة بورنفيل.

يخبرنا المفكر المورموني الكبير, سيادة الأستاذ الدكتور تشارلز كيلوج بأن قسم الفقه المقارن بجامعة يوتا يتابع بقلق الحوار الدائر في مركز تطوير الفقه الإسلامي حول الحكم بالظاهر والحكم بالباطن. يبيّن سيادته بأنه في حالة ما إذا ثبت بأن البشر يمكنها معرفة ما يؤمن به البشر وما لا يؤمنون به فإن ذلك سيعد فتحًا غير مسبوق في الفكر الديني. يمكن في هذه الحالة, مثلاً, التخلص ممن لا يؤمنون بالله, وذلك في حالة بعض المجتمعات, كما يمكن كذلك التخلص ممن يؤمنون بالله في حالة بعض المجتمعات الأخرى, يؤكد سيادته أن هذا سيبسط الأمور إلى حد كبير ويحقق العدل. لن يتم إعدام أحد لأنه مؤمن ظلمًا وافتراء, إذ لن يتم إعدامه بهذه التهمة إلا إذا كان فعلاً من المؤمنين. وكذلك لن يتم إعدام أحد بتهمة الكفر إلا إذا كان فعلا من الكافرين. يحقق هذا للبشر, كما هو واضح, الحكم بالعدل تمامًا مثل حكم الله. أضف إلى ذلك أن من توصل إلى ذلك سيحصل على الجوائز المتراكمة لدى شركة كادبوري لما يصل إلى قرنين الآن نتيجة فشل علماء النفس في الحكم بما إذا كان من يصرح بحبه للشوكولاتة بورنفيل يحبها فعلاً أم أن المسألة هي الحصول على لفة حول العالم بالمجان.

خالص الشكر والتقدير, لمفكرنا المورموني الكبير, سيادة الأستاذ الدكتور تشارلز كيلوج على كريم رسالته. أثارت رسالة سيادته اهتمامي كما جعلتني أتعرف على أشياء لم أكن أعلم عنها شيئا. كلي ثقة من أن رسالة سيادته ستثير اهتمام كافة أعضاء المركز خاصة من يذهبون إلى أن من الممكن التحقق مما إذا كان من يصرح بحب الشوكولاتة بورنفيل يحبها فعلاً أم لا. عن نفسي فأنا أحب الشوكولاتة بورنفيل من يوم أن قضمت أول قضمة منها إلى يوم الله هذا, إلا أني على ثقة كذلك بأن ذلك هو أمر يستحيل إثباته. لا أحد غير الله يعلم ما إذا كنت أحب الشوكولاتة بورنفيل أم لا. ودعك من الحديث عن الإيمان بالله, وبأن محمدًا رسول الله, وبأن القرآن كلام الله. كيف يمكن لبشر أن تحقق من أن البشر تؤمن بالله إذا كانت البشر قد عجزت عن التحقق مما إذا كان البشر يعشقون الشوكولاتة بورنفيل؟ كيف؟ بحق الله كيف؟
ومرة أخرى, خالص الشكر والتقدير لمفكرنا المورموني الكبير, سيادة الأستاذ الدكتور تشارلز كيلوج, على كريم رسالته. لا يحتاج الأمر إلى التوكيد على أن لا أحد سيحصل يومًا على جائزة الشوكولاتة.

31 أغسطس 2016
#تطويرالفقهالاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.