حكايات من كفر نفرة : الكاشف التجسسي ! #كمال_شاهين
حكايات من كفر نفرة : حكاية الكاشف التجسسي
تعليقًا على رسالة “الكاشف التجسسي”, أرسل إلينا سيادة الدكتور محمّد الصحاف رسالة يحدثناه فيها عن رؤيته لما ترمز إليه رسالة الكاشف التجسسي. سوف أورد تعليق سيادته أولاً ثم سوف أورد بعد ذلك حكاية الكاشف التجسسي نفسها. يقول سيادته: “الأخوات والإخوة الأعزاء,وأنا أنتظر دوري في ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ رويال برومتن مستمتعا بعازف ﺍﻟﻜﻤﺎﻥ ﻭﻫﻮ يعزف للمرضى والزوار مقطوعه من شتراوس, فتحت كاشف الآي باد متحفظا للدخول إلى رسائل المودة والمركز مقاطعـًا ما يجري من تراشق, وشخصنة, وجهل بمقومات الحوار الحضاري الذي ندعيه, وعلى قوله عز ﻭﺟﻞ *ﻭﺍذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما*. ولو كان الأمر لي لرجوت الإخوة المتراشقين بأن يكفوا قلمهم عن الكتابه لشهر حتى تهدأ النفوس, وتنظف آذاننا مما ﻳﺠﺮﻱ, وﻟﺮﺟﻮﺕ إخوتي في المجموعتين أن يكفوا ويقاطعوا مايكتبان حتى انتهاء الشهر. ولكن ما باليد حيلة, ارتأيت أن أقرأ مرة ثانيه للمجموعتين فوجدت مقالة أوقصة لأﺧﻲ ﺷﺎﻫﻴﻦ فحمدت الله لرجوعه إلى ﻣﺎ ﻫﻮ عليه. يتميز شاهين بحس رائع للكلمة وهو قدير على صياغة فكرته بأسلوب جذاب وباسترسال محترف يحفزك إلى استعمال جميع مجساتك الحسيه والفكريه لمعرفة الغرض والفكرة من القصه. وطبعا هذا يؤدي إلى وجهات نظر مختلفة في تحليلك للقصة. أنا وجدت أن القصة مميزة بأسلوبها وكأني أقرأ للأستاذ أنيس منصور. الفكرة في النص متعددة الأوجه ويمكن تحميل أكثر من تحليل لها بدءًا من ﻧﻘﺪ الكاشف ﺍﻟﺘﺠﺴﺴﻲ نفسه, إلى نقد أدواﺗﻪ المستخدَمه ﻭﻣﺴﺘﺨﺪِﻣﻴﻪ, إلى نقد وتصغير وجوده عموما. يرى شاهين أن التوصل للحقيقة عن طريق المراقبة, والتحليل, وما تيسر من معلومات متاحة ما هو إلا ضرب من الخيال والعبث, فالحقيقه لا يعرفها إلا الله تعالى, ومن يدعي غير ذلك.. *له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه*. فاقترابنا من الحقيقة اقتراب نسبيّ كما يرى أخي هلال, والسعي وراء تبني إيضاحات تطبيقية لمحاولة معرفة حقيقة الأمور والحكم عليها هو عسير وصعب ﻟﻠﻐﺎية وإن كان يستحق المحاولة في رأي أخي العبيدي على ألا يقود إلى opinionation or fixation في الرأي. دعوة أخي شاهين إلى أن نغير ما بأنفسنا ﻭﻧﺮﻓﺾ ﻛﻞ ما هو غير منطقي ﻭﺧﺮﺍﻓﻲ حتى نحفز قوانين الله ليغيرنا هي دعوة تستحق التوقف والتفكير.والسلام عليكم. تحياتي ومودتي.” 23 مايو 2014
حكايات من كفر نفرة – حكاية الكاشف التجسسي
قريتي قرية صغير من قرى المنوفية لا تبعد عن طنطا أكثر من عشرين كيلو تقريبًا. وهي قرية لا تشتهر بأي شيء, ولا تختلف في أي شيء عن أي قرية أخرى في المنوفية. وأنا أحبها لأني قضيت فيها كل إجازة صيفية من أولى ابتدائي إلى أولى جامعة. القاهرة بالنسبة لي كانت المكان الذي أعيش فيه لكي أذهب إلى المدرسة, أما كفر نفرة فهي المكان الذي أعيش فيه لألعب, ولأركب الحمار, وأذهب إلى الغيط, وآكل أحلى أكل في العالم. خبز من قمحنا, خبزناه في فرننا, وخضار من أرضنا, ولبن من جاموستنا, وماء من طلمبتنا, وفراخ, وبط, وأوز من بيتنا. وأهلي, صلاح قرطام ابن عمتي, وعبد الهادي شاهين ابن عمي, والشيخ حسن العكابري ابن ابنة عمتى, وكل عيال عائلة شاهين. كان أحلى ما في بلدتنا أن كل بيت فيها هو بيتنا, فكل بيت فيها يعرفني وأنا أعرفه وأعرف من يسكن فيه. لم تكن علاقتي بكفر نفرة مقصورة على البشر وإنما تشمل البيوت, والأشجار, والطيور, والحمير, والترعة, والهِرْيْ. كلهم أهلي. كانوا وما زالوا أهلي. ولليوم إذا ما شعرت بالضيق فما أقرب الحل. الحل كفر نفرة. وهذا ما حدث من أيام. كنت أشعر ببعض من الإرهاق, وبعض من الضيق, وعليه أخذت السيارة وانطلقت إلى كفر نفرة. المسافة من الإسكندرية إلى بركة السبع لا تأخذ أكثر من ساعتين. وما أن اقتربت من بركة السبع ولاحت بشائر كفر نفرة حتى كان النشاط قد حل محل الإرهاق والفرح محل الضيق. أنا الآن في المنوفية. ما هي إلا دقائق حتى كنت أمام منزل الوالد وكانت بانتظاري, كالعادة, الحاجة أم عبده التي تتولى العناية بالبيت وتقوم على إعداده لاستقبال أي من إخوتي أو أولادهم. اتجهت مباشرة إلى غرفة النوم لأغفو ولو لساعة قبل حضور الأهل والأصدقاء. وهذا ما حدث. امتلأ البيت بأولاد الأعمام, وأولاد أولاد الأعمام, وحضر حلمي شاهين صديق الطفولة حيث تصادف وجوده في البلد وكذلك حضر سيادة المستشار صلاح قرطام. وسيادة المستشار صلاح قرطام هذا هو ابن عمتى سكينة رحمها الله وهو يقيم الآن بصفة دائمة في كفر نفرة. حدث ذلك بعد أن ملَّ من القاهرة, وزحام القاهرة, وضجيج القاهرة. حدث ذلك أيضًا بعد اختراع الإنترنت وهو الاختراع الذي جعله ينقل حاسبه المحمول ويترك مكتبه في القاهرة. عندما تكون لديك الإنترنت تستطيع الاتصال صوت وصورة بكل شبر في العالم مقابل 220 جنيهًا في الشهر. لم يكن سيادة المستشار يحتاج إلى أكثر من ذلك ليمارس عمله من كفر نفرة وهو في حالة اتصال دائم مع لندن ونيو يورك. يعمل سيادة المستشار صلاح قرطام مستشارًا قانونيا للشركات الأجنبية العاملة في مصر فهو خريج كلية الحقوق جامعة القاهرة وحاصل على ماجستير ودكتوراه من جامعة كاليفورنيا في لوس انجليس. وقد فضل من لحظة تخرجه العمل في قطاع الاستشارات القانونية على العمل في التدريس. يعود ذلك إلى سببين. الأول أنه ملول فهو لا يستطيع أن يدرس نفس المادة فصلاً دراسيًا بعد فصل دراسي آخر كما يفعل المدرسون. والثاني هو أنه يحب الفلوس. ومرتبات المدرسين كما نعلم جميعًا متواضعة – إن لم تكن شديدة التواضع. أسعدني للغاية حضور سيادة المستشار صلاح إلى المنزل. حضور سيادة المستشار معناه حضور سي إن إن, والبي بي سي, وأو إس إن, وكل القنوات الفضائية. يمكن كذلك لسيادتك أن تطمئن إلى أنك ستقضي طوال الليل تستمع إلى أشياء لم تسمع في حياتك بها, فسيادة المستشار له علاقات واتصالات بكل الرجل المهمين في هذه الكرة التي نعيش فوقها. يمكن لسيادتك كذلك أن تطمئن إلى أنك لن تنطق بكلمة. لا يسمح سيادة المستشار لمخلوق أن يتحدث في جلسة هو فيها. باستثناء, إحقاقًا للحق, الحاج مصطفى شاهين عمدة البلد. لم يكن سيادة المستشار, على أية حال, لينسى أن يذكرك بين الحين والآخر بأن حضوره هو تشريف كبير لك. فالرجل مشغول إلى أقصى حد ولولا أنه يحبك لما كلف نفسه الحضور ولو لدقائق. من ناحيتي كنت دومًا معجبًا بالتمثيلية, ودوما متعاونًا معبرًا عن تقديري لهذا العطف الملكي. صلاح ابن عمتى, وأنا ابن خاله, ونحن الاثنان كنا نجري خلف نفس الحمار في الطريق إلى غيط المناشي. حتى في تلك الأيام كان صلاح يحاول دائمًا أن يعطيني الانطباع أني يتوجب علي أن أشعر بالفخر لأنه يلعب معي. لم يكن هذا السلوك “المتعالي” – وإن كنت, للحق, مترددًا جدًا في وصفه بـ”المتعالي” إلا أني لا أعرف تعبيرًا آخر يمكن أن أستخدمه لوصف ما يقوم به ابن عمتي في حالتنا هذه, فالمسألة, في نهاية الأمر, ليست أكثر من تمثيلية ولا هو متعالٍ ولا يحزنون – مقصورًا على إعطائنا إحساسًا بأنه “يشرفنا” بقدومه, وأن هذا شيء يجب أن نقدره وإنما كان يشمل كل جزء في حياته تقريبًا. ملابسه من الصوف الإنجليزي, وسيارته رباعية الدفع, ومنزل عمتي سكينة هدمه وهدم بيتين بجانبه وأعاد بناءه كي يبدو كنسخة من بيوت فرانك لويد رايت. وحديثه المستمر عن الفريق أحمد شفيق, والأستاذ عمرو موسى, وطبعًا جمال مبارك والدكتور محمد مرسي. لم يكن هناك رجل مهم في مصر إلا وكان قد اتصل بسيادة المستشار صلاح قرطام من ساعة أو بالكثير ساعتين. بالنسبة لي, مرة أخرى, كنت أشعر بـ”الانشراح” عند سماع هذه القصص. حقيقة الأمر, كنت أشعر بنفس الراحة التي أشعر بها عند قراءة “أليس في عالم العجائب”, أو “رحلات جليفر”, أو مشاهدة أفلام جين كلي. المسألة خيال رائع. حدثنا سيادة المستشار كيف اتصل به محافظ المنوفية أمس للبحث عما إذا كانت هناك شركة عالمية ترغب في إدارة شركة كهرباء طنطا. أخبر المحافظ سيادة المستشار أنه قد يئِس من إمكانية أن تقوم الشركة الحالية بإيجاد حل لمسألة انقطاع التيار الكهربائي. وعده سيادة المستشار خيرا. حدثنا سيادة المستشار كذلك عن اتصال مدير أمن القاهرة به لإخباره عن إطلاق سراح مصوري التليفزيون الأجانب الذين تم القبض عليهم أثناء قيامهم بتصوير مظاهرات مليونية قاموا هم بتنظيمها. أخبر مدير أمن القاهرة سيادة المستشار أنه أطلق سراحهم فقط لأن سيادة المستشار اتصل به وقال له إنه “يضمن” لسيادته شخصيا هؤلاء المصورين. حدثنا سيادة المستشار كذلك عن كيف اتصل به جمال مبارك أمس ليطلب منه أن يتوسط لدى جون أو برِنان – جون أو برِنان هو المدير الحالي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمعروفة باسم السي آي إيه – لكي يضغط من أجل العمل على إخراجه من سجن المزرعة ومحاكمته محاكمة عادلة. قال سيادة المستشار إنه سيتصل بجون على الفور لوضع حد لهذا الأمر فالمسألة زادت فعلاً عن حدها. تعهد سيادة المستشار بخروج جمال مبارك من السجن في ظرف 48 ساعة. أمضينا الليلة نستمع إلى هذه القصص. قصة, وراء قصة, وراء قصة. كان الجو رائعًا, والقصص لا تنقطع, وكذلك الشاي. ما أن ينتهي سيادة المستشار من قصة حتى يطالب الحضور بقصة أخرى. أعجبتني جميع القصص إلا أن “أحلاها” كانت قصة “الكاشف التجسسي” وقصة “صلاة الفجر”. قصة الكاشف التجسسيحدثنا سيادة المستشار صلاح قرطام أن العلاقة الوثيقة القائمة بينه وبين جون أو برِنان تعود إلى علم أو برِنان بأن سيادة المستشار صلاح قرطام يملك مفتاح “اللغز”. واللغز هذا هو جهاز كبير للغاية يحتوي كافة المعلومات عن كافة الأشياء. يعلم هذا “اللغز” متى تحركت سيارة الحاج محمود شاهين, وإلى أين, وماذا أفطر الحاج محمود شاهين, وماذا قال له سيادة وكيل النيابة حلمي شاهين زوج ابنته, بل يعلم هذا اللغز متى انقطعت الكهرباء في طنطا ومتى ستعود, وماذا يفعل الأستاذ عزت هلال, وما رأية الحقيقي في المقالات التي يتبادلها مع آخرين عبر الإنترنت, بل إن هذا الجهاز يعلم ما إذا كان هذا الشاي الذي نشربه الآن في بيت الحاج كامل شاهين هو شاي ليبتون أم شاي العروسة. حدثنا سيادة المستشار صلاح قرطام كذلك أن هذا “اللغز” هو لغز يستحيل اقتحامه ولا يعرف سره ومفتاحه أحد – بعد الله, طبعًا – إلا جون أو برِنان. قال سيادة المستشار, في محاولة منه لمساعدتنا على فهم الأمور, إن المعلومات التي يحتويها هذا الجهاز هي معلومات على درجة عالية من الأهمية مثل “كلمة السر” لتدمير روسيا, و”كلمة السر” لتدمير أوروبا, وآسيا, وأفريقيا, وطبعًا أوستراليا, وأخيرًا كلمة السر لتدمير العالم, بما في ذلك نيو يورك, وواشنجتن, ولوس أنجليس. باختصار, العالم. نظر سيادة المستشار صلاح قرطام إلينا وابتسامة شقية تلمع على وجهه وأخبرنا أنه يستطيع بدون اقتحام هذا الجهاز اللغز أن يحصل على كل المعلومات التي يريدها بما في ذلك كلمة السر الخاصة بتدمير أفريقيا وكفر نفرة. أكثر من ذلك أنه يستطيع أن يعرف ما إذا كنا نفضل شاي ليبتون أم شاي العروسة. أكثر من ذلك فهو يستطيع أن يعرف الآن من منا يصدقه ومن منا لا يصدقه. لم يكن ما يقوله سيادة المستشار لطيفًا وحسب, أو مسليًا وحسب, وإنما كان للحق مثيرًا. مرة أخرى عدت طفلاً تأسرني الروايات المثيرة. حقيقة الأمر, كنا كلنا كمن مسحورين بسحر ما يقوله سيادة المستشار. زاد السحر سحرًا والعجب عجبا عندما تساءل حمادة – ابن صبحي, ابن علي, ابن عبد الجواد, ابن عمي إبراهيم رحمه الله – ولكن يا جدو, حضرتك تقول إن هذا اللغز لا يمكن اقتحامه, وأن أي محاولة لاقتحامه هي محاولة مستحيلة, فكيف استطعت حضرتك اقتحامه؟ لمعت علامات الإعجاب على وجوه الحاضرين, وابتسم علي ابتسامة الفخر بذكاء ابنه. كان فخورًا بأن طفلاً في السادسة من العمر يستطيع متابعة هذه القصص المثيرة. نظر الجميع إلى سيادة المستشار ليروا كيف سيجيب على سؤال حمادة. ابتسم سيادة المستشار ابتسامة عريضة ولم يتمالك نفسه من الضحك بصوت خفيض وتوجه بالحديث إلى حمادة قائلاً “ومن قال بأني اقتحمت اللغز؟ أنا أكدت من ساعة ما بدأنا الجلسة – ونحن الآن اقتربنا من الفجر – أن لا أحد في العالم يستطيع أن يقتحم اللغز. ما قلته هو أني أملك “كلمة السر” التي تمكنني من معرفة المعلومات التي يحتويها اللغز بدون اقتحام اللغز نهائيا. كانت إجابة سيادة المستشار لطيفة فعلا, وصحيحة فعلا. لم يقل سيادته أبدا إنه يستطيع اقتحام اللغز. علت علامات التعجب وجه حمادة. كان واضحًا “تمامًا” أنه يجد صعوبة مطلقة في فهم كيف يمكن أن يكون هناك لغز في العالم لا يمكن لأحد في العالم أن يقتحمه ومع ذلك يستطيع جدو صلاح أن يتعرف على المعلومات الموجودة فيه. كانت مسألة كلمة السر الخاصة بتدمير كفر نفرة بالذات مسألة حساسة جدًا بالنسبة لحمادة حيث إن معناها أن حمادة سوف ينام في الشارع وليس في بيتهم. موضوع أن جدو صلاح يمتلك كلمة السر هذا هو موضوع يهدد أمن وسلامة حياة حمادة شخصيًا. أضف إلى ذلك أن جدو صلاح – في نهاية الأمر – لا يسكن في ناحية شاهين, وعليه فتدميرها لن يؤثر عليه نهائيا. بدأ القلق يعلو وجه حمادة.من ناحيتي كنت مستمتعًا للغاية برد فعل حمادة إلا أني أحسست بضرورة التدخل لأنه كان واضحًا أنه قد بدأ يدخل في مرحلة الانزعاج. نظرت إلى حمادة وقلت له ضاحكا “لا تقلق يا حمادة من هذا الموضوع, فجدو حمادة لن يدمر أبدًا ناحية شاهين. لا تنسَ أن خالتك صفية أم إبراهيم تسكن هناك. خالتك صفية ابنة جدو صلاح. هل سمعت عن أب يدمر بيت ابنته؟ ابتسم حمادة ابتسامة اطمئنان ثم ابتسم ابتسامة شقاوة وسأل جدو صلاح وعيناه تلمعان. “ولكن يا جدو, إذا كان من المستحيل اقتحام اللغز ومعرفة المعلومات فكيف عرفت المعلومات بدون اقتحام اللغز؟ علت علامات الإعجاب بذكاء حمادة وجه سيادة المستشار. كان السؤال فعلاً سؤالاً ذكيًا. إذا كان من المستحيل اقتحام اللغز لمعرفة المعلومات فكيف يمكن معرفة المعلومات بدون اقتحام اللغز؟ ضحك سيادة المستشار ضحكة السعادة بذكاء أطفال كفر نفرة ونظر إلى حمادة نظرة حب. العجيب أنها كانت نفس النظرة التي كانت تعلو وجه سيادته أيام كان يكسب في السباقات التي كانت تدور بيننا في الجري على امتداد الترعة. قال سيادة المستشار – موجهًا حديثه تمامًا إلى حمادة – انظر يا حمادة. لا بد أولا أن تعرف أن اللغز يحتوي كل المعلومات عن كل شيء في العالم بما في ذلك كلمة السر الخاصة بتدمير كفر نفرة, إلا أن لا أحد في العالم, بعد الله طبعًا, يستطيع التوصل إلى معرفة هذه المعلومات باستثناء جون أو برنان. هذا أمر مفروغ منه. إلا أن هناك شيء آخر لا بد أن تعرفه أيضًا – وهذه أشياء ستعرفها بالتفصيل عندما تصبح في سن جدو صلاح إن شاء الله – وهو أن أجدادنا من المصريين قد توصلوا إلى اختراع غير وجه البشرية نستطيع بواسطته أن نتعرف على المعلومات عن طريق العلامات. أي أننا نستطيع معرفة كل ما نريده من اللغز بدون اقتحام اللغز. اتسعت عيون حمادة دهشة من هذه المعلومات. استمر سيادة المستشار في الحديث. قام أجدادنا من قدماء القاهريين باختراع هذا الجهاز لمواجهة الدولة العلية أيام كان الأتراك يحكمون مصر من اسطنبول. كان اللغز يوجد وقتها هناك. قام لاظوغلي باشا, رحمه الله, والأرناؤوطي باشا, رحمه الله, وطبوزادة باشا, رحمه الله رحمة واسعة, باختراع “الكاشف التجسسي” الذي يمكننا من معرفة المعلومات عن طريق العلامات. يستطيع هذا الجهاز أن يرى الأشياء, ثم يحسبها, ثم يعطيك المعلومات. يعمل هذا الجهاز عن طريق تحويل العلامات إلى معلومات, وهي معلومات بسيطة يستطيع أي إنسان أن يحصل عليها. نظر حمادة إلى جدو صلاح وسأله. “ولكن يا جدو هل يستطيع أي واحد أن يحصل على هذا الكاشف التعسسي ويحصل على المعلومات؟” كان حمادة هنا – كما أخبرني فيما بعد – يفكر في “الواد سيد المشط” ابن أم عبده وهو شاب لطيف وطيب إلا أنه لص. كان حمادة – طبعًا – يعبر عن قلقه من أن يتوصل الواد سيد المشط إلى المعلومات ويقوم بسرقة منزلهم خاصة اللعبة الجديدة التي اشتراها له والده منذ أيام. لم يكن لدى سيادة المستشار, للأسف, أي فكرة عما يفكر فيه حمادة وعليه فقد انطلق في الإجابة على السؤال. قال سيادة المستشار. أولا, يا حمادة الجهاز اسمه “الكاشف التجسسي” وليس “الكاشف التعسسي”. ثانيا, نعم يستطيع كل إنسان أن يستعمل هذا الجهاز. الجهاز بسيط لا يحتاج إلى التغذية بعلامات معقدة. حقيقة الأمر, هذا هو سر إعجاز الجهاز. جهاز تقدم له علامات بسيطة يستطيع أي إنسان الحصول عليها, فيقوم بتحويلها إلى معلومات لا يعلمها أحد – بعد الله سبحانه وتعالى – سوى جون أو برِنان. نظر حمادة إلى الأرض, وبدت عليه علامات الغضب مما يحكيه جدو صلاح. كان حمادة يعلم رغم سنه الصغير أن ما يقوله جدو صلاح هو أمر يهدد حياته, وحياة أمه, وأبيه, وعائلة شاهين بأكملها, إن لم يكن كامل كفر نفرة. كان حمادة يعلم – رغم سنه الصغير – أن كفر نفرة بها لصوص. حقًا كل أهل كفر نفرة هم أهلنا, وهم ناس طيبون, نحبهم ويحبوننا, ونخاف عليهم ويخافون علينا, إلا أن فكرة وجود أجهزة يستطيع الواد المشط عن طريقها أن يتوصل إلى معلومات لا يعرفها إلا الله وجون أو برِنان هي مصيبة. حتى لو كان لا يوجد بكفر نفرة إلا المشط فقط فحصول المشط على هذه المعلومات سوف يحيل حياة الجميع إلى جحيم. ثم إن تشغيل الجهاز التعسسي ليس صعبًا. تعبئة بالعلامات من الشمال وحصول على المعلومات من اليمين, والمشط ليس غبيًا ولن يأخذ الأمر منه سوى أسابيع وبعدها يبدأ في الحصول على العلامات وبهذا تصبح الحياة في كفر نفرة كارثية. أخذ حمادة يدير وجهه من جهة إلى جهة ناظرًا إلى الحاضرين واحدًا وراء واحد كمن يطلب المساعدة للخروج من هذه المصيبة. وفجأة انفجر في الضحك. ضحك حمادة كما لم يضحك من قبل في حياته. كانت هناك نبرة فخر في ضحكته. نظر حمادة إلى أبيه وعمه وكل الحاضرين وهو يهز رأسه. كان كمن يقول لهم “كنتم تفكرون أنكم تتكلمون مع طفل؟. أدرك حمادة أنه لم يحل اللغز وحسب, أو أنه الطفل المعجزة وحسب, وإنما أنه أثبت فعلاً أنه لم يعد طفلاً. الأطفال فقط هي التي تخاف من القصص الخرافية. أبو رجل مسلوخة, وأمنا الغولة, والبعبع, والجنية, والسَّلَعَوْ, والكاشف التعسسيِ. استمرً حمادة في الضحك. كان مستمتعًا باكتشافه أن ما يتحدث عنه جدو صلاح هو قصة أو حدوتة مثلها في ذلك مثل قصة “لولا سلامك سبق كلامك لأكلت لحمك قبل عظامك”, وقصة “الجنِّيّة تحت الطبليَّة”, وعشرات القصص الأخرى التي يعرفها الأطفال في كفر نفرة. نظر حمادة نظرة امتنان إلى جدو صلاح. أمتعنا جدو بقصة جميلة. كان أداؤه رائعًا. حقًا استطاع حمادة أن يكتشف أن جدو صلاح كان يحكي لنا حدوتة إلا أنه صدق – ولو للحظات – أن جدو صلاح يتحدث عن قصة وقعت فعلاً. أخبرني حمادة فيما بعد بأنه سوف يحكي هذه القصة الجميلة للأطفال في المدرسة. قال وهو يضحك “الأطفال في الفصل سوف يصدقون هذه القصة. سوف أخبرهم أن اسمها قصة الكاشف التجسسي وسوف أحرص على أن ينطقوا الاسم بطريقة صحيحة. التجسسي وليس التعسسي. سوف يصدقونها فعلاً. عمومًا, هم في سنة أولى على أية حال, ومن الطبيعي أن يصدقوها. والله يا جدو كمال هناك أطفال تخاف من الجنية فعلاً ودائما تسير بعيدًا عن الترعة حتى لا تخرج الجنية من الترعة وتخطفها. نظر حمادة إلى جدو صلاح نظرة حب واعتزاز وطلب منه قصة أخرى. كانت الساعة تقترب من الثالثة صباحًا وحان وقت الرحيل للاستعداد لصلاة الفجر ثم أخذ غفوة صغيرة, إلا أن طلب حمادة حاز على موافقة الجميع الذين أصروا على طلب قصة أخرى. رضخ سيادة المستشار صلاح لطلب الجماهير وبدأ يحدثهم عما أخبره به سيادة اللواء حبيب العادلي مدير جهاز الأمن الوطني والذي يدير الجهاز من مقرة الحالي بسجن المزرعة في طرة. قال سيادة المستشار إن الحديث قد دار حول الإجراءات المزمع اتخاذها بشأن تنظيم صلاة الفجر في كفر نفرة. ظهر الاهتمام على وجه الجميع. يعلم الكل أن حبيب بك العادلي وزير الداخلية الأسبق ومدير جهاز أمن الدولة الأسبق هو سجين حاليا في سجن المزرعة. فكرة أن سيادته هو مدير جهاز الأمن الوطني الحالي وأن مقر الجهاز حاليًا هو سجن المزرعة كانت فكرة غريبة, إلا أن سيادة المستشار, بهدوءه المعهود, وابتسامته الساحرة, أخبرهم أن هذا كله ما هو إلا عملية “تغطية”. حبيب بك العادلي لم يترك منصبه أبدًا كرئيس لجهاز المعلومات بغض النظر عن الأسماء المتغيرة لجهاز المعلومات. وعلى كفر نفرة أن تعلم ذلك. إلا أن هذه قصة أخرى. ختامًا,
لا يسعني إلا تقديم خالص الشكر, والتقدير, والإعزاز إلى كلٍ من هانز كريستيان آندرسون, ولويس كارول, ودانيال ديفو. لم أكن أحلم يوما في حياتي أن يأتي اليوم الذي أستطيع فيه أن أؤلف قصصًا خرافية مثل تلك التي ألفوها. أحلم باليوم الذي تصبح فيه قصة الكاشف التجسسي قصة معروفة ومألوفة للأطفال مثلها في ذلك مثل قصة “ثياب الإمبراطور الجديدة”. ترشد قصة “ثياب الإمبراطور الجديدة” الأطفال إلى أنه مهما كانت الأسطورة قوية ومسنودة بكامل سلطات الدولة فإن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من صيحة طفل لتعرية الأسطورة. ترشد قصة الكاشف التعسسي – كما قال حمادة – الأطفال إلى أن التجسس على الناس خطأ, وتهديد حياة الناس خطأ, وأن “البيوت أسرار”, ولا أحد غير الله سبحانه وتعالى له حق معرفة أسرار الناس, يستوي في ذلك محمد علي باشا, مع جمال عبد الناصر, مع حبيب بك العادلي. مع جون أو برِنان نفسه. تلفت قصة “الكاشف التجسسي” أيضًا انتباه الأطفال إلى استحالة وجود لغز لا يمكن الوصول إليه إلا أنه يمكن الوصول إليه عن طريق آخر. هذا ما يسمى في علم النفس الإدراكي “العجز عن إدراك التناقض”. يبدأ أطفال المجتمعات الحديثة في إدراك التناقض مع بداية المرحلة الثالثة من مراحل نمو الإدراك. أي في حوالي السابعة من العمر, ومع انتهاء المرحلة الرابعة في حوالي السادسة عشرة من العمر يكونوا قد أصبحت لديهم القدرة على إدارك التناقض في كل مجالات الحياة. يعاني أبناؤنا في المجتمعات التقليدية من العجز عن إدراك التناقض. حقيقة الأمر, يولد الناس في بلادنا ويموتون بدون أن يدركوا يوما أن من المستحيل أن يكون هناك لغز لا يمكن التوصل إليه إلا أنه يمكن التوصل إليه بطريقة أخرى. إذا كان من المستحيل التوصل إلى اللغز فلا يمكن التوصل إليه بأي طريقة. وإذا ما أمكن التوصل إلى اللغز بأي طريقة فهو ليس لغزًا لا يمكن التوصل إليه. إما أنه لا يمكن التوصل إليه أو أنه يمكن التوصل إليه. إما هذي وإما تلك ويستحيل هذي وتلك. أدعو الله أن يغمرنا برحمته, وأن يهدينا إلى ما فيه صلاحنا, وأن يساعدنا على الوصول إلى ما فيه خير الجميع, إنه قادر على كل شيء. أقول قولي هذا وأنا أعلم أن *الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم* الرعد: 11 صدق الله العظيم
23 مايو 2014
من الخطأ, في تصوري, أن تنتهي القصة هنا. لا تكتمل القصة إلا بإيراد تعليق سيادة الدكتور حازم العبيدي. يقول سيادته: جُمعة مباركة للجميع في الإيميل أدنآه إشآرة بآئسة ولمز وتنابز وسخرية وإستهزآء بالكآشف التعبّدي ولكن بمسمّى جديد إسمه الكآشف التجسسي! فهذه كتابات من غير دليل ولاتنسجم مع القرآن الكريم وتعكس شخصية وأخلاق كاتبها *سورة الحجرآت “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿١١﴾”*سورة محمد “وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا ۚ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴿١٦﴾ “*سورة التوبة “الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّـهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٧٩﴾ “*سورة يس “يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ “*سورة الأحقآف “وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٢٦﴾” الذي يريد أنْ ينقد فقهاً معيناً (جديداً أو قديماً) عليه أنْ يتعرّف على القرآن الكريم أولاً لكي يجعله المصدر الأساسي له ليعرض عليه الفقه فإنْ إنسجم مع القرآن فيأخذ به وإنْ تعارض الفقه مع القرآن لايأخذ به ويرفضه.
حازم العبيدي
ملاحظة:
ألآية في أسفل الإيميل أدناه نقلها كاتب الموضوع مقطوعة ومجتزءة من آية كآملة فيكون هكذا عمل مصداقاً لقوله تعالى في سورة الحجر “كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ ﴿٩٠﴾ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ﴿٩١﴾ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٩٢﴾عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٩٣﴾ “كان المفروض أن ينقل لنا الآية كاملة من سورة الرعد هكذا “لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّـهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴿١١﴾ ” ومعنى الآية يختلف عن الذي أراد أنْ يوصله لنا كاتب الموضوع
خالص الشكر والتقدير لسيادة الدكتور محمد الصحاف وسيادة الدكتور حازم العبيدي على كريم رسالتيهما.
#تطوير_الفقه_الاسلامي
Kamal Shaheen