من أجل الفطرة ! هل نغير في القرآن ؟

INSTINCT.jpg
إلحاقا بالبحث الدائر حول الفطرة كما يظنه أخونا العزيز سيادة الدكتور محمد سلامه؛ أقترح بعض التغييرات في القرآن الكريم. لا تتعجبوا فهذا ما نفعله دون أن ندري مع الأسف.قال تعالى في سورة البقرة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (169). فيجب تغيير الآية الكريمة بحيث يزول دور الشيطان بالكامل. القرآن يقول بأن الشر يأتي من الشيطان والنفس ترفض أو تقبل ولم يقل بأن الشر من النفس. لكن النفس أمارة بالسوء باعتبار حاجة البدن وسعي النفس لإشباع البدن. فالذي يطلب السوء هو البدن أحيانا والذي يعلمنا بالسوء هو الشيطان أو تلاميذ الشياطين. وقال تعالى في البقرة أيضا: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ(269). فلو كانت النفس مستعدة لقبول الوحي فإن الله تعالى سوف يؤتيها الحكمة ولو كانت النفس تنطوي على مقومات الحكمة فلماذا يتولى الله تعالى إيتاءها الحكمة؟ لو كانت النفس تنطوي على ما يمكنها من الاكتشاف والإبداع لكان كافيا أن ينظر إلى المعلم ولا ينتظر عناية خاصة من الله تعالى.قال تعالى في سورة البقرة أيضا: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (213). فلو كان في النفس شيء يدعوهم إلى المثل العلا والأخلاق الفاضلة والإيمان بالله تعالى فلماذا بعث الله تعالى النبيين وأنزل الكتب السماوية؟ لو كانت النفس قادرة على التمييز الكامل للأخلاق الفاضلة لما احتجنا إلى عناية السماء. كان بعض جدودنا يتفاخرون بالسلب والنهب والقتل ثم جاء رسولنا الكريم وأنزل الله تعالى معه الكتاب فهداهم الله تعالى واحدا تلو الآخر للأخلاق الفاضلة وشعروا بأن القتل والسلب والنهب صفات رذيلة. أولئك كانوا أناسا طيبين غير شرسين لكن نفوسهم لم تساعدهم لأنها كانت فارغة مما يساعدهم على التمييز لكنها كانت مستعدة لتقبل الخلق الفاضل إذا ما ألقي عليها ولذلك دانوا لرسالة ربهم وخضعوا لها.وقد وضح لنا ربنا بأن الالتزام بالقانون أو الدين مسألة فطرية ولم يقل بأن المثل العلا فطرية. كان أبونا إبراهيم رجلا طيبا من قبل أن يفهم شيئا عن خالقه وكانت نفسه تنازعه بأن يبحث عن من يساعده من الغيب لأنه كان مفطورا بالدين والالتزام. فكر في أن ربه يجب أن يكون خارج الكرة الأرضية بالكامل وليس فقط خارج نفسه. كان يشعر بأن نفسه لا تساعده ولكن تنازعه ليبحث فقط. ولذلك فكر في النجم ثم القمر ثم الشمس ورفضها جميعا لأنها غير ثابتة ثم هداه ربه إلى نفسه. قال تعالى في سورة الأنعام: قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71). ثم ذكر سبحانه قصة إبراهيم كمثال لهدى الله تعالى فقال: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75). فهداه ربه هكذا وليس عن طريق النفس ولم يقل له عد إلى نفسك فسترى الإيمان والأخلاق بل أراه ما يزيده علما من خارج النفس فقال عز من قائل:فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80). وأعقب سبحانه القصة الطيبة بقوله الكريم: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83).ذلك العلم الذي اكتسبه إبراهيم من خارج النفس بفضل من ربه صار حجة على قومه لعلهم يتذكرون ولا ذكر لما في النفوس في كل قصة الهدى الإبراهيمي وقصة دعوة إبراهيم غيره إلى الهدى. وأظن بأن سيادة الأخ الطبيب غير منتبه بأن الفاكهة الطيبة لا يمكن أن نخزنه مع الفاكهة الفاسدة في مكان واحد. المثل العلا والإيمان بالله والأخلاق الحميدة لا يمكن أن تجتمع مع الشراسة وحب القتل والنهب في مكان واحد هو نفس كل إنسان. جدودنا اهتدوا من خارج النفس فتركوا السلب والنهب والقتل وصاروا أناسا مسالمين طيبين يحبون الإنسان وضربوا أروع الأمثلة في تضحية الإنسان في سبيل الدعوة إلى الله تعالى وفي سبيل نشر العدالة ورفع الظلم عن سواد الأمة.تلك النفوس ورثت الصفات الرذيلة من المجتمع الفاسد ففسدت ولم تصلح ثم هداها الله تعالى إلى رسولهم المبعوث بينهم فأخرج الرذائل من نفوسهم وأحل محلها الأخلاق والمثل العلا. قال تعالى في سورة آل عمران: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151). هم الذين يمكنهم أن يطيعوا الذين كفروا أو يطيعوا ربهم. الذين كفروا من خارج النفس يضلونهم والله تعالى أيضا من خارج النفس يهديهم. وهو الذي يلقي في قلوب الذين كفروا الرعب من خارج نفوسهم. ثم أعقبها سبحانه بأنه هو الذي بعث إليهم رسولا من خارج نفوسهم ليعلمهم ويهديهم فقال: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (164).وقال تعالى بعد ذلك بأن الشيطان من خارج النفس يخوف أولياءه حتى ينصاعوا لدعوة خارج نفوسهم ويرفضوا دعوة طيبة رسالية من خارج نفوسهم أيضا: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175). يتشبث الشيطان بتخويفهم لعلهم يقبلوا دعوته الفاسدة ولا يتشبث اللعين بما في نفوسهم من شر ليقويها ضد خير في نفوسهم كما يتفضل أخونا الدكتور سلامه أعزه الله تعالى. كل الضلال وكل الهدى من خارج النفس والنفس فارغة عارية كما قال بعض سلف أخي الفيلسوف سلامه من الفلاسفة السابقين.يستمتع الإنسان المؤمن بالإيمان بالله لأن الله تعالى يزين الإيمان في نفسه. قال تعالى في سورة الحجرات: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8). كل ما في النفس من عوامل مساعدة هي ما قالها الله تعالى نفسه وهي فطرة الالتزام بالدين ولا شيء غيره. ونحن نرى وجدانا بأن الناس يميلون إلى الدين بغض النظر عن نوع الدين. هذه هي الفطرة المعترف بها في القرآن وما يتفضل به سيادة الدكتور أبو المكارم غير ضروري بل يضر الاختبار بل لا يمكن الجمع بين الخير والشر المتضادين في مكان واحد.ثم إنني لاحظت بأن سيادته يتحدث عن الهوى وكأنه شر مستطير. ليس الأمر كذلك. الهوى ضروري لكل إنسان وهو أو هي من عوارض حب الذات أو الشعور بالالتزام حمايةً للنفس والبدن معا. لكن على الإنسان ألا يتبع الهوى المحض بل يتبع هدى الله تعالى. فحينما دعا إبراهيم ربه بأن يجعل أفئدة من الناس تهوي إلى إسماعيل في مكة فهو هوى بهدى من الله تعالى وهو صحيح ومفيد؛ لكن أن يتبع المرء أهواءه بغير هدى من ربه فهو ضلال بعيد. ولو يهوى الإنسان أهله ووطنه بتعقل ثم يرقى ليهوى ربه فهو على هدى وليس ضالا. فالهوى بعينه شيء مفيد وضروري للإنسان وهو مظهر من مظاهر حب الذات الغريزي دون ريب. والحقيقة أن الخير والشر ليسا هما المثل العلا والهوى بل الخير والشر بالنسبة لنا هو ما نفعله نحن اتباعا لربنا أو اتباعا لأهوائنا.أتمنى أن يقبل أخي الطبيب بأنني فكرت في المسألة وحاولت أن أفهم الموضوع بدقة وكنت على استعداد لقبول ما يتفضل به سيادته ولكنني لا أرى فيما يعرضه رشدا. نحب أن نتبع الصحيح ونتجنب الخطأ ولا نريد أن نتقبل كليات قد تضلنا وتجلب لنا الشقاء. أ     ضف إلى ذلك بأننا قد نكون مسؤولين أمام ربنا إذا سألنا من أين لكم أن تتحدثوا عن خلق النفس الإنسانية دون أن تسمعوا من ربكم؟ قال تعالى في سورة الكهف: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا ِلآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (50) مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51). إذا كان الشيطان وهو موجود طاقوي يجهل خلق النفس فكيف بنا نحن؟ المشكلة هو أن النفس الإنسانية الشاعرة واحدة من أهم المخلوقات.نحن نجهل حتى أسرار أبداننا. قال تعالى في سورة المرسلات: أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23). تصوروا أهمية خلق هذا البدن الذي هو أساس لصناعة النفس بأن الله تعالى يعتبره مظهرا من مظاهر قدرته. كما يقسم سبحانه بالأب الحيواني لآدم وزوجه في سورة البلد: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي كَبَدٍ (4). هذا هو والد الإنسان الأول في مكة. لقد مررنا بمراحل تطورية كبيرة طيلة فترة خلقنا التي أظن بأنها كانت في حدود 800 مليون سنة؛ فأنى لنا أن نعرف أسرار بدننا والأهم من ذلك أسرار نفوسنا. أظن بأن سيادة الطبيب يتحدث بغير هدى وأتمنى أن يراجع نفسه ويترك هذا الادعاء غير المستدل. الذي يعرف النفس هو الله تعالى وليس الطبيب محمد سلامه.لقد درست مسألة خلق المسيح وأمعنت فيها كثيرا لأجد بأن الروح القدس تمكن من القيام ببعض التغييرات في خلايا مريم كما غير بعض خلايا زكريا وزوجه والخلية مادية وليست نفسا. لكن الله تعالى ينسب النفس مباشرة إلى الله تعالى فالروح القدس نقل الروح من الله تعالى ونفخ في أحشاء مريم والذي صنع النفس هو الروح المرسل من الله وليس الروح القدس. ليس للروح القدس أي دور في صناعة النفس الإنسانية كما أظن عدا نقل النور من ربه إلى مكان الخلق. الروح هو طاقة خلاقة ولا يحتاج إلى من يحركه ولذلك ينسب الله تعالى خلق النفس مباشرة إليه سبحانه. كل الأدوار المذكورة للآباء والأمهات هي في صناعة البدن فقط.ولاحظت أيضا بأن الله تعالى لا يسمي النفس الحيوانية نفسا. وكما نعرف بأن الحيوان أيضا يملك شيئا مشابها للنفس وهي التي تدير بدنه وهذا هو الفرق بين الحيوان والنبات. فحياة النبات محصورة في الخلية ولا مركزية للشجرة ولكن حياة الحيوان في الخلية وفي النفس التي تملك البدن وتحقق للحيوان المركزية. لكن ربنا لا يسميها نفسا أبدا في القرآن فعلينا أن نبحث عن كلمة أخرى حينما نتحدث عن نفوس الحيوانات. إن أهم ميزة لنفوسنا هي الإدراك وهي خاصة بنفوسنا دون نفوس الحيوانات. والإدراك هو الذي يجعلنا نسخر الحيوان والنبات والأرض والفضاء إلى حد كبير إضافة إلى الطاقات والإشعاعات والعناصر والمواد الأرضية والجوية ووو.قال تعالى في سورة القيامة: أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الإنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40). الحديث عن أربع نعم خاصة بنا وهو ما نعرفه من تكراره سبحانه وتعالى لكلمة أولى ويعني أنعم. كل هذه النعم مشتركة بيننا وبين الأنعام ولكن لأبداننا ونفوسنا خصوصية كبيرة تميزنا عنهم. والنعم هي:
1. تعلق النطفة بالبويضة وهي التي تعين جنس الموجود الجديد ذكرا أو أنثى.
2. اختلاط الكروموزومات بل الجينات كمقدمة لتشكيل الخلية الأولى المغايرة لخليتي الأب والأم.
3. صناعة النفس متساوية مع الخلق الجديد الواضح في تشكل الخلية الجديدة.
4. تنشيط الجينات بما يتناسب مع الموجود الجديد لتقوم بالتصوير للكيان الجديد وتكرر نفس العمل في كل الخلايا المستجدة وهكذا صار بعض الناس ذكورا وبعض الناس إناثا ولكن بعدد متوازن باعتبار قانون الصدفة. فخلق مقابل كل ذكر أنثى.وحينما نقارن بين خلقنا وخلق الحيوانات فنشعر بفروق بدنية كبيرة منها:
1. لكل بدن صورة خاصة به ويمكن التمييز بسهولة بتصوير الوجه والحيوانات ليست كذلك فأكثرها مشابهة لبعضها البعض وليس سهلا أن نتعرف عليها بالوجوه.
2. الفرق بين الذكر والأنثى واضح في كل الأعضاء وليس فقط في الأعضاء التناسلية.
3. المرونة الواضحة في كل الأطراف وحتى في البطن والرقبة والرأس.
قال تعالى في سورة آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ ِلأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191). فقيامنا وقعودنا وتحركنا على الجوانب في غاية المرونة وهذا ما زاد على تفكير المفكرين من أهل مكة الذين لاحظوا بداية خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ثم لاحظوا أبدانهم ومرونة أطرافهم فتعمقوا في التفكير وقالوا لربهم: ربنا ما خلقت هذا (الإنسان) باطلا. أدركوا الفرق الكبير بينهم وبين كل الأنعام والحيوانات برمتها فسبحوا ربهم ودعوه ليقيهم من عذاب النار لأنه عادل لا يمكن أن يمنح هذه النعم سدى.أولئك الذين سماهم ربهم أولي الألباب والذين تقبلوا رسالة الرسول عليه السلام بمجرد عرضها عليهم فكأنهم كانوا ينتظرونه. قال تعالى بعد تلك الآيات: رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192) رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195).نحن نفتخر بهم بأنهم جلسوا رجالا ونساء في عصر سابق لعصر النبوة وفكروا في ربهم وفي خلق أبدانهم فخضعوا لله تعالى وأيقنوا بالحساب ولنا في بعض أشعار المؤمنين شاهد على ذلك. قال زهير بن أبي سلمى قبل الإسلام والذي توفى قبل بعثة نبينا المصطفى:فلا تكتمُنَّ الله ما في نفوسكم      ليخفى ومهما يُكتم اللهُ يعلم يؤجل فيوضع في كتاب فيدخر     ليوم الحساب أو يعجل فينقم أليس من الخير لنا أن نفكر فيما يمكننا معرفته ويسعنا فهمه ليرضى علينا ربنا كما رضي على أمثال زهير بن أبي سلمى قبل الإسلام ومدحهم في القرآن؟ أما الحديث عن النفس بالشكل الذي يتفضل به أخونا العزيز فأظن بأنه فوق مستوانا نحن ولعله فوق مستواه هو أيضا. إنه يكتب وكأنه شهد خلق النفس ويكتفي ببعض الأمثلة البسيطة لتثبيت حقائق نفسية لم يتطرق لها القرآن. هذا فعلا كبير علينا أخي الكريم.لقد قام رجل بقامة جان بياجيه بدراسة موضوعية لجانب واحد من جوانب النفس وهو تطور الإدراك من الطفل إلى البلوغ والرشد وقام بتجارب كثيرة ثم قام غيره بتجارب أخرى ليثبت بعض أخطاء جان بياجيه وهو أن العمر وحده ليس ملاكا للتطور الإدراكي. فهل قام فلاسفتنا بمثل هذه التجارب ليتحدثوا عن خلق الله تعالى للنفس الإنسانية وما أودعه فيها. لا أدري هل يعرف الإخوة القراء سعة ادعاء أخينا الطبيب سلامه والفرق بينه وبين ما قام به جان بياجيه وبقية علماء علم النفس الإدراكي؟ كلهم سعوا ويسعون فقط لفهم تطور الإدراك وخاصة لدى الأطفال وطبيبنا العزيز يتحدث عن ماهية النفس وما أودعه الله تعالى فيها من أسرار بدون آية قرآنية وبدون القيام بتجارب كبيرة على مختلف طبقات الناس. لو أردنا معرفة ما يتفضل به الطبيب سلامه من بيان ماهية النفس علميا فسنحتاج إلى تجارب في حدود قرن كامل وعلى كل أنواع البشر في الأرض. يجب دراسة كل حالات البشر في عدة أجيال لنستيقن بأن هناك فعلا شيء نفسي واحد في كل نفوس الناس وليس بالادعاء وكتابة الجمل الجميلة الرنانة. لأخينا الكبير الطبيب محمد سلامه كل الحب  والود والاحترام لعلمه فأنا شخصيا أفتخر بوجوده بيننا وأتباهى بطموحاته العلمية.
أحمد المهري
#تطوير_الفقه_الاسلامي
8/8/2016
اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.