اضلاع القوة حلقة 4 : #الاقتصاد …#الموارد 1
اضلاع القوة : حلقة 4
#الاقتصاد .. #الموارد ..1
مرحبا دائما
نلتقي وهناك رسائل تسال عن ما نسميه الجرعة السعرية في زيادة المحروقات ، …..ولكي لا يكون حديثي خارج نسق السلسة سيكون ضمنها … فتصبروا معي …
نعم اخوتي
نلتقي من جديد مع السلسة التي أرغب من خلالها معكم لفهم الاحداث التي تدور حولنا ،منطلقنا هو مثلث أضلاع القوة : الاقتصاد والسياسة والوعي ، بدأنا في الاسهاب في الاقتصاد لأنه الضلع الأهم والابرز ، لكنه ليس القاعدة ليس الضلع الأخطر … لن نسهب الان لان الحديث سيأتي تباعاً .
لما بدأنا الحديث عن الاقتصاد قلنا أن الاقتصاد علم يبحث ويتناول القدرة والوفرة والرغبة، أي جوانب الإنتاج والاستهلاك وتحقيق الثروة. وتعرفنا أن من يدير الاقتصاد يدير الحياة، ومن الصغير الى الكبير نجد ان من يمتلك إدارة الاقتصاد يمتلك القدرة على التحكم في حياة الناس.
تعرفنا ان للاقتصاد أدوات لأدارته، وأن تلك الأدوات في الاغلب تدار عبر دورة مكتملة يعبر عنها بالنقد، وأن المؤسسات النقدية والمالية هي التي تدير تلك العجلة بل وتتحكم بها، لكن تلك الدورة تقع في مصيدة الفساد، وتعرض الدورة للتوقف او تغيير المسار.
تتعرض الدورة الاقتصادية لانكماش وتوسع وتسعى كل دولة للحفاظ على الدورة في حالة استقرار والانتقال للتوسع، وتجنب مرحلة الانكماش او الانهيار،لكن هذا ليس بالإمكان دائما .
تدير الدولة الاقتصاد عبر :
-
سياسات مالية يعبر عنها بقوانين متعددة وإجراءات متعلقة بألية إدارة الأموال وإدارة الموازنة الإيرادات والنفقات و قوانين الوعاء الضريبي وووو .
-
وسياسات نقدية يعبر عنها بسياسات الاقتراض والاحتياطيات وغيرها مما يؤدي الى تحسين او ترتيب التدفقات النقدية وميزان المدفوعات.
ولكي تعمل مكينة الاقتصاد فهي بحاجة لموارد، التي من خلالها يدار الاقتصاد العالمي أو القومي أو الوطني أو الشخصي. تلك الموارد تعبر عن مصادر تأسيس الحياة الاقتصادية للدولة ، ومن أهمها موارد الدولة الطبيعية في جوف الأرض او على الأرض . وفي الاغلب نعبر عن الموارد بأنها موارد مالية نقدية أو موارد مادية غير طبيعية أو موارد بشرية، وهي ثلاثية الموارد، والتي يتبعها موارد ثانوية هي الموارد المعلوماتية والزمنية .
وتلك الموارد هي ما يحتاجها من يؤسس مشروعه الكبير أو الصغير والتي ألفنا في حياتنا بتسميتها رأس المال ، والمال هنا لا يقصد به النقد ، كل مصدر يسهم في خلق المشروع و تمكينه هو جزء من رأس المال، رأس المال النقدي (رأس المال العامل)،رأس المال المادي،ورأس المال البشري ، ويعبر عنها بالأصول .
ومن باب الخروج اللطيف يمكن أن أوضح بأن العرب يفرقون بوضوح بين المال والنقود و الاقتصاد اليوم يفهم ذلك. كان يعبر عن المال لدى العرب بمعنى الابل،فمن لا يملك الابل لا يملك المال….وتطور المفهوم ليشمل كل شيء يمتلكه الانسان ذا قيمة فهو ماله، ذهب وجواهر وعقارات وأفكار وووووو… و بالتالي كل ما له قيمة هو مال … وقد جاءت الآية الكريمة لتعبر عن هذا في قوله تعالى في سورة الكهف:
“الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا”
ومن الاستدلالات التي أراها في الآية انها جعلت من البنين ، الجيل التالي مقامهم مقام المال … و هذا يحتاج لوقفة ليس هذا مقامها . وأما الباقيات الصالحات فهو ذكر الله تعالى …هي ما تجنيه في الاخرة … !
لنعد …
كما ذكرنا المال كل شيء ذا قيمة له قبول تجاري في التبادل او المقايضة يتحقق من خلاله الحصول على منفعة، والاقتصاد يوضح لنا اليوم أن النقد ليس قيمة في حد ذاته، فهو قيمة لمن يمتلكه للحصول على المنافع ، وبالتالي القيمة مقابل المنفعة … وهذا سيخرجنا عن موضوع هذه المقال، سيأتي التطرق اليه في مقال قادم عن القيمة والمنفعة ، وسبب تطرقي لهذا الامر الآن لغرض توضيح مفاهيم في المقال سيأتي تباعاً.
…احبائي
النقود هي احد الموارد التي نتحدث عنها، لكنها في الحقيقة ، ليست مورد ذا قيمة في ذاته وانما قيمة ناتجة عن القبول به كوسيلة لتسيير الدورة الاقتصادية ، وبدونه يحدث خلل كبير في الدورة الاقتصادية.
نعم ..سؤال خطر في بالكم ..كيف النقد ليس ذا قيمة في ذاته وهو مهم ؟
النقود هي وثائق تثبت أنك تمتلك قيمة معينة من خلالها تتحصل على منفعة ترغب بها ، فالنقدية بمئة ريال ، ستعطيك منتج بقيمة المئة ريال ، الطرف الثاني الذي استلم منك المئة ريال سيعطيها لطرف ثالث للحصول على منفعة يرغب بها ، نفترض دفع بها جزء من فاتورة الكهرباء ، المئة التي حصلت عليها مؤسسة الكهرباء من الطرف الثاني ستوجهها الى رصيدها في البنك المركزي والذي بدروه سيقدمها لمؤسسة ما والتي ستأخذها لتسيير عملها ومنها ستعود اليك في نهاية الشهر كجزء من مرتبك ، المئة في ذاتها ليست قيمة وانما وسيلة للحصول على المنفعة ، أما القيمة الفعلية هي في ثقة الأطراف ان هذه الورقة التي تدور بينهم تحمل قيمة مئة ريال ، لأنها صادرة عن البنك المركزي للدولة. ومصدر الثقة ان هذه النقود له قيمة بقبولها تجاريا للتعامل به بوجود الغطاء الذي يحصنها به البنك المركزي عبر الاحتياطي من الدولار الأمريكي المقبول عالميا كعملة مقبولة للتبادل التجاري … والدولار يمثل الغطاء للقيمة النقدية لأغلب دول العالم تقريبا وقد سبق الإشارة الى هذا في مقال سابق .
و بالتالي يحرص البنك على وجود احتياطي مناسب من العملة النقدية الدولار التي تحصن قيمة عملته في السوق المحلي من جهة وتتيح له التبادل التجاري مع الخارج من جهة أخرى .
فقدان الغطاء النقدي يفقد العملة النقدية قيمتها التبادلية لدى الأطراف في السوق المحلي والسوق الخارجي، مما يعرض الدولة للإفلاس، ولابد ان تمتلك الدولة ما يساعده للحفاظ على دورتها الاقتصادية الداخلية، ولو فقدت هذا فستحدث كارثة في الدولة تعرضها للانهيار. ولو اخذنا مثل قريب ، لما فقدت العراق قيمة عملتها بعد الحصار الجائر عليها ، استخدمت وسيلة مالية بديلة هي المقايضة ، أي الأطراف تحصل منك على ما تراه يحقق المنفعة لها في مقابل حصولك على المنفعة لديها ، فكانت سياسة (النفط مقابل الغذاء ) … لكن ماذا لو لم تمتلك العراق قيمة تقدمها كبديل للحصول على احتياجها من الغذاء والدواء …. !
لذا تحرص جميع الدول ان تحول النقود التي تمتلكها الى موارد يمكنها جني النقود من خلالها او جني المنافع الأخرى لها ، وهنا يكمن أهمية أدارة النقود وتوجيه السياسة النقدية للحصول على موارد مختلفة او تطوير الموارد في الدولة …. هنا تكن القيمة الحقيقية للنقود في خلق الموارد وتطوير الموارد ….
لو نظرنا لمثال قريب امارة دبي، امارة لا تمتلك الميزات التي تجعلها ميناء حيوي، أو قاعدة تجارية مستقرة ، هذه النظرة يعرفها من يدير دبي ، ويفهم ان موارد دبي الطبيعية محدودة ، لذا لابد من إيجاد قيمة جديدة مستقرة في دبي لجعلها مصدر مستمر لدورة النقد إيجاد موارد صناعية ، هنا توجهت إدارة دبي لتحويل امارة دبي لأكبر مركز تجاري على وجه الأرض ، كل إمارة دبي تتحول الى مركز عملاق يحوي العديد من المراكز …. يشمل كل ما تتوقعه من اطر اقتصادية وسياحية وووو …. بهذه الطريقة يمكن ان تصبح دبي مزارا دائما لكل الناس ومن أي مكان،وبالتالي الدورة النقدية تستمر … رغم ان هذه المشاريع العملاقة تحتاج لمبالغ نقدية كبيرة جداً .. لكن من يعمل في دبي يفهم قاعدة النقود وسيلة وليست غاية … هي نفس القاعدة التي تعمل بها اقتصاديات الدول الكبرى … النقود وسيلة وليست غاية … تذكرها جيدا
وليس بالضرورة ان دبي هي النموذج الأنسب لكل عمل ولكل دولة وانما مثال ندرس فيه القواعد …لان السر في إدارة الموارد هو اكتشاف الموارد التي يمكن ادارتها أولا والهدف من ادارتها .
هناك كتاب عنوانه (ابي الغني –ابي الفقير ) لروبرت تي.كيوساكي، يتحدث فيه هذا المفهوم ، لا يهم ان تمتلك النقد المهم كيف تحول النقد الى موارد تديرها لتستمر دورة النقد ……
اذن أين يكمن الخطر ؟!
الدورة النقدية وهي المورد الذي يولد الموارد يحتاج لدورة مكتملة ، بحيث ان النقد الصادر من الجهة المالية المعنية في الدولة وهي البنك المركزي عندما يصدر في السوق المحلي 100 ريال يتوقع عودة المئة ريال نفسها ، أو …وهو الأهم يتوقع زيادة النقد من 100 ريال الى 200 ريال … ما يحدث ان هذا لا يتم بل تتشكل فجوة بين النقد الصادر والنقد الوارد وقد وضحتها في مقال الاقتصاد الخفي،…
يظن الناس ان الاحتياطي النقدي من الدولار هي أموال لاتتحرك، وهذا المفترض نظريا،لكن الذي يحدث ان الاحتياطي يتم اطلاقه في السوق في اتجاهات استثمارية وتنموية للحفاظ على مستوى الاستقرار او زيادة النمو ، عندما يحصل السوق المحلي على تلك العملة ينبغي ان يديرها داخليا ، لكنه في الحقيقة يقوم بتصديرها للحصول على البضائع من الخارج ..
تعال معي للمثال التالي للتوضيح : تقوم شركة سين بشراء موادها الخام من دولة صاد بمبلغ 100 الف دولار ، إذن هناك 100 الف دولار خرجت من الدورة النقدية لسين الى دورة نقدية لصاد ، ليحصل بها على مواد خام ، يصنعها للحصول على منتج معين أي منتج يبيعه في السوق المحلي ، وتستمر الدورة ، هذه الشركة لم تعوض المبلغ المصدر الى الخارج بمقابله من الخارج بل حصدت قيمته من الدورة النقدية الداخلية لدولتها ومن هنا تحدث فجوة كبيرة في النقود ، ومع الزمن تفقد الدورة النقدية القيمة العليا وتعود للانكماش ، مما يرفع نسبة التضخم ، وتلقائيا يؤدي الى الكساد .
هذه مشكلة … حاولت دول كثيرة في فترة ما الاعتماد الكلي على آلية المقايضة وحاصرت عملية تصدير العملة … لم تنجح لان المقايضة لا تلبي المطلب لكل المنافع التي تحتاجها الدولة وقد لا تجد كل الدول ما تقبله لديك لتقايض به ..
عالجتها آلية السوق ببساطة أن عليك إيجاد ما تنتجه وتخلق ما يمكن قبوله ، لتوليد دورة نقدية اكبر … لهذا حرصت دول كثيرة على أن تكون الخدمات هي وسيلة الحصول على النقد ، ومن تلك تطوير السياحة … لان السياحة تجذب أفواج من البشر سينفقون نقودهم في دولتك فلو افترضنا ان هناك مئة سائح صرف مئة دولار فقد ادخل في دورة الدولة نقوداً توازي عشرة آلاف دولار امريكي …ستدخل بعضها في الوعاء الضريبي للدولة مما يسهل ويساهم في تقديم الخدمات للمواطنين ..وهكذا …
المشكلة الأكبر هي في حجم النقد الذي يتسرب في جوف الدورة النقدية ذاتها ، هذه الأموال تسبب كارثة في الاقتصاد وتهدد عجلة النمو والاستقرار، لهذا تحرص كل دول العالم على تشجيع الادخار ، والدفع للناس بفتح حسابات في البنوك او المؤسسات المالية ومنها مؤسسة البريد العام ، هذه وسيلة لاستدعاء الأموال من السوق الخفي ،ولكن الادخار رغم أهميته في توفير النقد للمؤسسات المالية ويساعدها في تنفيذ عملها ن لكنه في جوهره هو عبارة عن تضخيم وهمي للنقد الذي لم يقدم أي مستجدات في الموارد للدولة ، وبالتالي يجب تفعيل دور النقد بتوجيهه نحو المشاريع الاستثمارية الحقيقية….
في الوقائع لم يتم تفعيل دور النقد وتحويله الى استثمارات وانما ، ينتظر المدخر ريعا من النقد المدخر في البنك دون ان يهمه كيف يمكنه ذلك ، وهنا يأتي الخطر الذي حرمه الإسلام وهو الربا ،أي الحصول من المال على المثيل وزيادة بدون سبب .. وهذه المشكلة سعت الدول الى تطوير منظومة مالية جديدة وهي أسواق الأسهم ، وتحويل الشركات الاستثمارية الى شركات مساهمة عامة ، مما يدفع أي فرد لشراء الأسهم وبالتالي يؤدي ذلك الى تحريك النقد في سبيل عمل حقيقي وليس افتراضي زز وقد نجحت هذه الفكرة في سحب دفع الناس من دخول سوق الأسهم ،
و جاءت التجربة التركية لتعطي وسيلة مميزة في تدوير النقد وادارته وهي الصكوك الإسلامية ، التي سهلت تدوير المال وتحويله لاستثمارات بارزة وعملاقة ….
ومع بقاء حاجة الدولة لتدوير النقد ، وسحب السيولة من السوق تتبع وسائل لدفع الناس لتسديد اكبر قيمة ممكنة من النقود من خلال سياسات اجبارية. منها الدمغة والضريبة والجمارك.
ومن بين تلك الوسائل السهلة رفع الدعم ….!!!
الحديث كثير عن الدعم ، جئنا اليه اذن ….
الدعم الحكومي ظاهرة بارزة في الدول النامية وهو في الحقيقة آلية لتوجيه تقديم امداد مالي لتخفيض أسعار السلع إما :
-
لصالح صناعة (وهو ما تقوم به بعض دول شرق آسيا كالصين لدعم التصدير منتجاتها ومواجهة التنافسية العالمية ومن ذلك خفض او الغاء الضريبة على السلع المصدرة أو تقديم خصومات في النقل للسلع المصدرة)
-
وإما لصالح المواطن لتخفيف الظروف المعيشية ومساندته في تسيير احتياجاته اليومية ( وهذا ما اعتمدته أغلب الدول النامية تقريبا او الدول ذات النهج الاشتراكي الشيوعي للسيطرة على السوق .. وقد تبنته خاصة بعد فترة الستينيات من القرن الماضي وكان نهجاً مؤقتا لكنه وفجأة اصبح عبئا على تلك الدول )