إنه المعلم في المدرسة أو الجامعة إنه المدرب أو الباحث إنه المرشد، إنه المقدم في التلفزيون أو الكاتب في الصحيفة ، إنه … كل انسان يعلم الناس بصورة مباشرة أو غير مباشرة .
لكن ليس عن هذا سأبحث أنا سأبحث مفهوم التعليم والتربية والتدريب …
في البدء سأوضح أن الإنسان كائن متعلم ، بمعنى أنه قادر على استيعاب المعطيات القادمة له من البيئة المحيطة به وتحويلها لمجموعة مفاهيم من خلالها يتشكل الإدراك ، فالإدراك هو فهمنا لما يدور حولنا من وقائع بناء على المعطيات المسبقة لدينا ..
فالتعلم قد يشمل التلقي المباشر أو التلقي غير المباشر عن طريق المحاكاة ، والمحاكاة هي الجزء الحيوي في حياة الطفل لينمو .. لذا عندما لا تستوعب هذا النقطة أعيد لك هل يوماً ما جلس فلان من الناس مع طفله الصغير ليعلمه الابجدية …. أم ان الطفل الصغير يبدو في محاكاة الكلمات الصادرة عن الكبار ليحولها لكلمات ذات مغزى عنده .. تضحكنا لكننا نفهمها ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ.)
وإن عدنا للأدب نجد القصة الفلسفية الرائعة لابن طفيل حي بن يقظان ، تحكي لنا كيف هذه القدرة العليا على التعلم ، أو ما تعرف اليوم بالتعلم الذاتي .
لكن إشكالية التعلم الذاتي ، تفقدنا الكثير من التكلفة والوقت في اطار التطور النوعي للحياة ، ولتطور احتياجاتنا وبالتالي تبرز أهمية التعلم عبر الآخرين ، لماذا ؟
لأن هذه الآلية ستجعل كل انسان يمر بنفس التجارب للوصول الى نفس النتائج ، بمعنى مفهوم التجربة والخطأ …إذن سيتكرر اختراع التلفزيون ملايين المرات ، وسيتكرر اختراع الطائرة ملايين المرات … ولن يتقدم الانسان …
لذا فإن من اعظم منحة للبشرية هي الكتابة والتعليم ..
ولذا نجد ابن خلدون يقول عن التعليم : “الرحلة في طلب العلوم ولقاء المشيخة مزيد كمال في التعليم”، وأضاف بأن البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم وما ينتحلون به من المذاهب والفضائل تارة علما وتعليما وإلقاء وتارة محاكاة وتلقينا مباشرة.
لنتخلص من تكرار التجربة والخطأ للوصول لنفس النتيجة التي وصل لها الآخرون … علينا بدرب التعليم ..
ولذا فإن بناء أي دولة أو أمة يعتمد على بناء منظومة التعليم فيها، ولذا كان أول ما أسس في المدينة هو المسجد الذي كان الجامعة الأولى التي تربى فيها كبار الصحابة الكرام … وتوالى تأسيس المدارس والجامعات وكانت تؤسس أهلية قامت على الأوقاف الكثيرة التي تبرَّع بها الأغنياء من قادة، وعلماء، وتجار، وملوك، وأمراء. ومن أولها الجامع الأزهر عام 378هـ،
كانت المدارس عامة أول أمرها أهليَّة كما ذكرت ، ثم تدخلت في إنشائها وإدارتها مؤسسة الحكم والخلافة، بدءًا من الوزير الشهير نظام الملك الطوسي في 428 هـ الذي أضحت المدارس منذ عصره حكومية، تنفق مؤسسة الحكم عليها، وتـُجلِب المعلمين والمدرسين إليها ،وقد أسدى هذا الوزير للحضارة الإسلامية ما خلّد ذكره، بإنشائه عددًا من المدارس في أنحاء الدولة نسبت إليه، فسميت بـ”المدارس النظامية”، وهي تعدّ أول نوع من المؤسسات العلمية والمدارس التعليمية النظامية ظهرت في تاريخ الإسلام، وقد هيأ لطلابها أسباب العيش والتعليم. وكان الطلاب يتناولون فيها الطعام، وتجري على كثير منهم رواتب شهرية.
وهنا برز مفهوم المدارس النظامي والمدارس غير النظامية
والنظامي هنا بمعنى : هو ذلك التعليم الذي يتلقاه المتعلمون في المدرسة أو الجامعة، وغالبا ما يعرف بالتعليم المدرسي أو الجامعية .وفيه يلتحق الناس بشكل منتظم يشكل هذا التعليم عادة “سلما” متواصلا من التعليم الكاملة والانتقال فيه من مرحلة لمرحلة ويعرف بالتعليم الاكاديمي …
اما التعليم غير النظامي : فهو أي منظومة تعليم لا تراعي التسلسل فيها ، مثل معاهد اللغات ، محو الامية ، التدريب بغرض التوظيف …الخ …
لأهمية التعليم في البناء والنهضة لأي امة فإن أو ما تؤسسه أي دولة هو منظومة التعليم ، فأول ما تم تأسيسه في إسرائيل هو الجامعة العبرية لماذا ؟
لان التعليم يستهدف 3 أبعاد أساسية هي :
– نقل المعرفة .
– نقل المهارات في الحياة وفي العمل .
– التوجيه السلوكي … ( وهو الأخطر والاهم لان فيه يتم تأسيس القيم في المجتمع او الامة )
فمن خلال التعليم تبني أسس احترام قيم واخلاق المجتمع والأمة …
فمن خلال التعليم أنت تبني …
او من خلاله انت تدمر …
البناء في التعليم يأخذ وقتا ومراحل
والهدم في التعليم يأخذ وقتاً ومراحل
وسأخوض معكم لاحقا مراحل التعليم واهميتها بحسب العمر … لكن دعن أخوض معكم فكرة التفريق بين التعليم والتدريب أولا كلا الاطارين هما يندمجان في اطار واحد وهو التعلم والذي يستهدف نقل المعرفة والمهارة والتوجيه ..
لكن في اطار التعليم يكون الهدف عاماً ومسلسلاً ويخدم مجموعة القيم والمعارف للمجتمع والأمة
أما في التدريب وهو الفرق الجوهري بينهما أي التعليم والتدريب يستهدف أمرين :
– تطوير الأعمال والوظائف
– خلق أعمال أو وظائف جديدة
لماذا التدريب ؟
كما ذكرت سابقا بأن التعليم له مدى طويل ويحتاج لوقت زمني ولسنوات لتأسيس الغرض التعليمي ، أما اليوم فنحن بحاجة لأدوات أسرع لنقل المعرفة في مجال محدد وفي زمن أقل ، والتدريب يفعل ذلك …
دعني أوضح هذا بمثال افتراضي :
لو افترضنا أن صائغ ذهب له في العمل أكثر من 25 سنة حتى صار لديه القدرة على التفريق بين الذهب الأصلي والمقلد بمجرد النظر اليه أو لمسه .
إنه صائغ واحد … لكي نحصل على مثيل له سنحتاج لفترة زمنية قريبة من عمره لنصحل على نفس الخبرة …
فلو افترضنا أننا استوعبنا خبرة الرجل وقدرته وصنعنا بها برنامجا تدريبياً ويحتوي على خلاصة معرفته وتجاربه واضفنا لها الأدوات والأنشطة المناسبة … ثم دربنا الآخرين عليها فإن التدريب سيأخذ مننا نفترض شهر أو شهرين … فإننا نقلنا تلك المعرفة والمهارة لآخرين ..
نقلنا لهم نعم …! لكن المهارة لا يمكن ان تكتسب الا بالممارسة وبالتالي هناك احتمال اكبر من 50% بأن من تدرب سيجرب ويمارس وان 10% فقط سيصلون في فترة ممارسة لا تزيد عن سنة لمستوى قريب من مستوى هذا الخبير وهنا فإننا ضمنا تكرار التجربة وعدم اختفائها بل وكرسناها في وقت قياسي …
وأول من وضع أسس التدريب ومعاييره هي العسكرية الامريكية عند رغبتها في التوسع في الحرب العالمية الثانية 1941 ومن ذلك ان يقوم كل جندي مارينز بتدريب 10 مجندين مستجدين على المهارات القتالية بصورة لا تتجاوز اسابيع ، وبالفعل تضخم عدد اقوات المارينز في فترة قياسية بشكل صارت تلك القوات هي الأكبر والأكثر عدداً في اقل من سنتين لتصبح كما أراد لها مؤسسوها (قوات القارات ) حيث نقرأ للرئيس واشنطن وهو يقول عن البحرية الامريكيةسنة 1776 )) في ظلام الليل الدامس, نحتاج القوة والسفن البحرية فبدونها ليس لنا شيء ومعها لنا النصر والكرامة.((
وهذه ما صنعه التدريب لنقل التجربة وتطوير الاعمال في كوريا الجنوبية ، ماليزيا ، اليابان … وغيرها ..
لكن رغم هذا كما فإن التدريب يسهم في التطور الوظيفي أو خلق وظائف جديدة ،لكن التوجيه السلوكي له هو فيما يخدم تلك الوظائف او الاعمال .. وسيبقى هناك نقص فيه ويظل التعليم هو المحور لبناء منظومة الاخلاق …
ولذا نجد أنه وفي عالم الاعمال تطور علم جديد يأخذ مجاله في اطار التعليم والتدريب هو الارشاد ..وبرز في الارشاد نواحي عدة منها الارشاد النفسي والإرشاد التربوي والإرشاد للأعمال، ومنظومة بناء الذات و…
ويعني الارشاد الإرشاد التربوي هو مساعدة الطالب أو المريد على اكتشاف قدراته وإمكانياته ، ومعاونته في تصميم خطته واختياره لأفضل الحلول ،ومساعدته في التغلب على أية صعوبات قد تعترض مساره ، ومساعدته كذلك على التكيف مع بيئته عن طريق إمداده بالمعلومات الكافية ..
فالمرشد يمكن اعتباره (عراب ) أو ما يسمى المراقب أو المربي أو monitor
ونعود لنفس البداية أننا نبحث عن المعلم …
ذلك المربي الذي اختفى من حياة أبنائنا اليوم …
إن أكبر كارثة تواجه أ مجتمع هو انهيار الاخلاق والقيم فيه وهنا يدق الجرس لنتعرف على بعض النقاط السلبية التي ساهمت في حدوث ذلك الخطر
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ولأن الموضوع طويل وسيكون لهذا المقال بقية إن شاء الله
