تربية بيننا وبينهم …عبدالرحمن الشهيب!
مقال : عبدالرحمن الشهيب ..
..الأولاد منذ أن يدخلوا المنزل يرمون كل شيء في أيديهم …
حقائبهم المدرسية،
أحذيتهم،
بقايا فسحتهم…
ثم يصيح الصبي ذو العاشرة في وجه الخادمة الآسيوية:
‘جيبي لي مويه’،
فتركض فزعة لتحضر كوب الماء لهذا الصبي المأفون .. وهو في الواقع لا يريد ماء ، بقدر ما كان يريد أن يلقي أوامر ..!
أطفالنا ما أطول ألسنتهم أمام أمهاتهم والخادمات ، ولكنهم أمام الكاميرا يصبحون كالأرانب المذعورة، لا أدري كيف يحدث هذا.؟
الكسل أحلى من العسل..
ماذا جنى الأولاد والبنات من هذا الكسل ؟
لا شيء سوى الطفش!
دائماً صغارنا وكبارنا ونسائنا طفشانين..
السبب : لأنهم لا يعملون شيئاً..
من لا يتعب لا يحس بطعم الراحة .. ومن لا يجوع لا يحس بطعم الأكل..
كل مشاوير بيتزاهت وماكدونالد لم تعد تسعد صغارنا ، ولم يبق إلا متعة صغيرة في النوم في بيت الخالة ، والتي لا يسمح بها دائماً.. ولذلك بقي لها شيء من المتعة!
هذا السيناريو هو السائد في معظم المنازل السعودية والخليجية..
المصيبة لا تحدث الآن ، ولكنها تحدث بعد عشرين سنة من التبطح، تكون نتيجتها: بنت غير صالحة للزواج..
وولد غير صالح لتحمل أعباء الزواج هو الآخر .. لأنه ببساطة : غياب تحمل المسؤولية لمدة عشرين عاماً لا يمكن أن يتغير من خلالها الابن بسبب قرار الزواج ، أو بسبب تغير سياسة المنزل، لأن هذه خصال وقدرات إذا لم تبن وتزرع مع الزمن فإنه من الصعوبة بمكان استعادتها.
الانضباط ممارسة يومية لا يمكن أن تقرر أن تنضبط في عمر متأخرة لكي يحدث الانضباط. وبلا انضباط لا يمكن أن تستقيم حياة.
بيل غيتس، أغنى رجل في العالم يملك 49 ألف مليون دولار ، أي ما يعادل 180 ألف مليون ريال سعودي ، ويعمل في منزله شخصان فقط ..! تخيلوا لو كان بيل غيتس خليجياً كم سيعمل في منزله من شغاله؟ 80، 90 ،100 !
أذكر أيام دراستي في أمريكا أنني سكنت مع عائلة أمريكية ثرية ولم يكونوا يأكلون في ماكدونالد إلا مرة واحدة في الشهر ، وتحت إلحاح شديد من أولادهم،
ولم يكن أولادهم يحصلون على مصروف إلا عن طريق العمل في شركة والدهم عن أجر بالساعة..
لا أحد ‘يبعزق’ الدراهم على أولاده كأهل الخليج.
جيل الآباء الحاليين في الخليج عانى من شظف العيش وقسوة التربية فجاء الإغداق المالي والدلال على الجيل الحالي بلا حدود كتعويض عن حرمان سابق.
حتى أثرياء عرب الشام ومصر أكثر حذراً في مسألة الصرف على أولادهم.
الآن أجيال كثيرة في الخليج قادمة للزواج لن تستطيع تحمل الأعباء المالية لخادمة، حتى وإن كانت خادمة بيت الأهل تقوم بهذا الدور مؤقتاً فإنها لن تستطيع على المدى الطويل..
والابن الفاضل سيتأفف من أول مشوار لزوجته الجديدة ثم تبدأ الشجارات الصغيرة والكبيرة التي تتطور وتصل للمحاكم وتنتهي بالطلاق ، وهذا مايفسر ارتفاع معدلات الطلاق في المملكة والخليج في السنوات الأخيرة.
نحن في الخليج كمن يلعب مباراة كرة قدم ، ومهزوم فيها تسعة/ صفر وفي الدقيقة 88 من الشوط الثاني للمباراة لا يريد أن يتعادل فقط بل يريد أن يفوز ..! وهذا في حكم المستحيل .. هذا ما يحدث بالضبط في الخليج على المستوى الأسري ، وأحياناً على المستوى الدولي ..
الحياة كمباراة كرة القدم إذا أردت أن تكسبها، فلابد أن تعد نفسك لها إعداداً جيداً بالتدريب والممارسة الجيدة ، والأهم من ذلك أن تلعب بجد من الدقيقة الأولى من المباراة وليس في الدقيقة 88..!
في الخليج يعيشون الحياة على طريقة ( تتدبر) ! ، في المجتمع المدني يجب أن تدبر أمورك مبكراً ، وفي أمور الحياة يجب أن تبذل عمرك كله..
الطفل الذي يرمي حقيبته بجانب أقرب جدار في المنزل سيدفع ثمن هذه اللامبالاة حينما يكبر ومن أصعب الأشياء تغيير الطبائع والسلوك.
قولة : ( تتدبر )’ هذه قد تصلح قديماً في زمن الغوص ،
وزمن الصحراء ،
والحياة في انتظار المطر،
ولكنها لا تصلح للحياة المدنية التي تحتاج إلى انضباط ومنهج . وتدبير منا نحن في كل شؤون حياتنا منذ الدقيقة الأولى من المباراة!
الآن من نلوم على هذه اللامبالاة، هل نلوم النفط؟
أم الآباء أم الأمهات، أم الأولاد أم البنات؟